محاولات ردع المهاجرين لا تفلح.. وعلى أوروبا أن تفتح أبوابها
وكالات
2015-09-08 12:57
روبرت يانج بيلتون
(رويترز) - خلال الصيف الحالي فر ربع مليون إنسان عبر البحر المتوسط على مراكب صغيرة وأطواف. أغرى المهربون المهاجرين ودفعوا بهم إلى مراكب صيد متهالكة ووجهوهم للاتجاه شمالا وطلب المساعدة عندما يتجاوزون حقول البوري النفطية الليبية ويصلون إلى الممرات الملاحية الدولية.
ببساطة يأمل المواطنون من سوريا وإريتريا ونيجيريا وإثيوبيا وجامبيا والصومال وبنجلادش وعشرات غيرها من الدول ألا يلقون حتفهم وهم يتجهون شمالا وسط الظلام. وتشتري بعض الأسر عوامات أحواض السباحة لإبقاء أطفالها على قيد الحياة وبعضها يدفع مبلغا إضافيا للجلوس على سطح المركب بينما ينسحق الآخرون أسفلهم إذ يستخدمهم المهربون ثقلا بشريا لتوازن المركب.
ولهؤلاء الذين لا يتحملون نفقات العبور على مراكب صيد من مصر أو تونس توجد أطواف مطاطية محلية الصنع. وفي كثير من الأحيان تمزق الألواح الخشبية الرقيقة في أرضية المركب المطاط ما يؤدي إلى غرق الركاب في البحر على بعد أميال من الشاطئ. ويعرض المهاجرون أنفسهم لهذه الرحلة التي قد تفضي بهم إلى الهلاك لأنه لا توجد وسيلة آمنة للخروج من محنتهم. فهم يجازفون بأرواحهم في البحر وهم يعلمون أنهم سيواجهون بلية غضب شعوب جنوب أوروبا - هذا إذا وصلوا فعلا إلى البر.
ها نحن نشهد عولمة الحدود حيث يعتبر الناس العالم بأسره مكانا يختارون منه الموضع الذي يستهدفون فيه حياة أفضل. وقد لا يتفق أغلب الناس مع هذا الرأي لكن أزمة المهاجرين تبرهن أنه لا حيلة للحكومات في منعها.
ويستطيع الاتحاد الأوروبي بسهولة استخدام موارده لإجراء عمليات الفرز المسبق وتنظيم نقل الناس جوا إلى المناطق التي يريدونها. لكنه يوجه اللوم بدلا من ذلك للمهاجرين لا للنظام الذي يدفع بهم للموت. وتتسبب الوفيات في سخط عام ما يؤدي بدوره إلى عمليات إنقاذ تؤدي إلى ردود أفعال معاكسة عندما ينتهي الحال بالوافدين الجدد للضغط على النظم الاجتماعية وأجهزة الشرطة في أوروبا. ثم يشدد الساسة مواقفهم ويقيمون الحواجز إلى أن يسقط المزيد من القتلى بفعل المهربين قساة القلوب المتبلدين فتبدأ الدورة من جديد.
وبكل بساطة لم تستطع أوروبا ولن تستطيع ولا تقدر على وقف طوفان البشر الساعين لحياة أفضل. ولذلك فعليها أن تتعامل مع هذا الوضع بأسلوب إنساني وقانوني وبسرعة.
القوارب هي أبرز الوسائل أمام المهاجرين وأكثرها استماتة للوصول إلى أوروبا. ويصيب الذعر الركاب في عرض البحر فيندفع كثيرون منهم إلى أحد جانبي المركب عندما يرون النجدة فتنقلب مراكبهم ويغرق الموجودون في الأسفل ومن لا يستطيع العوم. وما صرخاتهم إلا الموسيقى التصويرية لعمليات الإنقاذ اليومية في البحر المتوسط.
وقد قام موقع مايجرانت ريبورت دوت أورج الذي أتولى نشره بتوثيق هذا الرعب. وتتلخص البشاعة بصفة خاصة في صور الأطفال الغرقى.
والرأي السياسي أن حوادث الغرق هي في حد ذاتها رادع لمن يفكرون في الهجرة رأي أجوف باطل. فهي ليست كذلك. بل من المدهش في واقع الأمر أن العدد الأكبر من 59 مليون نازح في مختلف أنحاء العالم وكذلك شعوب أفريقيا والشرق الأوسط مجتمعة لا يتجهون إلى أوروبا.
فحركة البشر من الأوضاع الرديئة إلى أوضاع أفضل تبدأ في أفريقيا والشرق الأوسط. وطبقا لبيانات مفوضية الأمم المتحدة للاجئين فإن 63 في المئة من كل المهاجرين إلى أوروبا سوريون. وقد أخرجت الحرب في سوريا وحولها تسعة ملايين إنسان من بيوتهم. ومنذ بدأت الحرب في مارس آذار 2011 لم يسمح بالفعل بدخول أوروبا سوى لعدد 150 ألفا.
وأصيب قارئو الأخبار بالصدمة لرؤية مئات الغرقى من المهاجرين في النصف الأول من هذا العام. أما الآن وقد بدأت البحريات الإيطالية والايرلندية والبريطانية وجماعات خاصة مثل محطة المساعدة البحرية للمهاجرين (إم.أو.ايه.إس) تجوب البحر المتوسط فقد أصبحت عمليات الإنقاذ في البحر أكثر شيوعا.
وتستخدم إم.أو.ايه.إس (التي أعمل بها مستشارا) مركب صيد من ألاسكا وفرق بحث وإنقاذ محترفة بالإضافة إلى أطباء من جماعة أطباء بلا حدود لإنقاذ المهاجرين المعرضين لخطر الغرق. وقد أسس كريستوفر وريجينا كاترامبون هذه المؤسسة التي لا تهدف للربح عام 2014 عندما كانت 30 إلى 40 في المئة من عمليات الإنقاذ تقوم بها سفن تجارية كبيرة وزوارق صغيرة لخفر السواحل والسفن الكبيرة للبحريات. والغرض الوحيد لمؤسسة إم.أو.ايه.إس هو إنقاذ المنكوبين في عرض البحر. وحتى الآن أنقذت أكثر من عشرة آلاف رجل وامرأة وطفل.
وتسير إم.أو.ايه.إس طائرات كامكوبتر دون طيار من طراز شيبل إس-100 داخل المجال الجوي الليبي حتى يمكنها التعرف على المهاجرين الذين يواجهون أزمة وتصل إليهم سريعا. والمؤسسة وغيرها جزء من حملة إنقاذ بحري منسقة تذكر بأزمة القوارب الفيتنامية عام 1979 بعد سقوط سايجون أو حتى عملية الإنقاذ في دنكيرك.
وحتى الآن في 2015 وصل أكثر من 250 ألفا إلى أوروبا بحرا وغرق أكثر من ألفين وهم يحاولون الوصول. وسبب وجود هذه الحركة العائمة الجماعية أن أوروبا رفضت حتى الآن معالجة الطوفان البشري الهائل الواصل إلى حدود الاتحاد الأوروبي معالجة سليمة.
وتوضح استطلاعات الرأي أن نحو 80 في المئة من جنوب أوروبا الذي يتحمل العبء الأكبر للهجرة لا يرغب في هؤلاء الوافدين الجدد. أما شمال أوروبا فأكثر ترحيبا بأعداد تبلغ نحو نصف هذا العدد. وقد شكلت آراء الناخبين في الأزمة سياسة التشدد في أوروبا وهو ما يمكن رؤيته في صور الأسر التي أطلق عليها الغاز المسيل للدموع وهي تحاول عبور الأسلاك الشائكة في مقدونيا والمهاجرين الممنوعين من ركوب القطارات في بودابست أو يعيشون في أكواخ متهالكة مثل "الغابة" خارج كاليه.
وإذا لم يقبل هؤلاء اللاجئون ضمن العدد الضئيل من أماكن اللجوء في أوروبا فليس أمامهم مكان آخر يتوجهون إليه في نظام يعتبرهم "غزوا" والبحر المتوسط كأنه خندق مائي على غرار خنادق العصور الوسطى. حان وقت تغيير الوضع لأن المشكلة بقيت كما هي بكل عناد بل وتتزايد بوتيرة سريعة. فقد بلغ عدد المهاجرين الذين دخلوا أوروبا في الاشهر الستة الأولى من 2015 مثلي العدد الذي دخل في عام 2014 بأكمله.
وعلى النقيض من أمريكا فإن أوروبا ليست معتادة على الهجرة ولذلك فإن بعض الدول تفضل الموت البطيء من الداخل على احتضان النمو الذي تجلبه معها هذه الموجة. فالدول التي تعارض المستوطنين الجدد أشد المعارضة لديها إحصاءات قاتمة. إذ أن سكان المجر ولاتفيا وأوكرانيا وبلغاريا ودول كثيرة يتناقصون بل ويشيخون. وبعض الدول مثل اسبانيا لديها بالكاد معدلات نمو ملحوظة. وفي إيطاليا حيث النمو السكاني ضعيف بالمثل توجد قرى جبلية ترحب بالمهاجرين لدعم الاقتصاد وسكنى البيوت الخاوية.
ويذكر وضع المهاجرين اليوم بما كان عليه الحال قبل 70 عاما عندما أبحر ملايين الأوروبيين في سفن إلى أمريكا واستراليا وكندا. وتخلق كل موجة من موجات الهجرة الخوف والاستياء لكن المهاجرين يشكلون في نهاية الأمر نسخة جديدة من البلد الذي أتوا إليه.
وهذا الأسبوع بعد اكتشاف 71 قتيلا من المهاجرين في شاحنة لنقل اللحوم في النمسا وغرق أطفال رضع قبالة الساحل الليبي رأينا زعماء العالم أخيرا يحاولون شيئا مختلفا. فقد وجه بان جي مون الأمين العام للأمم المتحدة نداء شخصيا يستحث فيه على "الرحمة والإنسانية". ودافعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن المهاجرين قائلة إن "حرية الانتقال مبدأ أساسي من مبادئ أوروبا". وأعلن رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس أن "مسؤوليتنا جميعا هي ضمان احترام حق اللجوء... في كل مكان. فلا يمكن لأحد أن يتفاداه بالأسلاك الشائكة."
وإلا فلتدمروه مع المراكب الغارقة.