(الوحدة الاسلامية) بين القيمة الذاتية والاكتسابية

آية الله السيد مرتضى الشيرازي

2016-04-13 01:47

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولاقوه إلا بالله العلي العظيم.

أسعد الله أيامكم وأيام المؤمنين جميعاً بل الكائنات كافة بمولد بضعة المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) وعلى ذريتها وأشياعهم وأتباعهم وبهذه المناسبة العطرة سيكون الحديث امتداداً للبحوث السابقة معطراً ببعض كلماتها (صلوات الله عليها).

يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ * فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)([1])

وتقول الصديقة الزهراء (صلوات الله عليها) (وطاعتنا) أي جعل طاعتنا (نظاماً للملة وإمامتنا أماناً للفُرقة) بضم الفاء أو للفِرقة بكسرها.

هل الوحدة واجب نفسي أم غيري أم تهيؤئي؟

مضى شطر من الحديث حول آية الأمة الواحدة حيث يقول تعالى (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) وبقى شطرٌ آخر وهو الإجابة عن التساؤل الذي قد يطرح وهو: ان قيمة الوحدة (وحدة الأمة الإسلامية مثلاً وهي المصداق الأبرز للوحدة) هل هي ذاتية أم ان قيمتها اكتسابية؟ وبتعبير آخر هل للوحدة الموضوعية أم الطريقية؟ وبتعبير ثالث: هل الوحدة واجب نفسي وهل هي مطلوبة بذاتها أم هي واجب غيري ومطلوبة لغيرها والأصل هو الغير؟ وهل المصلحة تكمن في نفس الوحدة أم فيما تؤول اليه وفيما هي طريق إليه؟

وهناك نوع ثالث من الواجبات، عدى النفسية والغيرية، هو الواجب التهيؤي –كما أسماه بعض الأعلام– فينبغي تشخيص أن وجوب وحدة الأمة الاسلامية ولا بدّيتها هل هو بنحو الوجوب النفسي كوجوب الصلاة والصوم والحج ام هو بنحو الوجوب الغيري ام الوجوب التهيؤي؟

أ- ويراد بالواجب النفسي في احدى تفسيراته الأربعة: الواجب الحامل للمصلحة الملزمة،

ب- ويراد بالواجب الغيري: الواجب الطريقي المقدمي كما نصطلح عليه وان كان هناك فرق بين الواجب الطريقي والمقدمي إلا اننا دمجنا المصطلحين تسهيلاً، وذلك مثل نصب السلم للصعود على السطح أو المشي للوصول إلى الحج.

ج- أما النوع الثالث وهو الواجب النفسي التهيؤي، فيراد به ما ليس فاقداً للمصلحة الذاتية بالمرة ولا هو واجد للمصلحة الملزمة بل هو أمر بينهما وبعبارة أخرى([2]) ما ليس واجباً غيرياً محضاً ولا هو واجب نفسي محض وذلك مثل الوضوء فانه حامل لبعض المصلحة، كما انه – بوجه آخر- معد للمصلحة العظمى، ولكونه حاملاً لبعض المصلحة كان مستحباً ذاتياً فان الوضوء مستحب سواء أنوى الصلاة أم لم ينوها، ولكونه مقدمة ومعداً للصلاة ذات المصلحة العظمى كان واجباً، فمثل الوضوء لوحظت فيه حيثيتان: فبلحاظ ذاته الحاملة لبعض المصلحة صار بموجبها مستحباً نفسياً، وبلحاظ مقدميته للمصلحة الكبرى والعظمى وهي الصلاة صار واجباً غيرياً وبلحاظ مجموع ذلك عبّر عنه بكونه واجباً تهيؤيا، فلا هو فاقد للمصلحة بالمرة ليتمحض في الغيرية، ولا هو محتو على المصلحة الكاملة كلها ليكون واجباً نفسياً ليؤمر به لوحده بما هو هو مثل الصلاة والصوم والزكاة.

ويظهر من هذا التقسيم الثلاثي ان هذا السؤال جار في قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى)([3]).

الوحدة مطلوب غيري

والجواب ان الوحدة مطلوب غيري صرف وليست واجباً نفسياً، وقيمتها اكتسابية محضة وليست ذاتية بالمرة، كما سيظهر من مطاوي الحديث إن شاء الله، وذلك لوجوه ثلاثة:

أولاً: قيمة الوحدة اكتسابية بلحاظ متعلَّقِها ومصبِّها

ان قيمة الوحدة بقيمة المتعلَّق وحسنها مستوحى من حسن متعلّقها.

فإن كان متعلق الوحدة خيراً فهي خيراً، وإن كان شراً فالوحدة شر، وان كان مصبها على الحق فهي خير تنبع خيرّيتها من كون متعلقها حقاً، وإن كان مصبُّها او متعلّقها او موردها باطلاً فلا قيمة لها إطلاقاً بل تتحول الى ما يضاد القيمة، كما لو اتحدت الامة – فرضاً- أو اتحدت شرائح واسعة منها على الكذب أو تواطأت على السرقة والغش كما نلاحظ ذلك في بعض الحكومات التي اتفق ساستها على الخداع والدجل، في الشرق أو في الغرب، وكما شاهدنا ذلك في بعض البلاد التي بنيت على أخذ الرشوة حتى أصبحت الرشوة ظاهرة عامة فكأنها الهواء الذي تستنشقه! من سائق التاكسي إلى رئيس الجمهورية، بحيث اصبح قوام حياتهم على الرشوة والتعامل بالرشوة، وكنت لفترة استغرب جداً من الحكومة وانها لماذا لا تحول دون الرشوة الصريحة العامة في كل دوائر الدولة وعلى مختلف المستويات والتي تخالف نصوص الشريعة عند العامة والخاصة، حتى تبين لي أن الدولة هي التي تشجع على الرشوة من منطق ان رواتب الموظفين قليلة، فليرمموا الناقص من الرواتب بما يأخذونه من المراجعين الذين لا حول لهم ولا قوة!!.

وكما نلاحظ ذلك([4]) في بعض الجماعات التي اتحدت على ابطال الحق واحقاق الباطل، ومنها هي هيئات الامر بالمنكر والنهي عن المعروف في بلاد الحجاز، حيث اجتمع امرها وأمر الوهابية من ورائها على ان تنهى عن المعروف الواقعي!، وان تامر بالمنكر الواقعي والشرعي حتى على مبانيهم الفقهية والعقدية!.

نموذج تاريخي من الارهاب الفكري السياسي لإجبار الامة على الاجتماع على الباطل

وفي التاريخ الاسلامي نجد كيف ان نزراً قليلاً ممن اجتمع في السقيفة – وهي مكان ضيق ولعلها لا تسع الا لـ 50 شخصاً أو أكثر أو أقل – تواطئ على تغيير مسار الامة على طول التاريخ، وكيف انهم ارغموا الاكثرية بالارهاب والقوة والسيف على الخضوع لحكمهم ورأيهم فتوهم الكثيرون انهم بذلك شكّلوا وحدة واجتماعاً، وان مثل هذه الوحدة عاصمة ومنجاة، غافلين عن ان الوحدة الصورية الاكراهية ليست لها أية قيمة، بل ولو كانت أيضاً هناك وحدة حقيقةً –وليست– فانها ليست أيضاً ذات قيمة لأنها من الاتحاد على الباطل ومن الاتحاد على العصيان والتمرد قال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)([5]).

إذن قيمة الوحدة وعدم قيمتها أو حتى ضديتها للقيمة وللقيم، منوط أولاً بمتعلقها، فهي تتلون بلونه ان خيراً فخير وإن شراً فشر وإن كان المتعلق أمراً مباحاً كما لو اتفقت جماعات من الأمة أو الأمة كلها فرضاً على الخروج الى الصحراء لا لأمر باطل كالصيد اللهوي فيكون إتحادهم واجتماعهم على ذلك حينئذٍ غير متصف بحسن ولا بقبح فالمتعلق هو الذي يعطي ويمنح القيمة للوحدة هذا أولاً.

ثانياً: قيمة الوحدة وعدمها بقيمة الراية التي اتحد القوم تحتها

إن الراية التي اتحد القوم والجمع والأمة تحتها هي التي تمنح القيمة للوحدة أو تسلبها وتجردها عن القيمة، وهي التي تجعل هذه الوحدة مرضيةً لله تعالى أو مبغوضةً لديه فالأمة إذا اتحدت فرضاً تحت راية مثل صدام أو تحت راية مثل هتلر فهل لهذه الوحدة قيمة؟ وحتى مع قطع النظر عن متعلقها فلو أراد هتلر أن يجعل من ألمانيا بلداً متطوراً، فهل انضواء الامة تحت رايته - وهو على حاله ذاك من الاستبداد والحكم بالإكراه لا عبر صناديق الاقتراع ورضى الأمة، وعلى ما هو عليه من مبادئه وأهدافه المبيتة - امر مطلوب وحسن؟ كلا فان الراية التي تتحد الامة تحتها لها الموضوعية في قبح الوحدة أو حسنها فوحدة المتعلق من جانب هي تحدد حسن الوحدة وقبحها ونوع الراية والغاية من جانب آخر هي المحدّد والمائز الاخر: فهل هي راية الرسول المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ أم هي راية ابي سفيان؟ ولقد كان ابو سفيان رافع رايةٍ في قريش حتى إذا جاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ورفع راية الاسلام والحق والحقيقة والصراط القويم قالوا: عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انه شتت شملنا وفرق جمعنا، فقد كان القوم من قبله متحدين على مبادئ وسلوك وعلى الانضواء تحت راية ابي سفيان وأشباهه، إلا ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جاء فسفه احلامهم وكسر اصنامهم وهدم رايتهم، ومزق وحدتهم، فقد تغيرت الراية والغاية والمتعلقات والمبادئ.

ثالثاً: قيمة الوحدة بالإطار والشريعة

إضافة إلى لحاظ المتعلق وملاحظة حامل الراية والغاية، يأتي الإطار الذي يدور فيه دعاة الوحدة أو الوحدويون كمحدد ومقياس آخر لحسن الوحدة او عدمه، فقد لا يكون هنالك خلل في المتعلق، ولا تكون الراية راية ضلال، الا ان الاطار، ويُقصد بالاطار الشريعة أو الطريق، يكون إطاراً خاطئاً، فحينئذ لا يتم لهذه الوحدة حسن ولا يقام لها قيمة فقد يكون الناس قد اتفقوا – مثلاً - على ان يعملوا تحت راية عيسى النبي (عليه السلام) لكن لا على شريعة محمد المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) فمع ان النبي عيسى على نبينا وآله وعليه السلام من انبياء الله العظام كما لا شك فيه، إلا ان مثل هذه الوحدة غير مقبولة وان كان المتعلق وما اتفقوا عليه أمراً صحيحياً - كما لو عملوا بالقدر المتيقن من صحته في التوراة والإنجيل مما يطابق المستقلات العقلية وشبهها لا ما يخالفهما أو لو حصلوا فرضاً على النسخة غير المحرفة من التوراة والانجيل – فانه ههنا وان كانت الراية راية نبي من الأنبياء العظام وكان الاتفاق على سلسلة من الأعمال الصالحة والإيجابية إلا انه – وكما قال تعالى -: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ)([6]).

والحاصل ان المشكلة قد تكون في الاطار الذي يدور فيه الوحدويون حيث يجب ان يكون إطاراً صحيحاً مشرعاً من قبل الله سبحانه وتعالى ولذا يقول الله تعالى (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ) ولعل الظاهر من (لن يقبل منه)([7]) كون ذاك مع فرض الُحسن في المتعلق اذ مع فرض ان المتعلق شيء قبيح فان عدم القبول منه بديهي لعله غير محتاج للبيان عكس ما لو عمل صالحاً فهنا قد يتوهم ان الله يقبله منه لأنه عمل صالح فيكون إطلاق (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ) شاملاً.

نعم الانسان اذا عمل عملاً صالحاً ولم يكن مسلماً لكنه كان قاصراً فانه يعاد امتحانه، اما غير القاصر فلن يقبل منه مع ان مشكلته ليست الا في الاطار الذي احتضن هذا المتعلق الجزئي وهذا المصداق من العمل الصالح.

الوحدة المطلوبة بلحاظ المتعلق والراية والاطار: الوحدة تحت راية الثقلين

ان الوحدة المطلوبة شرعاً وعقلاً والمرضية لدى الله رب العالمين هي ان تتحد الأمة الإسلامية على الحق وعلى الأخذ بالقرآن الكريم والعترة الشريفة: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ)([8]) فيجب الاتحاد على العمل بهذه الآية الشريفة (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)([9]) أن تتحد الأمة على التسليم للنبي المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى تحكيمه (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما شجر بيننا.

انطلاقاً من ذلك كله قالت سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) (وطاعتنا نظاماً للملة وإمامتنا أماناً للفُرقة) أي عن الفُرقة أي عن الاختلاف والفرقة فطاعتهم وامامتهم هي التي يجب ان تكون متعلق الوحدة إلى جوار القرآن الكريم لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) "إِنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اللَّهِ وَ عِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْض"([10])‏ كما يجب ان تكون الوحدة تحت رايتهم.

وقولها (عليها السلام): امانً للفرقة أي من الاختلاف، فإن الفرقة تعني الافتراق والاختلاف والتشتت، والأفرق هو الذي بين ثناياه فاصلة وكذلك الذي قد فتح فرقاً في رأسه أو في لحيته.

هذا ان قرأنا الفُرقة بضم الفاء، ويمكن ان نقرأها بالكسر فـ(للفِرقة) أي الفرقة المحقة التي هي على الحق فهي إن أرادت ان تكون مأمونة، وان لا تزل أقدامها بنحو العلة المبقية أيضاً فعليها ان تلتزم بالطاعة المطلقة لهم صلوات الله وسلامهم عليهم هذا.

برهانان على كون الوحدة مطلوباً غيرياً

ويمكن ان نبرهن ببراهين أخرى على ان الوجوب والحرمة للوحدة إنما هو وجوب غيري، وكذا استحبابها أو كراهتها أو اباحتها وانها جميعاً بلحاظ المتعلق والراية والاطار، ومن البراهين:

البرهان الأول: إتصاف الوحدة بالصفات المتضادة

انا لو وجدنا الشيء –كالوحدة- اتصف بالصفات المتقابلة بحسب تقابل المتعلقات أو بتقابل الرايات، فاننا نكتشف حيئنذٍ بان ذلك الشيء ليس حسناً في حد ذاته كما ظهر ذلك من الأمثلة الماضية، ولكن سوف نمثل هنا بسلسلة أخرى من الأمثلة من نمط جديد وذلك في دائرة العبادات فان الوحدة والاتحاد والتعاون في دائرة العبادات قد يكون قبيحاً محرماً وقد يكون حسناً واجباً وقد يكون مستحباً أو مكروهاً:

شواهد ونماذج من اتصاف الوحدة بالمطلوبية أو المذمومية

ويتضح ذلك بالأمثلة التالية:

صلاة الجماعة والأجر العظيم

1- صلاة الجماعة في الصلاة الواجبة فان الاجتماع فيها والاجتماع لإقامتها حسن مطلوب محبب عند الشارع وقد وردت في الأحاديث الشريفة أن الإنسان إذا صلى وخلفه مأموم واحد تضاعف أجره 150 مرة، يعني ان صلاة يوم جماعة تعدل صلاة 150 يوماً وصلاة صبح واحدة تعدل 150 صلاةَ صبح من حيث الثواب، ولو صلى خلفه شخصان تضاعف أجرها إلى 600 ضعف وهكذا... فإذا تجاوز المأمومون العشرة فان ثوابها لا تحصيه إلا الله تعالى، فحتى الملائكة الذين لهم القدرة الهائلة الفائقة فانهم لا يستطيعون عدّ واحصاء الثواب.

وقد روي عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قَالَ: "أَتَانِي جَبْرَئِيلُ مَعَ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ رَبَّكَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَأَهْدَى إِلَيْكَ هَدِيَّتَيْنِ لَمْ يُهْدِهِمَا إِلَى نَبِيٍّ قَبْلَكَ قُلْتُ وَمَا تِلْكَ الْهَدِيَّتَانِ قَالَ الْوَتْرُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ وَالصَّلَاةُ الْخَمْسُ فِي جَمَاعَةٍ قُلْتُ يَا جَبْرَئِيلُ وَمَا لِأُمَّتِي فِي الْجَمَاعَةِ قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِذَا كَانَا اثْنَيْنِ كَتَبَ اللَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ بِكُلِ‏ رَكْعَةٍ مِائَةً وَخَمْسِينَ صَلَاةً وَإِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً كَتَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ بِكُلِّ رَكْعَةٍ سِتَّ مِائَةِ صَلَاةٍ وَإِذَا كَانُوا أَرْبَعَةً كَتَبَ اللَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ بِكُلِّ رَكْعَةٍ أَلْفاً وَمِائَتَيْ صَلَاةٍ وَإِذَا كَانُوا خَمْسَةً كَتَبَ اللَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ بِكُلِّ رَكْعَةٍ أَلْفَيْنِ وَأَرْبَعَمِائَةٍ وَإِذَا كَانُوا سِتَّةً كَتَبَ اللَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِكُلِّ رَكْعَةٍ أَرْبَعَةَ آلَافٍ وَثَمَانَمِائَةِ صَلَاةٍ وَإِذَا كَانُوا سَبْعَةً كَتَبَ اللَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِكُلِّ رَكْعَةٍ تِسْعَةَ آلَافٍ وَسِتَّ مِائَةِ صَلَاةٍ وَإِذَا كَانُوا ثَمَانِيَةً كَتَبَ اللَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِكُلِّ رَكْعَةٍ تِسْعَةَ عَشَرَ أَلْفاً وَمِائَتَيْ صَلَاةٍ وَإِذَا كَانُوا تِسْعَةً كَتَبَ اللَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِكُلِّ رَكْعَةٍ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ أَلْفاً وَأَرْبَعَمِائَةِ صَلَاةٍ وَإِذَا كَانُوا عَشَرَةً كَتَبَ اللَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ بِكُلِّ رَكْعَةٍ سَبْعِينَ أَلْفاً وَأَلْفَيْنِ وَثَمَانَمِائَةِ صَلَاةٍ فَإِنْ زَادُوا عَلَى الْعَشَرَةِ فَلَوْ صَارَتِ السَّمَاوَاتُ كُلُّهَا مِدَاداً وَالْأَشْجَارُ أَقْلَاماً وَالثَّقَلَانِ مَعَ الْمَلَائِكَةِ كُتَّاباً لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَكْتُبُوا ثَوَابَ رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ يَا مُحَمَّدُ تَكْبِيرَةٌ يُدْرِكُهَا الْمُؤْمِنُ مَعَ الْإِمَامِ خَيْرٌ مِنْ سِتِّينَ أَلْفَ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَخَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا سَبْعِينَ أَلْفَ مَرَّةٍ وَرَكْعَةٌ يُصَلِّيهَا الْمُؤْمِنُ مَعَ الْإِمَامِ خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ وَسَجْدَةٌ يَسْجُدُهُمَا الْمُؤْمِنُ مَعَ الْإِمَامِ فِي جَمَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِتْقِ مِائَةِ رَقَبَةٍ"([11])

وهذا مثال للاجتماع المستحب: الاجتماع والجماعة في إقامة الصوات اليومية، وهناك أمثلة أخرى قد يجب الاجتماع فيها في الصلاة، كما في صلاة الجمعة بناءً على وجوبها التعييني في زمن الغيبة أو حتى التخييري، وكذلك فان من أنماط الاجتماع المستحب صلاة الاستسقاء.

الاجتماع في الدعاء

2- (الاجتماع في الدعاء) وهو أيضاً مما كان الاجتماع فيه حسن مع كونه من العبادات، فتارة ينفرد الإنسان بالدعاء فهو حسن دون شك ولكنه تارة يقوم بالدعاء وهو ضمن مجموعة فان هذا أكثر حسناً، فكيف بما إذا كان المجتمعون جمهرة كبيرة؟ ولذا ورد في حديث الكساء: (فقال النّبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم) والّذى بعثني بالحقّ نبيّا واصطفانى بالرّسالة نجيّا ما ذكر خبرنا هذا في محفل من محافل أهل الأرض وفيه جمع من شيعتنا ومحبّينا الّا ونزلت عليهم الرّحمة وحفت بهم الملائكة واستغفرت لهم الى ان يتفرّقوا) وأيضاً (ما ذكر خبرنا هذا في محفل من محافل أهل الأرض وفيه جمع من شيعتنا ومحبّينا، وفيهم مهموم إلّا وفرّج اللّه همّه، ولا مغموم إلّا وكشف اللّه غمّه، ولا طالب حاجة إلّا وقضى اللّه حاجته) فهذه أنماط من الوحدة والاجتماع في العبادات بين مستحبة وواجبة.

صلاة التراويح

وهناك أنماط أخرى من الاجتماع في العبادات بين مكروهة ومحرمة وذلك مثل صلاة التراويح وهي نوافل في ليالي شهر رمضان لكن الاجتماع فيها والتوحد على أداءها على هذا الشكل (صلاة الجماعة) حرام شرعاً وبدعة وقد منعها أمير المؤمنين (عليه السلام) قانونياً لحرمتها شرعاً لكنه عندما خرج المظاهرات المعارضة سمح لهم، إذ كان عليه (عليه السلام) ان يبين الحق لا ان يجبرهم بأية طريقة كانت على الحق ولو بالسجن والقتل والنفي وشبه ذلك:

فقد ورد:

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): "وَاللَّهِ لَقَدْ أَمَرْتُ النَّاسَ أَنْ لَا يَجْتَمِعُوا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِلَّا فِي فَرِيضَةٍ، وَأَعْلَمْتُهُمْ أَنَّ اجْتِمَاعَهُمْ فِي النَّوَافِلِ بِدْعَةٌ، فَتَنَادى‏ بَعْضُ أَهْلِ عَسْكَرِي مِمَّنْ يُقَاتِلُ مَعِي: يَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، غُيِّرَتْ سُنَّةُ عُمَرَ، يَنْهَانَا عَنِ الصَّلَاةِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ تَطَوُّعاً، وَلَقَدْ خِفْتُ أَنْ يَثُورُوا فِي نَاحِيَةِ جَانِبِ عَسْكَرِي، مَا لَقِيتُ مِنْ هذِهِ الْأُمَّةِ مِنَ الْفُرْقَةِ وَطَاعَةِ أَئِمَّة الضَّلَالَةِ وَالدُّعَاةِ إِلَى النَّار..."([12])

وعَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْهِلَالِيِّ قَالَ: "خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ثُمَّ قَالَ أَلَا إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ خَلَّتَانِ اتِّبَاعُ الْهَوَى وَطُولُ الْأَمَلِ أَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى فَيَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ وَأَمَّا طُولُ الْأَمَلِ فَيُنْسِي الْآخِرَةَ أَلَا إِنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَرَحَّلَتْ مُدْبِرَةً وَإِنَّ الْآخِرَةَ قَدْ تَرَحَّلَتْ مُقْبِلَةً وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ بَنُونَ فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا- فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ وَإِنَّ غَداً حِسَابٌ وَلَا عَمَلَ وَإِنَّمَا بَدْءُ وُقُوعِ الْفِتَنِ مِنْ أَهْوَاءٍ تُتَّبَعُ وَأَحْكَامٍ تُبْتَدَعُ يُخَالَفُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ يَتَوَلَّى فِيهَا رِجَالٌ رِجَالًا أَلَا إِنَّ الْحَقَّ لَوْ خَلَصَ لَمْ يَكُنِ اخْتِلَافٌ وَلَوْ أَنَّ الْبَاطِلَ خَلَصَ لَمْ يَخْفَ عَلَى ذِي حِجًى لَكِنَّهُ يُؤْخَذ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ وَمِنْ هَذَا ضِغْثٌ فَيُمْزَجَانِ فَيُجَلَّلَانِ مَعاً فَهُنَالِكَ يَسْتَوْلِي الشَّيْطَانُ عَلَى أَوْلِيَائِهِ وَنَجَا الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ الْحُسْنَى إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) يَقُولُ كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا لَبَسَتْكُمْ فِتْنَةٌ يَرْبُو فِيهَا الصَّغِيرُ وَيَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ يَجْرِي النَّاسُ عَلَيْهَا وَيَتَّخِذُونَهَا سُنَّةً فَإِذَا غُيِّرَ مِنْهَا شَيْ‏ءٌ قِيلَ قَدْ غُيِّرَتِ السُّنَّةُ وَقَدْ أَتَى النَّاسُ مُنْكَراً ثُمَّ تَشْتَدُّ الْبَلِيَّةُ وَتُسْبَى الذُّرِّيَّةُ وَتَدُقُّهُمُ الْفِتْنَةُ كَمَا تَدُقُّ النَّارُ الْحَطَبَ وَكَمَا تَدُقُّ الرَّحَى بِثِفَالِهَا وَيَتَفَقَّهُونَ لِغَيْرِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ لِغَيْرِ الْعَمَلِ وَيَطْلُبُونَ الدُّنْيَا بِأَعْمَالِ الْآخِرَةِ.

ثُمَّ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ وَحَوْلَهُ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَخَاصَّتِهِ وَشِيعَتِهِ فَقَالَ قَدْ عَمِلَتِ الْوُلَاةُ قَبْلِي أَعْمَالًا خَالَفُوا فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) مُتَعَمِّدِينَ لِخِلَافِهِ نَاقِضِينَ لِعَهْدِهِ مُغَيِّرِينِ لِسُنَّتِهِ وَلَوْ حَمَلْتُ النَّاسَ عَلَى تَرْكِهَا وَحَوَّلْتُهَا إِلَى مَوَاضِعِهَا وَإِلَى مَا كَانَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) لَتَفَرَّقَ عَنِّي جُنْدِي حَتَّى أَبْقَى وَحْدِي أَوْ قَلِيلٌ مِنْ شِيعَتِيَ الَّذِينَ عَرَفُوا فَضْلِي وَفَرْضَ إِمَامَتِي مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم)‏..."([13])

فصلاة الجماعة هي أمر حسن لكن هناك أنواع من الاجتماع والتجمع على أمر والتعاضد عليه والاتصاف بالهيئة الوحدوية يكون مبغوضاً إلى حد الحرمة كصلاة التراويح.

الاجتماع على إبطال الحق

وهناك ألوان من الاجتماع المحرم في غير العبادات كالاجتماع على الغيبة والتهمة أو على إبطال الحق وما أشبه ذلك وكاجتماع الرجال والنساء وان كان لأجل البحث في مسألة فقهية أو لدراسة القرآن الكريم وذلك اذا ادى الى محرم أو تحقق به عنوان الخلوة بالأجنبية([14])، وكذلك اجتماع الرجال والنساء في الجامعة أو غيرها فانه على درجات بين حرام قطعي، وبين ما ينبغي ان يتنزه عنه المؤمن.

وصفوة القول: ان اتصاف الوحدة بالصفات المتناقضة تبعاً لاختلاف المتعلق أو لوجود أوامر من الشريعة صريحة كما في الأمثلة السابقة، دليل على ان الوحدة ليست في حد ذاتها أمراً حسناً أو قبيحاً بل هي لا بشرط، والأمر منوط بما يتوحد عليه وحسب الراية التي يتحد تحت ظلها الناس هذا أولاً.

البرهان الثاني: مدخلية الوصف العنواني في حسن الوحدة أو قبحها

إن للوصف العنواني كامل المدخلية والتأثير في حسن الوحدة أو في قبحها مما يبرهن ان حسنها أو قبحها غيري، فعندما نقول وحدة الأمة الإسلامية (هكذا نقول، أليس كذلك؟) فلا شك انها أمر حسن مطلوب لاشتمالها على الوصف العنواني المطلوب وهو (الإسلامية) أي من حيث هي إسلامية، فلو اتحدت الأمة فرضاً من حيث هي عدوانية، أو من حيث هي شهوانية أومن حيث هي لا إسلامية لما صدق الوصف العنوان (وحدة الأمة الإسلامية) أي بوصف انها إسلامية اتحدت وتوحدت، كما هو وضعها اليوم من اجتماعها واتحادها – أو أكثريتها - على الاخذ بكثير من القوانين الباطلة التي ما أنزل الله به من سلطان، والتي هي أيضاً خلاف سنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وخلاف صريح كلماته مثل: قاعدة "الْأَرْضَ لِلَّهِ وَلِمَنْ عَمَرَهَا"([15]) فحينئذٍ لو اجتمعت واتحدت، لانحرافها عن تعاليم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولتأثرها بالغرب أو الشرق على إلغاء هذه القاعدة ونظائرها، فإنها تكون وحدةً غير حسنة وغير مطلوبة إذ لم تكن منبعثة من الوصف العنواني السليم (الإسلامية).

هل كلام المفكر بما هو متعصب حجة؟

وكمثال على مدخلية الوصف العنواني وتأثيرها نمثل بما إذا قيل: وحدة الجماعة المتدينة فإن ذلك يعني – انطلاقاً من الوصف العنواني - إن هذه الوحدة كانت لأجل تدينها فعندئذ تكون لها القيمة، او اذا قيل: جماعة من المفكرين اتفقوا على أمر، فإنه يفهم منه: انهم بما هم مفكرون اتفقوا على كذا، أما إذا لم يكن اتفاقهم بما هم مفكرون بل كان بما هم متعصبون فلا تنطبق عليهم حينئذٍ الصفة العنوانية فذلك خارج عن مفهوم الكلام ومؤداه ويكون مثل ذلك التعبير خاطئاً وإغراءً بالجهل وكان الأصح ان يقال جماعة من المتعصبين أو جماعة من المفكرين بما هم متعصبون لا بما هم مفكرون.

من الأخطاء الشائعة

ومن المحبّذ هنا ان نشير الى ان كثيراً من الناس اذا سمعوا رأياً من مثقف أو عالم من الطراز الرفيع في بُعد من الأبعاد حتى مما هو غير متخصص فيه، فإنهم يحتجون بكلامه ويستدلون به: إذ أوليس قد قاله هذا المفكر الإسلامي أو ذلك العالم الغربي؟، لكن هذا يعد من أكبر الأخطاء المنهجية؛ ذلك ان الوصف العنواني له المدخلية في كون رأيه ذا قيمة أولا فهل هذا المفكر يتكلم بما هو مفكر وفي حقل اختصاصه؟ أو انه يدلي برأيه بما هو متعصب لدينه أو لقومه أو بما هو غير متخصص أو غير مفكر؟ إذ كثيراً ما يكون المفكر في قضية معينة خاصة مقلداً لا أكثر، والمأساة ان الكثيرين تغريهم عناوين مثل المفكر والفيلسوف والاستاذ الجامعي، فيتصورون ان كلما صدر منه فانه يصدر منه بما هو متعنون بهذا العنوان!، مع أن الحثيثية وجهة الصدور ونوع الاختصاص لها كل المدخلية.

والامر في رجل الدين كذلك فإن بعض الناس يتصور انه إذا صدرت من أحد رجال الدين سيئة فان سببها الدين نفسه، مع انها صادرة منه لا بما هو عالم دين ولا بما هو متقي ومتدين، بل انها صدرت منه لجهات أخرى ككونه من هذه العشيرة أو تلك فإن طباع العشيرة وعاداتهم وتقاليدها مؤثرة في أبنائها وقد لا يفلت منها إلا القليلون، وكذلك قد تكون الفكرة أو الموقف قد صدر منه بما هو منتمٍ للجهة الفلانية أو بما هو بشر مرّ بحالة ضعف إنساني أو إغواء شيطاني.

والحاصل ان سيرة غير المعصومين ليست بحجة، وتقريرهم غير حجة، ولا يعلم انه صادر من أية حيثية عنوانية.

وهذا الامر بمكان فائق من الأهمية، اذ كم من الأخطاء في المجتمعات قد نجمت من خلط الاوصاف العنوانية، مثلاً إذا رأوا مثل انشتاين، قال كلاماً عن الله، فانهم يعتبرون كلامه حجة مع أن تخصصه في أمر آخر كالفيزياء أو غيرها، ولا شأن له بالتكلم في أمور خارجة عن إطار تخصصه.

تدخل هوكينج في غير حقل اختصاصه هو منشأ زلّته

مثلاً العالم المعروف ستيفن هوكينج أنكر وجود الله قبل فترة([16])، وأثار بذلك ضجة في العالم، وقد استشهد البعض بكلامه وفرضيته بل طبّل لها وزمّر الملحدون لانها صادرة من أشهر عالم فيزياء في العصر الحديث، مع ان مثله وهو عالم في الفيزياء وتخصصه في الطبيعيات، لا يحق له عقلياً وعقلائياً أن يتكلم في غير حقل اختصاصه كالمباحث الميتافيزيقية والماورائيات، ولو تكلم فانه يكون كأي رجل عادي تكلم عن ذلك، لكن المشكلة نجمت من أن تعنونه بعنوان مفكر أو عبقري أو عالم أغوى الكثير من الناس فظنوا أن كل ما يقوله حتى في غير حقل اختصاصه نابع عن علم ومعرفة، وقد راجعت نظريته حتى أرى ماذا يقول فوجدته يبدي حكمه متدخلاً في بحث غير مرتبط بتاتاً بحقل تخصصه فإنه قد استدل على عدم وجود الله -بزعمه- باستدلال فلسفي من أردأ أنواع الاستدلالات الفلسفية، من غير أن يستدل باستدلال فيزيائي مرتبط بتخصصه إذ ان لبّ إنكاره لوجود الله تعالى يعود إلى انه ادعى إمكان ان يوجد المعلول من غير علة وان تكون بداية الحوادث الممكنة من غير سبب! وهذا هو جوهر إشكاله وما بقي ألفاظ ومصطلحات تمهيدية لا ترتبط بالاستدلال أبداً، لكن ظن بعض الناس أنه مادام نابغاً في الفيزياء فهو نابغ في الفلسفة علم الكلام أيضاً.

الوحدة المنبعثة من صفة (الإسلامية) هي المطلوبة

وعوداً إلى بدء نقول: ان الوحدة الاسلامية إنما هي معنونة بإسلاميتها كما قال تعالى: (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ)([17]) وقال: (وَعَنَتْ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ)([18]) والتسليم لله هو أن يكون خاضعاً لله سبحانه وتعالى مائة في المائة فيكون في (وحدته) وفي (جهة وحدته) صادراً عن إسلاميته وعن مقتضى الأحكام الشرعية ولا غير.

وبعبارة أخرى: ان الوحدة هي من المفاهيم الإضافية فهي متقومة بالمضاف إليه فقيمتها تنجم من قيمة المتعلق، ومن قيمة الراية، ومن قيمة المحيط الذي تسبح فيه ويسبح فيه الوحدويون والشريعة أو الطريقة التي تشكل الإطار العام الذي يعيشون فيه وبالعكس ينشأ فساد وضلال الوحدويين من فساد أو ضلال متعلق الوحدة أو الراية التي يمشون خلفها أو الإطار الذي يجمعهم ويحتضنهم.

بين الوحدة والطائفية

ومن ذلك كله نستكشف حقيقة في غاية الأهمية وهي انه: لا يصح التذرع بالوحدة لسحق الحقوق أبداً، أو التذرع بسلاح الاتهام بالطائفية وانها نقيض للوحدة الإسلامية تماماً؛ وذلك لأن الطائفية قد تستخدم استخداماً صحيحاً، وقد تستخدم استخداماً مضللّا غير صحيح، والمشاهد ان كثيراً من استخدامات هذا المصطلح هي استخدامات غير صحيحة فإذا طالب شخص بحقوقه المشروعة فكثيراً ما يرمى بالطائفية، مع أنها ليست طائفية، لأنه يطالب بالحق والحق أحق أن يتبع.

بين نواب تخاذلوا عن المطالبة بمساجد للشيعة ونائبٍ طالب بإلحاح

ونضرب هنا نموذجاً معاصراً حدث في إحدى بلاد الخليج: فلقد كان يوجد بعض النواب الشيعة في المجلس منذ عقود من الزمن ولكنهم لم يكونوا متصدين للمطالبة بمساجد للشيعة في ذلك البلد مع أن مساجد الشيعة لعلها كانت بحدود 25 مسجداً، بينما مساجد أهل العامة لعلها كانت حوالي 1200 مسجد، وذلك لأن الدولة كانت تمنح لكل من يريد من أهل العامة في ذلك البلد بناء المسجد قطعة أرض في أفضل مكان بمساحة 3000 متر أو 4000 متر أو أكثر أو أقل، مع إجازة بناء فورية، وتوفير أنواع أخرى من المساعدات، بينما الشيعة لم تكن تسمح لهم الدولة ببناء المساجد أبداً حتى لو كانت الأرض ملكاً شخصياً للشيعي وتبرع بها لبناء المسجد، دع عنك ان الدولة لم تكن تمنحهم أراضي لبناء المساجد في مناطقهم، وقد تابع عدد من أصدقائنا مع عدد من المسؤولين لمنح الاجازة لمن يريد بناء المساجد الا ان مطالبتهم قوبلت بالرفض.

وبيت القصيد هو: أن بعض النواب الشيعة لم يكونوا يطالبون الحكومة بهذا الحق البديهي المسلّم، خوفاً من أن يتهموا بالطائفية!!، فههنا الداء وههنا المشكلة، أفهل تعتبر المطالبة بالحقوق المسلمة المشرعة الشرعية طائفية؟ فليبنِ الطرف الآخر ما شاء من المساجد فاننا لا نمانع ولا نمنع، لكن لا يوجد وجه أبداً – شرعياً أو عقلائياً - لمنع الشيعة من بناء المساجد، إلا أن الغريب ان بعض الشيعة كان مقتنعاً بالسكوت المطلق وعدم المطالبة بهذا الحق البديهي، وكان إذا ما طرحت عليه فكرة ان يسعى لاستحصال الموافقة لبناء المسجد، كان يردد: سوف نتهم بالطائفية حينئذٍ؟!

إلى أن انتخب الناس نائباً جديداً للشيعة كان يتحلى بالشجاعة والحقانية والموضوعية فكان أول مشروع طرحه في مجلس الأمة هو ضرورة منح الإجازة للشيعة لبناء المساجد كما تمنح للسنة، وهنا ثارت ثائرة بعض النواب من أهل العامة وبعض النواب الشيعة، رافعين عقيرتكم بشعار: أن مشروعك هذا طائفي! إلا ان هذا النائب كان قوياً في ذات الله وكان منطقه واضحاً فقد أجابهم: فقال نحن اخوان توفي والدنا وقد ورث أخي حصته، فلماذا يمنعني من ان ارث حصتي؟ وانني لا اطالب إلا بحصتي، فإذا أخذتم حصتكم لم ترموا بالطائفية، وأما لو طالبت بحصتي فترمونني بالطائفية؟ ينبغي ان تكون لكم حصتكم وحسب النسبة السكانية، وكذلك ينبغي ان تكون لنا حصتنا حسب نسبتنا السكانية فإذا أعطت لكم الدولة 1200 مسجد، فلتعطنا إجازة بناء 400 مسجداً، كلا بل 600 مسجداً([19]) وذلك لان نسبة الشيعة هي ثلث الشعب.

ولقد واصل ذلك النائب الشهم جهوده وضغوطه، واستقام على الأمر حتى تمكن في البدء من استحصال إجازات لبناء مساجد عديدة، ولمختلف التوجهات والتيارات حيث انه لم يتحرك تحركاً تيارياً خاصاً أو مرجعياً معيناً أو حزبياً ضيقاً بل طالب برخصة البناء حتى لأولئك المعارضين له والذين اتهموه بالطائفية لأنه طالب بمساجد للشيعة!

ولقد وافقت الدولة بعد الضغوط المتواصلة وطلبت من النائب تقديم طلبات لأربع مساجد كوجبة أولى، والغريب اللطيف ان تلك الجهات الشيعية المخالفة قدّمت طلبات لبناء مساجد لها عبر نفس هذا النائب الذي اتهمته بالطائفية لأنه طالب ببناء مساجد للشيعة!! وعلى أية حال فانه قدّم في الوجبة الأولى لاستحصال رخص لبناء أربع مساجد لأربع تيارات مرجعية مختلفة، بل كان بعضها متناقضاً، مع انه أي النائب هذا ينتمي لاحدى التيارات المعروفة الواضحة الاتجاه والمسلك، لكن القضية قضية عامة، وليست قضية ذاك التيار، أو هذه المرجعية أو تلك المرجعية.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى ذات أهمية كبيرة: طالب أيضاً بحقوق الشيعة في قضية المناهج التعليمية والأحوال الشخصية ونظائرهما والتي لابد للشيعة كلهم في كل البلدان من أن يطالبوا بحقوقهم المشروعة في ذلك، وقد حقق العديد من الانجازات في تلك الحقول أيضاً ولله الحمد.

وموطن الشاهد ان المطالبة بالحقوق الواجبة الصحيحة الثابتة في مختلف أبعادها ليست شقاً لعصى المسلمين، بل ان من يعارض المطالبة بالحقوق الثابتة للناس أقليةً كانوا أم أكثرية هو في الحقيقة ذلك الذي يمزق نسيج المجتمع ولحمة الوطن.

وبكلمة: فان المطالبة بالحق بالطرق المشروعة والصحيحة هي التي ينبغي ان تكون سيدة الموقف، ولا يصح أن تلغى دعاوي الوحدة الحقوق الإنسانية والإسلامية، فان الوحدة قيمتها غيرية اكتسابية، والوحدة يجب ان تكون طريقاً لإحقاق الحقوق لا سبباً لإلغاء حقوق الآخرين.

معنى قول الزهراء (عليها السلام): (وطاعتنا نظاماً للملة)؟

ولنتوقف قليلاً عند المقياس الرئيس الذي ذكرته السيدة الزهراء (عليها السلام) إذ تقول: (طاعتنا نظاماً للملة) والملة تعني الشريعة وتعني الامة، أي ان (طاعتنا هي نظام للشريعة) والنظام للأمة، والنظام له معنيان: 1- التأليف وجمع الشمل ولم أطراف الشيء، 2- والقوام والاستقامة فإذا أريد بالفعل أن تكون الأمة الإسلامية على مر التاريخ متحدةً على الحق وواحدةً حقاً، فطريق ذلك هو طاعة أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليه) إذ قد جعل الله تعالى طاعتهم نظاماً للملة، يعني سبباً للمّ شمل الأمة على الحق وتوحدها بكافة مشاربها عليه، كما ان طاعتهم (عليهم السلام) سبب استقامة الأمة فبهم (عليهم السلام) تستقيم الأمة على الحق قال تعالى: (وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً)([20]) وبهم قوام الأمة وقيامها على الطريق، فالنظام في كلامها (عليها السلام) يعني: احدى المعنيين وقد يكون كلاهما مراداً على المختار من إمكان استعمال اللفظ في أكثر من معنى لا على ان يكون كل منها تمام المراد بشرط شيء بل لا بشرط.

وإذا لاحظنا (المسبحة) مثلاً فسوف نجد انه لولا هذا الخيط لانتثرت حبات المسبحة فهذا الخيط هو الذي يجمع الخرز المتناثرة، وهذا الخيط إذا انفرط عقده وقطّع كما قطّعوه وانقلبوا على اعقابهم فان نتيجة ذلك هو ما شاهدناه من تشعّب الأمة وتفرقها على 73 فرقة أو أكثر.

وجه الجمع بين (إمامتنا أماناً للفرقة) و(طاعتنا نظاماً للملة)؟

نقرأ في الخاتمة كلمات مختارة من كتاب (من فقه الزهراء "عليها الاسلام") للسيد الوالد (قدس سره) لما فيها من الفائدة والنكات الجديدة النافعة يقول في المجلد الثاني من فقه الزهراء (إذ جعل الإمامة أماناً، إنما هو بالجعل المركب، وجعلها هي بسيط، والإمامة غير الطاعة، فالإمامة مقدمة على الطاعة رتبةً كتقدم السبب على المسبب([21]) فإذا لم يعتقد إنسان بإمامتهم (عليهم السلام) أتخذ لنفسه إماماً آخر، وهذا يوجب الفرقة كما لا يخفى، وقد حصل بالفعل بعد أن اتخذ الكثير من الناس أئمة غيرهم (عليهم السلام))([22]).

ثم ان السيدة الزهراء (عليها السلام) جاءت بصفتين هامتين إحداهما تكمل الأخرى (طاعتنا نظاماً للملة) و(إمامتنا أماناً للفرقة) وفي نسخة أخرى (أمناً من الفرقة) وهذا صريح في ابتنائه على ضم الفاء و(إمامتنا أمناً من الفرقة) فما هو الوجه في ذكرها هاتين الصفتين معاً؟

نقول توضيحاً لكلامه (قدس سره): ان الإمامة رتبة سابقة والطاعة رتبة لاحقة فـ أ- قد يطيع الإنسان شخصاً ولا يعتبره إماماً كما لو كان مضطراً إلى إطاعة الحاكم الجائر ولكنه لا يعتبره قائداً إماماً منصوباً من قبل الله سبحانه وتعالى ولا حرياً أو جديراً بان يتقلد هذا المنصب، ب- وقد يراه إماماً ولا يطيعه، والنسبة حسب تعبير السيد الوالد هي العموم والخصوص من وجه فقد يعتبرون شخصاً إماماً ولا يطيعونه وقد يطيعونه ولا يعتبروه إماماً فكلاهما مطلوب بالنسبة لهم (عليهم السلام) ان يكون إماماً من قبل الله سبحانه وتعالى منصوباً وان يكون مطاعاً أيضاً فنعتقد بهم ونعمل بأوامرهم، وهنا يقول السيد الوالد: ان الاطاعة ليست بمفردها الضمان من الفرقة فانه إذا أطاع شخص المعصومين (عليهم السلام) كاملاً فهل يضمن من الفرقة ويضمن عدم حدوث الاختلاف؟ كلا وذلك لأن الفرقة ليست عملية فقط والطاعة تضمن عدم الاختلاف العملي، لكن الاختلافات النفسية والاختلافات الفكرية والعقدية كلها ترتبط بالاعتقاد بالإمامة.

بعبارة أخرى: في مرحلة الاطاعة قد نطيع قسراً جبراً أو اضطراراً أو إكراهاً أو غير ذلك لكن الأنفس لا تقبل حينئذٍ بهذا المفروض الإكراهي، وفي المقابل فان الإنسان إذا اعتقد بإمامة رسول الله المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وإمامة الأئمة من بعده فان النفوس تتفق حينئذٍ على الحق وتتوحد الأفكار على الحق.

قال (قدس سره): (ثم ان الإطاعة ليست بمفردها هي الضمان من الفرقة إذ الفرقة عقائدية ونفسية وعملية والاطاعة قد تكون من الاخيرة فقط اما من يتخذهم أئمة فانهم عليهم السلام أمان من الفُرقة إذ الباطل دائماً يضرب بعض الناس ببعض ليسود قال سبحانه: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ)([23]) وفي المثل الباطل فرق تسد اما هم صلوات الله وسلامه عليهم فانهم يعطون كل ذي حق حقه ويتيحون الفرص للجميع على حسب قول علي (عليه السلام):

النّاس من جهة التمثال أكفاء.....أبوهمُ آدم والأم حوّاء

وكذلك يؤلفون بين القلوب ويجمعون الكلمة على التقوى ويزرعون روح الإخوة والإيمان والتعاون وحينئذ (يكون الناس مأمونين من الاختلاف والتفرقة عملياً كما انهم يامنون بالاعتقاد بإمامتهم من التفرقة العقائدية) والكلام طويل ومفصل يمكن ان تراجعوه.

سبب اختلاف السياق في آية وحدة الأمة؟

يقول الله سبحانه وتعالى: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً) هذه المفردة في هذه الآية الشريفة جاءت بين واجبات نفسية بينها واجب غيري: اما الواجب الغيري فهو: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ) واما النفسي فقد قال تعالى: (وَاعْمَلُوا صَالِحًا) فان العمل الصالح له النفسية فانه بين واجب نفسي وبين مستحب نفسي ثم جاء بعدها (وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) والتقوى واجب نفسي وبعض مراتبها مستحبة كذلك.

ثم ان من الجدير ملاحظته هو ان سياق الآية الكريمة اختلف فهناك أمر وهنا خبر (وهناك التفات أيضاً وبعضها سنشير إليه إن وفقنا الله في الأسابيع المقبلة) فقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا) وهو أمر ثم قال: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً) فقد عاد الأمر من الجملة الأمرية والإنشائية إلى الجملة الخبرية ثم عاد بعد ذلك مرة أخرى إلى الإنشائية (فَاتَّقُونِ) وذلك ما سيأتي لاحقاً إن شاء الله.

نسأل الله سبحانه وتعالى ان يجعلنا ممن يعمل على وحدة الأمة الإسلامية كما أراد الله تعالى حقاً وصدقاً حيث قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) "إِنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ‏ بِهِمَا وَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْض‏"([24])

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين

وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين

* سلسلة محاضرات في تفسير القرآن الكريم
http://m-alshirazi.com
http://annabaa.org/arabic/author/10

...............................................
([1]) المؤمنون: 51 ـ 53
([2]) على تسامح فيها يظهر بالتدبر.
([3]) المائدة: 2.
([4]) الاتحاد أو الوحدة على الباطل.
([5]) النساء: 65.
([6]) آل عمران: 85.
([7]) أو هو من أبرز المصاديق.
([8]) المائدة: 44.
([9]) النساء: 65.
([10]) تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): ص426.
([11]) روض الجنان (ط ق): ص363، بحار الأنوار: ج85 ص15.
([12]) الكافي (ط – الحديث): ج15 ص159.
([13]) الكافي (ط – الإسلامية) ج8 ص59.
([14]) كما إذا قام بتدريسها القرآن الكريم في خلوة.
([15]) الكافي: (ط – الإسلامية) ج5 ص279.
([16]) وقيل انه عاد للاذعان بوجوده تعالى أخيراً.
([17]) لقمان: 22.
([18]) طه: 111.
([19]) لأن 600 مسجد هي ثلث 1800 مسجد وحيث كان لأهل العامة 1200 مسجداً فثلث المجموع وهو (1800) هو 600 وليس 400 والأربعمائة هي ثلث الـ1200 فقط والشيعة ثلث المجموع وليس ثلث العامة فلاحظ.
([20]) الجن: 16.
([21]) فإن الإمامة علة وجوب الطاعة، ولا تخفى الدقة في تعبيره بـ(كتقدم).
([22]) الفقه: من فقه الزهراء (عليها السلام) ج2 ص383.
([23]) القصص: 4.
([24]) تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): ص458-459.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي