الإشارات المحيّرة التي تبعثها السعودية
معهد واشنطن
2018-08-28 06:30
سايمون هندرسون
في 22 آب/أغسطس، ظهرت تقارير مفادها أن الرياض ألغت خططاً لبيع أسهم من شركتها النفطية التي تملكها الدولة، مما دفع وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية ورئيس مجلس إدارة الشركة ("أرامكو") خالد الفالح إلى إنكار ذلك فوراً إنّما بشكلٍ مبهم قائلاً: "الحكومة لا تزال ملتزمة بالطرح الأولي العام لـ ' أرامكو السعودية '، وفق الظروف الملائمة، وفي الوقت المناسب الذي تختاره الحكومة". واعتبرت صحيفة "فايننشال تايمز" أن ذلك يعني أن عملية البيع قد "تم إرجاؤها إلى أجلٍ غير محدد"، مشيرةً إلى أن المملكة كانت تسعى بدلاً من ذلك إلى اقتراض 12 مليار دولار من مجموعة من ستة عشر مصرفاً دوليّاً لتمويل الإصلاحات الاقتصادية الطموحة التي طرحها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وعلى الرغم من أن الانتعاش الأخير في أسعار النفط قد خفّف من مخاوف الرياض المالية إلى حد ما، إلا أنه من الصعب اعتبار الطرح الأوّلي العام المؤجل على أنه أي شيء سوى إحراج للأمير محمد بن سلمان الذي أصبح الحاكم الفعلي لمعظم قضايا السياسة السعودية. فقد شكّل طرح "أرامكو"، الذي كان يُتوقَّع حدوثه أصلاً هذا العام، العنصر الأساسي في برنامج "رؤيته لعام 2030" من أجل توجيه الاقتصاد السعودي بعيداً عن الاعتماد على عائدات النفط. وكان الهدف يتمثّل في جمع 100 مليار دولار من خلال بيع 5 في المائة من (أسهم) الشركة. وبفضل عزم الأمير على جعل المملكة تتماشى مع القرن الواحد والعشرين نال الإعجاب على الصعيد الدولي وبين الشباب السعودي، الذي يشكل الآن غالبية السكّان. إلا أن الدعاية السلبية تضيف إلى الاعتقاد السائد بأن ولي العهد يعتمد على غرائز يصعب توقّعها، حتى أنها قد تكون مزعزعةً للاستقرار في سلسلة اتخاذ القرارات.
السياسة الخارجية
إن الأزمة التي نشأت في وقتٍ سابق من هذا الشهر بين المملكة العربية السعودية وكندا قد تركت صانعي السياسات في جميع أنحاء العالم في حالةٍ من الذهول إزاء رد الفعل المفرط للمملكة. فبعد أن غرّدت وزيرة الخارجية الكندية كريستيا فريلاند منتقدةً اعتقال ناشطَتيْن سعودَيتيْن في ميدان حقوق الإنسان، استدعت الرياض سفيرها من أوتاوا، وأوقفت كافة رحلات الطيران المباشرة إلى كندا، وسحبت المنح الدراسية من آلاف الشبّان السعوديين الذين يدرسون هناك، وأوعزت إلى المواطنين السعوديين الذين جاؤوا إلى كندا لتلقّي الرعاية الطبية بالمغادرة، ووضعت حظراً على كافة الصفقات التجارية الجديدة. ولم تظهر حتى الآن أي علامات ملموسة تشير إلى المصالحة، وصرح رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو في الثالث والعشرين من آب/أغسطس أن "كندا ستواصل الدفاع بشدة عن حقوق الإنسان".
في غضون ذلك، تتعرقل الحملة العسكرية التي تقودها السعودية لإعادة إنشاء حكومة معترَف بها دوليّاً في اليمن بسبب عدم إحراز تقدّم في ساحة المعركة وازدياد القلق الدولي المتعلق بالقتلى المدنيين. وفي العام الماضي، كان القادة العرب والغربيون يراقبون بحيرة إقدام الأمير محمد بن سلمان على اعتقال رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري ثمّ إجباره على الاستقالة، وقد سارع هذا الأخير إلى سحب استقالته بعد عودته إلى موطنه. كما يبدو أن الأمير لا يُدرك إلى أي مدى يثير النزاع المستمر مع قطر غضب واشنطن، التي كانت تحاول توحيد حلفاء الخليج في جهدٍ منسّق لمعالجة إحدى نقاط الضعف الأساسية التي تعاني منها الرياض وهي: التدخل الإقليمي الإيراني.
من الناحية الاقتصادية، يشعر أصحاب المصارف الدولية بالحماس إزاء تقاضي رسوم باهظة مقابل تنظيم قروض وعمليات بيع سعودية بالتصفية، غير أن هذا التلهف قد يحجب عن الأمير محمد بن سلمان واقع أن العديد من المستثمرين الأجانب يمتنعون عن المخاطرة بأموالهم وحقوقهم الفكرية في اختصاصٍ قضائي لا يمكن التنبؤ به. فقد يحثّ الخلاف غير المتوقّع مع كندا على توخي المزيد من الحذر من جانب المستثمرين، وهذا ينطبق أيضاً على حرب القنوات الفضائية المعقّدة بين المملكة وقطر حول عمليات البث المقرصَنة للرياضة وغيرها من الخلافات.
السياسة المحلية
يُعتبر منح المرأة حق القيادة أحد إنجازات الأمير، ولكن منذ إصدار ذلك القرار في العام الماضي، أثارت الرياض السخرية من خلال اعتقال الناشطات اللواتي أمضيْن عدة سنوات ينظّمن الحملات في سبيل هذه القضية أو إسكاتهنّ. وتربط التقارير الإخبارية هذه القضية الآن بحُكم الإعدام المحتمل تنفيذه ضدّ إسراء الغمغام، وهي إمرأة من المنطقة الشرقية ذات الأغلبية الشيعية، تخضع للمقاضاة في محكمةٍ لمكافحة الإرهاب بتهم التحريض.
ومما أثار الدهشة أيضاً هو الإسراف الشخصي للأمير. فعلى الرغم من أن البعض قد يبرر إنفاق ما يقرب من مليار دولار على يختٍ فاخر وقصرٍ فرنسي معتبراً أن ذلك يندرج ضمن امتيازات الحاكم، إلا أن هذا الافتراض لا يصلح خارج المملكة حتى أنه قد يحبط المواطنين السعوديين الذين شهدوا انخفاضاً في قدرتهم على الإنفاق بعد إدراج ضريبة القيمة المضافة وارتفاع أسعار الخدمات العامة.
وفي الوقت نفسه، يبدو أن الأمير محمد بن سلمان تمكّن من السيطرة على أهم التحديات التي تواجه خططه. فقد هدأ استياء العائلة المالكة من صعود نجم ولي العهد الشاب، الذي سيبلغ الثالثة والثلاثين من عمره هذا الشهر، وسط احتمالات حدوث المزيد من الاهتزازات المالية أو عمليات السجن. ففي العام الماضي، تم احتجاز العديد من الأمراء في فندق "ريتز كارلتون" في الرياض، مما دفعهم إلى جانب العديد من أفراد العائلة المالكة القلقين إلى تحرير شيكات (مصرفيّة) بلغت 100 مليار دولار الأمر الذي زاد من الاحتياطيات الحكومية. وبالمثل، خضع الفرع الآخر من بنية السلطة السعودية، أي المؤسسة الدينية ("هيئة كبار العلماء")، لتغييرات في أعضائه جعلته داعماً لولي العهد إلى حدٍ كبير. إلا أن مدى استمرارية هذا التغيير غير مؤكدة، حيث يُرجّح أن بعض رجال الدين غير مسرورين من بعض القرارات مثل السماح بالترفيه الحي وتخفيف الفصل الصارم بين الرجال والنساء في الأماكن العامة.
الاستنتاج
يدلّ عددُ النقاط المثيرة للجدل التي ظهرت خلال العامين الماضيين في السياسة السعودية على الحاجة إلى بعض التصحيحات في مجرى الأمور. وعلى الرغم من أن الملك سلمان في حالة صحية متدهورة، إلّا أنه ما زال يعارض على ما يبدو بعض قرارات ابنه وخطاباته، ولو أن ذلك لا يحدث بالضرورة في الاتجاه الذي تفضله واشنطن - فعلى سبيل المثال، بعد وقت قصير من تحدُثْ الأمير محمد بن سلمان بشكلٍ إيجابي عن المصالح السعودية - الإسرائيلية المشتركة في مقابلةٍ أجراها في نيسان/أبريل مع مجلة "ذي أتلانتيك"، انتقد الملك علناً اعتراف الرئيس ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل. وتحتفظ الولايات المتحدة، التي طالما كانت حليفة للمملكة، بعدة سبلٍ لتقديم النصائح السرّية من أجل تفادي مثل هذه الخلافات، ولكن حتى الآن لا يوجد دليل يُذكر على أن واشنطن تحاول تهدئة تهوّر ولي العهد.