منع عملة فيسبوك ليبرا: خطوة لابد منها
بروجيكت سنديكيت
2019-06-23 06:15
بقلم: كاثرينا بيستور
نيويورك- كشفت شركة فيسبوك للتو عن أحدث عروضها للسيطرة على العالم: "ليبرا"، وهي عملة مشفرة صممت لتكون بمثابة أموال خاصة في أي مكان على هذا الكوكب. وتزامنا مع إعداد للمشروع، يجري مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك، مفاوضات مع البنوك المركزية، والهيئات التنظيمية، و27 شركة شريكة، ستساهم كل منها بما لا يقل عن 10 ملايين دولار. وخوفًا من إثارة مخاوف تتعلق بالسلامة، تجنبت فيسبوك العمل مباشرة مع أي بنوك تجارية.
ويبدو أن زوكربيرغ يدرك أن الابتكار التكنولوجي وحده لن يضمن نجاح ليبرا. إذ يحتاج أيضا إلى التزام من الحكومات بتطبيق شبكة العلاقات التعاقدية التي تقوم عليها العملة، والمصادقة على استخدام عملاتها كضمان. وفي حالة مواجهة ليبرا إقبالا كبيرا، فستضطر البنوك المركزية إلى توفير السيولة.
والسؤال هو ما إذا كانت الحكومات تتفهم المخاطر التي قد يشكلها مثل هذا النظام على الاستقرار المالي. وقد يبدو وجود نظام سداد خاص بدون أي احتكاك ويستخدمه 2.6 مليار مستخدم نشط فكرة جذابة. ولكن كما يعلم كل مصرفي وصانع سياسات نقدية، تتطلب أنظمة الأداء مستوى من دعم السيولة لا يمكن لأي كيان خاص توفيره.
وبخلاف الدول، يجب أن تعمل الأطراف الخاصة في حدود إمكانياتها، كما لا يمكنها فرض التزامات مالية من جانب واحد على الآخرين كلما دعت الضرورة لذلك. وهذا يعني أنها لا تستطيع إنقاذ نفسها؛ بل يجب أن إنقاذها من قبل الدول، أو السماح لها بالفشل. وفضلا عن ذلك، حتى عندما يتعلق الأمر بالدول، فإن ربط العملات لا يقدم سوى أمانا وهميا. واضطر الكثير من الدول إلى كسر مثل هذه الروابط، مع الإصرار دائمًا على أن "الأمر يختلف هذه المرة".
وما يميز فيسبوك عن غيره من الجهات المصدرة الأخرى "للأموال الخاصة"، هو حجمها، ونطاقها العالمي، ورغبتها في "التحرك السريع وكسر الأشياء". ومن السهل أن نتخيل سيناريو قد يتطلب فيه إنقاذ "ليبرا" سيولة يتجاوز مستواها ما يمكن لأي دولة توفيره. لنستحضر إيرلندا بعد الأزمة المالية لعام 2008. إذ عندما أعلنت الحكومة أنها ستتحمل التزامات القطاع المصرفي الخاص، سقطت البلاد في أزمة الديون السيادية. وبجانب عملاق مثل فيسبوك، يمكن أن ينتهي الأمر بالعديد من الدول القومية إلى أن تصبح، إلى حد كبير، مثل إيرلندا.
إن فيسبوك تمضي قدما كما لو كانت "ليبرا" مجرد مؤسسة خاصة أخرى. ولكن على غرار العديد من الوسطاء الماليين الآخرين قبلها، تَعد الشركة بشيء لا تستطيع تقديمه بمفردها: حماية قيمة العملة. لقد قيل لنا أن "ليبرا" ستُربط بمجموعة من العملات (النقود الورقية التي تصدرها الحكومات)، والقابلة للتحويل عند الطلب، وبأي تكلفة. ولكن هذا الضمان قائم على وهم، لأنه لا يمكن لـفيسبوك، ولا لأي طرف خاص آخر معني، الوصول إلى مخازن العملات المرتبطة غير المحدودة.
ولإدراك ما يحدث عندما يجلس المنظمون على أيديهم، بينما ينشئ المبتكرون الماليون خيارات البيع، فكر في الأزمة مع صناديق سوق المال التي حدثت في سبتمبر 2008. فقد تلقى المستثمرون في الصناديق الاستثمارية المتعددة الأطراف وعودا بأنهم سيتمكنون من التعامل مع ممتلكاتهم مثل حساب مصرفي، أي أنه سيكون بإمكانهم سحب نفس قيمة المال التي أنفقوها كما أرادوا. ولكن عندما انهار بنك ليمان براذرز، حاول جميع مستثمري صناديق سوق المال صرف الأموال في الوقت نفسه، حيث أصبح واضحا أن العديد من الصناديق لم تستطع توفيرها. ولتفادي حدوث إقبال واسع النطاق على جميع الصناديق المتعددة الأطراف والبنوك التي دعمتها، تدخّل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لتقديم دعم السيولة. ويتطلب الإقبال على ليبرا الدعم على نطاق أوسع بكثير، وكذلك التنسيق الوثيق بين جميع البنوك المركزية المتأثرة بها.
ونظرا لهذه المخاطر الهائلة، يجب على الحكومات التدخل وإيقاف ليبرا قبل إطلاقها العام المقبل. وإلا، كما حذرت ماكسين ووترز، رئيسة لجنة الخدمات المالية بمجلس النواب الأمريكي، فإن الحكومات قد تبدأ كذلك في صياغة وصية الأحياء. وفي لغة التمويل والبنوك، فإن "وصية الأحياء" هي خطة مكتوبة تقدمها البنوك للجهات التنظيمية التي تصف كيف تنقذ نفسها في حالة الإفلاس. وفي حالة وجود حكومة، سيتعين على وصية الأحياء أن تشرح كيف سترد السلطات المعنية على ليبرا لتكسر ربطها وتؤدي إلى سباق عالمي.
ومن الواضح أن هذا يثير عددًا من الأسئلة ذات الصلة. فهل تتعهد الحكومات، كما فعل رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي السابق بن برنانكي في سبتمبر 2008، يليه رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي في يوليو/تموز 2012، بالقيام "بكل ما يتطلبه الأمر" لضمان بقاء العملة؟ هل سيكون لديهم القدرة على القيام بذلك، ناهيك عن تنسيق أعمالهم - وتقاسم الخسائر - مع جميع البلدان الأخرى المعنية؟ هل ستكون الحكومات قادرة على السيطرة على النظام إذا ثبت أنها غير قادرة على الحفاظ على نفسها؟
إن الصمت إزاء إعلان فيسبوك هذا الأسبوع هو بمثابة تأييد للمشروع الجديد الخطير. يجب ألا تسمح الحكومات للأطراف الخاصة التي تسعى إلى الربح بتعريض النظام المالي العالمي بأكمله للخطر. وإذا كانت البنوك "أكبر من أن تسقط"، فمن المؤكد أن الدول ستكون كذلك. وإذا أخفقت الحكومات في حمايتنا من آخر تصرف متعجرف لشركة فيسبوك، فسوف ندفع جميعنا ثمن ذلك.