ينبغي أن يكون اليمن عاملاً في السياسة الأميركية حياله
مجموعة الازمات الدولية
2020-10-17 07:34
تنظر إدارة ترامب في تصنيف التيار الحوثي في اليمن تنظيماً إرهابياً، استجابة إلى مناشدات حلفائها وكجزء من الحملة الأميركية لممارسة "أقصى درجات الضغط" على إيران. يبدو من غير المرجح أن تفضي الفكرة إلى تقليص نفوذ طهران، بل من شأنها أن تلحق ضرراً دبلوماسياً بآفاق تحقيق السلام.
ذكرت واشنطن بوست في 25 أيلول/سبتمبر أن المسؤولين الأميركيين ينظرون في خطوة جديدة ذات تبعات محتملة في إطار مقاربة واشنطن حيال اليمن: إما تصنيف الحوثيين – وهو الاسم الذي يستعمله معظم اليمنيين لوصف المجموعة المتمردة التي تسيطر على العاصمة صنعاء وجزء كبير من شمال غرب اليمن وتسمي نفسها أنصار الله – تنظيماً إرهابياً أجنبياً أو تسمية قادة حوثيين معينين وتصنيفهم بشكل خاص إرهابيين عالميين.
عندما تصنف واشنطن مجموعة بوصفها منظمة إرهابية أجنبية، فإنها تجعل الدعم المادي لتلك المجموعة جريمة، وتجمد أصولها وتحظر على أعضائها دخول الولايات المتحدة. تبعات تصنيف شخص على ذلك النحو مشابهة لكنها أقل ضرراً بقليل. ورغم أن هناك معايير تقنية للتصنيف، يقول المسؤولون إن الحوثيين يحققونها بشكل كبير، فإن القرار بتسمية مجموعة أو فرد هو في المحصلة قرار سياسي – ومن الصعب جداً عكسه. وانسجاماً مع ما ذكرته واشنطن بوست، يقول مسؤولون أميركيون ودبلوماسيون غير أميركيين لمجموعة الأزمات إن التحرك يصاغ في المداولات الداخلية بوصفه تعبيراً عن حملة إدارة ترامب بممارسة "أقصى درجات الضغط" على طهران. ويقول آخرون إن النقاشات المتعلقة بالتصنيف مدفوعة بطلبات مباشرة من السعودية والإمارات العربية المتحدة، الدولتان الخليجيتان الملكيتان اللتان تقودان التحالف الذي تدخّل ضد الحوثيين، الذين انتزعوا السيطرة على صنعاء من الحكومة المعترف بها دولياً في أيلول/سبتمبر 2014، ما أشعل الحرب الأهلية الدائرة حالياً.
ليس هناك إجماع داخل الحكومة الأميركية على دعم فكرة التصنيف هذه؛ حيث يقال إن عدداً من المسؤولين في جميع مفاصل السلطة التنفيذية يعارضون هذا التحرك، ويجادلون بأنه قد يعيق الجهود الدبلوماسية الهشة في اليمن، ويدفع الحوثيين بشكل أكبر إلى حضن إيران، ويفاقم الأزمة الإنسانية ويتسبب بتصعيد للصراع. وفي حين يصعب تخيّل احتمال ألا يكون أنصار التصنيف قد فكروا في التبعات التي سيحدثها على الدبلوماسية أو على مسار الحرب اليمنية، لا يبدو أن مثل تلك التبعات تقلقهم.
للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً أسبابها في السعي للحصول على تصنيف كذاك للحوثيين، وهو ما أوضحته في مقالة افتتاحية كتبها وزير الإعلام معمر الإرياني في 6 تشرين الأول/أكتوبر. فمسؤولوها يرون في مثل ذلك التصنيف طريقة للتأكيد على موقفهم بأنهم السلطة الشرعية الوحيدة في اليمن – ويقول أحد المسؤولين إن الحوثيين يشكلون "سلطة غير شرعية"، وسيعزز التصنيف المكانة القانونية لهذا الحكم. كما يعتقد هؤلاء المسؤولين أن التصنيف سيلحق الضرر بجهود الحوثيين الرامية إلى تحويل سيطرتهم بحكم الأمر الواقع على شمال اليمن إلى نوع من الوضع المعترف به دولياً. يبدو أن للحوثيين اليد العليا عسكرياً، حيث أحكموا قبضتهم على المرتفعات اليمنية ذات الكثافة السكانية العالية وصنعاء، وفي الشهور الأخيرة، بدأوا بانتزاع السيطرة على مناطق جديدة في الشمال. وتعتقد الحكومة أن تصنيفهم تنظيماً إرهابياً سيمنح ثقلاً أكبر لها ولحلفائها ببعث رسالة إلى حلفاء الحوثيين بأن التنظيم لا يمتلك احتمالات البقاء على المدى البعيد، وأنه سيمنح نفوذاً أكبر للأمم المتحدة، بما يسمح لها بأن تقدم للحوثيين مساراً نحو إلغاء التصنيف مقابل تنازلات سياسية وعسكرية.
ومن المرجح أن السعودية ترى ميزات مشابهة في التصنيف؛ فعلى مدى السنوات الخمس الماضية، حث المسؤولون السعوديون في أوقات مختلفة الولايات المتحدة لزيادة دعمها العسكري لمجهودهم الحربي، وجادلوا بأن فعل ذلك سيحول مسار الأحداث ضد المتمردين. لكن لم يكن هناك على الأغلب رغبة كبيرة سواء لدى إدارة أوباما أو إدارة ترامب لتوسيع الانخراط في حرب إقليمية أخرى مكلفة وقد لا يكون من الممكن تحقيق الانتصار فيها، خصوصاً في وجه مقاومة الكونغرس بإجماع الحزبين.
بمرور الوقت، استنتج السعوديون أنه من غير المرجح لمقاربة عسكرية بحتة أن تنجح. لكن مع وجود الحوثيين في موقع عسكري مهيمن، فإنهم حاولوا إيجاد طريقة للضغط على المتمردين للموافقة على حل يعجب الرياض – أي، حل يمنح الرياض مخرجاً من الحرب يحفظ ماء وجهها ويعالج هواجسها المتعلقة بأمن الحدود، وعلاقة الحوثيين مع إيران ووصول التنظيم إلى الصواريخ البالستية. وكحال الحكومة اليمنية، يبدو أن السعوديين يعتقدون بأن التصنيف قد يضعف موقف الحوثيين وبالتالي يجبرهم على تقديم تنازلات أكبر. وقد عبر عدة مسؤولين خليجيين عن آراء مماثلة لنظرائهم الغربيين، طبقاً لما قاله دبلوماسيون لمجموعة الأزمات.
تواجه الولايات المتحدة مشكلة خاصة بها فيما يتعلق بنفوذها في اليمن، مشكلة تشعر المسؤولين على مستوى العمل المباشر بإحباط عميق. بالنظر إلى أن الولايات المتحدة هي الضامن الأمني الرئيسي للسعودية ومزودها الرئيسي بالأسلحة، فإنها تستطيع أن تضغط على المسؤولين في الرياض لتقديم تنازلات، خصوصاً أن يتذرعوا، وبشكل يمكن تصديقه، بمعارضة الكونغرس ورغبته بإنهاء الدور الأميركي المحدود في القتال. على العكس من ذلك، فإن واشنطن تتمتع بقدر ضئيل، أو معدوم، من النفوذ لدى الحوثيين، المعزولين أصلاً سياسياً واقتصادياً، ويفهمون أن الولايات المتحدة لا ترغب بانخراط أكثر عمقاً في الحرب.
قد تحظى هذه الاعتبارات بدعم كبار صناع السياسات الأميركيين أو لا تحظى، لكن من المرجح أن تبقى المسألة موضع أخذ ورد. لا يبدو أن الدافع الرئيسي للإدارة له علاقة تذكر باليمن، بل له علاقة كبيرة بإيران؛ فقد سعت إدارة ترامب منذ أيامها الأولى إلى تقليص النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط من خلال الضغط والأعمال العقابية. يذكر أن وزير الخارجية مايك بومبيو، على وجه الخصوص، يرى في التصنيف أداة أخرى يمكن استخدامها كجزء من حملة ممارسة "أقصى درجات الضغط" ضد إيران – وهي حملة شهدت فرض واشنطن لجملة واسعة من العقوبات الأحادية على طهران في محاولة للحد من نفوذها في الشرق الأوسط، ويمكن لتصنيف الحوثيين تنظيماً إرهابياً، أو تصنيف كبار القادة الحوثيين كأفراد، أن يسمح للإدارة بإظهار تصميمها مرة أخرى على ملاحقة إيران وحلفائها الإقليميين.
لكن من المرجح أن يكون للتصنيف تبعات سلبية على عملية السلام في اليمن. فعلى المستوى العملي، يتسبب فرض تصنيف الإرهاب على التنظيمات والأفراد في نشوء عوائق قانونية تجعل من الصعب على الوسطاء القيام بالعمل الدبلوماسي اللازم للتوصل إلى اتفاق سلام. على سبيل المثال، فبموجب قيود الدعم المادي الناجمة عن تصنيف مجموعة ما تنظيماً إرهابياً أجنبياً، يصبح تقديم أي ممتلكات أو خدمات للتنظيم أو أفراده – بما في ذلك النقل، والسكن، والمشورة أو المساعدة بالخبرات، جريمة. ورغم وجود طرق للالتفاف على ذلك في بعض الحالات، فإن عمليات الحظر هذه يمكن أن تحدث أثراً مجمِّداً لجهود الأمم المتحدة والوسطاء الخارجيين الآخرين.
كما أن تصنيف التنظيم سيلحق الضرر أيضاً بالعلاقات الاقتصادية وعمليات النقل التي تبقي جائعي اليمن على قيد الحياة وتسمح على الأقل بتواصل دبلوماسي محدود مع كبار القادة الحوثيين في صنعاء. الحوثيون موجودون في أكثر موانئ اليمن نشاطاً، وهو ميناء الحديدة، وفي العاصمة، بما في ذلك المطار الوحيد العامل في شمال غرب البلاد، ويفرضون سيطرة كبيرة على الكيانات التجارية مثل المصارف وشركات الاتصالات. فبتعريض الشركات التي تتعامل مع الحوثيين للمساءلة الجنائية الأميركية أو للعقوبات الاقتصادية، فإن التصنيف من شأنه أن يضعف بشدة، أو حتى يوقف تقريباً، التجارة الدولية مع اليمن، حيث يعيش معظم السكان، وبالتالي تعميق ما هو أصلاً أكبر أزمة إنسانية في العالم. حيث ستزداد، على سبيل المثال، الصعوبات التي تواجهها الطائرات التي تستأجرها الأمم المتحدة لنقل المساعدات في الهبوط في صنعاء والانطلاق منها.
كما قد يكون هناك تبعات أخرى غير مقصودة؛ فقد علق الدبلوماسيون العاملون على الملف اليمني آمالهم في إنهاء الحرب على حدوث تقارب حوثي – سعودي، الأمر الذي يصعب تخيله إذا أدت الضغوط السعودية إلى تصنيف الحوثيين تنظيماً إرهابياً. بعض المسؤولين الحوثيين يرون في الأمم المتحدة أصلاً منفّذاً للسياسة الأميركية، وقد يحمّلون الأمم المتحدة مسؤولية التواطؤ في هذا التحرك، ما سيغرق اليمن في فراغ دبلوماسي. وبالإضافة إلى القرار الأميركي الأخير بتجميد التمويل للمساعدات في شمال اليمن، فإنه سيعمق أيضاً الانطباع في أوساط الحوثيين وأنصارهم بأن الولايات المتحدة مشارك راغب، بل حتى متحمس، في الحرب الاقتصادية التي يقولون إن الحكومة اليمنية والتحالف الذي تقوده السعودية يشنانها عليهم. ومن المرجح أن يستخدم المتمردون هذا التصنيف كدعوة أخرى لحشد التأييد ضد ما يسمونه عدواناً خارجياً.
وفي الوقت نفسه، فإن التصنيف لن يغير تقييم الحوثيين لتوازن القوى؛ حيث لا يرى التنظيم في الحرب صراعاً دام خمسة أعوام، بل بوصفه أحدث مرحلة في الحرب التي يخوضها منذ ستة عشر عاماً. ويعتقد أن لديه القدرة على الصمود وانتظار زوال المواقف الحالية التي تتخذها الولايات المتحدة والسعودية. في مقابلة مع مجموعة الأزمات في أواخر أيلول/سبتمبر، قال المسؤول الحوثي الرفيع، محمد علي الحوثي، إن التصنيف سيكون مجرد تحرك سياسي أميركي صرف لتبرير دورها ودور السعودية في الحرب. ولاحظ أن الولايات المتحدة أُجبرت في النهاية على التفاوض على تسوية مع طالبان بعد عقدين تقريباً من تصنيف بعض قادة التنظيم كإرهابيين.
عندما يتعلق الأمر بإيران، فإن القادة الحوثيين أبلغوا مجموعة الأزمات وآخرين مراراً وتكراراً بأنهم يرون مسارين أمامهم: صفقة تنهي الحرب، يتمتعون بموجبها بعلاقات "طبيعية" مع السعودية والقوى الإقليمية والدولية الأخرى (بما فيها إيران)؛ أو المزيد من الحرب واستمرار اقترابهم من المحور الذي يسمي نفسه "محور المقاومة" الذي تقوده إيران. إن التصنيف سيؤكد شكوك الحوثيين بنوايا الولايات المتحدة وحلفائها، ومن شأنه أن يدفعهم بشكل أعمق إلى الحضن الإيراني.
الحوثيون ليسوا أبرياء بالدرجة التي يصورون أنفسهم بها. والحكومة محقة بالقول إن المتمردين يسيطرون على المناطق التي يمسكون بها بالقوة، ويقوضون عملية الانتقال السياسي التي تقودها الأمم المتحدة. يدير الحوثيون شيئاً أشبه بدولة بوليسية في شمال اليمن، وكحال جميع أطراف الصراع، من المرجح أن يكونوا قد ارتكبوا سلسلة من انتهاكات القانون الدولي الإنساني على مدى مسار الصراع. إلا أن وحشية الحرب تجعل إنهاءها والعودة إلى السياسة أمراً أكثر إلحاحاً – ويبدو أن التصنيف سيؤدي على الأرجح إلى إطالة أمد الصراع بدلاً من تقليصه.
لم يؤدِّ تعميق عزلة الحوثيين وحرمانهم الاقتصادي، حتى الآن، إلى تخفيف قبضة المتمردين على المناطق التي يسيطرون عليها، وإجبارهم على التوصل إلى تسوية أو تغيير موقفهم من الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين. ومن غير المرجح أن تؤدي مضاعفة هذه الخطوات إلى إحداث نتائج مختلفة باستثناء تقليص النفوذ المحدود الذي تمتعت به الولايات المتحدة حتى الآن على الحوثيين أساساً. وإذا أرادت الولايات المتحدة إنهاء النفوذ الإيراني في اليمن، لا يبدو أن جعل الحوثيين أكثر اعتماداً على طهران للحصول على الدعم السياسي والاقتصادي يمثل الوسيلة الأكثر حكمة لفعل ذلك. من الغريب أن يجادل المرء في قضية أن اليمن ينبغي أن يكون عاملاً في السياسة الأميركية حياله.