حرب الزهور.. البارود مكان الورد والتجارة مكان الجمال

مروة الاسدي

2016-07-04 07:38

لطالما كانت الزهور مصدراً لإلهامنا بجمالها الأخاذ وسحرها الذي يمتع الأبصار حتى أصبحت رمزاً للجمال ولغة سامية للوجدان والمشاعر، لكن بسبب الحروب والنزاعات تحولت الازهار الجميلة الى ثكنة رماد للبارود ولعل من اشهر الزهور التي نالت منها الحروب والدمار "الوردة الشامية" التي تعود الى آلاف السنين، وانتقلت زراعتها مع الزمن الى دول عدة بينها بلغاريا وفرنسا وايران وتركيا.

اغرت الوردة الشامية كل من مرّ على الاراضي السورية فنقلها الى اوروبا بشكل كبير الصليبيون منذ مئات السنين وسار على خطاهم الفرنسيون خلال فترة الانتداب في النصف الاول من القرن الماضي، تتميز الوردة الشامية برائحة نفاذة زكية وبالاضافة الى استخدامها في تركيب العطور، يستخدم شراب مياه الورد في الشرق في صناعة الحلويات كما في تعطير المساجد. وتعد في بعض الدول جالبة للحظ وخصوصا في الافراح. وهي تستخدم ايضا في المستحضرات الطبية الطبيعية، اعتاد اهالي دمشق وريفها سابقا على شم رائحة الوردة الشامية اينما كانوا فقد كانت منتشرة على جوانب الطرقات وفي الحدائق وعلى شرفات المنازل، اما اليوم فغابت وان جزئيا مع تراجع الانتاج.

وفي محاولة لردع مخلفات الحروب والدمار قام الفنان الفلسطيني اسامة السلوادي بتوثيق الجمال حيث الف كتابا مصورا حلو زهور فلسطين، ويرى هذا الفنان ان ما يقوم به جزء من "معركة ثقافية وحضارية لا تقل عن المعركة السياسية والعسكرية"، لأن "الاسرائيليين يحاولون تغيير وجه كل شيء".

اما في امريكا هناك وجه اخر للحرب على الزهور والزراعة، حيث يمر تسعون في المئة من كميات الازهار المستوردة الى الولايات المتحدة خلال فترة عيد الحب عبر مطار ميامي حيث يعاين عناصر شرطة الحدود بدقة كل الباقات الواردة خشية احتواء اي منها على حشرات ضارة قد تشكل تهديدا للمزروعات، وتدر مبيعات الازهار اموالا طائلة في الولايات المتحدة اذ ان ايراداتها تبلغ 15 مليار دولار سنويا في القطاع يعمل فيه الاف الاشخاص.

في يظهر الوجه السياسي المؤثر في تجارة الزهور بين بين روسيا وهولندا بعدما انهارت العلاقات بينهما عقب اسقاط طائرة تابعة للخطوط الجوية الماليزية. ويلوم المحققون الهولنديون انفصاليين تدعمهم موسكو في اسقاط الطائرة بواسطة صاروخ روسي الصنع، وتنفي روسيا التورط في الأمر وتلوم أوكرانيا على المأساة التي راح ضحيتها 298 شخصا كانوا على متن الطائرة. وكان معظم الضحايا يحملون الجنسية الهولندية.

وفي الشهر الماضي استخدمت روسيا حق النقض (فيتو) ضد قرار شاركت هولندا في تقديمه لتشكيل محكمة تدعمها الأمم المتحدة لمقاضاة الجناة، وقال متحدث باسم شركة زهور هولندية طلب عدم نشر اسمه "الروس يبحثون عن أي سبب لمنع دخول زهورنا. نعلم ان هذا له دوافع سياسية"، وأضاف "لن نرسل أي زهور إلى روسيا حتى يتغير الوضع. خطنا الاحمر هو ان يتم فحص الزهور على الأراضي الهولندية بدلا من فحصها في روسيا"، وتصر روسيا على ان أمر الزهور الهولندية يتعلق باحتوائها على حشرات لا يصنفها الاتحاد الأوروبي على انها خطيرة.

بعيدا عن الحروب والسياسية قريبا من الاقتصاد، تعتبر تجارة الزهور من (أرق) الأنشطة الاقتصادية. كما أنها تجارة عالمية، حيث تقوم الكثير من الدول التي تتمتع بأجواء معتدلة أو حارة بتصدير زهورها للبلدان الواقعة في المناطق الباردة. كما أنها تجارة عالمية، حيث تقوم الكثير من الدول التي تتمتع بأجواء معتدلة أو حارة بتصدير زهورها للبلدان الواقعة في المناطق الباردة.

وقد بلغت قيمة تجارة الزهور في العالم نحو 4.7 مليارات دولار سنوياً تشترك فيها عدد من الدول وبالتأكيد هولندا على رأس قائمتها إذ تستحوذ على 60 بالمئة من قيمة التصدير العالمي، حيث تحتل المركز الأول من حيث تصدير أكبر كمية من الخزامى (التوليب). ومن أهم أسواق الزهور في العالم تأتي فرنسا وإنجلترا وألمانيا في مقدمة الأسواق العالمية التي تستوعب معظم الصادرات الهولندية وغيرها من الزهور.

وربما يستغرب البعض، إذا علم أن تجارة الزهور تعد جزءاً مهماً من اقتصادات بعض الدول على غرار هولندا، والتي نمت بشكل كبير خلال الأعوام الماضية، لذا تجاهد هولندا للاحتفاظ بمكانتها كأكبر دار مزادات للزهور على مستوى العالم مع انتشار منتجين في أفريقيا ومناطق أخرى يبيعون منتجاتهم إلى المشترين مباشرة، وكونت البلاد ثروة من بيع زهور التوليب في القرن السابع عشر خلال العصر الذهبي الهولندي وظلت ثاني أكبر مصدر زراعي بعد الولايات المتحدة، ولا تعد المستودعات عادة نقطة جذب للسياح لكن هناك استثناء واحدا هو المستودع الملكي الهولندي للزهور وعمره مئة عام ويقع على مشارف أمستردام وتخرج منه كل يوم ملايين الزهور.

من جانب مختلف، تفتحت زهرة طولها متران، معروفة برائحتها التي تشبه رائحة الجيفة، في أستراليا وتنمو هذه الزهرة في حديقة "ماونت لوفتي" للنباتات منذ عشر سنوات، على صعيد نفسه أعلن العلماء اكتشاف هذه الزهرة التي عاشت منذ نحو 20 إلى 30 مليون سنة واسمها العلمي (ستريكنوس ايليكتري) ووجدت مطمورة وسط العنبر عند سفح جبل في جمهورية الدومنيكان، اليكم في التقرير ادناه احدث واهم الاخبار والمعلومات عن عالم الزهور.

الوردة الشامية تذبل في حمى الحرب السورية

يتجول مزارعون في حقول من اللونين الاحمر والزهري لقطف "الوردة الدمشقية" التي صمدت على مر التاريخ ونقلت اسم العاصمة السورية الى افخم العطور العالمية، لكنها اصيبت الذبول حاليا لتدخل في عداد ضحايا الحرب في سوريا.

"الوردة الشامية ظلّت وفية للتراب حيث تنمو، لكنها اليوم تحتضر، بعدما قتلت الحرب الشجر والحجر والبشر واخيرا الوردة"، يقول جمال عبّاس، أحد المزارعين الطاعنين في السن العامل في مزارع قرية المراح في منطقة النبك شمال دمشق.

وتعد منطقة النبك وخصوصا قرية المراح، ذات الغالبية التركمانية، المصدر الاساسي لهذه الوردة ،الا ان الحرب حرمت عائلات عدة نشأت على زراعة الوردة الشامية من مصدر رزقها الاساسي، فقطعت الطرقات الى حقول المراح وتم الغاء مهرجان الورد المعتاد العامين 2012 و2013 مع اشتداد المعارك في المنطقة.

ورغم الهدوء الذي ساد في محيط النبك منذ العام 2014، لم يعد انتاج الوردة الشامية الى سابق عهده، خصوصا ان النزاع اجبر العديد من المزارعين في قرية المراح على مغادرة أراضيهم، وبقيت عائلات قليلة حاولت الحفاظ على البساتين والمحاصيل، بينها عائلة بيطار التي يعمل أفرادها من الاجداد الى الاحفاد في ما تبقى من مساحات مزروعة بالورد.

ويقول حمزة بيطار (43 عاما) "لقد تعلّمت المشي على هذا التراب، وأنا أجني الورد منذ أن كان عمري خمس سنوات"، يتجول حمزة في حقول الوردة الدمشقية، يشرف على عمل المزارعين في قطف محصول العام الحالي المتضائل في بساتين المراح.

ويضيف "انخفضت كميات إنتاج الوردة الشامية السنوية من ثمانين طنا في العام 2010، إلى أقل من عشرين طنا هذا العام بسبب الحرب والجفاف"، يروي حمزة مسيرة الوردة الشامية، "كنا ننقل الكثير من المحصول إلى سوق البزورية وسط دمشق، وهناك كانت تباع عشرات الأطنان الى تجار لبنانيين متخصصين بنقله الى أوروبا"، ويتابع "يعيد الفرنسيون تقطير الورد المجفف، ويدخل السائل المستخلص في صناعة العطور الفاخرة، بحيث ترد عبارة الوردة الدمشقية ضمن مكوناتها الأساسية". بحسب فرانس برس.

وفي سوق البزورية في دمشق القديمة، يتذكر ابو بلال (52 عاما) بحسرة "كان الورد منتشرا من جوبر الى مرج السلطان (قرب دمشق)، كان الورد الشامي على الطرقات وفي الحدائق"، اما اليوم "فقد حلت رائحة البارود مكان رائحة الورد" كما يقول ابو بلال نقلا عن اصدقاء في مدينة دوما المحاصرة من قبل قوات النظام في الغوطة الشرقية.

لم يبق في سوق البزورية سوى متجرين اثنين فقط من اصل ثمانية لتقطير الورد، فيما تعمل المحلات الاخرى في بيع الورد المجفف، وبحسب تجار في سوق البزورية فان استخلاص كيلوغرام واحد على الاكثر من زيت الورد يتطلب ثلاثة اطنان من الورد المجفف.

أغلق أبو بلال ورشته الخاصة لتقطير الورد في عين ترما في الغوطة الشرقية قرب دمشق منذ العام الاول للنزاع، ويعمل اليوم في محل عطورات عربية بدا خاليا من المنتجات. ينفض الغبار عما بقي من بضائع في محله، ويقول "لا تجد اليوم في السوق كله اكثر من ربع كيلو زيت"، ويضيف "رغم زرعها في دول اخرى، الا ان الوردة الشامية فريدة من نوعها، بسبب رائحتها القوية، كما ان انتاجها للزيت يفوق شبيهاتها في الخارج".

امضى امين بيطار، المزارع في الثمانينات من عمره، حياته في العمل في حقول الورد في قرية المراح. يأخذ نفسا عميقا وهو ينظر الى حقله، قائلا "تناقصت المساحات المزروعة بالوردة الشامية أكثر من خمسين في المئة".

يجمع امين الورد، ويحمله برفق ليضعه داخل سلّة الى جانبه. ويضيف بينما كان جالسا على التراب بملابسه القروية التقليدية، "العلاقة مع الورد تتعدّى العلاقة الاقتصادية والبيع والشراء فحسب، بل أصبحت عاطفية، باتت الوردة الشامية جزءا من عائلتنا"، وبقربه، يحمل جمال عباس سلته في مزارع المراح لجمع الورد، ينظر الى الحقل امامه ويتمنى ان يفارق "الحياة قبل ان ارى ورود المراح تموت".

ارض الورود

حركته المحدودة لم تمنع المصور اسامة السلوادي من ان يتجول في ربوع الاراضي الفلسطينية، على كرسيه المتحرك، لتصوير ازهار فلسطين، وينقلها للعالم في كتاب جميل هو الاول من نوعه يضاف الى مكتبة التراث الفلسطيني.

ويحمل كتاب المصور الفلسطيني عنوان "ارض الورود"، وهو يحتوي على 110 انواع من الزهور الفلسطينية، ويقول اسامة لوكالة فرانس برس "اعتمدت بالاساس على الصورة، هذا الكتاب هو عمل فني بصري، والمؤسف في الموضوع انه لم يكن هناك أي مرجع بحث ما عدا كتاب واحد صادر قبل مئة عام".

ويتكون الغطاء النباتي الفلسطيني من اكثر من 2700 نوع، بين زهور ونبات بري اشجار، وفقا للمصور الذي عمل خمس سنوات على توثيق مختلف الاسماء والانواع، واسامة من مواليد العام 1973، بدأ العمل في التصوير بعدما انهى دراسته الثانوية، وعمل مع صحف محلية عدة، وفي سن التاسعة عشرة عمل مع وكالات انباء عالمية منها وكالة فرانس برس، وغطى احداث الانتفاضة الاولى (1987-1991)، ومن ثم الانتفاضة الثانية (2000-2005)، والتحق بعدة دورات تطويرية في التصوير والصحافة والاخراج والمونتاج واللغة الانكليزية.

لكن رصاصة طائشة اصابته العام 2006 اثناء عمله في مكتبه في مدينة رام الله، اوقفته عن ملاحقة الحدث، وحولته الى البحث عن جماليات التراث الفلسطيني، يقول اسامة ان تنقله لاتمام هذا الكتاب لم يكن بالامر السهل، "كنت اقود سيارة الدفع الرباعي واصعد بها الى اماكن جبلية، في بعض الصور استخدمت عدسات مكبرة من داخل السيارة، كان هناك مصاعب جمة"، ويضيف "غياب الدعم المالي للمشروع جعلني آخذ وقتا اكثر في العمل..اضافة الى ذلك الشوارع الفلسطينية غير مؤهلة لذوي الحاجات الخاصة".

برأي اسامة، لم يوثق التراث الفلسطيني كما يجب "ربما للثقة الزائدة بانه لن يضيع"، ويقول "لا يكفي ان نخصص يوما في السنة للتراث، فيما المكتبة الفلسطينية تخلو من كتب متخصصة"،

الى جانب هذا الكتاب عن النبات في فلسطين، يعكف اسامة الان على انجاز كتاب آخر سيكون عن الحلي، ويعتزم اصداره بعنوان "زينة الكنعانيات"، وفي هذا الكتاب، يوثق اسامة لحلي تضعها النساء في القرى الفلسطينية، اضافة الى تمائم وحجابات توضع للاطفال وعليها ايات من القرآن او الانجيل او صلبان، وبعض هذه الحلي والتمائم ما زال يستخدم، والبعض الآخر طواه الزمن وتم تصويره في اماكن مغلقة وخصوصا في المتاحف، استغرق العمل على هذه المجموعة سبع سنوات، ومن المقرر ان يصدر هذا الكتاب في آب/اغسطس المقبل.

منتجو الزهور الأفارقة يهددون عرش هولندا

على مدار عقود ظلت جمعية فلوراهولاند مركزا تنطلق منه طائرات محملة بزهور من المخازن الكبيرة مكيفة الهواء في ألشمير قرب مطار أمستردام إلى مختلف أنحاء العالم، وتقول الجمعية إنها توزع نحو 50 في المئة من كل الزهور التي تباع في مختلف دول العالم وأعلنت في العام الماضي عن مبيعات بلغت قيمتها 4.6 مليار يورو (5.13 مليار دولار) أغلبها من منتجين ومشترين في مزاداتها اليومية الصباحية الشهيرة.

لكن الرئيس التنفيذي لوكاس فوس يشعر بقلق بشأن زيادة حجم مبيعات الزهور من المزارعين مباشرة على تلك التي تباع من خلال مزادات فلوراهولاند، كانت المبيعات المباشرة خارج المزادات من أعضاء الجمعية زادت بنسبة 3.8 في المئة إلى 2.3 مليار يورو في 2015. وسجلت مبيعات المزاد 2.1 مليار يورو منخفضة واحدا في المئة.

وقال فوس الذي انضم إلى فلوراهولاند من شركة ميرسك للشحن في 2014 "علينا أن ندرك أنه على سبيل المثال لو أردنا تصدير زهور إلى الصين أو الهند...فإن النظام اللوجستي الذي أقمناه لأنفسنا لن يكون مناسبا". بحسب رويترز.

وفي إطار استجابتها للتحولات تدرس فلوراهولاند إجراء تغييرات في نظام المزاد الذي يرجع لأكثر من 100 عام، وتستثمر الجمعية ما يصل إلى 90 مليون يورو خلال الأعوام الخمسة المقبلة وتخطط لتطوير منصة للتعاملات على الإنترنت تعمل على مدار الساعة، ومن المتوقع أن تؤدي التغييرات إلى وجود قاعات مزادات هولندية يعمل بها نحو 3000 عامل، وقال فوس "أغلب المنتجين يزرعون نوعا واحدا من الزهور والمستهلك يرغب في شراء باقة من الزهور. سيظل هناك حاجة دائما إلى مركز"، بالنسبة للأسواق الأوروبية يبدو مقبولا جمع الزهور في أمستردام قبل شحنها إلى بريطانيا أو روسيا.

وبالنسبة لأصحاب المزارع في كينيا وإثيوبيا على سبيل المثال فإن الانضمام إلى فلوراهولاند التي تضم 4600 عضو يساعد في الحفاظ على ثبات الأسعار في وجه المشترين الأقوياء مثل سلاسل المتاجر الكبيرة في أوروبا، وتباع 50 في المئة من صادرات الزهور الكينية عبر فلوراهولاند وما يتراوح من 70 إلى 80 من الصادرات الإثيوبية.

لكن الانضمام لعضوية الجمعية يعني الالتزام ببيع كل الإنتاج عبر فلوراهولاند وهو ما يمكن أن يكون عائقا عند السعي للوصول إلى الأسواق الصينية والهندية، وقال فوس إن فلوراهولاند تخطط لفتح مراكز لوجستية في الخارج سواء قرب منتجين في أوروبا أو أفريقيا أو قرب المشترين في آسيا للحفاظ على الدور المحوري الذي تلعبه في الصناعة، وباتت هيمنة هولندا على التجارة العالمية للزهور المتراجعة على المحك، وتشير بيانات شركة رابوبانك للخدمات المالية إلى أن هولندا صدرت 52 في المئة من الزهور في العالم عام 2013 مقارنة بنسبة 58 في المئة عام 2003.

يحرص السياح الذين يتوافدون على أكشاك بيع الزهور في وسط أمستردام على الاستيقاظ مبكرا مع بزوغ الفجر لزيارة المستودع مقابل سبعة يورو (8 دولارات). هو بحجم 400 ملعب لكرة القدم ويُباع فيه نحو 20 ألف نوع من الزهور والنباتات.

كل يوم عند الساعة السادسة صباحا تدب الحياة في أكبر سوق للزهور في العالم حين تطرح جمعية أسسها زارعو الزهور في هولندا عام 1911 منتجاتها في مزاد يتنافس فيه مصدرو الزهور لشتى أنحاء العالم.

من سوق هولندا للزهور تخرج الزهور التي تزين حفلات الزفاف في لندن وحفلات أعياد الميلاد في اسبانيا والجنازات التي تقام في ألمانيا.

وبحلول السابعة مع فتح الأبواب أمام الزوار تتحرك عشرات من العربات الكهربائية لتسحب وراءها شاحنات مليئة بالزهور والنباتات تفوح منها روائح زكية تعبق المكان. بحسب رويترز.

إنها فرصة لا تتكرر يتمتع خلالها السائح بمنظر ملايين الزهور في آن واحد ولا يقل عن هذا المشهد روعة القدرات اللوجيستية لجمعيات تتمكن من نقل إمداداتها من منتج هش قابل للذبول في وقت قصير إلى مكان واحد وخلال 90 دقيقة من إتمام عملية البيع تسلم الشحنات لترسل على وجه السرعة إلى كل ركن في أوروبا أو جوا إلى شتى أنحاء العالم.

مليار زهرة لمناسبة عيد الحب

يمر تسعون في المئة من كميات الازهار المستوردة الى الولايات المتحدة خلال فترة عيد الحب عبر مطار ميامي حيث يعاين عناصر شرطة الحدود بدقة كل الباقات الواردة خشية احتواء اي منها على حشرات ضارة قد تشكل تهديدا للمزروعات.

وتتخذ السلطات الاميركية خلال النصف الأول من شباط/فبراير تدابير خاصة تسمح لعناصر شرطة الحدود بمعاينة حوالى مليار زهرة ونبتة موزعة لمناسبة عيد العشاق، ويقول ادوارد بوتلاند وهو عنصر في هذه الشرطة يعمل في منطقة مبردة للحفاظ على اوراق الازهار "لقد وجدت للتو مجموعة من البيوض على الاوراق". بحسب فرانس برس.

ويشير الى ان هذه البيوض التي عثر عليها داخل شحنة آتية من كوستاريكا "سيتم ارسالها للتثبت منها لدى وزارة الزراعة الاميركية"، ويلفت بوتلاند الى ان "هذه الشحنات قد تحوي كل انواع الحشرات الضارة والامراض من العث الى قشريات الجناح مرورا بالخنافس"، ويوضح "في العموم، أجد شيئا ما كل يوم، لكن احيانا يكون ذلك امرا موجودا لدينا اصلا لذا لا نتدخل"، ويضيف "في المقابل، عندما نعثر على امر ما غير موجود لدينا وغير مرغوب فيه، لا بد من اتخاذ تدابير تتعلق بهذه البضاعة"، والمطلوب في هذه الحالة اجراء فحوص والتخلص من النباتات بطريقة آمنة، ولهذه الغاية، يجب على عناصر الشرطة التحلي بنظرة ثاقبة والاستعانة بعدسة جيدة، لأن الخطر المحتمل قد يكون صغيرا جدا في الحجم.

ويعاين العناصر علبا مستوردة بشكل رئيسي من كولومبيا تضم زنابق وورودا من كل الألوان وزهورا غريبة، ويصدر هذا البلد الواقع في اميركا اللاتينية ما يقرب من 700 مليون زهرة الى الولايات المتحدة بمناسبة عيد الحب ، تليه الاكوادور والمكسيك وهولندا وكوستاريكا، والى جانب ادوارد بوتلاند، تعاين زميلته ويلنات بيريز باقات من الزهور الحمراء واحدة تلو الاخرى. ثم تهز الزهور فوق ورقة بيضاء تحسبا لامكان اخراج حشرات منها.

وقد يكون لأي ضعف في الانتباه تبعات كبيرة على المدى الطويل وفق بوتلاند، ويقول "لا نريد أن يضطر المزارعون الى التعاطي مع حيوان ضار جديد في هذا البلد. هذه الحيوانات قد تكون تبعاتها مكلفة للغاية على قطاعنا الزراعي"ن وخلال الموسم الماضي، تم التعرف على ما يقرب من 1500 حالة لامراض او حشرات في ازهار مرسلة خلال فترة عيد الحب الى مطار ميامي،.

ويؤكد جيل كيرليكوفسكي وهو مفوض في شرطة الحدود ان "الاجناس الغازية تسببت بخسائر بمليارات الدولارات حول العالم على شكل تكاليف اقتصادية وبيئية".

ويشير الى ان هذا القطاع الذي يوظف حوالى 200 الف شخص في الولايات المتحدة يعتمد على هذه الازهار المستوردة و91,5 % من الازهار المقطوفة حديثا تصل الى مطار ميامي الدولي، ما يحتم على طاقم المطار مسؤولية كبيرة"، ولمواجهة هذا الوضع، يعمل 2400 مفتش في شرطة الحدود بشكل دؤوب حتى الاحد قبل تراجع متوقع في كميات الزهور المستوردة بانتظار فترة عيد الأم خلال شهر ايار/مايو المقبل.

الوجه السياسي للزهور

بعد أسبوع من إغضاب كثيرين في روسيا بسبب احراق الأغذية المستوردة بشكل غير قانوني من الغرب بدأت السلطات في حرق الزهور الهولندية، وقال مسؤولون إن الزهور الواردة من هولندا - وهي مصدر معظم امدادات السوق الروسية من الزهور والمقدر بقيمة 2.5 مليار دولار - تشكل مخاطر على السلامة لانها قد تكون مصابة بعدوى.

ويقول منتقدون إن "حرب الزهور" تمثل تدهورا جديدا في العلاقات مع الغرب وهي رد انتقامي من جانب موسكو على تحقيق هولندي بشأن اسقاط طائرة ركاب ماليزية بالمجال الجوي للمنطقة التي يسيطر عليها انفصاليون موالون لروسيا في شرق اوكرانيا في يوليو تموز من العام الماضي.

وأيا كان السبب فان المواطنين الروس - الذين يعانون البطالة والتضخم - يمكن ان يتوقعوا ارتفاعا في أسعار الزهور خلال الأسابيع القليلة القادمة عندما يرتفع الطلب مع عودة الأطفال للمدارس وهي مناسبة يقدمون فيها عادة الزهور للمعلمين، وقالت يكاترينا سالوكوفا كبيرة مفتشي الصحة بهيئة الرقابة الزراعية (روسلخوزنادزور) بينما كان يعرض التلفزيون لقطات لعمال يحرقون صناديق مملؤة بالزهور "هذه زهور قطفت حديثا من هولندا مصابة بالافات الرعدية لكاليفورنيا الغربية."

وتبحث السلطات الآن فرض حظر على استيراد الزهور من هولندا التي يذهب خمسة بالمئة من مبيعاتها من الزهور إلى روسيا، وقال الكسي الكسيينكو المتحدث باسم هيئة الرقابة الزراعية الروسية "علينا أن نتأكد من كل شحنة زهور بأنفسنا"، وقالت هيئة الرقابة الزراعية (روسلخوزنادزور) ان "الزهور المصابة بهذه الكائنات تشكل تهديدا خطيرا"، وقال روبرت رودنبورج من رابطة منتجات زراعة الزهور بالجملة والذي يتفاوض بالانابة عن المنتجين الهولنديين إن روسيا تعتمد بشكل كبير على الواردات الهولندية.

زهرة طولها متران

على صعيد، مختلف، تفتحت زهرة طولها متران، معروفة برائحتها التي تشبه رائحة الجيفة، في أستراليا وتنمو هذه الزهرة في حديقة "ماونت لوفتي" للنباتات منذ عشر سنوات، وقال مات كولتر، وهو أحد المشرفين على الحديقة "حين فتحت الباب هذا الصباح كاد يغمى علي من رائحتها"، وعبر كولتر الذي تعهد الزهرة لمدة 8 سنوات عن فرحه الغامر لتفتحها، وقال إن مصدر النبتة جزيرة سومطرة الإندونيسية ، لذلك يوفرون لها الدفء في الشتاء والبرودة في الصيف، وكذلك درجة عالية من الرطوبة، ويجري تلقيح الزهرة بواسطة النحل وحشرات أخرى تنقل غبار اللقاح من زهرة لأخرى.

وقد اصطف عدد كبير من الزوار لمشاهدة الزهرة واستنشاق رائحتها، وستبقى الزهرة متفتحة لمدة 48 ساعة ثم ستذبل.

اكتشاف حفريات لزهرة قاتلة

لا يغرنك جمالها .. إنها زهرة اكتشفت حديثا وهي محفوظة بحالة ممتازة وسط عصارة شجرية متحجرة من الكهرمان (العنبر) لكنها شديدة السمية.. أعلن العلماء اكتشاف هذه الزهرة التي عاشت منذ نحو 20 إلى 30 مليون سنة واسمها العلمي (ستريكنوس ايليكتري) ووجدت مطمورة وسط العنبر عند سفح جبل في جمهورية الدومنيكان.

يقول الباحثون إنها كانت ضمن طائفة من الزهور التي تحتوي على مركبات شديدة السمية والتي يشتق من أشباهها حاليا مواد سامة مثل الاستريكنين القاتل والكورار وهو من أشباه القلويات السامة، وعثر العلماء على نموذجين من هذه الزهرة الأنبوبية الشكل طول الواحدة نحو عشرة ملليمترات مدفونة وسط العنبر فيما أصيب هؤلاء العلماء بدهشة بالغة لحالة الحفظ الممتازة التي وجدت عليها الزهرة إذ تعتبر واحدة من أفضل حفريات الزهور على الإطلاق، قالت لينا شتروفي عالمة النبات بجامعة روتجيرس "هذا الغلاف الكهرماني يشبه آلة الزمن فهي نموذج متجمد من الحياة ويمكننا أن نعيدها إلى الحياة ونخضعها للدراسة. وهي في حالة لا يتخيلها المرء من حسن الحفظ لم يمسسها أحد وظلت في حالتها الأصلية بلا تشوهات أو إصابات وتبدو كما لو كانت قد سقطت لتوها من غصنها وسط مادة راتنجية لزجة". بحسب رويترز.

وقال جورج بوينار عالم الحشرات وخبير العنبر بجامعة ولاية أوريجون إن هذه الزهور كانت تعيش في غابات مدارية رطبة وسط أنواع مختلفة من الشجيرات والحشائش والكروم المتسلقة، وأضاف "حفريات الزهور نادرة تحت أي ظروف وتلك المحفوظة وسط العنبر تطرح الدليل الوحيد على الزهور العتيقة بالمناطق الحارة نظرا لأن سرعة تحلل هذه النباتات الرقيقة وسط درجات الحرارة اللافحة والرطوبة العالية تحول دون حفظها بين الصخور الرسوبية" وهو نوع الصخور الوحيد الذي توجد به الحفريات.

يمثل العنبر مصدرا خصبا لطمر الحفريات التي يرجع عهدها إلى 130 مليون سنة ومنها البعوض وذبابة الرمال والعناكب وذوات الألف رجل والقراد والضفادع والسحالي والسلمندر. وفي فيلم (حديقة الديناصورات) والأفلام الأخرى التي أُسْتوحي منها كان الدم الذي أستخلص من أمعاء البعوض هو مصدر الحمض النووي (دي إن ايه) الذي تم تخليق الديناصورات منه، وزهرة (ستريكنوس ايليكتري) المكتشفة حديثا إحدى ثلاثة أسلاف ضخمة نشأت عنها النباتات الزهرية منها ما يعرف باسم عائلة النجميات التي تضم أيضا دوار الشمس (عباد الشمس) والبطاطا والبن والنعناع، وقالت شتروفي في الدراسة التي وردت نتائجها بدورية (نيتشر بلانتس) "إنه لأمر مذهل ومثير أن تبقى هذه القطعة من العنبر سليمة طيلة ملايين السنين ثم نعثر عليها وتصبح بين أيدينا لنستخدمها في البحوث".

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا