التعليم العالي الأمريكي وغياب العدالة الاجتماعية
وكالات
2023-07-13 08:00
خلف قرار المحكمة العليا الأمريكية بإلغاء برنامج أقره الرئيس جو بايدن في 2022 لشطب الديون الطلابية، استياء كبيرا لدى الأمريكيين الذين كانوا يعولون على هذا البرنامج لتخفيف أعباء هذه القروض التي ترافقهم على مدى سنوات طويلة وتعيق تقدم المسار المهني للعديد منهم وتضع أمامهم عددا من الحواجز الاقتصادية. فيما سارع بايدن إلى الكشف عن "خطة جديدة" لتخفيف أعباء الديون الطلابية إذ يرزح نحو 43 مليون أمريكي تحت عبء قروض طلابية بقيمة 1,6 تريليون دولار.
فقد منعت المحكمة العليا خطة الإعفاء من قروض الطلاب التي وضعتها إدارة بايدن، مما أدى إلى إبطال برنامج يهدف إلى تقديم ما يصل إلى 20 ألف دولار من الإعفاء لكل شخص من ملايين المقترضين الذين يعانون من الديون المستحقة في أعقاب جائحة كورونا.
وقالت محكمة أمريكية إن وزارة التعليم ليس لديها السلطة لـ"إلغاء 430 مليار دولار من قاعدة قروض الطلاب".
كتب رئيس المحكمة العليا جون روبرتس للأغلبية: " يؤكد الوزير أن قانون HEROES يمنحه سلطة إلغاء 430 مليار دولار من أصل قرض الطالب"، ثم أضاف: "هذا القانون لا يفعل ذلك".
وأردف قائلا: "نرى اليوم أن القانون يسمح للوزير "بالتنازل أو تعديل" الأحكام القانونية الحالية"، لكنه لا يسمح له بـ"بإعادة كتابة هذا القانون من الصفر".
وقال إن الحكومة بحاجة إلى تفويض مباشر من الكونغرس قبل محاولة محو ما يقدر بنحو 430 مليار دولار من ديون قروض الطلاب الفيدرالية تحت ستار الوباء.
وكتب روبيرتس: "لا يمكن وصف خطة الوزير الشاملة لإلغاء الديون بأنها تنازل - فهي لا تلغي الأحكام الحالية فحسب، بل تزيدها وتوسعها بشكل كبير".
وعبر أمريكيون عن خيبة أملهم من قرار إلغاء برنامج الرئيس جو بايدن لشطب الديون الطلابية، وهو البرنامج الذي كان سيمنح عشرات الملايين إعفاءات قد تصل نصف المبالغ التي يتوجب عليهم تسديدها.
كلفة التعليم العالي
استدانت ساترا د. تايلور 40 ألف دولار لإكمال تحصيلها الجامعي في الولايات المتحدة، وستضطر لتسديده كاملا بعدما حرمها قرار المحكمة العليا الجمعة إلغاء برنامج الرئيس جو بايدن لشطب الديون الطالبية، من فرصة إعفائها من نصف هذا المبلغ.
وقالت تايلور لوكالة فرانس برس خارح مبنى المحكمة في العاصمة الأميركية "لقد أوجدنا نظام التعليم العالي الجائر وغير المتساوي والباهظ الكلفة، والآن علينا إصلاحه".
وفي دليل على كلفة التعليم الجامعي في بلادها، اضطرت هذه الشابة البالغة 27 عاما، لاستدانة 40 ألف دولار، وأضافت إليها منحة جامعية ومساعدات مالية أخرى، للتمكن من نيل شهادتها.
يرزح نحو 43 مليون أميركي تحت عبء ديون طالبية بقيمة 1,6 تريليون دولار، ويضطر كثيرون الى سدادها على مدى عقود، في التزام مالي منهك يترافق مع بدء مسيرتهم المهنية أو تأسيس عائلة.
وأعلن بايدن في آب/أغسطس 2022 برنامجا يقضي بشطب ما يصل إلى 20 ألف دولار من الديون الطالبية لمن ينتمون الى طبقات محدودة أو متوسطة الدخل، بقيمة إجمالية بلغت 400 مليار دولار.
لكن المحكمة العليا أعلنت إلغاء البرنامج، مبررة ذلك بأن بايدن تجاوز صلاحياته، وكان عليه الحصول على موافقة الكونغرس نظرا لكلفته المالية الباهظة على خزينة الدولة الأميركية.
ورأت تايلور التي كانت ضمن مجموعة شبابية تحتج خارج مبنى المحكمة، أنه "يجدر بكل أميركي يريد متابعة تعليمه العالي أن يتمكن من القيام بذلك".
وأشارت العضو في مجموعة "يانغ اينفينسيبيلز" للمناصرة الشبابية الى أن الكثير من الطلاب لا يملكون ما يكفي من المال "لدفع كلفة جامعاتهم... يجب أن تكون معفية من الديون".
واعتبرت تايلور، وهي من أصول إفريقية، أن قرار إلغاء برنامج شطب الديون يعدّ نكسة للطلاب من ذوي الأصول الإفريقية أو اللاتينية "الذين استفادوا بنسبة أكبر من هذا الاعفاء".
ورأت أن قرار المحكمة العليا "ليس فقط مسألة تتعلق بالعدالة الاجتماعية، بل أيضا بالعدالة العرقية".
الأجيال المقبلة
وأكدت أنها لم تفاجأ بقرار المحكمة التي يهيمن عليها قضاة محافظون.
وجاء إلغاء برنامج شطب القروض غداة قرار آخر للمحكمة حظرت بموجبه اعتماد الجامعات معايير على صلة بالعرق أو الإتنية لقبول الطلاب، ملغية بذلك ممارسة مطبّقة منذ عقود عزّزت الفرص التعليمية لأميركيين متحدّرين من أصول إفريقية وأقليات أخرى.
وسارع بايدن ليل أمس للإعلان عن "خطة جديدة" لتخفيف ديون الطلاب "بأسرع وقت ممكن" ردا على قرار المحكمة.
وقال في خطاب متلفز "أعلم أنّ هناك ملايين الأميركيين في هذا البلد يشعرون بخيبة أمل وبإحباط أو حتّى ببعض الغضب. عليّ أن أعترف أنّني أنا أيضاً أشعر بذلك"، مؤكدا أن إدارته ستقرّ إجراءات "لتخفيف أعباء الديون الطالبية عن أكبر عدد ممكن من المقترضين وفي أسرع وقت ممكن".
بالنسبة الى مينا شولتس (37 عاما) التي استدانت 65 ألف دولار، لا يقتصر تأثير الديون الطالبية على حيّز معيّن بل يطال الاقتصاد الأميركي بمجمله.
وتتحدث لفرانس برس عن "النعمة" التي حلّت على ملايين الأميركيين جراء قرار الرئيس السابق دونالد ترامب تجميد سداد القروض الطالبية خلال الجائحة.
وأوضحت خريجة جامعة جورج واشنطن إن الناس "تمكنوا من المساهمة في الدورة الاقتصادية بشكل أكبر"، أكان في الانفاق على المواد الغذائية أو دفع إيجارات المنازل.
وكانت شولتس مؤهلة للاستفادة من شطب 10 آلاف دولار من قرضها الطالبي، ورأت أن هذا المبلغ "كان ليساعدني حقا".
وأوضحت أن مبلغا كهذا يعد "ضخما" بالنسبة لكثيرين، مشيرة الى أنها ستدفع 340 دولارا شهريا مع استئناف سداد الدين في الفترة المقبلة.
وفي المكان نفسه، لم تتمكن شانا هاينز (34 عاما) من السيطرة على مشاعرها أثناء حديثها الى وسائل الإعلام: فدينها الطالبي ارتفع الى 150 ألف دولار بعد إضافة الفوائد الى قيمته الأساسية التي كانت 130 ألفا.
وقالت بتأثر "أطلب منكم أن تتذكروا أن أزمة الدين الطالبي تؤثر على أجدادنا وأهلنا... وصولا الى أولادنا والأجيال المقبلة".
معايير على صلة بالعرق
من جهة أخرى حظّرت المحكمة الأميركية العليا اعتماد معايير على صلة بالعرق أو الإتنية لقبول الطلاب في الجامعات، في قرار يلغي ممارسة مطبّقة منذ عقود عزّزت الفرص التعليمية لأميركيين متحدّرين من أصول إفريقية ولأقليات أخرى.
بعد عام على نقضها الضمانة لحق النساء في الإجهاض، أثبتت الغالبية المحافظة في المحكمة مجدّدا أنها مستعدة لإلغاء سياسات ليبرالية مدرجة في نصوص قانونية منذ ستينيات القرن الماضي.
ولقي قرار حظر "التمييز الإيجابي" الذي أصدرته المحكمة بمساهمة قوية من ثلاثة قضاة عيّنهم دونالد ترامب خلال ولايته الرئاسية، ترحيب محافظين، في حين ندّد به تقدّميون.
وصوّت القضاة المحافظون الستة لصالح حظر اعتماد المعايير في حين صوّت القضاة الليبراليون الثلاثة ضد الحظر، في قرار صدر بعد استياء لدى اليمينيين تراكم مدى سنوات إزاء برامج ترمي إلى ضمان التنوّع على صعيد قبول الطلاب في الجامعات أو الموظفين في الشركات أو المؤسسات الحكومية.
وجاء في نص القرار الذي صاغه رئيس المحكمة العليا القاضي جون روبرتس أن "التمييز الإيجابي" كانت "النوايا منه حسنة" لكن لا يمكن أن يبقى مطبّقا إلى الأبد، وانطوى على تمييز غير دستوري ضد آخرين.
وتابع روبرتس "يجب أن يعامل الطلاب بناء على خبراتهم كأفراد وليس بناء على العرق".
وتركت المحكمة للجامعات حرية أخذ معاناة مقدّمي الطلبات في الاعتبار، على غرار ما إذا عانوا من التمييز العنصري خلال نشأتهم، في المفاضلة بين طلباتهم وطلبات طلاب آخرين ممن يمتلكون مؤهلات أكاديمية أقوى.
لكن روبرتس شدّد على أن الاختيار بشكل أساسي بناء على لون البشرة ينطوي في ذاته على تمييز.
وأعرب الرئيس الأميركي جو بايدن عن "خيبة أمل شديدة" موجّها انتقادات لقضاة المحكمة.
وقال بايدن "التمييز لا يزال موجودا في الولايات المتحدة"، وتابع "أعتقد أن جامعاتنا تكون أقوى عندما تكون متنوّعة عرقيا".
واتّهمت عضو المحكمة القاضية سونيا سوتومايور الغالبية بالتعامي عن الحقيقة، واعتبرت أن "تجاهل العرق لن يفضي إلى مساواة في مجتمع غير متساو عرقيا".
وقال ترامب الذي غالبا ما يتغنى بمنح المحافظين غالبية في المحكمة العليا "إنه يوم عظيم لأميركا".
في المقابل وصف السناتور الديموقراطي المتحدّر من أصول إفريقية كوري بوكر القرار بأنه "ضربة مدمّرة" للنظام التعليمي في الولايات المتحدة.