التكتيكات الأميركية مقابل الاستراتيجية الصينية
بروجيكت سنديكيت
2023-09-30 04:55
بقلم: ستيفن روتش
نيوهافين ــ تتميز المناقشة الدائرة حول الفارق بين التكتيكات والاستراتيجية بالثراء بقدر ما تتسم بالاستمرار والدوام. في مقاله الـمُـلـهِـم الذي نشرته مجلة هارفارد بزنس ريفيو، تناول مايكل بورتر من جامعة هارفارد هذه القضية بشكل مباشر. ورغم أن تركيزه كان منصبا على إدارة الأعمال، فإن الحجج التي ساقها يمكن توظيفها على نطاق أوسع كثيرا ــ بما في ذلك المنافسة الصينية الأميركية اليوم.
مَـيَّـزَ بورتر بين "الكفاءة التشغيلية" والاستراتيجية، زاعما أن الشركات الـفَـطِـنة أصبحت متمرسة في الأولى، لكنها قَـصَّـرَت في الثانية. كما أوضح التباين الحاد بين الأدوات التكتيكية ــ مثل قياس الأداء، وإعادة الهندسة، وإدارة الجودة الشاملة ــ والاستراتيجيات التنافسية التي تسعى إلى "اختيار مجموعة مختلفة من الأنشطة لتقديم مزيج فريد من القيمة".
قبل ما يقرب من 2500 عام، قَـدَّمَ الاستراتيجي العسكري الصيني سون تزو منظورا عميقا بذات القدر. في كتابه "فن الحرب"، كتب سون تزو، "الاستراتيجية بدون تكتيكات هي الطريق الأبطأ إلى النصر"، مؤكدا على التكامل بين هذين الجانبين من عملية صنع القرار العسكري. لكن سون تزو أشار أيضا بأن "التكتيكات بدون استراتيجية هي الضجيج الذي يسبق الهزيمة" ــ وهذا تحذير من التركيز على أهداف قريبة الأمد.
على الرغم من الدور الذي لعبه بورتر في صياغة المناقشة الحديثة حول الاستراتيجية، فإن النظام السياسي الأميركي اليوم لا يطيق صبرا على التفكير الطويل الأجل. لم تكن هذه هي الحال دوما. فقد ابتكر جورج كينان، بصفته دبلوماسيا أولا ثم في وقت لاحق كأكاديمي، استراتيجية الاحتواء التي استخدمتها الولايات المتحدة ضد الاتحاد السوفييتي أثناء الحرب الباردة. وقَـدَّمَ أندرو مارشال، بصفته رئيسا لمكتب تقييم التوازن العسكري في وزارة الدفاع الأميركية، أفكارا مبتكرة حول الاستراتيجية العسكرية الأميركية. وبالطبع، كان هنري كيسنجر الخبير والممارس الأعظم لِـما أُطْـلِـق عليه مُـسَـمّـى "الاستراتيجية الكبرى".
لكن هذه كانت استثناءات وليست القاعدة. فمنذ سَـخَـرَ الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الأب من "مسألة الرؤيا" قبل الانتخابات الرئاسية في عام 1988، أصبحت الاستراتيجية تحتل مكانة متدنية في واشنطن. وأصبح المردود اللحظي في استطلاعات آراء مجموعات التركيز المتقلبة على نحو متزايد "النجم الهادي" لقرارات السياسة الأميركية.
هذه هي الحال بشكل خاص في الصراع الصيني الأميركي، الذي تحول على مدار السنوات الخمس الأخيرة من حرب تجارية إلى حرب تكنولوجية، ثم إلى المراحل المبكرة من حرب باردة جديدة. الواقع أن تقرير القسم 301، المنشور في مارس/آذار 2018، وضع إطارا لنهج أميركا التكتيكي في التعامل مع خصمها الصيني، مُـلـمِـحا إلى التدابير الصارمة التي كان من المفترض أن تتخذ قريبا.
يتناقض هذا بشكل صارخ مع نهج الصين الأكثر استراتيجية، والذي تجسد في خططها الخمسية ومبادرات السياسة الصناعية الأطول أمدا، مثل برنامج صُـنِـع في الصين 2025 المثير للجدال، وخطة العمل "إنترنت +"، وخطة تطوير الجيل الجديد من الذكاء الاصطناعي. وسواء شئنا أو أبينا فإن هذه المبادرات الموجهة نحو تحقيق أهداف بعينها تأتي كاملة مع مقاييس تهدف إلى تحديد المسار من النقطة أ إلى النقطة ب.
لكن الولايات المتحدة كانت تركز بشكل أكبر على معاقبة الصين لأنها تتحدى قواعد ومعايير النظام العالمي ــ ومحاسبتها على سبيل المثال عن انتهاك شروط انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية في أواخر عام 2001. وقد اتخذ هذا هيئة التعريفات الجمركية والعقوبات ــ التي فرضتها الولايات المتحدة من جانب واحد ــ والتي أعقبها انتقام سريع من جانب الصين.
منذ بداية الحرب التجارية في منتصف عام 2018، كانت التكتيكات الأميركية ضد الاستراتيجية الصينية. يخلف هذا التباين عواقب بالغة الأهمية، وخاصة على ما يسمى "حرب الهواتف"، الجبهة الجديدة في الصراع التكنولوجي الصيني الأميركي. جاءت الطلقة الأولى في أغسطس/آب الماضي، عندما باغتت هواوي (شركة التكنولوجيا الرائدة في الصين) الولايات المتحدة بإطلاق هاتفها الذكي الجديد Mate 60 Pro. لا شك أن توقيت الإطلاق اختير عمدا ليتزامن مع زيارة وزيرة التجارة الأميركية جينا ريموندو إلى بكين.
كشفت عملية تفكيك أجرتها منصة TechInsights بتكليف من بلومبرج نيوز أن الهاتف الذكي الصيني الجديد مدعوم بشريحة Kirin 9000s بحجم 7 نانومتر جرى تصنيعها بواسطة SMIC، الشركة الصينية الرائدة في مجال تصنيع أشباه الموصلات. ورغم أن هذه الشريحة لا تزال متخلفة عن iPhone 15 من إنتاج شركة أبل، الذي يعمل على شريحة بحجم 3 نانومتر، فقد صدم هذا الاختراق التكنولوجي من جانب شركة هواوي المسؤولين الأميركيين الذين يركزون على العقوبات بتقديم مُـنـتَـج محلي أصلي بقدرات تشبه شبكات الجيل الخامس من الاتصالات.
هذا ما يحدث عادة في صراع حيث يركز أحد الجانبين على التكتيكات في حين يركز الأخر على الاستراتيجية. ولا ينبغي أن يكون من المستغرب أن تستجيب شركة هواوي استراتيجيا للحملة التكتيكية العدوانية التي تشنها أميركا لتقييد أعمالها الأساسية وملحقاتها في سلاسل التوريد. عندما وضعت وزارة التجارة الأميركية شركة هواوي لأول مرة على قائمة الكيانات لضوابط التصدير في عام 2019 ــ وكانت ضربة موجعة لهاتف الشركة الذكي الذي كان مهيمنا على السوق ذات يوم ــ فإنها بهذا اضطرت الشركة الأكثر كثافة في تنفيذ مشاريع البحث والتطوير في الصين إلى التحرك السريع. ولم يكن بورتر ليطلب المزيد.
كان النهج التكتيكي الذي تبنته أميركا في التعامل مع قطاع التكنولوجيا الصيني موجها نحو الاندماج العسكري المدني في الصين؛ وكان المقصود من ذلك منع توظيف التكنولوجيات ذات الاستخدام المزدوج في إنتاج الأسلحة. وقد حذرت ريموندو ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان من أن الولايات المتحدة ربما تستخدم ذات المنظور لتقييم الهاتف الجديد Mate 60 Pro. هذا يعني أن الولايات المتحدة ربما تستهدف بشكل مباشر أيضا أداة معلومات المستهلك النهائية في الصين، مع ما قد يخلفه هذا من عواقب سلبية محتملة على نموذج النمو الصيني الذي يعتمد على المستهلك والذي طالما فضله أغلب أهل الاقتصاد في الغرب، وأنا منهم.
لكن الصين ليست منزوعة المخالب والأنياب في حرب الهواتف. فتحت ستار مشكوك فيه من المخاوف الأمنية، بدأت تقييد شراء أجهزة آيفون من جانب المسؤولين الحكوميين، وهناك تلميحات إلى أنها قد توسع نطاق الحظر ليشمل العاملين في الشركات المملوكة للدولة. لن يمر هذا دون عواقب مؤثرة على الشركة الأكثر قيمة في أميركا، خاصة وأن السوق الصينية تمثل ما يقرب من 20% من إجمالي إيرادات شركة أبل العالمية. الخطر الأعظم على الإطلاق يتمثل في اعتماد شركة أبل على الصين باعتبارها قاعدة الإنتاج والتجميع الرئيسية، على الرغم من المحاولات المبكرة لنقل العمليات إلى الهند وفيتنام.
في النهاية، من الصعب أن نسوق الحجج سواء لصالح بورتر أو سون تزو. الحق أن التكتيكات ليست كافية للتعويض عن الافتقار إلى الفِـكر الاستراتيجي. وما عليك إلا أن تسأل شركة هواوي وسوق الهواتف الذكية الأكبر في العالم. ولتحاول إخبار واشنطن بذلك.