مشاكل بين العائلات الملكية
العلاقات المغربية السعودية
مركز بروكنجز
2019-03-06 06:29
بقلم: عادل عبد الغفار
في الشهر المنصرم، أفادت وكالة رويترز للأنباء أنّ المغرب سحب سفيره من المملكة العربية السعودية، ممّا يشير إلى تزايد التوتّرات بين الحليفَين. وعلى الرغم من أنّ وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة نكر رسمياً التقارير، عزّز الارتباكُ المحيط بهذه المسألة النظرةَ بأنّ العلاقات المغربية السعودية بلغت الحضيض. وقد صدرت التقارير حول سحْب السفير بعد أن بثّت قناة العربية الإخبارية المؤيّدة للسعودية فيلماً وثائقياً يشكّك في سيادة المغرب على الصحراء الغربية. إذ تهدّد خطوةٌ من هذا النوع أولى أولويّات سياسة الرباط الخارجية، ألا وهي الاعتراف بسيطرة المغرب على تلك الأرض المُتنازَع عليها.
ويعكس هذا الخلافُ هاجسَ الرباط إزاء سياسات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان العدائية في أنحاء المنطقة. ويُظهر أيضاً رغبتها في التأكيد على الاستقلال وعلى الحفاظ على علاقات قوية مع أكبر قدر ممكن من الجهات الفاعلة في سعيها إلى تعزيز الدعم لموقفها في الخلاف على الصحراء الغربية وإلى النأي بنفسها عن الانقسامات الخليجية.
الصديق وقت الضيق
الفتور الحالي في العلاقات المغربية السعودية لا سابق له. فقد أصبح البلدان قريبَين جداً بعد الثورات العربية في العام 2011 التي هدّدت الأنظمة الملكية العربية بدرجات متفاوتة. ودعا حتّى مجلس التعاون الخليجي المغربَ والأردنَ إلى الانضمام إلى كتلته الإقليمية لتمتين الدعم للأنظمة الملكية السنّية مع انتشار الاحتجاجات في أنحاء المنطقة.
وبعد هدوء خطر تحوّل الوضع إلى ثورةٍ واسعة النطاق، تلقّى المغرب والأردن كمّية متزايدة من الاستثمارات الأجنبية من دول مجلس التعاون الخليجي وأبرما اتفاقيات تجارية مهمة معها. فغدت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة اثنين من أكبر مصادر الاستثمار الأجنبي في المغرب. وازداد أيضاً التعاون العسكري والدفاعي كثيراً بعد أن وقّعت القوّات المسلّحة الملكية المغربية والقوّات المسلّحة السعودية على اتّفاقيات أفضت إلى استثمارات سعودية بقيمة 22 مليار دولار أمريكي في القوّات العسكرية المغربية.
وتربط أيضاً البلدَين قرابات عائلية. فنسيبا الملك المغربي محمّد السادس، مولاي هشام ومولاي إسماعيل، هما نسيبا الأمير السعودي الوليد بن طلال، أحد أثرى رجال الأعمال في العالم. وتمتلك العائلة الملكية السعودية عدداً من القصور في أنحاء المغرب، وتلقّت العائلات الملكية السعودية الزيارات لغاية الأعمال والاستجمام لعقود كثيرة. فأفيد مثلاً أنّ الملك سلمان أنفق 100 مليون دولار أمريكي على عطلته الصيفية المغربية في العام 2017.
أزمة مجلس التعاون الخليجي: اختيار طرف
على الرغم من تاريخ الصداقة الطويل، بدأت التوتّرات التي تغلي في العالم العربي منذ الأزمة الخليجية في العام 2017 بالتأثير في العلاقة المغربية السعودية. فحاول المغرب أن يبقى على الحياد في الخلاف الذي يؤلّب المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين (وغيرها من البلدان) ضدّ قطر، حتّى أنّه عرض أن يؤدّي دور الوسيط. وتعامل المغرب مع هذا الوضع المتوتّر بعناية وحذر، غير أنّ سياسة المملكة العربية السعودية العدائية تحت قيادة ولي العهد محمد بن سلمان قد صعّبت الوضع على الدول العربية مثل المغرب في خضمّ محاولاتها للتموضع في ظلّ الديناميات الإقليمية المتغيّرة.
ويعكس الخلاف المغربي السعودي هاجسَ الرباط المتنامي إزاء سياسات المملكة العربية السعودية العدائية في أنحاء المنطقة. فقد زادت التداعياتُ السياسية والإنسانية الكارثية الناجمة عن حرب المملكة العربية السعودية في اليمن، مقرونة بالاغتيال الوحشي للصحافي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول في العام الماضي، الضغطَ الدولي على المملكة العربية السعودية وأفسحت المجال أمام البلدان في المنطقة للابتعاد بعض الشيء عن مقاربة المملكة العربية السعودية العنيفة تجاه السياسة الخارجية.
بالتالي، يبدو المغرب أكثر ثقة في التأكيد على استقلاليته مع محاولته أيضاً المحافظة على علاقات جيدة مع الطرفَين في خلاف مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى الولايات المتحدة والاتّحاد الأوروبي. وتعكس هذه الاستراتيجية تركيزَ الرباط المستمرّ على كسبها الدعم الدولي لسيطرتها على الصحراء الغربية.
وفيما يحاول المغاربة عدم الانحياز إلى أحد الطرفين في الخلاف الخليجي، عثرت المملكة العربية السعودية على سبل للتعبير عن عدم رضاها. ففي يونيو 2018 مثلاً، صوّتت المملكة العربية السعودية (بالإضافة إلى الإمارات العربية المتحدة والبحرين) ضدّ عرض المغرب باستضافة كأس العالم لكرة القدم في العام 2026. وفي إطار استراتيجية العين بالعين التقليدية التي تتّسم بها الدبلوماسية العربية، أفيد في نوفمبر الماضي أنّ السلطات المغربية رفضت استضافة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في خلال جولته حول العالم العربي عقب اغتيال خاشقجي وأنّ الملك محمد السادس رفض دعوةً للقائه. وأتى هذا الازدراء الظاهر في ذروة الضغط الدولي على المملكة العربية السعودية، حتّى من حلفاء مثل الولايات المتحدة. ويزيد هذا النوع من الرفض، الصادر عن نظام ملكي شرق أوسطي آخر وحليف عريق، من الفتور في العلاقات المغربية السعودية.
أخيراً، في أوائل هذا العام، أخبر وزير الخارجية المغربي بوريطة قناةَ الجزيرة أنّ المغرب يعيد تقييم مشاركته في حرب اليمن، مسلّطاً الضوء على الوضع الإنساني. ثمّ برزت تقارير بعد أسبوعَين بأنّ المغرب أنهى مشاركته في التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية. ولعلّ هذا الإعلان أحبط السعوديين (وليس لأنّه نوقش على قناة الجزيرة في قطر فحسب)، لكن لم يكن من المفترض به أن يفاجئهم. ففيما كان المغرب من أولى الدول التي دعمت التحالف بقيادة سعودية في العام 2015، خفّف تدريجياً من دعمه العسكري مع استمرار الحرب.
بيد أنّ المغرب لم يكن منيعاً في وجه الضغط السعودي. ففي مايو 2018، قطع المغرب العلاقات الدبلوماسية مع إيران بُعيد إلقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو خطابه مستعرضاً التهديد الإيراني وقبل أسبوعَين من إعلان الرئيس ترامب انسحاب الولايات المتحدة من خطّة العمل الشاملة المشتركة. وادّعى وزير الخارجية المغربي أنّ إيران كانت تمدّ جبهة البوليساريو، الحركة التحرّرية في الصحراء الغربية (وعدوّ المغرب الأوّل)، بالأسلحة من خلال وسيطٍ من حزب الله في الجزائر، أي الخصم الإقليمي الأوّل للمغرب.
لكنّ هذا التحرّك ضدّ إيران أتى على الأرجح نتيجة الحاجة إلى تعزيز علاقة المغرب مع الولايات المتحدة والكتلة بقيادة المملكة العربية السعودية. فزعم تقرير صدر حديثاً أيضاً أنّ وزير الخارجية المغربي عقد اجتماعات سرّية مع نتانياهو في خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2018، على الرغم من أنّ ليس للبلدَين علاقاتٌ دبلوماسية منذ العام 2000، غير أنّ روابطهما التجارية سرٌّ معلن.
الصحراء الغربية: مسألة لا تزال عالقة
تتمحور سياسة المغرب الخارجية المحافِظة أكثر في المقام الأوّل حول تعزيز الدعم الدولي لمطالبات المغرب بأرض الصحراء الغربية، التي يعتبرها المغرب “ولايات جنوبية” تابعة له. وجرت سلسلة الأحداث هذه في العام 2018 على خلفية اهتمام الأمم المتّحدة والولايات المتّحدة المتجدّد بالخلاف على الصحراء الغربية.
فمنذ انضمام جون بولتون إلى إدارة ترامب في مارس 2018، زادت الولايات المتحدة من أهمّية الحاجة إلى حلّ الصراع. فقال بولتون لصحيفة ذا نيويوركر إنّه “كان يتوق إلى إنهاء الصراع”، ويعتبر الإعلامُ الداعم للحكومة في المغرب بولتون متعاطفاً مع حركة البوليساريو، وهذا تطوّر مقلق في مجريات الأمور للمغرب. غير أنّه لأوّل مرّة منذ ستّ سنوات، جرت مفاوضات بين المغرب والبوليساريو والجزائر وموريتانيا في ديسمبر 2018. ومن المتوقّع أن تجري في هذا الشهر جولةٌ أخرى من النقاشات.
ماذا الآن؟
مع أخذ هذه الخلفية بعين الاعتبار، هل من المحتمل أن تشهد سياسة المغرب الخارجية تحوّلاً كبيراً يؤدّي بشكل أساسي أكثر إلى توافق المغرب مع التحالف الإقليمي القطري التركي، في مواجهة مباشرة أكثر مع الكتلة السعودية؟ على الأرجح أنّ الجواب سلبي. فقد استخفّ بوريطة مؤخّراً بالتقارير التي تفيد عن توتّر العلاقات. إذ يربط المغربَ بالمملكة العربية السعودية تاريخٌ طويل من العلاقات الوثيقة، وحتّى مع التوترات الحالية، لا يبدو أنّها ترمز إلى انقطاع مهمّ في الروابط.
فصحيح أنّ التوتّرات السعودية المغربية الحالية غير اعتيادية، غير أنّه من المستبعد أن تعني تحوّلاً كبيراً في السياسة الخارجية المغربية. ففيما كانت بين الأنظمة الملكية العربية اختلافاتٌ على مدى السنين، ولا تزال الاختلافات قائمة، هَبَّ كلٌّ منها لنجدة الآخر في نهاية المطاف عندما دعت الحاجة، مع إدراكها أنّ سقوط نظام مَلكي عربي واحد سيشكّل سابقة إقليمية خطيرة في العصر الحديث (كانت آخر الأنظمة الملكية العربية التي سقطت مصرَ في العام 1953 والعراق في العام 1958 وليبيا في العام 1969). ويأتي كلّ من دعوة مجلس التعاون الخليجي المزاجية للمغرب والأردن إلى الانضمام إلى المجموعة في خضمّ الربيع العربي، والدعم العسكري السعودي للبحرين في خلال ثورته في العام 2011، والدعم الاقتصادي السعودي والإماراتي والكويتي لتحدّيات الأردن الاقتصادية ليؤكّد على أنّ الأنظمة الملكية العربية تتكاتف مع بعضها في نهاية المطاف. لكن في غضون ذلك، علينا أن نتوقّع استمراراً في الفتور في العلاقات المغربية السعودية.