حصر الاستعانة بالله لا ينافي التوسل بالأسباب الطبيعية أو الغيبية
آية الله السيد محمد رضا الشيرازي
2024-11-06 06:48
حصر الاستعانة بالله لا ينافي التوسل بالأسباب الطبيعية
ومن الواضح: أن حصر الإستعانة بالله لا ينافي التوسّل بالأسباب الطبيعية؛ إذ إنّ الله أبى أن يجري الأشياء إلاّ بأسبابها(1)، وقد قال سبحانه في ذي القرنين (فَأَتْبَعَ سَبَبًا)(2).
فاللازم على المؤمن أن يستخدم الأسباب الطبيعية في الوصول إلى أهدافه، لكن مع اعتقاده بأنّ الله سبحانه هو الذي منح الأسباب سَبَبِيَّتَها، وأنه تعالى يستطيع سلب هذه السببية متى أراد، أو تعطيل مفعولها متى شاء، بعدم سد أبواب العدم الأُخرى على المقصود.
وفي الروايات الكريمة إلماع إلى هذه الحقيقة:
1 ـ فعن الوليد بن صبيح، قال: كنت عند أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) وعنده حفنة من رطب، فجاء سائل فأعطاه، ثم جاء سائل آخر فأعطاه، ثم جاء آخر فأعطاه، ثم جاء آخر، فقال: وَسَعَّ الله عليك.
ثم قال: إنّ رجلاً لو كان له مال يبلغ ثلاثين أو أربعين ألفاً ثم شاء أن لا يبقى منه شيء إلاّ قسمه في حقٍّ فَعَل، فيبقى لا مال له، فيكون من الثلاثة الذين يُردّ دعاؤهم عليهم.
قلت: جعلت فداك من هم؟
قال: رجل رزقه الله مالاً فأنفقه في وجوهه ثمّ قال: يا ربّ ارزقني.
ورجل دعا على امرأته فيقال له: ألم أجعل أمرها بيدك؟.
ورجل جلس في بيته وترك الطلب ثمّ قال: يا ربّ ارزقني. فيقول عزَّ وجلَّ: ألم أجعل لك السبيل إلى الطلب للرزق(3).
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: أصناف لا يستجاب لهم.
منهم من أدان رجلاً ديناً إلى أجل فلم يكتب عليه كتاباً، ولم يشهد عليه شهوداً. ورجل تؤذيه امرأته بكلّ ما تقدر عليه، وهو في ذلك يدعو الله عليها ويقول: اللهّم أرحني منها، فهذا يقول الله له: عبدي أوما قلّدتك أمرها؟ فإن شئت خلّيتها وإن شئت أمسكتها.
ورجل رزقه الله تبارك وتعالى مالاً ثمّ أنفقه في البرّ والتقوى فلم يبق له شيء، وهو في ذلك يدعو الله أن يرزقه، فهنا يقول الربّ تبارك وتعالى: أولم أرزقك وأغنيتك، أفلا اقتصدت ولم تسرف، إنّي لا أُحبُّ المسرفين.
ورجل قاعد في بيته وهو يدعو الله أن يرزقه، ولا يخرج ولا يطلب من فضل الله كما أمره الله، هذا يقول الله له: عبدي إنّي لم أحظر عليك الدنيا، ولم أرمك في جوارحك، وأرضي واسعة، فلا تخرج وتطلب الرزق، فإن حرمتك عذرتك، وإن رزقتك فهو الذي تريد(4).
3 ـ عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: إنّ نبّياً من الأنبياء مرض فقال: لا أتداوى حتّى يكون الذي أمرضني هو الذي يشفيني! فأوحى الله تعالى إليه: لا أشفيك حتّى تتداوى؛ فإن الشفاء منّي(5).
4 ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): تداووا فإن الذي أنزل الداء أنزل الدواء(6).
5 ـ سئل الإمام الصادق (عليه السلام): عن الرجل يداويه اليهودي والنصراني؟
قال: لا بأس، إنّما الشفاء بيد الله(7).
6 ـ روي أنه قيل: يا رسول الله أرأيت رُقىً نسترقيها ودواء نتداوى به، هل يَردُّ من قضاء الله شيئاً؟. فقال: هي من أقدار الله تعالى(8).
حصر الاستعانة بالله لا ينافي التوسُّل بالأسباب الغيبية
لقد استدلّ الوهابيون وأمثالهم بهذه الآية ونحوها على أنّ التوسّل بغير الله سبحانه والاستعانة به شرك وكفر وضلال وانحراف، وقد اتّضح الجواب الإجمالي من خلال ما ذكرنا في تفسير قوله تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) وما ذكرناه في الفصل السابق، ولكن لكي تتضّح الصورة بشكل أشمل نتحدّث في هذا الموضوع ضمن مقامات(9).
المقام الأوّل: في طلب الشفاعة من الأنبياء والأولياء
وقد منعه الوهابيون، واعتبروه كفراً وشركاً، وقالوا: إنّه نظير عمل المشركين الذين اتّخذوا أصنامهم واسطة للتقرّب من الله، قائلين: ما نعبدهم إلاّ ليقرّبونا إلى الله زلفى(10).
ونقول في الجواب:
1 ـ إنّ الشفاعة عبارة عن طلب الشفيع ـ كالنبيّ (صلى الله عليه وآله) ـ من المشفوع إليه ـ وهو الله تعالى ـ أمراً للمشفوع له ـ وهو المذنب مثلاً ـ.
فشفاعة النبي (صلى الله عليه وآله) عبارة عن طلبه من الله تعالى غفران ذنب المذنب وقضاء حاجة المحتاج ونحو ذلك. فالشفاعة نوع من الدعاء.
وقد حكى النيسابوري عن مُقاتل أنّه قال: الشفاعة إلى الله إنَّما هي الدعوة لمسلم.
فطلب الشفاعة من الغير كطلب الدعاء منه، بل هو نوع من أنواعه وقد ثبت جواز طلب الدعاء من أيَّ مؤمن كان، واعترف بذلك الوهابيون، وأقرّ به ابن تيمية، بل ذلك من الأُمور البديهيّة في الإسلام.
وعلى أساس ذلك: فيجوز طلب الشفاعة من كلّ مؤمن، فضلاً عن الأنبياء والأولياء (عليهم السلام).
وقد يُتساءل: إنّ (الشفيع) لا بدّ أن يكون له قدر وجاه عند المشفوع إليه أي الله سبحانه؟
والجواب: إنّ الله تعالى جعل لكلّ مؤمن حرمة يُرجى بها قبول شفاعته، واستجابة دعائه.
وقد ثبتت شفاعة الملائكة بنصّ القرآن الكريم، حيث يقول: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ *رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَّهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(11).
بل روي أنّ الحجر الأسود شافع مشفّع.
ففي الجامع الصغير للسيوطي: الشيرازي في الألقاب وأبو نعيم في مسلسلاته.
وقال: صحيح ثابت عن عليّ: أشهِدوا هذا الحجر خيراً فإنّه يوم القيامة شافع مشفّع، له لسان وشفتان يشهد لمن استلمه(12). فإشهاد الحجر الخير ليشفع في معنى طلب الشفاعة منه، مع أنّه جماد، ولو كان ذلك شركاً لما أمر به، ولو أمر به ـ مع كونه كذلك ـ لم يتغيّر بالأمر عن واقعه، لأن الحكم لا يغيّر الموضوع كما هو مقرّر في محلّه.
فظهر أنّ الشفاعة من قبيل الدعاء، وطلب الدعاء من الأحياء جائز بالاتفاق، وأمّا من الأموات فسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.
2 ـ دلّت مجموعة من الأخبار على جواز طلب الشفاعة من النبيّ (صلى الله عليه وآله) وغيره لأُمور الدنيا والآخرة.
ففي صحيح مسلم عن عائشة عن النبي صلّى الله عليه [وآله] أنه قال: «ما من ميّت يموت يُصلّي عليه أُمّة من الناس يبلغون مئئة كلّهم يشفعون له إلاّ شُفِّعوا فيه».
فإذا أوصى رجل أن يقوم مئة من إخوانه على جنازته ويشفعوا له يكون مشركاً وضّالاً؟.
وعن (الترمذي) عن أنس، قال: سألت النبيَّ صلّى الله عليه [وآله] أن يشفع لي يوم القيامة.
فقال: أنا فاعل.
قلت: فأين أطلبك؟
قال: أوّلاً على الصراط.
قلت: فإن لم ألقك؟
قال: عند الميزان.
قلت: فإن لم ألقك؟
قال: عند الحوض فإنّي لا أُخطيء هذه المواضع.
وقد طلب سواد بن قارب من النبيّ صلى الله عليه [وآله] أن يشفع له بقوله:
فكن لي شفيعاً يوم لا ذو شفاعة --- بِمُغنٍ فتيلاً عن سوادِ بن قاربِ
ولم ينكر عليه النبيّ صلى الله عليه [وآله] قوله.
وفي السيرة الحلبية أن تُبّعاً الحميري آمن بالنبيّ صلّى الله عليه [وآله] قبل مولده، وكتب كتاباً فوصل النبيّ صلى الله عليه [وآله] بعد مبعثه وقد جاء في الكتاب (وإن لم أدركك فأشفع لي يوم القيامة ولا تنسني).
فقال النبي صلّى الله عليه [وآله]: «مرحباً بتبّع الأخ الصالح» ـ ثلاث مرّات ـ(13).
ولو كان ذلك شركاً لأنكره النبيّ (صلى الله عليه وآله) ولم يرحب بصاحبه، ولا سمّاه بـ(الأخ الصالح).
وذكر ابن تيمية أنه ورد في الحديث: أنّ أعرابيّاً قال للنبيّ صلى الله عليه [وآله] جهدت الأنفس وجاع العيال وهلك المال فادعُ الله لنا، فإنّا نستشفع بالله عليك وبك على الله، فسبّح رسول الله صلّى الله عليه [وآله] حتى عرف ذلك في وجوه صحابه، وقال: ويحك، إنّ الله لا يستشفع به أحد من خلقه، شأن الله أعظم من ذلك. قال ابن تيمية: فأقره على قوله: (إنا نستشفع بك على الله) وأنكر عليه (نستشفع بالله عليك) لأنّ الشافع يسأل عن المشفوع إليه والعبد يسأل ربّه ويستشفع إليه، والربّ تعالى لا يسأل العبد ولا يستشفع به(14).
فإقرار النبي (صلى الله عليه وآله) له على قوله: (إنّا نستشفع بك على الله) دليل جواز طلب الشفاعة من النبي (صلى الله عليه وآله) في دار الدنيا.
ولو كان طلب الشفاعة من غير الله شركاً لم يفرّق فيه بين الحيّ والميّت.. فقوله تعالى: (فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) وقوله: (لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا) لو دلَّ على المنع من الطلب من غير الله لحرم الطلب من الحيّ والميّت، وإن لم يدلّ على المنع فلا فرق في الجواز بين الحيّ والميّت، فالتفريق بين الحيّ والميّت بهذا اللّحاظ لا مبرّر له.
مع أنه وردت روايات في طلب الشفاعة منه (صلى الله عليه وآله) بعد موته: فقد ورد أن ابن حنيف عَلَّمَ رجلاً أن يقول في دعائه في حكومة عثمان: (يا محمّد إنّي أتوجّه بك إلى ربّك أن تقضي حاجتي) ففعل ذلك فقضيت حاجته ـ وسوف نذكر نصّ الرواية في المقام الثالث إن شاء الله تعالى ـ.
وفي (خلاصة الكلام) صَحَّ أنه لما توفى النبيّ صلّى الله عليه [وآله ] أقبل أبو بكر فكشف عن وجهه ثمّ أكبَّ عليه فقبله وقال: بأبي أنت وأُمّي، طبت حيّاً وميّتاً، اذكرنا يا محمّد عند ربّك ولنكن من بالك.
وفيه أيضاً عن شرح المواهب للزرقاني: أن الداعي إذا قال: اللهّم إنّي استشفع إليك بنبّيك، يا نبيّ الرحمة اشفع لي عند ربّك، استُجيبَ له.
المقام الثاني: في الاستغاثة بغير الله والاستعانة به وطلب الحوائج منه
وقد صرّح الوهابيون ـ وأمثالهم ـ بأنهّا موجبة للشرك والكفر(15).
والجواب:
أوّلاً: إنّ الشرك بالله يتحقّق عندما يعتبر غير الله نداً لله وقادراً على التصرف في الأُمور الكونيّة خارج دائرة الإذن الإلهي.. وكلُّ مسلم يعتقد أن من عدا الله لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعاً ولا ضرّاً، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، فالمسلمون الذين يستعينون بغير الله إنّما يستعينون بهم باعتبار أنّ الله سبحانه أقدرهم عليها وأذن لهم فيها، كطلبنا من الطبيب أن يعالج المريض، أو من البنّاء أن يبني الدار، ولذلك لو سألت من يستعين بغير الله: هل تعتقد أنّ هؤلاء يقدرون على ما تطلبه منهم بأنفسهم، وبدون إذن الله سبحانه، وبدون إعطائه تعالى القدرة لهم؟ لأجابك بالنفي القاطع.
ثانياً: إنّنا نجد في القرآن الكريم: إسناد كثير من الأفعال الكونيّة إلى غير الله سبحانه.
قال الله تعالى: (فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ)(16) فأسند الرزق إلى غير الله، مع أنّ الله هو الرزّاق.
وقال تعالى: (وَمَا نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ)(17). مع أنّ الإغناء بيد الله وحده.
وقال سبحانه: (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ)(18).
وقال سبحانه حكاية عن عيسى (عليه السلام): (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ).
فنسب الخلق والإبراء والإحياء إلى عيسى (عليه السلام) مع أنّها كلّها بيد الله.
وقال سبحانه في صفة الملائكة: (فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا)(19).
وقال تعالى: (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا)(20) فأسند تدبير الأمر وقبض الروح إلى الملائكة.
فكيف لم يكن ذلك كلُّه شركاً، وكان طلب الشفاء أو الرزق أو نحوهما من النبيّ (صلى الله عليه وآله) أو الوليّ (عليه السلام) شركاً؟
ثالثاً: هنالك روايات كثيرة تدلّ على جواز الاستعانة بغير الله، ففي (خلاصة الكلام): روى ابن السنّي عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه [وآله ]: إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد (يا عباد الله احبسوا) فإن لله عباداً يجيبونه.
وفي حديث آخر رواه الطبراني أنّه صلّى الله عليه [وآله ] قال: إذا أَضَلَّ أحدكم شيئاً، أو أراد عوناً وهو بأرض ليس فيها أنيس، فليقل: يا عباد الله أعينوني ـ وفي رواية أغيثوني ـ فإن لله عباداً لا ترونهم.
وقد ذكر ذلك فقهاء العامّة في (آداب السفر).
وفي (خلاصة الكلام) أنه صحّ أنّ أصحاب النبيّ صلّى الله عليه [وآله ] لما قاتلوا مسيلمة الكذّاب كان شعارهم (وامحمداه وامحمداه).
وفي الشفا للقاضي عيّاض أنّ عبد الله بن عمر خذلت رجله مرّة، فقيل له: اذكر أحبَّ الناس إليك، فقال (وامحمداه) فانطلقت رجله.
المقام الثالث: في التوسل إلى الله تعالى بالأنبياء والأولياء
وقد اعتبره الوهابيون ـ وأمثالهم ـ شركاً وضلالاً(21).
والجواب:
أ ـ التوسُّل ثابت بنصّ القرآن الكريم، حيث يقول: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ)(22).
والآية بإطلاقها شاملة لكلّ توسُّل إليه تعالى بما هو كريم لديه.
ب ـ والتوسُّل ثابت أيضاً بالروايات المتظافرة.
فعن القسطلاني في شرح صحيح البخاري: أنَّ بني اسرائيل كانوا إذا قحطوا استسقوا بأهل بيت نبيّهم.
وفي صحيح البخاري: أنّ عمر استسقى بالعباس، فقال: اللهَّم إنّا كنّا إذا أجدبنا نتوسّل إليك بنبينا فتسقينا، وإنّا نتوسل إليك بعمِّ نبينا فَاسْقِنا فَيُسْقَوْن.
وفي سنن ابن ماجه عن النبيّ صلىّ الله عليه [وآله] في دعاء الخارج للصلاة: (اللهّم إنّي أسألك بحقّ السائلين عليك، وبحقّ ممشاي هذا).
وروى جماعة منهم الحاكم ـ وصحّح إسناده ـ عن عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لما اقترف آدم الخطيئة، قال: «يا ربّ أسألك بحقّ محمد لمّا غفرت لي).. إلى آخر الحديث، وفيه أنّ الله غفر له بذلك.
وفي (خلاصة الكلام): أنه قد روى هذا الحديث البيهقي بإسناد صحيح.
وفيها أيضاً: قال بعض المفسّرين في قوله تعالى: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ): إنّ الكلمات هي توسُّله بالنبيِّ صلّى الله عليه [وآله].
وروى الطبراني في الكبير عن عثمان بن حنيف أنَّ رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفّان في حاجة له، وكان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فلقي ابن حنيف فشكا إليه ذلك، فقال له ابن حنيف: ائتِ الميضاة فتوضّأ، ثمّ ائت المسجد فصلِّ ركعتين، ثم قل: «اللهّم إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبّينا محمد نبيِّ الرحمة، يا محمَّد إنّي أتوجّه بك إلى ربِّك أن تقضي حاجتي» وتذكر حاجتك، فانطلق الرجل فصنع ما قال، ثم أتى باب عثمان فجاءه البواب حتّى أخذ بيده فأُدخل على عثمان فأجلسه معه على الطنفسة.
فقال: ما حاجتك؟ فذكر حاجته وقضاها له.
ثم قال له: ما ذكرتُ حاجتك حتّى كانت الساعة، وقال: ما كانت لك من حاجة فاذكرها.
ثمّ خرج الرجل من عنده فلقى ابن حنيف، فقال: جزاك الله خيراً، ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إليّ حتى كلّمته فيَّ.
فقال ابن حنيف: واللهِ ما كلمك ولكن شهدت رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وأتاه ضرير فشكا إليه ذهاب بصره....
وروى الطبراني في الكبير والأوسط عن أنس بن مالك، قال: لما ماتت فاطمة بنت أسد دخل عليها رسول الله صلّى الله عليه [وآله] فجلس عند رأسها، فقال: رحمكِ الله يا أُمّي بعد أُمّي، وذكر ثناءه عليها وتكفينها بِبُرده، ثم دعا رسول الله صلّى الله عليه [وآله] أُسامة بن زيد وأبا أيوب الأنصاري وعمر بن الخطّاب وغلاماً أسود يحفرون فحفروا قبرها، فلمّا بلغوا الّلحد حفره رسول الله صلّى الله عليه [وآله ] بيده، وأخرج ترابه بيده، فلمّا فرغ دخل رسول الله صلّى الله عليه [وآله] فاضطجع فيه، ثم قال: (الله الذي يُحيي ويميت وهو حيٌّ لا يموت، أغفر لأُمّي فاطمة بنت أسد ووسع عليها مدخلها بحقّ نبّيك والأنبياء الّذين من قبلي). وقد صحّح الطبراني هذا الحديث، وكذا ابن حبّان والحاكم.
والحديث في هذا الباب طويل نكتفي منه بهذا القدر(23).
تتمة
في حياة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد موته، وحياة جميع الأنبياء (عليهم السلام):
وقد وردت بذلك نصوص كثيرة.
منها ما رواه أبو داود بسند صحيح ـ كما قال السُّبكي ـ عن النبيّ صلّى الله عليه [وآله ] أنّه قال: ما من أحد يُسلّم عليَّ إلاّ ردَّ الله روحي حتّى أردَّ عليه السلام.
ومنها: ما رواه ابن عدي في كامله عن ثابت عن أنس عنه صلَّى الله عليه [وآله]: الأنبياءُ أحياءٌ في قبورهم.
ورواه أبو يعلي برجال ثقات، ورواه البيهقي وصحّحه، إلى غيرها من الروايات وهي كثيرة(24).
ويكفي في ذلك قول الله تعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ).
ولا شكّ أّن الأنبياء أفضل من الشُّهداء.