مجتمعات شائخة: هل سنشهد عالماً يكثر فيه المسنون؟
مروة الاسدي
2019-01-10 07:05
هل سنشهد عالماً يكثر فيه المسنون؟، نعم فالعالم ليس فقط للشباب، لذا على دول العالم أن تتحضر لزيادة غير مسبوقة في عدد كبار السن، هذا ما اكدته التوقعات بالأرقام في ان يسجل عدد الاشخاص البالغين 65 عاما وما فوق ارتفاعا يقارب الضعف خلال العقود الثلاثة المقبلة ليصل الى 88 مليونا بحلول سنة 2050، كما أن عدد سكان العالم البالغين فوق 80 عاما سيسجل ارتفاعا بواقع ثلاثة اضعاف بين سنتي 2015 و2050 ليبلغ 446,6 مليونا في مقابل 126,4 مليونا سنة 2015. كذلك فإن امد الحياة المتوقع عند الولادة سيزيد بحوالي ثمانية اعوام لينتقل من 68,6 سنة الى 76,2 سنة بحلول 2050.
وفي بعض بلدان اسيا واميركا اللاتينية، من المتوقع ان يرتفع عدد الاشخاص فوق سن 80 عاما بواقع اربعة اضعاف بحلول سنة 2050 وفق معدي التقرير، ولدى هذه الفئات من المسنين، تمثل الامراض غير المعدية (بينها السرطان والزهماير) العبء الاكبر على صعيد الصحة العامة. وفي البلدان الفقيرة خصوصا في افريقيا، تضاف الامراض المعدية الى هذه العوامل، ومن المتوقع ان يقارب عدد سكان العالم عشرة مليارات نسمة بحلول سنة 2050 في مقابل 7,3 مليارات سنة 2015 بحسب تحليل يصدره كل عامين المعهد الفرنسي للدراسات السكانية.
على صعيد ذي صلة يسعى العلماء إلى الحد من تداعيات التقدم في السن من خلال الوقاية من تدهور القدرات الناجم عن الشيخوخة وزيادة عدد السنوات التي يعيشها الإنسان بصحة جيدة، وحتى إطالة أمد العيش، من جهة أخرى أوضحت دراسة فرنسية أجريت على آلاف من كبار السن على مدار 25 عاما أن معدل التدهور الإدراكي لدى كبار السن الذين يعانون من ضعف السمع ويستخدمون سماعات هو نفس معدله لدى كبار السن الذين لا يعانون من مشاكل في السمع، وأوضحت دراسات سابقة صلة بين فقدان السمع والتدهور الإدراكي لدى المسنين لكن القليل من الدراسات تابعت المشاركين لمدة ربع قرن.
في بولندا تسعى الجهات المسؤولة تعزيز مناهج طلبة الطب وحثهم على التعاطف مع المرضى المسنين، اما في انجلترا يوجد أكثر من 90 في المئة من دور رعاية العجزة التي خضعت للتفتيش حتى الآن صنفت على أنها "جيدة" أو "رائعة"، على صعيد آخر وجد الباحثون بكلية كينغز في لندن أن التدريبات العقلية أبقت العقول حادة، وساعدت الناس على القيام بالمهارات اليومية مثل التسوق والطبخ، على صعيد مختلف، احتفلت شابة كولومبية ببلوغها الخامسة عشرة رغم اصابتها بمرض الشيخوخة المبكرة، ومهما اختلاف الفئات العمرية لدى الانسان تبقى الاردة والعمل هما ميزان التطور لرفاهته، فيما يلي ادناه مجموعة من الدراسة والاخبار بشأن كبار السن في العالم.
تسارع ارتفاع معدل اعمار سكان العالم
اظهر تقرير للمكتب الاميركي للاحصاء أن معدل الاعمار لدى سكان العالم يرتفع بوتيرة غير مسبوقة اذ ان الاشخاص فوق سن الخامسة والستين سيمثلون ما يقرب من 17 % من سكان العالم بحلول سنة 2050 في مقابل 8,5 % حاليا، وبينت هذه التقديرات أن عدد الأشخاص فوق سن 65 عاما سيبلغ 1,6 مليار بحلول سنة 2050 في مقابل 617 مليونا حاليا، وأشار ريتشارد هودس مدير المعهد الوطني الاميركي للشيخوخة التابع للمعاهد الوطنية الاميركية للصحة الى ان "المسنين يمثلون نسبة من سكان العالم تسجل ازديادا سريعا".
وأضاف في بيان "الناس يعيشون اعمارا اطول لكن ليس بالضرورة بصحة افضل... وهذا الارتفاع في معدل اعمار السكان يطرح تحديات عدة على صعيد الصحة العامة يتعين علينا التحضر لمواجهتها"، من ناحيته قال جون هاغا احد مدراء المعهد الوطني للشيخوخة "نلاحظ ارتفاعا في معدل اعمار السكان في كل بلدان العالم"، مضيفا "ثمة عدد كبير من البلدان في اوروبا وآسيا اكثر تقدما في هذه العملية السكانية او ان معدلات الاعمار فيها ترتفع بوتيرة اسرع من تلك المسجلة في الولايات المتحدة". بحسب فرانس برس.
واعتبر هاغا أن ارتفاع معدل الاعمار يطال عددا كبيرا من الجوانب في المجتمع -- الرعاية الطبية والتقاعد وعالم العمل والنقل والسكن --، ما يعني وجوب "تعلم الكثير من الامور المحتملة في اوضاع مختلفة في البلدان".
العلماء يسعون الى الحد من آثار الشيخوخة
صرح لويجي فونتانا الأستاذ المحاضر في الطب في جامعة واشنطن في سانت-لويس (ميزوري) أن "التقدم الذي أحرز مؤخرا سمح بفهم آليات الشيخوخة، فاتحا المجال لتدابير تسمح بتأخيرها"، ويثقل تقدم السكان في السن في البلدان المتطورة كاهل شركات التأمين وصناديق التقاعد التي باتت تواجه خطر الإفلاس، لذا من الضروري الحفاظ على صحة الكبار في السن واستقلاليتهم لأطول فترة ممكنة، على حد قول فونتانا.
وتتمحور هذه الأعمال على المفعول الكابح للشيخوخة الناجم عن تخفيض نسبة السعرات المستهلكة الذي سمح بإطالة أمد العيش والحفاظ على صحة الحيوانات المخبرية، من خلال التأثير على جينات شبيهة بتلك البشرية.
وقال الباحث إن "التشيخ هو نتيجة التدهور المتراكم للخلايا الناجم عن اضطرابات في الأيض"، موضحا أن "الميول الجينية هي التي تحدد وتيرة هذا التدهور"، ولا شك في أن العمر المتوقع قد طال كثيرا في خلال قرن خصوصا بفضل التقدم المحرز في مجال النظافة وتطوير لقاحات ومضادات حيوية
لكن العيش لفترات أطول قد يترافق مع أمراض ناجمة عن تدهور الخلايا، مثل السرطان وتلاشي العضلات وتراجع القدرات الذهنية، تفاقم من جراء الأنماط الغذائية غير السليمة وقلة الحركة، على ما أوضح لويجي فونتانا الذي أكد "بفضل التجارب التي أجريناها على الحيوانات، أصبحنا نعلم أنه من الممكن الحد من وتيرة التدهور أو حتى إبطائها".
وشرح الباحث "يمكننا التلاعب بالجينات وتعديل الفئران جينيا بحيث تعيش لفترة أطول بنسبة 60 % وحتى مضاعفة أمد عيش دودة أرضية تعرف بسي إليغنس وهي جميعها بصحة أفضل"، مشيرا إلى أن تخفيض السعرات المستهلكة يؤدي إلى آثار مماثلة على جينات الحيوانات والبشر على حد سواء، ويحضر فونتانا تجربة سريرية تقضي بجعل متطوعين يصومون لأسبوعين، وهو صرح "نسعى إلى إظهار أن الصوم لمدة أسبوعين كل خمس سنوات يساعد على تنشيط آلية جينية تسمح بإزالة الدهون من الجسم"، إذ أن الخلايا تحرق الرواسب المكدسة لتوليد الطاقة، ويعمل باحثون آخرون على جزيئات "ترميمية" لعمليات الأيض لها المفعول عينه مثل الصيام، وتتركز أبحاث أخرى على القطع النهائية (تيلومير) التي تحمي جوانب الصبغيات وتتقلص عند كل انقسام خلوي وتؤدي دورا كبيرا في السن البيولوجي.
ولفتت كارول غريدر الحائزة نوبل الطب والمسؤولة عن مختبر لدارسة التيلوميرات في كلية الطب التابعة لجامعة جونز هوبكنز (ماريلاند) إلى أن "15 آلية تقريبا تؤثر على مسار التشيخ"، والكثير من الأمراض المرتبطة بالتقدم في السن ناجم عن الانقسام الخلوي ويؤدي تقلص التيلوميرات دورا كبيرا في هذا الخصوص، على ما صرحت غريدر لوكالة فرانس برس. وعندما تنعدم التيلوميرات، تصبح الخلايا عاجزة عن الانقسام وتموت، وأكدت الباحثة "أنه من الممكن تعديل هذه الآلية للحفاظ على القطع النهائية وتفادي أمراض الشيخوخة أو تأخيرها"، وتساعد أنزيمة التيلوميراز في الحفاظ على التيلوميرات لكن فائض هذه الأنزيمة يتسبب بالسرطان، على حد قول غريدر.
تدرس مهتاب جعفري عالمة الصيدلة في جامعة كاليفورنيا في إيرفاين الآثار المكافحة للشيخوخة التي تتمتع بها القرفة والنبتة المعروفة بروديولا روزيا وهي نبتة قطبية ساد استخدامها عند شعوب الفايكينغ، وسمحت هاتان النبتتان بإطالة أمد عيش ذباب الخل الذي يتمتع بمجين شبيه بذاك الموجود عند البشر. ويعتزم الباحثون إطلاق تجارب سريرية مع أشخاص في عقدهم الثامن لدراسة مفعول القرفة وبروديولا روزيا على البشر، وأكدت غريدر أن الاتقاء من هذه الأمراض يسمح بالعيش بصحة جيدة لفترة تتراوح بين 110 سنوات و120 سنة، لكنها أعربت عن تحفظات إزاء احتمال إطالة العمر من خلال التلاعب بالجينات، إذ أن الشيخوخة تأتي نتيجة عدة آليات حيوية معقدة.
أقراص ضد الشيخوخة .. حلم البقاء شاباً إلى الأبد!
من أحلام البشرية التي يصعب تحقيقها، عدم الشيخوخة والبقاء في عمر الشباب. لكن الأمر قد يصير اليوم حقيقة، بعد تجربة حديثة تمكن فيها باحثون من إطالة عمر الفئران عن طريق إبطاء عملية الشيخوخة لخلاياها باستخدام دواء جديد.
قام فريق بحث من معهد "وايزمان" للعلوم في إسرائيل مؤخرا بفك شيفرة تكشف عن كيفية تأثير الجهاز المناعي في عملية الشيخوخة. ووفقا لهذه الدراسة التي نشرها موقع "heilpraxis" الألماني، فإن تزايد العمر يؤدي إلى زيادة عدد الخلايا القديمة في الجسم التي تشكل بدورها خطرا على جهاز المناعة. هذه الخلايا محدودة في وظيفتها، وأحيانا يمكن أن يكون لها ضرر لا يمكن إصلاحه، حسب الموقع.
ولكن مع دواء تم تطويره حديثا، تمكن الباحثون من إبطاء عملية الشيخوخة لدى الفئران، مما زاد من عمرها. وهو ما يعني إمكانية تطبيق الأمر على الإنسان كذلك، حسب الباحثين. وقد نشرت نتائج هذه الدراسة مؤخرا في مجلة "nature communication" الشهيرة.
الفريق الذي أشرف عليه البروفيسور فاليري كريزانوفسكي والدكتور يوسي أوفاديا، يصف كيفية تسبب خلايا الشيخوخة في مشاكل لجهازنا المناعي مع تقدم العمر. وقد توصل الفريق إلى أنه كلما تقدمنا في السن، كانت الخلايا القديمة أكثر تداولا في أجسامنا.
خلال دراستهم، وجد الباحثون أن تحول الخلايا يمكن إبطاءه عن طريق تثبيط عمل بعض البروتينات. كما رأوا أنه في الواقع هناك طريقة قادرة على تطوير العلاج لمكافحة الشيخوخة للبشر. وفي هذا الإطار، يسعى فريق البحث للعمل على كيفية تحريك نظام المناعة البشري للتخلص من الخلايا القديمة بشكل أسرع. وسيتم ذلك من خلال صنع أقراص ضد الشيخوخة، إذا ثَبُتت صحة نظريتهم طبعا.
وفي انتظار الأقراص الجديدة، ربما يلجأ البعض إلى طرق أخرى غير علمية أو بحثية تقيهم الشيخوخة. وقد تكون نصائح الصحفي الكندي كارل هونور الذي ينشر كتباً حول الاستمتاع في الحياة والتغلب على مشاكلها، مفيدة لمن يهتم بهذه الجوانب. مثلما نشر في كتابه الأخير "B(OLDER) Bolder" الذي يعالج مسألة الاستمتاع بالحياة لفترة أطول.
ونقلت صحيفة "الغارديان" البريطانية، نصائح لكارل هونور من ضمنها عدم التفكير في كونك مُسن، لأنك لو فكرت بتلك الطريقة فستصير حتما كذلك. ثم يقول : "قاوم الأفكار النمطية التي تواجهك حيثما رحلت وارتحلت، وتحدى نفسك من خلال تجربة أشياء جديدة. وأشار الكتاب إلى أن الرياضة والأكل الصحي مهمان للجسم والعقل وبالتالي فالمحافظة عليهما يعني الاستمتاع بحياة الشباب رغم كبر السن.
زيادة عن ذلك، ينصح الصحفي الكندي بالبحث عن قدوة ملهمة مثل الرسام والنحات الإيطالي مايكل أنغلو، الذي عاش حتى سن 88 عاماً وقضى العشرين سنة الأخيرة من حياته في هندسة وبناء كاتدرائية القديس بطرس في روما.
الكتاب الذي حقق مبيعات مهمة، يوصي المتقدمين في العمر بالسعي الدائم وراء تحقيق أحلامهم، بالإضافة إلى الاختلاط بأجيال من أعمار مختلفة. ويبدو أن الصدق وخاصة الإجابات الصريحة قد تمدك بطاقة وراحة مهمة، هذا إلى جانب العيش بطريقة طبيعية، لأن الجنس والحب والرومانسية ليست أمورا شبابية فقط، وإنما هي دليل لزراعة الفرح في قلب كل شخص.
ما هو سر بقاء كثير من المسنين بصحة جيدة؟
لا تزال ماري هيلين ابوت رغم بلوغها سن السابعة والسبعين تضع احمر شفاه زهريا فاقعا وترتدي تنانير قصيرة في حصص اللياقة البدنية... فهذه المسنة تشارك في دراسة علمية لاكتشاف اسرار الحفاظ على صحة جسدية ونفسية جيدة في خريف العمر.
ففي حين يسعى بعض الاخصائيين الى تطوير ادوية للوقاية او المعالجة من اعراض الخرف المرتبطة بالتقدم في السن، يهتم آخرون كالاخصائي في الطب العصبي النفسي ديفيد لوينشتاين من جامعة ميامي في ولاية فلوريدا جنوب شرق الولايات المتحدة بالاشخاص الذين لا تصيبهم هذه الاعراض. بحسب فرانس برس.
ويقول لوينشتاين "ادرس مرض الزهايمر لكن اذا ما اردنا كشف الغاز الدماغ علينا ايضا معرفة السبب وراء الشيخوخة السليمة لبعض الاشخاص"، ولهذه الغاية، يمول المعهد الاميركي للصحة دراسة ممتدة على خمس سنوات تشمل اشخاصا تراوح اعمارهم بين 63 و100 عام غير مصابين بأي حالة مشخصة من الخرف، ويتميزون إما بصحة عقلية سليمة او انهم يظهرون علامات مبكرة عن فقدان الذاكرة.
ويتطرق لوينشتاين الى دراسات خلصت سابقا الى ان حوالى ثلث الاشخاص فوق سن 85 عاما يعانون الخرف. اما ثلث اخر من هؤلاء فكشفت فحوص اجريت عليهم بعد الوفاة وجود نسبة كبيرة من مؤشرات الخرف في الدماغ في حين أن هؤلاء الاشخاص كانوا في وضع سليم خلال حياتهم، ويضيف لوينشتاين "كيف استطاع هؤلاء الاشخاص عيش حياة طبيعية؟ العلم لم يقدم جوابا على هذا التساؤل. وهذا هو ما نحاول اكتشافه".
ومن أصل نحو مئة شخص يشاركون حتى اليوم في الدراسة، يعيش اكثر من اربعين في قرية ايست ريدج للأشخاص المتقاعدين محاطين بأعداد كبيرة من حيوانات الطاووس البرية وسط اشجار النخيل وعربات الغولف المتنقلة في داخل مساحات خضراء مصانة بعناية فائقة، تكلفة العيش في هذا المكان ليست بخسة البتة. فيتعين على الراغبين في الاقامة في هذه القرية دفع حوالى 111 الف دولار للانتقال الى الموقع من ثم دفع ايجار شهري لا يقل عن 2700 دولار، وبعد فترة وجيزة على وصولها الى المكان قبل سبع سنوات، بدأت المربية السابقة في مدرسة اعدادية غوين نورث البالغة 85 عاما لكنها تبدو اصغر من سنها الفعلي بعشرة اعوام، بالاهتمام بمتجرها للبضائع المستعملة. وتفاخر بأنها تعمل "لست ساعات اسبوعيا تقريبا".
أما زوجها آرت البالغ 86 عاما فمعروف بشخصيته المرحة وحبه لتشارك المعلومات ومهارته في اصلاح الاعطال الالكترونية، وخضع آرت وغوين لاختبارات ذاكرة وقدما عينات من النخاع العظمي لترصد الاثار البيولوجية الاولى للشيخوخة. حتى انهما يعتزمان التبرع بدماغهما لخدمة العلم، وعن سر شبابهما الدائم، تجيب غوين "الامر عائد الى الحفاظ على النشاط الجسدي والى الجينات السليمة".
من ناحيته يرى آرت أن الفضل في هذا الوضع يعود "ببساطة الى العمل والى زوجتي"، هذه النظرية تؤكدها بيانات علمية. وفي هذا الاطار تشير لورا كارستنسن مديرة مركز للبحوث في جامعة ستانفورد خلال مؤتمر في واشنطن الى "اننا نعلم منذ زمن طويل أن الناس الذين يعملون يتمتعون بصحة افضل مقارنة مع الاشخاص غير العاملين".