المملكة العربية السعودية: خطوات خارج السيطرة

د. حسين أحمد السرحان

2023-04-17 07:35

بقلم: جون ب الترمان (Jon B. Alterman)، نقلا عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)/ واشنطن.
ترجمة: د. حسين احمد دخيل/ مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية

ليس من المفاجئ أن الكثير من اهتمام واشنطن بالاتفاق السعودي الإيراني الذي جرى في العاشر من آذار لاستعادة العلاقات الدبلوماسية يركز على الصين. فبعد كل شيء، وفي الوقت الذي يتركز فيه النقاش الأمني الأمريكي بشكل متزايد على منافسة القوى العظمى، ترى واشنطن ان اداء الصين دورًا دبلوماسيًا غير مسبوق في الشرق الأوسط، يُعد امراً كبيراً.

ولكن من خلال إيلاء الكثير من الاهتمام للصين، يخاطر الأمريكيون بفقدان الجزء الأكثر أهمية من هذه الاتفاقية وهو الدور الإقليمي المتغير للمملكة العربية السعودية. فأسبوع من الدبلوماسية المتكاملة للمملكة العربية السعودية اظهرها على انها ممثل دبلوماسي مبدع وماهر. فالصورة الشعبية للمملكة العربية السعودية في الولايات المتحدة هي صورة المستهلك السلبي الى حد كبير للأمن الذي توفره الولايات المتحدة. والآن تخلت المملكة العربية السعودية عن سلبية عقود عديدة، وظهرت أنها قوة دبلوماسية لا يستهان بها.

من المفيد، في البداية، أن نتذكر بالضبط ما تعنيه وما لا تعنيه للمملكة العربية السعودية وإيران عودة العلاقات الدبلوماسية بينهما. كانت لديهم علاقات دبلوماسية في عام 2011، عندما اتُهم إيرانيان بالتآمر لاغتيال السفير السعودي في واشنطن آنذاك، عادل الجبير. وكانت لديهما علاقات دبلوماسية في عام 2015 عندما أسفر التدافع في مكة عن مقتل 400 حاج إيراني، وشجب المسؤولون الإيرانيون عدم كفاءة السعوديين بينما تدفق الحشود على شوارع طهران وهم يهتفون "الموت لآل سعود". وكانت لديهما علاقات دبلوماسية في عام 2016 عندما قطعت السعودية رأس رجل دين سعودي شيعي بارز كان ينتقد العائلة المالكة (نمر النمر). الا ان أعمال الشغب في السفارة السعودية في طهران بعد الإعدام قادت الى قطع العلاقات. في ذلك الوقت، كما هو الحال الآن، انخرط البلدان في صراعات تمتد من اليمن الى العراق وسوريا ولبنان والبحرين وحتى المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية. وعلى الرغم من ان هناك تطورا تدريجيًا في العلاقات، وان لكل منهما قدر كبير يمكن أن يعطيه للآخر، الا ان الشك المتبادل عميق جدًا ايضا.

ومن المفيد أيضا التذكير، انه بالوقت الذي بُذلت فيه الجهود لاستكشاف أرضية مشتركة بين الجانبين. بدأ رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي الجهود منذ عامين، وواصلها العمانيون، وكانت الولايات المتحدة وفرنسا ودول أخرى داعمة لتلك الجهود، واستأنفت الكويت والإمارات العربية المتحدة العلاقات الثنائية في آب الماضي، وبدأ التقارب السعودي الإيراني منذ سنوات.

سيكون من غير المعقول أن نقول ان كل ما قدمته الصين كان يخدم عملية التفاوض، ولكن من الصعب أيضًا تخيل أن الصين فعلت الكثير لطمأنة أي من الجانبين أو للضغط عليه. وتاريخ الصين الدبلوماسي في الشرق الأوسط هو سجل في السعي للمشاركة من دون تدخل عميق. كما سعت الصين الى لعب دور أكثر نشاطًا في الدبلوماسية العربية الإسرائيلية، حيث تشجع كلا الجانبين على إظهار الاحترام المتبادل والسعي الى حلول مربحة للجانبين. لقد كانت الصين طرفًا في الاتفاق النووي الإيراني، اذ شجعت بالمثل جميع الأطراف على إظهار الاحترام المتبادل والسعي الى حلول مربحة للجانبين. ناقش البعض بأنه بما أن الصين تمثل حوالي 30% من التجارة العالمية لإيران، فإن للصين نفوذ على طهران. لكن الصين ليس لديها سجل في استعدادها للتضحية بمصالحها الخاصة في السعي لتحقيق بعض مصالح للدول اخرى. وتستخدم الصين علاقاتها الثنائية لتعزيز مصالحها -أحيانًا مع الدول نفسها، وأحيانًا مع دول أخرى (مثل الولايات المتحدة)، ولا يوجد سبب للاعتقاد بأن الصين ستتصرف بشكل مختلف في هذه الحالة، ولا يوجد دليل يشير الى أنها وعدت بذلك على الإطلاق.

من منظور إيراني، تمثل الاتفاقية تنفيذ الاستراتيجية التي تم الإعلان عنها عندما تولى الرئيس إبراهيم رئيسي منصبه في آب/ 2021 وهي (تقليل التركيز على التوصل الى اتفاق مع القوى الغربية والتركيز على جيرانها). لكن لا يبدو أن إيران قد كسبت الكثير في هذا الجوار، اذ وعدت في الغالب بتقديم تنازلات منها سيتم سحب بعض الوكلاء الإقليميين. وفي الوقت نفسه، يستمر الاقتصاد الإيراني في الترنح، وتتسبب العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة بخسائر فادحة، وتواصل الوكالة الدولية للطاقة الذرية حملتها على البرنامج النووي الإيراني. وربما تكون المملكة العربية السعودية قد وافقت على الحد من أنشطة البث لقناة إيران الدولية المناهضة للنظام، وهناك بعض الأحاديث الفضفاضة عن الاستثمار، لكن بشكل عام، لم يكن الإيرانيون هم الرابحون الكبار من هذا الاتفاق.

في المقابل، جاء السعوديون في المقدمة في هذا الاتفاق. وخطة الحملة، إذا كان يمكن تسميتها، استمرت أسبوعًا. اذ سربت الحكومة السعودية أنها كانت تستكشف العلاقات مع إسرائيل، وأظهرت في الوقت نفسه انفتاحها وصلابتها. في اليوم التالي، أعلنت عن الصفقة في بكين. ثم تبع الصفقة في بكين بسرعة الإعلان عن إطلاق صندوق الاستثمارات العامة السعودي شركة طيران جديدة، ثم تبع ذلك بعد يومين إعلان عن شراء 78 طائرة بوينج عريضة البدن على الأقل.

تم ترتيب الأحداث والإعلان عن الاتفاق على مدار الأسبوع ليكون له تأثير معين. كان الأهم هو إظهار أن المملكة العربية السعودية لديها ولاية مستقلة على مستقبلها. لقد فعلت أكثر من مجرد تسليم انتصار دبلوماسي للصين، زبونها النفطي الرئيس. وهذا الانتصار كان من المفترض أن تروق للولايات المتحدة -الضامن الأمني الرائد للسعودية، وتضع إسرائيل -الشريك المحتمل -تحت الملاحظة. وعززت صفقة بوينج ليس فقط أن المملكة العربية السعودية لاعب اقتصادي جاد، ولكن أيضًا اكدت على استعدادها للعمل بشكل مستقل ودون مجموعة متشابكة من المفاوضات الدبلوماسية والتنازلات.

إن الطريقة التي ننظر بها الى دبلوماسية المملكة العربية السعودية في آذار هي بمثابة دحض لدبلوماسية تشرين الأول، والتي كانت أقل مهارة بكثير. بعد ذلك، فاجأت المملكة العربية السعودية البيت الأبيض عندما دفعت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك +) والمنتجين المتحالفين معها (أوبك +) الى خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميًا في الأسابيع التي سبقت انتخابات التجديد النصفي للولايات المتحدة. ان كون ذلك مخالفًا لتوجهات البيت الأبيض هو أمر ثانوي، لكن العنصر الأكثر أهمية بالنسبة للمملكة العربية السعودية هو وجود حليف رئيس يشعر بالخيانة والكذب عليه في وقت حساس. في مقابلة مع شبكة CNN، وعد الرئيس بايدن "بالعواقب"، رغم أنه لم تأت العواقب أبدًا.

هذه المرة، تجاهلت إدارة بايدن اهتمامها في الغالب. أشار مستشار الأمن القومي جيك سوليفان إلى حوار مستمر مع السعوديين حول مفاوضاتهم مع إيران، وقال وزير الخارجية أنتوني بلينكين خلال مؤتمر صحفي، "من وجهة نظرنا، أي شيء يمكن أن يساعد في تقليل التوترات، وتجنب الصراع، وكبح جماح الأعمال الخطيرة أو المزعزعة للاستقرار من جانب إيران بأي شكل من الأشكال أمر جيد ".

كانت إدارة أوباما مغرمة بالقول إن الشرق الأوسط بحاجة الى إيجاد توازن خاص به، حيث واصلت الدول المتضادة سابقًا التنافس فيما بينها، ومع ذلك تم احتواء منافستها وانخرطوا مع بعضهم البعض في مواجهة التهديدات المشتركة. وكان ضمنيًا في هذه الرؤية شعور بأن الولايات المتحدة ستلعب دورًا داعمًا ولكن أقل نشاطًا، وستتحمل الدول في المنطقة (منها إيران والسعودية) مزيدًا من المسؤولية عن أمنها ومستقبلها.

لقد فعلت المملكة العربية السعودية ذلك بالضبط، وأصبح لها يدها الكاملة في إدارة انخراطها الجديد مع إيران، وكبح مجموعة متنوعة من الإجراءات الإيرانية في جميع أنحاء المنطقة. وستحاول ضمان بقاء الصين متورطة، ودفع إيران للوفاء بالتزاماتها. ومن المرجح أن تنخرط بشكل أكثر فاعلية في الدبلوماسية لإنهاء مشاركتها التي استمرت ثماني سنوات في اليمن، وستحتاج الى العمل مع الجيران، وخاصة الإمارات العربية المتحدة، لمواءمة السياسة في كل من قضايا الأمن والطاقة. وستحتاج المملكة العربية السعودية الى الانخراط بعمق وبطريقة مستدامة مع الولايات المتحدة، التي تستمر ضماناتها الأمنية حيوية للدفاع عن المملكة.

من المحتمل أن تكون هذه بداية حقبة جديدة من الدبلوماسية السعودية، وهذا سيعني المزيد من العمل بالنسبة للسعوديين. ومثل معظم الدبلوماسية، من المرجح أن تكون العديد من انتصاراتها جزئية. لكن الى درجة لم نشهدها منذ عقود، بدأ السعوديون يخرجون من سيطرة القوى العظمى بمفردهم.

* مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2023
www.fcdrs.com

......................................
رابط المقال الاصلي:
https://www.csis.org/analysis/saudi-arabia-steps-out

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي