بماذا ندين للعمال الأساسيين
بروجيكت سنديكيت
2020-07-20 02:29
بقلم: دارون أسيموغلو
بوسطن ــ كان العمال من ذوي الأجور المتدنية، الذين يشكلون ما يقرب من نصف قوة العمل في الولايات المتحدة موضع إهمال لفترة طويلة، وكانوا متأخرين على نحو ثابت عن العمال من ذوي التعليم العالي في توسيع الصناعات مثل التكنولوجيا، والتمويل، والترفيه. منذ سبعينيات القرن العشرين، ظلت الأجور الحقيقية (المعدلة تتبعا للتضخم) راكدة بين الرجال في سن النضوج الحاصلين على تعليم أقل من الجامعي، كما انحدرت بشكل كبير بين أولئك الحاصلين على التعليم الثانوي أو أقل.
يجد العديد من هؤلاء العمال أنفسهم على الخطوط الأمامية في الحرب ضد جائحة كوفيد-19، حيث يخدمون كممرضين في المستشفيات، ومساعدين في دور رعاية المسنين، وعمال في المستودعات ومجال توصيل الطلبات، وموظفين في محال البقالة. والآن بعد التقدير (المتأخر) الساحق لمساهماتهم في الاقتصاد والمجتمع، أصبح السؤال ما إذا كانت أميركا قادرة على استغلال هذه اللحظة لتحويل الأمور لصالح المنتمين إلى فئة الـ 50% الأدنى.
الواقع أن التغيير ممكن، لكنه ليس مضمونا. في عصر سياسة التمويل الضخم وسحق العمل النقابي، انكمشت القوة التفاوضية التي يتمتع بها العمال من ذوي الأجور المتدنية ــ وخاصة الأقليات ــ إلى جانب ثرواتهم الاقتصادية. لنتأمل هنا الحد الأدنى للأجور الفيدرالية: عند مستوى 7.25 دولارا في الساعة، سجل الحد الأدنى انحدارا بأكثر من 30% بالأرقام الحقيقية منذ عام 1968. يجب أن تكون الخطوة الأولى إذن رفع الحد الأدنى إلى 12 دولارا في الساعة. هذا من شأنه أن يؤدي إلى زيادة في الدخل عند القسم الأدنى من توزيع الدخل، ومن المرجح أن يخلف تأثيرا ضئيلا على العمالة الإجمالية.
يتمثل تحد آخر أصعب في استعادة قدرة العمال التفاوضية. على الرغم من أن القرارات السياسية على مدار السنوات الأربعين الأخيرة تسببت بلا شك في إضعاف العمالة المنظمة، فإن تراجع النقابات يعكس أيضا تطورات مزمنة أوسع نطاقا. ومن المحتمل أن يتطلب عكس هذا الاتجاه الاستعانة بأشكال تنظيمية جديدة.
تمثل التكنولوجيا أكبر عقبة أمام تحسين أحوال العمال من ذوي الأجور المتدنية. ولأن الاقتصاد الأميركي أصبح أكثر أتمتة مما كان عليه في سبعينيات القرن العشرين، فإن الضغط لصالح أجور أعلى من شأنه أن يشجع الشركات على تبني المزيد من التكنولوجيات الموفرة للعمالة مثل الروبوتات والذكاء الاصطناعي.
لكن رفع الحد الأدنى للأجور ليس الخيار الوحيد. لقد أصبحت الأتمتة (التشغيل الآلي) التي تحل محل العمالة غالبة لأننا تبنينا سياسات واستراتيجيات تشجعها بقوة.
على سبيل المثال، يحابي قانون الضرائب الأميركي بقوة رأس المال، مما يولد حافزا قويا للشركات لإحلال الآلات محل العمال. عندما تستأجر شركة ما عاملا، تقوم الحكومة بتحصيل كل من ضرائب الدخل والرواتب، فيزيد بالتالي اتساع الفجوة بين ما يدفعه أصحاب العمل وما يعود به العمال إلى بيوتهم. فالشركات تدفع أقل عندما تنشر الآلات، لأن الدخل الرأسمالي يخضع لقدر أقل كثيرا من الضرائب، كما تقدم الحكومة إعانات دعم ضمنية للاستثمارات الرأسمالية من خلال علاوات الاستهلاك المتسارعة، مما يزيد من ميل الكفة ضد العمال.
لكن المشكلة لا تتوقف عند هذا الحد. في قطاع التكنولوجيا، يعتمد نموذج الأعمال السائد بشكل كبير على إزالة العمل البشري من المعادلة الاقتصادية (هذه هي الطريقة التي تمكنك من "التحرك بسرعة وتكسير الأشياء"، على سبيل الاستعارة من شعار فيسبوك المبكر). تواجه هذه الشركات قيودا قليلة في ملاحقة هذا النموذج، خاصة وأن حكومة الولايات المتحدة تخلت عن دورها التقليدي في تشكيل اتجاه البحث العلمي والإبداع التكنولوجي.
الواقع أن العمال من ذوي الأجور المتدنية ليسوا الضحايا الوحيدين لهذا التغيير. فمع تضاؤل الوظائف المجزية العالية الجودة، بدأ ينحسر نمو الأجور لكل العمال، وبدأ النمو غير المتكافئ على نحو متزايد يتسبب في تآكل التماسك الاجتماعي والمبادئ والمؤسسات الديمقراطية.
لا يوجد شيء حتمي في هذا الشأن. فبوسعنا أن نستخدم قاعدتنا المعرفية لتطوير تكنولوجيات تعمل على تكميل العمل البشري ولا تنافسه، من خلال إنشاء مهام جديدة لتعزيز إنتاجية العمال في القطاعات القائمة والناشئة. علاوة على ذلك، تسير مثل هذه السياسة التي تعطي الأولوية للعامل قبل الآلة جنبا إلى جنب مع رفع الحد الأدنى للأجور وغير ذلك من الإصلاحات المطلوبة بشدة. عندما تعمل التكنولوجيا على جعل العمالة عنصرا حاسما في عملية الإنتاج، ستزداد قوة العمال التفاوضية بالضرورة.
إن تغيير السياسة التكنولوجية في أي بلد أمر بالغ الصعوبة، لكنه حدث عدة مرات من قبل. ففي أربعينيات القرن العشرين، عملت الولايات المتحدة بسرعة على إعادة توجيه قدراتها الإبداعية الهائلة نحو تصنيع الذخائر والعتاد مع تعبئتها للحرب. وعلى الصعيد العالمي، كانت هناك مكاسب ملحوظة في ابتكارات الطاقة النظيفة في العقود الأخيرة، حتى أن مصادر الطاقة المتجددة أصبحت قادرة على منافسة الوقود الأحفوري. لم تتشكل هذه التكنولوجيات بشكل كامل من رأس السوق الحرة. بل كانت نتيجة لسياسات الطاقة النظيفة الحكومية مثل تسعير الكربون (وإن لم يكن ذلك في الولايات المتحدة) وأشكال عديدة من الدعم المباشر.
ولِـدَت هذه السياسات من اعتراف أوسع نطاقا بأن غازات الانحباس الحراري الكوكبي المتزايدة تشكل تهديدا كبيرا للبشرية. وقد استفادت من إطار قياس مشترك ساعد على تمكين الحكومات والشركات في مختلف أنحاء العالم من التحديد الكمي للأضرار البيئية الناجمة عن الانبعاثات الغازية الضارة. ومن الممكن استخدام ذات الدليل لدفع التكنولوجيات التكميلية البشرية. ولكن في هذه الحالة، تُـعَـد هذه الخطوة الأولى التي قد تثبت كونها الأكثر صعوبة. نحن في احتياج إلى توليد اعتراف واسع النطاق بأن الأتمتة الجامحة لن تؤدي إلى الرخاء والازدهار، بل إلى الدمار.
ثم تأتي الخطوة الثانية: فسوف نحتاج إلى إطار قياس يمكننا من خلاله تحديد كم وتصنيف التكنولوجيات المختلفة. وينبغي تحميل تلك التي لن يستفيد منها سوى رأس المال تكلفة كتلك التي تحمل على الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي، بينما يجب تشجيع تلك التي تعزز الإنتاجية البشرية والطلب على العمالة.
في الممارسة العملية، يمكن استخدام هذا الإطار لمراقبة كيفية تأثير التكنولوجيات المختلفة على حصة العمالة في الناتج على مستوى الشركات، والقطاعات، والبلدان. تميل الأتمتة إلى تقليل هذه الحصة، نظرا للحوافز السائدة. ولكن لا يوجد قانون يحكم الحتمية التكنولوجية يشترط استخدام الذكاء الاصطناعي على سبيل المثال محل العمل البشري، بدلا من تعظيمه.
الأتمتة في حد ذاتها ليست المشكلة. فمن الممكن أن تعمل الروبوتات الصناعية، والذكاء الاصطناعي، وغير ذلك من التكنولوجيات الفائقة التطور، على زيادة الإنتاجية بشكل كبير، تماما كما فعلت الابتكارات التكنولوجية في الماضي. ولكن في سبيل التماسك الاجتماعي والنمو الاقتصادي المستدام، يجب أن تكون هذه الفوائد متاحة للعمال من جميع فئات المهارات والخلفيات.
لقد سلطت الجائحة الضوء على الثمن الباهظ الذي تكبده العمال من ذوي الأجور المنخفضة في الولايات المتحدة بسبب تركيز أصحاب العمل المهووس على الأتمتة التي تحل محل العمالة. وفي غياب إصلاح شامل للإطار السياسي القائم، سوف يستمر انحياز الأتمتة إلى المهارات في الاتساع، مما يجعل مجموعة أكبر من العمال عُـرضة للخطر.