التنبؤ بوقائع العقد المفقود
بروجيكت سنديكيت
2020-05-31 06:44
بقلم: يانيس فاروفاكيس
أثينا- لقد اخترت من اجل التخلص من أسوأ مخاوفي المتعلقة بالعقد القادم ان اكتب وقائع كئيبة تتعلق بذلك العقد ولو بحلول ديسمبر 2030 اثبتت التطورات عدم صحة تلك الوقائع فإنني آمل ان مثل هذه التكهنات الكئيبة قد لعبت دورا في تحفيزنا على اتخاذ الإجراءات المناسبة.
لقد بدت السياسة قبل حدوث الاغلاق بسبب الجائحة وكأنها عبارة عن لعبة او مباراة حيث كانت تتصرف الأحزاب السياسية كفرق رياضية تلعب بشكل جيد أحيانا وبشكل سيء أحيانا أخرى وتسجل نقاطا تدفعها الى قمة جدول ترتيب الدوري والذي يحدد في نهاية الموسم من الذي سوف يشكل الحكومة ومن ثم لا يفعل أي شيء يذكر بعد ذلك.
لقد أزال كوفيد-19 المظهر الخادع المتعلق باللامبالاة من اجل الكشف عن الواقع السياسي: ان هناك بعض الناس لديهم القدرة على اصدار أوامر لبقية الناس تتعلق بما يتوجب عليهم عمله. إن وصف لينين السياسة بأنها: "الشخص الذي يفعل شيء ما وبمن" يبدو اكثر ملائمة مقارنة بأي وقت مضى.
بحلول يونيو 2020 ومع البدء في التخفيف بإجراءات الاغلاق ما يزال هناك تفاؤل لدى الجناح اليساري بأن الجائحة سوف تنعش سلطة الدولة بالنيابة عن أولئك الذين ليس لديهم سلطة مما جعل الأصدقاء يحلمون بنهضة العامة وتعريف واسع للمنفعة العامة. أود ان أذّكر هؤلاء بإن مارغريت تاتشر تركت الدولة البريطانية أضخم واكثر قوة وتركيزا مقارنة بوضع الدولة عندما تولت السلطة. لقد كانت الدولة السلطوية ضرورية من اجل دعم الأسواق التي تتحكم بها الشركات والبنوك. ان أولئك الموجودين في السلطة لم يترددوا على الاطلاق في استخدام التدخل الحكومي الكبير من اجل المحافظة على حكم الأقلية فإذن لماذا يظن البعض ان الجائحة سوف تغير ذلك كله؟
ونتيجة لكوفيد -19، كاد قابض الأرواح ان يفتك بكل من رئيس الوزراء البريطاني وامير ويلز وحتى ألطف نجم في هوليود ولكن قابض الأرواح كان يفتك بالفعل بالناس الأكثر فقرا وأصحاب البشرة الداكنة فلقد كانوا صيدا سهلا بالنسبة له.
لم يكن من الصعب فهم سبب ذلك فغياب التمكين يولّد الفقر مما يجعل الناس يشيخون بشكل اسرع وهذا يحضرهم للموت وفي ظل انخفاض الأسعار والأجور وأسعار الفائدة، لم يكن من المرجح ان روح التضامن والتي أمدتنا بالهدوء والسكينة خلال الاغلاق ستترجم لاستخدام سلطة الدولة من اجل تقوية الناس الأكثر ضعفا.
على العكس من ذلك لقد شعرت الشركات الضخمة والأشخاص فاحشو الثراء بالامتنان ان الاشتراكية كانت في وضع جيد. لقد كانوا يخشون ان الناس والذين يعيشون في وضع صعب بسبب الأسواق غير المقيدة وفي خضم كارثة صحة عامة لن يعود بإمكانهم شراء منتجاتهم وعليه قاموا بإعادة تخصيص انفاقهم على الأسهم واليخوت والمنازل الفخمة وبفضل الأموال التي تم طبعها حديثا والتي تم ضخها من قبل البنوك المركزية من خلال الممولين ازدهرت أسواق الأسهم بينما انهارت الاقتصادات. لقد حاول مصرفيو وول ستريت التكفير عن ذنبهم والذي استمر منذ 2008 وذلك من خلال السماح لعملاء الطبقة المتوسطة بالقتال مع بعضهم البعض على الفتات.
ان خطط التحول الأخضر الصديق البيئة والذي وضعه نشطاء المناخ الشباب على الاجندة قبل 2020 تم التظاهر بقبولها بينما عانت الحكومات بسبب الديون الضخمة المتصاعدة. ان التوفير الاحترازي من قبل الكثير من الناس عزز الكساد الاقتصادي مما أدى الى استياء على المستوى الصناعي في كوكب أصبح أقل خضرة.
لقد كان من الأمور المحتومة ان يزيد الاستياء بين العالم المالي والعالم الحقيقي والذي أدى الى معاناة مليارات البشر ومع تلك الزيادة زاد الاستياء الذي أدى الى ظهور وحوش سياسيين والذين كنت احذر أصدقائي أصحاب التوجه اليساري منهم.
وكما حصل في الثلاثينات من القرن الماضي فإن عناقيد الغضب قد بدأت تصبح أكثر مرارة بالنسبة لكثير من الناس وعوضا عن الصناديق التي كان الديماغوجيون يصعدون اليها من اجل تقديم وعودهم عن إعادة الكرامة الى الناس المستائين، قامت شركات التقنية الكبرى بتقديم التطبيقات وشبكات التواصل الاجتماعي والتي كانت مناسبة تماما لمثل تلك المهمة.
عندما تستسلم المجتمعات للخوف من العدوى تبدو حقوق الانسان وكأنها ترف لا يمكن تحمل تكلفته. لقد قامت شركات التقنية الكبيرة بتطوير أساور بيومترية لمراقبة بياناتنا الحيوية على مدار الساعة. لقد قامت تلك الشركات بالتعاون مع الحكومات لدمج الناتج مع بيانات تحديد الموقع الجغرافي وادخالها جميعا ضمن خوارزميات وذلك للتأكد من ان يتلقى الناس رسالة نصية مساعدة تخبرهم ماذا يفعلون أو اين يذهبون من اجل وقف تفشي موجات جديدة من المرض.
ولكن النظام الذي يراقب سعالنا قد يراقب أيضا ضحكاتنا وقد يعرف كيف يستجيب ضغط الدم لدينا لكلمة القائد أو لكلمة المدير التشجيعية أو اعلان الشرطة عن منع التظاهر. لقد بدا وكأن الاستخبارات السوفياتية الكي جي بي وشركة كامبريدج انالتيكا للاستشارات السياسية قد أصبحت فجأة وكأنها تنتمي الى العصر الحجري.
مع إعادة شرعنة سلطة الدولة بسبب الجائحة، استغل المحرضون الساخرون الفرصة وعوضا عن تقوية الأصوات التي تدعو للتعاون الدولي، عززت الصين والولايات المتحدة الامريكية من الشعور القومي وفي أماكن أخرى كذلك أثار قادة من أصحاب النزعة القومية الخوف من الأجانب وقدموا لمواطنيهم الذين فقدوا روحهم المعنوية مقايضة بسيطة: الفخر الشخصي والعظمة القومية في مقابل سلطات استبدادية لحمايتهم من الفيروسات القاتلة والأجانب المخادعين والمنشقين المتآمرين.
وكما عكست الكاتدرائيات التراث المعماري للعصور الوسطى فإن سنة 2020 تركت لنا الجدران العالية والسياج المكهرب واسراب طائرات المراقبة بدون طيار. ان انتعاش الدولة القومية جعل العالم اقل انفتاحا واقل رخاءا واقل حرية وخاصة للناس الذين كانوا يجدون صعوبة دائما في السفر وكسب عيشهم والتعبير عن آرائهم بحرية. بالنسبة للأقلية المتنفذة والمسؤولين في شركات التقنية والأدوية الضخمة وغيرها من الشركات الكبيرة والذين يتمتعون بعلاقات طيبة مع الرجال الأقوياء في السلطة فإن العولمة كانت تسير بسرعة.
تراجعت اسطورة العالم كقرية واحدة أمام توازن بين كتل القوى العظمى والتي تتباهى بقوتها العسكرية المتعاظمة وسلاسل توريد منفصلة وحكم الفرد المطلق والانقسامات الطبقية التي تعززها اشكال جديدة من المشاعر القومية. لقد أدت الانقسامات الاجتماعية والاقتصادية الجديدة الى انكشاف السمات السائدة لسياسات كل مجتمع ومثل الناس الذين اصبحوا رسوما كاريكاتورية لأنفسهم خلال الازمات، ركّزت دول بأكملها على أوهامها الجماعية وترسيخ الاحكام المسبقة القائمة والمبالغة بشأنها.
ان القوة العظيمة للفاشيين الجدد خلال عقد العشرينات كانت تكمن في انه بخلاف اسلافهم السياسيين فهم لم يكونوا مضطرين لدخول الحكومة لاكتساب السلطة فالأحزاب الليبرالية والاجتماعية-الديمقراطية بدأت في التنافس على اعتناق اشكال مخففة من الخوف من الأجانب وبعد ذلك السلطوية وبعد ذلك الشمولية.
اذن، فلقد وصلنا الى نهاية العقد. اين نحن؟