البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية والحكومة العالمية
بروجيكت سنديكيت
2015-04-29 01:06
أندرو شنغ
هونج كونج ــ على الرغم من المعارضة الأميركية اليابانية الرسمية، اختارت 57 دولة أن تكون ضمن الأعضاء المؤسسين للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية بقيادة الصين. وبصرف النظر عن تصورات الرافضين، فإن هذا التحول غير العادي في الأحداث لن يعود إلا بالفائدة على إدارة الاقتصاد العالمي.
وفقاً لوزير الخزانة الأميركي السابق لاري سامرز، فإن إنشاء البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية "ربما نتذكره بأنه اللحظة التي فقدت فيها الولايات المتحدة دورها باعتبارها الضامن للنظام الاقتصادي العالمي". وفي المقابل، لا يعتقد رئيس بنك التنمية الآسيوي تاكيهيكو ناكاو أننا قد نشهد "تغيراً كبيراً يطرأ على عالم تمويل التنمية"، غير أنه اعترف بأن "بعض التفسيرات للمغزى الرمزي لهذا الأمر قد تنشأ".
سوف يعتمد تحديد من منهما على حق على القرارات التي سيتخذها كبار المساهمين في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية في ما يتصل بهيكله التشغيلي. وحتى الآن لم يسع البنك إلى تعديل المبدأ الذي يقضي بحصول أكبر المساهمين في المنظمات المتعددة الأطراف على الثِقَل التصويتي الأكبر في إدارتها. تماماً كما تهيمن الولايات المتحدة على البنك الدولي وكما تقود أوروبا صندوق النقد الدولي، وتترأس الصين البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية.
هذا يعني ضمناً حصول الصين على دور أكبر في الزعامة العالمية ــ وهو ما ينبغي أن يكون موضع ترحيب لدى العالم، وخاصة القوى التقليدية. فالزعامة العالمية في نهاية المطاف ليس مجرد مسألة قوة؛ بل إنها تعكس أيضاً القدرة على توفير السلع والمنافع العامة العالمية.
عندما انتهت الحرب العالمية الثانية، كانت الولايات المتحدة، بعيداً عن كونها القوة العسكرية والاقتصادية الرائدة على مستوى العالم، الدولة الأكثر تقديماً لمثل هذه السلع، وذلك من خلال خطة مارشال، ودعم الأمم المتحدة، فضلاً عن مساهماتها في مؤسسات بريتون وودز (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي). ولكن الديون الهائلة تسببت مؤخراً في تقويض قدرة الولايات المتحدة ــ ناهيك عن أوروبا واليابان ــ على الاستمرار في تقديم مثل هذه المساهمات الضخمة. ومن حسن الحظ أن الصين راغبة في سد هذه الفجوة وقادرة على سدها.
الواقع أن الصين ربما كانت لتفعل هذا في إطار مؤسسات بريتون وودز لو يكن توزيع حقوق التصويت داخلها منحرفاً بشدة نحو شاغلي مقاعد إدارتها الذين لا زالوا يتمتعون بحق النقض. على سبيل المثال، لا تتجاوز حصة الصين في التصويت في صندوق النقد الدولي 3.8%، حتى برغم أنها تمثل أكثر من 12% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وتستحوذ كل من المملكة المتحدة وفرنسا ــ اللتين لا يتجاوز حجمهما ثلث حجم الصين ــ على 4.3% من حصص التصويت. ومع عزوف الشاغلين عن التوفيق بين حصة الصين في التصويت وقوتها الاقتصادية، فلم يكن لدى الصين أي خيار غير إطلاق مؤسسة خاصة بها.
ولكن البنك الآسيوية للاستثمار في البنية الأساسية لديه أهدافه الخاصة، والتي لا تتفق بدقة مع أهداف البنك الدولي على سبيل المثال. وعلى وجه التحديد، يشكل البنك عنصراً بالغ الأهمية في استراتيجية "حزام واحد، طريق واحد" التي تنتهجها الصين، والتي تشمل مبادرتين: الحزام الاقتصادي المتمثل في طريق الحرير البري الذي يربط الصين بأوروبا، وطريق الحرير البحري في القرن الحادي والعشرين، والذي يربط الصين بجنوب شرق آسيا، والشرق الأوسط، وأوروبا. وفي حين تعدل الولايات المتحدة "محورها" نحو الشرق، فإن الصين تدور نحو الغرب، فتطبق الدروس التنمية التي تبنتها محلياً على شركائها التجاريين في مختلف أنحاء أوراسيا وخارجها.
ولعل أكثر هذه الدروس أهمية هو أن الاتصال يشكل أهمية بالغة للنمو الاقتصادي. فعلى مدى العقود الثلاثة الماضية، عمل بناء الطرق والسكك الحديدية والموانئ والمطارات وأنظمة الاتصالات في الصين على تعزيز التجارة واجتذاب الاستثمار، ومن خلال ربط الأقاليم غير الساحلية في غرب وجنوب البلاد بالمناطق الساحلية الأكثر ازدهارا، ساعدت الصين في الحد من الفوارق الكبيرة بين الأقاليم.
إن مبادرة طريق الحرير الصينية، والتي تهدف إلى تعزيز الرخاء بين شركاء الصين التجاريين من خلال الاستثمار في البنية الأساسية في المقام الأول، تمثل خطوة تالية منطقية ــ وهي الخطوة التي تنفق عليها الصين بسخاء. فبالإضافة إلى مساهمتها الأولية بنحو خمسين مليار دولار أميركي في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية، التزمت الصين بتقديم 40 مليار دولار إلى صندوق طريق الحرير، و32 مليار دولار لبنك التنمية الصيني، و30 مليار دولار لبنك الصين للتصدير والاستيراد.
وفقاً لتقديرات بنك اتش إس بي سي، فإن مبادرة "حزام واحد، طريق واحد" من الممكن أن تبلغ تكاليفها 232 مليار دولار ــ وهو ما يقل قليلاً عن ثلثي الميزانية العمومية للبنك الدولي عام 2014. وسوف يلعب البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية الذي يبلغ تمويله مائة مليار دولار دوراً مركزياً في هذا الجهد.
ونظراً للطلب العالمي الهائل على تمويل البنية الأساسية ــ والتي سوف تبلغ وفقاً لتقديرات بنك التنمية الآسيوي نحو 8 تريليون دولار في آسيا وحدها على مدى العقد المقبل ــ فلا ينبغي لنا أن ننظر إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية باعتبارها تهديداً للبنك الدولي أو بنك التنمية الآسيوي أو أي جهة أخرى مقرضة متعددة الأطراف. غير أنه سوف يتنافس مع هذه المؤسسات، نظراً لنهج الإقراض المتميز ــ وربما الأكثر كفاءة ــ الذي يتبناه.
الواقع أن عمليات البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية سوف تشبه في الأرجح العمليات التي قام بها البنك الدولي في ستينيات القرن العشرين، عندما هيمن على هيئة العاملين لديه المهندسون من ذوي الخبرة العملية في مجالات التنمية، وعندما كان بوسعه تصميم شروط الإقراض المناسبة لكل مقترض. وفي أواخر الثمانينيات، بدأ البنك الدولي في تنفيذ إجماع واشنطن، ممارساً الضغوط من أجل التحرير الاقتصادي والسياسي، من دون اعتبار كاف للواقع السياسي أو الاقتصادي المحلي. وكانت النتيجة الإقراض المشروط، الذي شمل شروطاً ــ التي وضعها في الأغلب خبراء السياسة ــ لم يتمكن العديد من المقترضين في البلدان النامية تلبيتها (على الأقل ليس من دون استئجار مستشارين لضبط تقاريرهم الرسمية).
إن اختبار فعالية البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية سوف يكون نموذج الإدارة الذي سوف يتبناه. يتلخص أحد إخفاقات مؤسسات بريتون وودز في مجالس إداراتها بدوام كامل من المساهمين، والتي تميل إلى تقويض الفعالية من خلال التدخل في الأمور الإدارية الصغيرة والمطالبة في كثير من الأحيان بشروط إقراض متضاربة. فقد أهدر البنك الدولي الكثير من الوقت على إعادة تنظيم نفسه تحت رؤساء متعددين، من دون أن يدرك المشكلة الجوهرية التي تعيب بنيته الإدارية الحاكمة.
حتى إذا لم يتمكن البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية من الوفاء بما وعد به بالكامل، فإن تأسيسه يأتي كتذكرة قوية ومهمة بأن الإدارة الاقتصادية في عالم سريع التغير من غير الممكن أن تظل راكدة. وإذا كان زعماء الغرب يؤمنون حقاً بالإبداع والمنافسة والجدارة فينبغي لهم أن يرحبوا بالبنك الآسيوية للاستثمار في البنية الأساسية.