بوتن بلا خيارات

بروجيكت سنديكيت

2025-10-22 03:37

بقلم: كارل بيلدت

ستوكهولم ــ من الواضح أن نتيجة الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا لا تشكل أهمية كبرى لمستقبل هاتين الدولتين فحسب، بل مستقبل أوروبا بأكملها. إن السبب الجذري وراء الصراع يتمثل في هوس الرئيس الروسي فلاديمير بوتن باستعادة مكانة بلاده كقوة إمبراطورية. كانت روسيا القديمة إمبراطورية شديدة المركزية، أو ما أسماه لينين "سجن الأمم". وبالفعل، يلقي بوتن باللوم على لينين عن انكسار النظام الإمبراطوري القديم والسماح لأوكرانيا بأن تجد لنفسها طريقا خاصا.

لكن بوتن لم يكن يحرز نجاحا كبيرا في تحقيق رؤيته. فعندما أرسل أكثر من 100 ألف جندي إلى أوكرانيا في فبراير/شباط من عام 2022، توقع معظم المراقبين ــ بما في ذلك جُـلّ الخبراء الذين يعرفون الجيش الروسي حق المعرفة في الغرب ــ انتصارا سريعا. ولكن بعد ثلاث سنوات ونصف، اختفت معظم قوة الغزو الأولية تلك. ربما أصبح لدى بوتن الآن ثلاثة أضعاف عدد الجنود المجندين حديثا المتمركزين على طول الخطوط الأمامية، لكنه يسيطر على أقل من 20% من أراضي أوكرانيا.

لم يكن أحد ليتوقع أن يكون أداء الجيش الروسي بهذا السوء، والسؤال الآن هو ما إذا كان ليتسنى لبوتن أي سبيل لكسب الحرب. خياره الأول هو الاستمرار في تحقيق هدفه الأصلي: إلحاق هزيمة عسكرية صريحة بأوكرانيا. لكن طبيعة الحرب تغيرت بدرجة كبيرة خلال السنوات القليلة الأخيرة. فبسبب التغيرات التكنولوجية السريعة على الجانبين، أصبح الدفاع أفضل من الهجوم. فالاحتفاظ بالأراضي أسهل كثيرا من الاستيلاء على مزيد منها.

في حين حققت أوكرانيا تفوقا تكنولوجيا، فإن روسيا تلحق بها سريعا، وقد استهدف كل من الجانبين على نحو متزايد بنية الطاقة الأساسية الحيوية لدى الطرف الآخر. لكن احتمال تمكن الجيش الروسي من إلحاق الهزيمة بالجيش الأوكراني بات ضئيلا للغاية. يتباهى بوتن بالتقدم التدريجي ــ كما حدث عندما جمع قادته مؤخرا في سان بطرسبرج لوضع الزهور على قبر بطرس الأكبر ــ لكن هذه المكاسب تفتقر إلى قدر كبير من الأهمية الاستراتيجية. فعلى مدار عامين تقريبا، لم يتمكن الجيش الروسي من تنفيذ أي عمليات هجومية ذات أهمية، والدلائل قليلة على تغير هذه الحال.

كان الخيار الثاني أمام بوتن متمثلا في إقناع الرئيس الأميركي دونالد ترمب بفرض تسوية لصالح روسيا، على غرار الاتفاق الذي أبرمه هتلر مع نيفيل تشامبرلين وإدوارد دالادييه في عام 1938 للحصول على جزء من تشيكوسلوفاكيا. ولهذا السبب استثمر بوتن الكثير في تملق ترمب والتلويح بالعديد من الإغراءات المالية مثل الاستثمارات الجديدة في الموارد الطبيعية الروسية. وكاد الأمر ينجح. فقد اقترب بوتن من الحصول على مبتغاه في الاجتماع المشؤوم مع ترمب في ألاسكا. ولكن سرعان ما تدخل قادة أوروبا، وأفضى دعمهم اللاحق لأوكرانيا إلى عرقلة هذا الخيار بشكل فعال.

يتمثل سبيل ثالث للنصر في كسب الوقت والأمل في أن يتلاشى الدعم الأوروبي. مع نضوب معين المساعدات المالية والعسكرية الأميركية لأوكرانيا إلى حد كبير في عهد ترمب، يقع العبء بأكمله الآن على عاتق الأوروبيين (وقليل من الآخرين). وهذا ليس بالأمر الهين. نحن نتحدث عن 60-80 مليار يورو (70-93 مليار دولار) سنويا، أي 0.2-0.3% من الناتج المحلي الإجمالي الأوروبي.

لكن الدعم السياسي الأوروبي المقدم لأوكرانيا قوي. وفي حين أنه من غير المرجح أن تساهم دول تعاني من ضائقة مالية مثل فرنسا، وإسبانيا، وإيطاليا بالكثير من الناحية المالية، فإن النرويج، التي استفادت بشدة من الارتفاع الكبير في أسعار الطاقة بسبب الحرب، قادرة على التعويض عن قسم كبير من التمويل الأميركي المفقود. علاوة على ذلك، من الممكن أن يساعد اقتراح تقديم قرض لأوكرانيا بقيمة 140 مليار يورو مدعوم بأصول روسية مجمدة في بلجيكا في دعم اقتصاد أوكرانيا وإنتاجها الدفاعي. ورغم أن الخطة المقترحة معقدة، فإن تحقيقها قابل للتنفيذ بوضوح إذا توفرت الإرادة السياسية الكافية.

إذا لم يتمكن الجيش الروسي من تحقيق النصر، وإذا لم يتمكن ترمب من إجبار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على الخضوع ما دام الدعم المالي الأوروبي قائما، فلن يكون أمام الكرملين أي طريق إلى النصر يمكنه التعويل عليه. وبرغم أن القيادة الروسية تبدو غافلة تماما عن هذا الواقع، فإن النهاية لا فكاك منها.

بطبيعة الحال، ما سيحدث بعد ذلك سؤال مفتوح للتكهنات. فقد يحاول بوتن التصعيد، برغم أنه لا يملك خيارات جيدة تسمح له بذلك. أو قد يوافق في نهاية المطاف على وقف إطلاق النار ويحاول إلباس الأمر ثوب النصر. لكن أي نهاية للحرب ــ أو لمرحلتها النشطة ــ حيث تظل أوكرانيا محتفظة بالسيادة ومستقلة ستمثل خسارة لبوتن. ففي حين تشكل الأرض أهمية واضحة، فإن السيادة هي القضية الأساسية.

بعد ذلك، سيكون تأمين وإعادة بناء أوكرانيا التي تظل محتفظة بسيادتها مهمة صعبة، لكنها بكل تأكيد ليست مهمة مستحيلة. وسوف تشمل هذه العملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وإجراء إصلاحات اقتصادية عميقة، واتخاذ وضعية دفاعية قوية لردع أي عدوان في المستقبل.

في هذا السيناريو، سيكون المسار الوحيد القابل للتطبيق من جانب قيادة الكرملين الحالية هو التخلي عن حلمها الإمبراطوري والتركيز على تقوية روسيا كدولة قومية واحدة من بين دول كثيرة. وكلما أسرع من هم في السلطة في الوصول إلى هذا الإدراك، كلما كان ذلك أفضل لروسيا وجيرانها.

* كارل بيلدت، وزير الخارجية السويدي من 2006 إلى اكتوبر 2014، ورئيس الوزراء 1991-1994، الرئيس المشارك للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.

https://www.project-syndicate.org

ذات صلة

البِطانة السيئة فايروس المشاهيراستغلال موارد الدولة في الانتخابات العراقيةصناعة النائب المسؤولقمة شرم الشيخ أعادت للعراق موقعه الاستراتيجيتحجيم المناهج الدراسية لتسطيح العقول النامية