الذكاء في الإنفاق!

موقع للعلم

2023-12-11 06:17

بقلم: ساني سي جولد

عندما أتأمل نظرتي إلى الميزانية الجديدة لعائلتي، أرى أنها مثل صديقتي المقربة وفي الوقت نفسه عدوي اللدود. فقد أتاحت لي هذه الميزانية أن أقلل من ساعات عملي بحيث يصبح لديَّ وقت لإحضار ابني الصغير من روضة الأطفال التي يذهب إليها وإعداد وجبة العشاء لأسرتي، وهي أمور أحبها؛ ولكنها في الوقت نفسه أجبرتني على الاستغناء عن أشياء "أرغب في شرائها"، وهذا أمر لا أحبه، بل إنني في الحقيقة أكرهه. لقد عشت حياة مدلَّلة مدةً طويلة بفضل وظيفتي وزواجي الذي أضاف راتب زوجي إلى راتبي وثقافتنا المجتمعية القائمة على بطاقات الائتمان والاستهلاك الشامل. ومن ثَم، فحتى الآن لا يبدو من الطبيعي بالنسبة لي أن أحاول كبح جماح نفسي بذكاء، ولكن لديَّ أمل في أن تساعدني النصائح التالية من خبراء في أبحاث التسويق وعلم النفس لأصبح أكثر ذكاءً في طريقة إنفاقي على نحو يجعلني أكثر سعادة. وأتمنى أن تساعدكم أنتم أيضًا.

1- احترس من تأثير الأشياء المبهرة. ينبهر البشر بالأشياء اللامعة الجديدة، وبطبيعة الحال فإن المتاجر وصالات عرض السيارات ومواقع الويب كلها تكتظ بتلك الأشياء التي نراها معروضة هناك تغرينا بإنفاق أموالنا على اقتنائها. تقول إليزابيث دان -أستاذ علم النفس بجامعة بريتيش كولومبيا والمؤلف المشارك لكتاب "المال السعيد: علم الإنفاق الذكي" Happy Money: The Science of Smarter Spending (سايمون وشوستر، 2013)-: "الأشياء الجديدة والمختلفة تستحوذ على انتباهنا سريعًا". وقد أظهرت العديد من الدراسات التي أجريت عن طريق التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي أنه عندما يرى البشر شيئًا جديدًا، فإن "مركز الإبداع" في الدماغ، المعروف باسم المادة السوداء/ المنطقة الغشائية البطنية يصبح نشطًا. ووفقًا للنتائج التي توصلت إليها دراسة أُجريت في عام 2007 في كلية لندن الجامعية، فإن مجرد توقع التفاعل مع شيء جديد يطلق شلالًا من النشاط في منطقة المادة السوداء/ المنطقة الغشائية البطنية.

لذلك فإن علينا تسليح أنفسنا بهذه المعرفة عندما نشعر برغبة عارمة في إنفاق أموالنا على شيء جديد لا نحتاج إليه حقًّا؛ فإن ما نراه شيئًا جديدًا الآن سوف يصبح يومًا ما قديمًا وأقل إبهارًا بكثير. تقول دان: "إن اقتناء سيارة فارهة جديدة سوف يمنحك قدرًا أكبر من السعادة مدةً ما، ولكنك سريعًا ما ستعتاد على المقاعد الفارهة وعجلة القيادة المكسوة بالجلد الفاخر التي أسرت انتباهك في البداية، كما أن هذه الأشياء سوف تتراجع إلى خلفية المشهد وأنت تلهث مسرعًا في الصباح لتلحق بعملك".

2- اشترِ لنفسك بعض الوقت. تقول دان إن استخدام الأموال بذكاء أمر يجعلك تستمتع بنعمة الوقت. وجدت دان وزملاؤها في دراسة نُشرت في أبريل 2016 في دورية "سوشيال سايكولوجي آند بيرسوناليتي ساينس" Social Psychological and Personality Science أن الأشخاص الذين يقدِّرون قيمة الوقت أكثر من المال يحققون مستويات أعلى من السعادة والرضا بالحياة. فتقول دان: "ربما تشتري إحدى السيدات مكنسة كهربائية للمنزل من طراز "رومبا" حتى لا تضطر إلى قضاء يوم الإجازة في الكنس، ولكن ماذا إذا كانت تشتري الزوج الخامس من الأحذية السوداء ذات الكعب العالي؟ في هذه الحالة سنخبرها أن استخدام المال لتحسين الطريقة التي تقضي بها ساعات اليوم يُعَد أحد أفضل الطرق المباشرة نحو تحقيق السعادة".

3- لا تنفق في أوقات الاكتئاب. يذهب كثير من الناس للتسوق وهم يتعرضون لضغوط شديدة أو في أوقات الضيق، وقد انتشرت هذه الحالة لدرجة جعلت قاموس أكسفورد للُّغة الإنجليزية يُدرج مصطلح retail therapy أي "العلاج بالتسوق". ورغم أن هذه الظاهرة غير مُعترَف بها في الطبعة الخامسة من "الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية"، وهي الطبعة الأحدث من ذلك الدليل الذي يُعَد بمنزلة "الكتاب المقدس" للطب النفسي، فإن الأبحاث تشير إلى أنه ينبغي ألا نتجاهلها. وقد أظهرت الدراسات التي أجرتها عالِمة النفس جينيفر ليرنر -المؤسس المشارك لمختبر هارفارد لعلوم القرار- أن الحزن يزيد من استهلاك السلع والطعام على حد سواء. ولا يقتصر الأمر على ذلك، ولكن في دراسة نُشرت في دورية "سايكولوجيكال ساينس" Psychological Science في عام 2008 أوضحت ليرنر أن الشعور بالاكتئاب أيضًا يجعل الأشخاص على استعداد لدفع أسعار أعلى، وقد أطلقت ليرنر وزملاؤها على هذه الحالة اسم "تأثير البؤس لا يؤدي إلى البخل". وربما يفسر هذا طلب شراء الحذاء الجلدي الفاخر الذي قدمته على موقع Zappos.com في منتصف ليلة عصيبة للغاية. (لا حاجة للقول بأنني قد قمت بإعادة الحذاء مرة أخرى).

4- تجاهل الأسعار (إلى حد ما). لا تعني هذه النصيحة أننا لا ينبغي أن نستفيد من انخفاض الأسعار أو مقارنة أسعار المتاجر المختلفة عند التسوق، ولكن ينبغي لنا الاحتراس من مواسم "التخفيضات" بطبيعة الحال، وذلك وفق عالمة النفس كيت يارو، مؤلفة كتاب "فك شفرة عقل المستهلك الجديد" (وايلي، 2014). فتقول يارو: "بوصفي من المتخصصين في دراسة الأجناس البشرية أقضي وقتًا طويلًا في البحث تحت الأَسرَّة وفي أعماق الدواليب عن السلع التي "لم" يستفد منها المشتري، أو ما يمكن أن نطلق عليه "المشتريات الخطأ". وأجد الكثير من السلع التي جرى شراؤها في أوقات التخفيضات. قد يكون بعضها اتضح أنه اللون الخطأ أو المقاس غير المناسب أو النكهة غير المحببة، ولكن سعره كان مناسبًا؛ فهي في الحقيقة ليست أشياء يريدها المتسوق أو يحتاجها، ولكنه يشتريها فقط للاستمتاع بنشوة الشراء بسعر رائع".

إنني من المهووسين بموسم التخفيضات، ولقد أهدرتُ أموالًا طائلة على مدار السنين على مجموعة من الأشياء غير المفيدة. لكن ربما تساعدني تلك النصيحة الأخيرة الحكيمة من د. يارو على مقاومة الانزلاق من جديد إلى عادات الإنفاق القديمة في المرة القادمة التي أرى فيها لافتة كُتب عليها خصم 50%، "ركز على ما تستغني عنه وليس فقط على ما تأخذه. فغالبًا ما يشعر المتسوقون بالإثارة بشأن عرض معين، حتى إنه يغيب عن بالهم تمامًا المال الذي ينفقونه، وما يمكن لهم شراؤه بدلًا من تلك السلعة".

إن الاستغناء عن ذلك الحذاء -على سبيل المثال- قد يوفر لي ما يكفي من المال لقضاء سهرة بمفردي مع زوجي، وبالنسبة لأبوين لطفلين صغيرين، ربما يكون هذا في الحقيقة شيئًا لا يُقدَّر بثمن.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي