هل الضعف الذي يعيب الديمقراطية الهندية متأصل
بروجيكت سنديكيت
2019-05-29 08:11
PRANAB BARDHAN
بيركلي ــ كان فشل الدولة الهندية في توفير الخدمات العامة الأساسية وتنفيذ مشاريع البنية الأساسية التي تخلق فرص العمل موضوعا بارزا في الانتخابات العامة التي شهدتها البلاد مؤخرا. في هذا الصدد، كثيرا ما تأتي مقارنات المنتقدين بين الهند والحكومة الصينية التي تبدو هادفة وفعّالة، في غير صالح الهند، على الرغم من تجاوزات الرئيس الصيني شي جين بينج الأخيرة في تعزيز سلطته الشخصية. وفي وقت يتسم بضعف الثقة في الديمقراطية الليبرالية على نحو متزايد في مختلف أنحاء العالم، يكتسب هذا السؤال أهمية عالمية.
بيد أن التناقض المعياري بين الكفاءة الاستبدادية الصينية والخلل الديمقراطي الهندي لا يخلو من تبسيط شديد. فالاستبداد ليس شرطا ضروريا أو كافيا لضمان بعض السمات الخاصة للحكم الصيني. على نحو مماثل، ليست كل أوجه القصور التي تعيب الدولة الهندية متأصلة في النظام الديمقراطي الذي تتبناه البلاد. وينطوي الفشل في تقدير مثل هذه الفوارق الدقيقة على خطر التغافل عن ثلاث قضايا مهمة بشكل خاص في ما يتصل بالحكم.
بادئ ذي بدء، على عكس الحال في العديد من الدول الاستبدادية الأخرى، تبنت البيروقراطية الصينية نظاما يقوم على الجدارة في التوظيف والترقية على المستوى المحلي منذ العصور الإمبراطورية. ورغم أن الدولة الهندية أيضا تقوم بتعيين المسؤولين والموظفين العموميين على أساس الاختبارات والمسابقات، فإن نظام الترقيات لديها ــ الذي يعتمد إلى حد كبير على الأقدمية والولاء لسادة المرء السياسيين ــ ليس ديمقراطيا بطبيعته. والموظفون البيروقراطيون أضعف عزلا من الناحية السياسية عن نظرائهم في المملكة المتحدة، والدنمرك، ونيوزيلندا، لكنهم أقوى عزلا مقارنة بالمسؤولين في الولايات المتحدة (حتى قبل أن ينخرط الرئيس الحالي في الممارسة الجامحة المتمثلة في فصل المسؤولين بواسطة تغريدات على موقع تويتر).
ومع ذلك، في الصين القائمة على الجدارة، يشير عدد كبير من الأدلة إلى أن الترقية على مستوى الأقاليم وما فوقها يعتمد إلى حد كبير على الولاء السياسي لقادة بعينهم. علاوة على ذلك، تشير أدلة كمية إلى صفقات مقايضة تجري بموجبها الترقيات الرسمية الصينية. على سبيل المثال، ترتفع فرص ترقية سكرتير عام إقليمي للحزب إلى المستويات العليا تبعا لحجم الخصم المعروض في عملية بيع أرض لشركة تتمتع باتصالات قوية بأعضاء القيادة الوطنية. ورغم نجاح حملات شي الأخيرة لمكافحة الفساد في كبح بعض هذه الصفقات، فإن حملات فرض النظام كثيرا ما تتسم بقدر أكبر من القوة عندما يكون المسؤولون المتورطون مشتبه بهم في إقامة صلات مع خصوم أو منافسي القيادات الحالية.
ثانيا، يُنظَر إلى الدولة الصينية عادة على أنها تتمتع بقدرات تنظيمية أكبر كثيرا مقارنة بالهند. ولكن هنا أيضا، ربما تكون الحقيقية مختلفة. فالدولة الهندية، على الرغم من كل القصص حول فرط البيروقراطية، صغيرة إلى حد مذهل من حيث عدد الموظفين العموميين كنصيب للفرد. على سبيل المثال، عدد موظفي إدارة الضرائب لكل ألف من السكان أعلى بأكثر من 260 مرة في المملكة المتحدة مقارنة بالهند، وأعلى بخمس مرات في تركيا. علاوة على ذلك، عدد الوظائف الشاغرة في الشرطة والقضاء والجهاز البيروقراطي في الهند أكبر بمرات عديدة. وإلى حد كبير، يرجع هذا إلى القطاع غير الرسمي الضخم في الهند، الذي يضم أكثر من 80% من عمال البلاد، وهذه نسبة كبيرة إلى حد غير عادي بالنسبة لاقتصاد كبير، وهي تحد من قدرة الدولة على توليد الإيرادات الضريبية لتمويل الحكومة.
علاوة على ذلك، تتمتع الدولة الهندية بقدرة غير عادية على تنظيم أحداث ضخمة ومعقدة، مثل الانتخابات الأكبر في العالم، وثاني أكبر تعداد للسكان في العالم، وبعض أكبر المهرجانات الدينية في العالم. كما تولى المسؤولون العموميون إعداد نظام الهوية البيومترية الفريد لأكثر من مليار مواطن في فترة قصيرة نسبيا.
بيد أن بيروقراطية الهند أقل فعالية في تنفيذ أنشطة أساسية روتينية مثل التسعير الفعّال للتكلفة وتوزيع الكهرباء. وهذا ليس لأن الدولة تفتقر إلى أشخاص أكفاء، بل لأن الحساسيات السياسية المحلية تجعل من الصعب استرداد تكاليف توفير الطاقة. وعلى هذا فإن القيود السياسية التي تحيط بالدولة تحد من فعاليتها التنظيمية. فضلا عن ذلك، كثيرا ما يجري تعجيز الشرطة والجهاز البيروقراطي عمدا وحملهما على خدمة أهداف القادة السياسية القريبة الأمد.
أخيرا، يتسم الحكم في الصين على مر التاريخ بقدرة مدهشة على الانتقال بسلاسة رغم كونها دولة سلطوية. يجمع نظام الصين بين المركزية السياسية، من خلال الحزب الشيوعي الصيني، واللامركزية الاقتصادية والإدارية. وبوسعنا أن نقول إن النظام في الهند هو العكس تماما، حيث يجمع بين اللامركزية السياسية، التي تنعكس في تجمعات القوة الإقليمية القوية، والنظام الاقتصادي المركزي حيث تعتمد الحكومات المحلية بشدة على التحويلات من الحكومة المركزية. على سبيل المثال، تميل مستويات الحكم دون الإقليمية إلى تمثيل نحو 60% من إجمالي الإنفاق الحكومي على الموازنة في الصين، مقارنة بأقل من 10% في الهند. ويساعد هذا الفارق في تفسير أداء الحكومات المحلية الهندية الأسوأ كثيرا في المراحل الأخيرة من توفير الخدمات والمرافق العامة.
بالإضافة إلى هذا، تتنافس مناطق الصين بين بعضها بعضا في تطوير وتنمية الأعمال وتجريب مشاريع جديدة بشكل أكثر قوة مقارنة بنظيراتها في الهند. ويرجع هذا في الأساس إلى ربط ترقيات المسؤولين الصينيين بالأداء، على الرغم من تباطؤ وتيرة التجريب على المستوى الإقليمي في عهد الرئيس شي، مع تزايد الترقيات على أساس الولاء.
مع ذلك، ورغم أن المرء يجب أن يتجنب المبالغة في التبسيط عند مقارنة الحكم الصيني والهندي، فإن الديمقراطية ــ أو غيابها ــ لا تزال قادرة على إحداث الفارق. ويسمح الافتقار إلى المساءلة من أعلى إلى أسفل والعقوبات الانتخابية في الصين لقادة البلاد بتجنب خدمة المصالح القصيرة الأجل التي تميز السياسة الهندية، وخاصة في وقت الانتخابات. وهذا بدوره يسهل على القادة الصينيين اتخاذ قرارات جريئة بسرعة نسبيا، وعلى نحو مستقل بعض الشيء أيضا عن المصالح الشركاتية والمالية التي تفرض نفوذها عادة في الأنظمة الديمقراطية.
من ناحية أخرى، يستغرق الكشف عن الأخطاء أو الانتهاكات الصريحة للسلطة على مستويات رفيعة وتصحيحها وقتا أطول في الصين في غياب المعارضة السياسية والتدقيق الإعلامي. ويساهم تخوف القادة الصينيين من فقدان السيطرة في نشوء قدر كبير من الجمود وعدم المرونة. في نهاية المطاف إذن يُعَد النظام الصيني أكثر هشاشة: فعندما تواجه أزمة، تميل الدولة إلى المبالغة في ردة الفعل، وقمع المعلومات، والتصرف بغلظة، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمة في بعض الأحيان.
أما نظام الحكم الهندي فإنه أكثر مرونة وقدرة على الصمود على الرغم من كل يعيبه من فوضى. ومع ذلك، تعرضت هذه المرونة للإجهاد الشديد في ظل نظام حزب بهاراتيا جاناتا، الذي سعى إلى استقطاب الناخبين على أسس دينية واجتماعية، وتشجيع الزعيم القوي، وإضعاف المؤسسات والعمليات الديمقراطية. لنأمل أن ينفق حزب بهاراتيا جاناتا الآن من رأس المال السياسي الذي اكتسبه من انتصاره الساحق من أجل تغيير المسار، وتحسين الحكم الديمقراطي، واحترام التنوع الهائل الذي يميز سكان الهند.