الصين تُـصَـدِّر دولة المراقبة بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي
بروجيكت سنديكيت
2024-07-28 04:19
تورينو- ذات يوم، قال الرئيس الأميركي جورج بوش الأب: "لم تكتشف أي دولة على وجه الأرض طريقة لاستيراد سلع وخدمات العالم وفي الوقت ذاته إيقاف الأفكار الأجنبية عند الحدود؟" في عصر حيث هيمنت الديمقراطيات على الحدود التكنولوجية، كانت الأفكار التي دارت في ذهن بوش هي تلك المرتبطة بنموذج الاقتصاد السياسي الذي تتبناه أميركا.
لكن الآن بعد أن أصبحت الصين دولة رائدة في الإبداع والابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي، فهل يعمل ذات التكامل الاقتصادي على تحريك البلدان في الاتجاه المعاكس؟ هذا السؤال وثيق الصلة بالدول النامية، لأن كثيرا منها ليست فقط هشة مؤسسيا، بل وأيضا مرتبطة على نحو متزايد بالصين عبر التجارة، والمساعدات الخارجية، والقروض، والاستثمارات.
على الرغم من الإشادة بالذكاء الاصطناعي باعتباره الأساس لـ"ثورة صناعية رابعة"، فإنه يجلب أيضا كثيرا من التحديات الجديدة إلى الصدارة. تملك تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي القدرة على دفع النمو الاقتصادي في السنوات المقبلة، لكنها أيضا قادرة على تقويض الديمقراطيات، ومساعدة الحكام المستبدين في سعيهم إلى فرض سيطرتهم الاجتماعية، وتمكين "الرأسماليين من أنصار المراقبة" الذين يتلاعبون بسلوكنا ويستفيدون من آثار البيانات التي نتركها على الإنترنت.
وبما أن الصين نشرت على نحو استفزازي تكنولوجيا التعرف على الوجوه القائمة على الذكاء الاصطناعي لدعم دولة المراقبة التي تديرها، فقد شرعنا مؤخرا في استكشاف أنماط هذه التكنولوجيا والعواقب السياسية المترتبة على المتاجرة فيها. بعد إنشاء قاعدة بيانات للتجارة العالمية في تكنولوجيا التعرف على الوجوه بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي من عام 2008 إلى عام 2021، وجدنا 1636 صفقة من 36 دولة مُـصَـدِّرة إلى 136 دولة مُـسـتَـوّرِدة.
من مجموعة البيانات هذه، نوثق ثلاثة تطورات. أولا، تتمتع الصين بميزة نسبية في تكنولوجيا التعرف على الوجوه بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي. وهي تصدر إلى ما يقرب من ضعف عدد الدول التي تصدر إليها الولايات المتحدة (83 مقابل 57 رابطا)، وصفقاتها التجارية أكثر بنحو 10% (238 مقابل 211).
علاوة على ذلك، نجد أن ميزتها النسبية في تكنولوجيا التعرف على الوجوه بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي أكبر من نظيرتها مع صادراتها من تكنولوجيات رائدة أخرى، مثل المواد المشعة، والتوربينات البخارية، والليزر وغير ذلك من عمليات الحِـزَم الضوئية.
برغم أن عوامل مختلفة ربما ساهمت في ميزة الصين النسبية، فإننا نعلم أن الحكومة الصينية جعلت الهيمنة العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي هدفا تنمويا واستراتيجيا صريحا، وأن صناعة التعرف على الوجوه بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي استفادت من طلبها على تكنولوجيات المراقبة، التي تحصل غالبا على إمكانية الوصول إلى مجموعات ضخمة من البيانات الحكومية.
ثانيا، نجد أن الأنظمة الاستبدادية والديمقراطيات الضعيفة أكثر ميلا إلى استيراد تكنولوجيا التعرف على الوجوه بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي من الصين. وفي حين تصدر الولايات المتحدة هذه التكنولوجيا بشكل أساسي إلى ديمقراطيات ناضجة (والتي تمثل ما يقرب من ثلثي روابطها، أو ثلاثة أرباع صفقاتها)، تصدر الصين كميات متساوية تقريبا إلى ديمقراطيات ناضجة وأنظمة استبدادية أو ديمقراطيات ضعيفة.
هل تمارس الصين تحيزا استبداديا، أو أنها ببساطة تصدر كميات أكبر إلى أنظمة استبدادية وديمقراطيات ضعيفة من مختلف المنتجات؟ عندما قارنا صادرات الصين من تكنولوجيا التعرف على الوجوه بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي بصادراتها من تكنولوجيات رائدة أخرى، وجدنا أن تكنولوجيا التعرف على الوجوه بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي هو التكنولوجيا الوحيدة التي تُظهِر فيها الصين تحيزا استبداديا. من الملحوظ بذات القدر أننا لم نجد مثل هذا التحيز عند التحقيق في حالة الولايات المتحدة.
أحد التفسيرات المحتملة لهذا الاختلاف هو أن الأنظمة الاستبدادية والديمقراطيات الضعيفة ربما تتجه إلى الصين بشكل خاص للحصول على تكنولوجيات المراقبة. وهذا يقودنا إلى النتيجة الثالثة التي توصلنا إليها: الأنظمة الاستبدادية والديمقراطيات الضعيفة تصبح أكثر ميلا لاستيراد تكنولوجيا التعرف على الوجوه بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي من الصين في السنوات حيث تشهد اضطرابات داخلية.
توضح البيانات أن الديمقراطيات الضعيفة والأنظمة الاستبدادية تميل إلى استيراد تكنولوجيات المراقبة القائمة على الذكاء الاصطناعي من الصين ــ ولكن ليس من الولايات المتحدة ــ أثناء سنوات الاضطرابات، وليس بشكل استباقي أو بعد وقوعها. وتتبع الواردات من التكنولوجيات العسكرية نمطا مماثلا. على النقيض من ذلك، لا نجد أن الديمقراطيات الناضجة تزيد من وارداتها من تكنولوجيا التعرف على الوجوه بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي في الاستجابة لاضطرابات.
يتعلق سؤال أخير بالتغييرات المؤسسية الأعرض في هذه البلدان. يُظهر تحليلنا أن الواردات من تكنولوجيات المراقبة الصينية القائمة على الذكاء الاصطناعي أثناء نوبات من الاضطرابات الداخلية يرتبط بالفعل بحقيقة مفادها أن الانتخابات في الدولة المستورِدة أصبحت أقل نزاهة، وأقل سلمية، وأقل مصداقية في مجمل الأمر. ويبدو أن نمطا مماثلا ينطبق على الواردات من تكنولوجيات المراقبة الأميركية القائمة على الذكاء الاصطناعي، وإن كان تقدير هذه النتيجة أقل دقة.
في الوقت ذاته، لا نجد أي ارتباط بين الواردات من تكنولوجيات المراقبة القائمة على الذكاء الاصطناعي والجودة المؤسسية بين الديمقراطيات الناضحة. لذا، بدلا من تفسير نتائجنا على أنها التأثير السببي الذي يخلفه الذكاء الاصطناعي على المؤسسات، فإننا ننظر إلى الواردات من تكنولوجيات المراقبة القائمة على الذكاء الاصطناعي وتآكل المؤسسات المحلية في الأنظمة الاستبدادية والديمقراطيات الضعيفة كنتيجة مشتركة لسعي النظام إلى تعظيم سيطرته السياسية.
من المثير للاهتمام أننا نجد أيضا أدلة تشير إلى أن الأنظمة الاستبدادية والديمقراطيات الضعيفة التي تستورد كميات ضخمة من تكنولوجيات المراقبة الصينية القائمة على الذكاء الاصطناعي أثناء الاضطرابات أقل ميلا إلى التطور إلى ديمقراطيات ناضجة مقارنة بالبلدان النظيرة التي تستورد كميات متدنية من تكنولوجيات المراقبة القائمة على الذكاء الاصطناعي. وهذا يشير إلى أن التكتيكات التي توظفها الأنظمة الاستبدادية خلال أوقات الاضطرابات ــ استيراد تكنولوجيات المراقبة القائمة على الذكاء الاصطناعي، وتقويض المؤسسات الانتخابية، واستيراد التكنولوجيات العسكرية ــ قد تكون فعالة في ترسيخ الأنظمة غير الديمقراطية.
ويضيف بحثنا إلى الأدلة التي تفيد بأن التجارة لا تعزز دوما الديمقراطية أو تحرر الأنظمة. بل إن تكامل الصين بدرجة أكبر مع العالم النامي قد يؤدي إلى العكس تماما.
يشير هذا إلى الحاجة إلى فرض ضوابط تنظيمية أكثر صرامة على تجارة الذكاء الاصطناعي، والتي من الممكن أن يأتي تصميمها على غرار الضوابط التنظيمية التي تحكم سلعا أخرى تنتج تأثيرات خارجية سلبية. بقدر ما يُـدَرَّب الذكاء الاصطناعي المتحيز استبداديا على بيانات جرى جمعها لغرض القمع السياسي، فإنه يشبه السلع المنتجة من مدخلات غير أخلاقية المصدر، مثل عمالة الأطفال. وبما أن تكنولوجيات المراقبة القائمة على الذكاء الاصطناعي قد تكون لها تأثيرات خارجية سلبية لاحقة، مثل خسارة الحريات المدنية والحقوق السياسية، فإنها لا تختلف كثيرا عن التلوث.
مثلها كمثل كل التكنولوجيات ذات الاستخدام المزدوج، تنطوي تكنولوجيا التعرف على الوجوه بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي على إمكانية تعظيم الفوائد التي تعود على المستهلكين والشركات. لكن الضوابط التنظيمية يجب أن تكون مصممة بعناية لضمان نشر هذه التكنولوجيا الرائدة في مختلف أنحاء العالم دون تسهيل التحول إلى الحكم الاستبدادي.