العدل في توزيع الثروات المائية
والعقوبات على ترك الاحسان للإنسان(6)
آية الله السيد مرتضى الشيرازي
2021-11-27 07:48
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولاقوه إلا بالله العلي العظيم.
قال الله العظيم: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)(1).
والسؤال هو ما هو مقتضى العدل في توزيع الثروات الطبيعية والمعادن والمياه؟ وقد سبق ان (هذه المسألة سيّالة ولها مصاديق ومفردات هامة متعددة، كالنفط والغاز وسائر الثروات الطبيعية، فهل آبار النفط الموجودة في بلاد الحجاز، بلاد الحرمين، المسماة الآن بالسعودية، هي مِلك لأهالي تلك البلاد فقط؟ وبعبارة أخرى: هل هي حقّهم دون غيرهم من أهالي الخليج أو العراق وإيران وأفغانستان والباكستان وسوريا ولبنان؟ والسؤال الآن هو: ما هو مقتضى العدل في ذلك؟ وهل المياه التي تنبع في أثيوبيا أو التي تهطل من السماء عليها هي حقهم فقط دون أهالي سائر البلاد الواقعة في الطريق وبلاد المصب كمصر والسودان؟، أو انها من الثروات المشتركة بين كافة البلاد التي تجري فيها هذه الأنهار التي أجرتها يد الملك القادر الجبّار؟.
طرق اكتشاف مقتضى العدالة في توزيع الثروات
ويمكننا الإجابة عن ذلك، لتحديد مقتضى العدل، بطريقتين: الأولى: الرجوع إلى المباني والمبادئ العامة التي نعتمد عليها كمسلمين، والثانية: الرجوع إلى الأدلة الخاصة والإطلاقات والعمومات الواردة فيها بالذات:
أولاً: المبادئ العامة لحقوق الناس في الثروات الطبيعية
أما المبادئ العامة فان أفضل مصدر لها هو القرآن الكريم الذي يعترف به عامة المسلمين وذلك فيما إذا كان مخاطبُنا هم المسلمون خاصة، فنقول...)(2).
الأدلة الخاصة: ((خَمْسٌ لَا يَحِلُّ مَنْعُهُنَّ: الْمَاءُ... وَالْعِلْمُ))
وأما الأدلة الخاصة، فالروايات المتعددة الواردة حول كافة أنواع الثروات أو الواردة حول بعض أنواعها، كالماء الذي هو محل البحث الآن، والروايات كثيرة ننتخب منها:
قوله (صلى الله عليه وآله): ((خَمْسٌ لَا يَحِلُّ مَنْعُهُنَّ: الْمَاءُ وَالْمِلْحُ وَالْكَلَأُ وَالنَّارُ وَالْعِلْمُ وَفَضْلُ الْعِلْمِ خَيْرٌ مِنْ فَضْلِ الْعِبَادَةِ))(3) ولكل من هذه العناوين الخمسة مبحث لكننا نقتصر في هذا المبحث على العنوان الأول والأخير:
العلم للجميع ويحرم احتكاره وحجب المعلومات
أما العلم، فانه يمكن ان يبحث عنه على مستوى فقه الدولة والمجتمع كما يمكن ان يبحث عنه على مستوى الفقه الفردي وفقه الأحوال الشخصية:
أما على مستوى المجتمع والحكومة، فان (حجب المعلومات عن الشعب) محرم في الشريعة الإسلامية، وتدل عليه هذه الرواية وغيرها من الروايات إلى جوار أدلة أخرى متنوعة، فانه لا يحل لأحد، من حاكم أو محكوم، حجب المعلومات التي ترتبط بالشعب ومصالح العباد والبلاد، والغريب ان حجب المعلومات هو ما جرت عليه سيرة الحكومات الديمقراطية والمستبدة على حد سواء، ولذلك نجدهم يُفرجون عن بعض الوثائق والمعلومات الخطيرة والهامة كل ثلاثين سنة أو أقل أو أكثر وفق قانون حرية المعلومات مع ان الحكام والمسؤولين ليسوا إلا وكلاء للشعب وهل يحق للوكيل ان يحجب عن الموكّل معلوماته عما وكلّه فيه؟
وقد يناقش ذلك: بان حجب المعلومات والوثائق ضروري حفاظاً على أمن البلاد كي لا تتسرب المعلومات إلى الأعداء؟
ولكن الجواب عن ذلك واضح وبسيط إذ:
أولاً: ان الدول الديمقراطية، فكيف بالمستبدة، تحجب كثيراً من الوثائق والمعلومات لأنها تشكل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان وتعارض مبادئ الدول الغربية نفسها لذا تحجبها عن الشعب كي لا يقوم بحجب الثقة عنها وإسقاطها ومحاكمة القائمين عليها أو المضطلعين بها، وتكشف عن ذلك الوثائق المفرج عنها بعد ثلاثين أو خمسين سنة في مختلف الدول الغربية والتي تضمنت معلومات كثيرة ووثائق عن دعم حكومات تلك الدول الديمقراطية للحكومات المستبدة(4)، مقابل امتيازات تقدمها تلك الدول لهم كشراء السلاح بكميات كبيرة منهم وغير ذلك، كما ان الوثائق التي أفرجت عنها البلاد الغربية بعد عقود فضحت دورهم الأساسي في قيادة أو دعم الانقلابات العسكرية على الحكومات الديمقراطية أو شبه الديمقراطية، كحكومة مصدق عام 1953 في إيران وحكومة خاكوبو أربينز عام 1954 المنتخب ديمقراطياً في غواتيمالا وكذلك الرئيس المنتخب لتشيلي سلفادور أليندي مثلاً، فالتستر بستار خطورة المعلومات على الأمن الوطني أو القومي كذبة مفضوحة تحاول ان تخفي وراءها التستر على سياساتهم الاستعمارية ودعمهم للحكومات المستبدة التي تنتهك حقوق الإنسان ليل نهار وعلى بيعهم الأسلحة الفتاكة للحكومات الظالمة الجائرة المستبدة.
ثانياً: ان المعلومات التي يصح حجبها؛ فرضاً، لا بد ان يطلع عليها ويصادق عليها مجلس الأمة إضافة إلى أهل الحل والعقد في أرجاء البلاد مضافاً إلى ذلك عدد من السلطات الأخرى التي فصّلنا الحديث عنها في كتاب (السلطات العشرة والبرلمانات المتوازية) فراجع.
استحواذ تركيا على مياه دجلة والفرات
وأما الماء، وهو مورد البحث، فلا يحق حسب هذا الحديث النبوي الشريف وغيره من الأحاديث، لدول المنبع ان تمنع مياه الأنهار عن دول المصبّ والدول التي تمرّ بها تلك الأنهار، وعلى سبيل المثال فان نهر دجلة ينبع من بحيرة هزار في جبال طوروس في جنوب شرق الأناضول (شرق تركيا) كما ان نهر الفرات ينبع في تركيا الشرقية على بعد خمسين ميلاً من منبع نهر دجلة، ثم يمران في خطين متوازيين تقريباً عبر الأراضي السورية ثم العراقية حتى يصبان في شط العرب ثم الخليج.
والحديث صريح في انه لا يحق لأحد منع الماء عن أحد، فكيف تمنع تركيا مثلاً المياه عن العراق وسوريا، عبر نصب سدود كثيرة عملاقة؟
وهل يصح الاستدلال بان هذه الأنهار تنبع في أراضينا رغم صريح قوله تعالى: (هُوَ الَّذي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَميعاً)(5) وقوله (صلى الله عليه وآله): ((خَمْسٌ لَا يَحِلُّ مَنْعُهُنَّ: الْمَاءُ...))؟ وإذا كان نبع المياه في منطقة هو الـحَكَم لكان لأهالي جبال طوروس ان يستحوذوا عليها ويستأثروا بها تماماً ويمنعوا وصولها إلى سائر مناطق تركيا بنفس الحجة التي تمنع بها تركيا المياه عن سورية والعراق؟ وهل تصلح الحدود السياسية الجغرافية المصطنعة التي رسمتها اتفاقية سايكس – بيكو بين بريطانيا وفرنسا عام 1916 بين الدول الإسلامية التي شكّلت الإرث العثماني، منشأً للشرعية والحق؟.
والحاصل: ان كافة الدول التي تقع على طول خط احدى الأنهار، تمتلك، بنحو المبدأ الإنساني والعقلي والشرعي الحق في الانتفاع بمياه ذلك النهر واستثمارها.
باب التزاحم في توزيع المياه والثروات
وتندرج المسألة في باب التزاحم فيما لو قَصُرت المياه عن سدّ كافة احتياجات الشعوب التي تعيش على ضفتي النهر، ولباب التزاحم ضوابط ومقاييس أولها معادلة الأهم والمهم والتي تعني فيما تعني ان الاحتياجات الكمالية لبلد المنبع، كتركيا أو أثيوبيا مثلاً، لا تتزاحم مع الاحتياجات الأساسية لبلد المصب أو للبلاد التي تقع على طول خط المجرى النهري كسوريا والعراق، أو مصر والسودان، وهذا يعني ان دول المنبع لا يحق لها ان تبني السدود لأهداف الازدهار الاقتصادي ونمو إجمالي الناتج المحلي وتقوية العملة وتحريك المصانع لتمكينها من إنتاجٍ أكثر وتصديرٍ أكثر كي تحصل على كميات أكبر من العملة الصعبة أو تشتري بها كميات أكبر من السلاح أو تبني بها قصوراً فارهة أو حتى لمجرد ان تحافظ على استقرار العملة، وذلك فيما إذا كانت هذه الكمية المحتجزة من المياه خلف السدود المستحدثة هي نفس تلك الكمية التي كان يستهلكها/ يحتاجها بلد المصب في توفير مياه الشرب لعامة الناس أو المحافظة على الحد الأدنى من الإنتاج الزراعي الذي يكفل لقمة العيش لعامة الناس ويوفر لهم أساسيات الغذاء والطعام والشراب، وهل ذلك إلا كذلك الحاكم الذي يصادر كافة الأراضي المتاحة في أطراف مدينة ما ليبني بها لنفسه قصوراً وحدائق وملاعب، تاركاً ألوف العوائل محرومة من حيازة الحد الأدنى من الأراضي التي تحتاج إليها لبناء دور سكنية، ولنفرض لكل عائلة مائة متر أو مأتي متر مثلاً.
والحاصل: ان التزاحم يقع بين الأساسيات والأساسيات، وبين الكماليات والكماليات، فيجب ان نلجأ حينئذٍ إلى الحلول الأخرى، ولكنه لا يقع بين الأساسيات والكماليات فان الأساسيات متقدمة على الكماليات بدون شك، بدلالة الفطرة والوجدان وببناء العقلاء وحكم الشريعة أيضاً.
بل نقول: ان الأساسيات أيضاً على درجات، والكماليات أيضاً على درجات ولا يقع التزاحم بين درجة أدنى من الأساسيات لفريق مع درجة أعلى من الأساسيات لفريق آخر، بل يجب تقديم الدرجة العليا على الدنيا من دون شك، وعلى سبيل المثال لو توفّر كأس واحد فقط من الماء في الصحراء ودار الأمر بين ان يشربه زيد كي لا يموت وبين ان يشربه عمرو كي لا يبتلى بمرض شديد فانه لا يشك أحد في تقديم الأول على الثاني، وكذلك لو دار أمر الطبيب بين ان يجري عملية جراحية لزيد تنقذه من الموت وبين ان يجريها لعمرو كي تنقذه من بتر أصبعه مثلاً فانه لا شك في تقديم الأول على الثاني.
فذلك كله على مستوى القواعد العامة، وأما لو تقدمنا خطوة إلى الأمام فسنجد أمامنا قواعد تفصيلية أخرى لا بد من ان نتناولها بالبحث في المستقبل، ومن تلك القواعد قاعدة (السَّبْق) ومقتضَياتها فأنتظر.
المبحث الثاني: العقوبات الإلهية على ترك الإحسان للإنسان
تناولنا في المباحث السابقة مجموعة من الأدلة التي قد تنهض على وجوب الإحسان في الجملة، مقابل المشهور الذين ذهبوا إلى استحبابه، وعناوين الأدلة التي سبقت هي: قاعدة الملازمة، استقلال العقل بوجوب بعض أنواع الإحسان، تعلق مادة الأمر بالإحسان في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ)(6) والوجوب المقدمي للإحسان(7)، ونضيف دليلاً خامساً وهو:
إنّ الروايات المستفيضة، ولا يبعد كونها متواترة، التي تتضمن روايات معتبرة، تصرّح بترتّب عقوبات إلهية خطيرة على ترك الإحسان أو على ترك أنواع منه، ومن الواضح ان استحقاق العقاب، فكيف بترتّبه، فرع مخالفة الواجب أو ارتكاب الحرام، فان المكروه لا يعاقب عليه، خاصة أنواع من العقوبة الشديدة المغلظة التي صرحت بها مجموعة من الروايات.
((سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِ شُجَاعاً مِنْ نَارٍ يَنْهَشُهُ فِي قَبْرِهِ))
ومن الروايات ما ورد في الكافي الشريف عن الإمام الكاظم عليه الصلاة والسلام ((مَنْ أَتَاهُ أَخُوهُ الْمُؤْمِنُ فِي حَاجَةٍ فَإِنَّمَا هِيَ رَحْمَةٌ مِنَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَاقَهَا إِلَيْهِ فَإِنْ قَبِلَ ذَلِكَ فَقَدْ وَصَلَهُ بِوَلَايَتِنَا وَهُوَ مَوْصُولٌ بِوَلَايَةِ اللَّهِ، وَإِنْ رَدَّهُ عَنْ حَاجَتِهِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهَا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِ شُجَاعاً مِنْ نَارٍ يَنْهَشُهُ فِي قَبْرِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَغْفُوراً لَهُ أَوْ مُعَذَّباً فَإِنْ عَذَرَهُ الطَّالِبُ كَانَ أَسْوَأَ حَالًا))(8).
وتستوقفنا في الرواية النقاط التالية:
أولاً: إنّ تقبّل الإنسان للتصدي إلى قضاء حاجةٍ يطلبها منه أيُّ مؤمن من المؤمنين، يفتح للإنسان طريقاً مباشراً إلى أهل البيت (عليهم السلام) ومن ثم طريقاً إلى الله تعالى، فتكون للإنسان بذلك عند الله يده ويكون حبله موصولاً بولاية الله تعالى.
ثانياً: ان الرواية صريحة في ان من يرفض قضاء حاجة مؤمن رغم كونه قادراً عليها، سيعاقب بعقاب أليم شديد يستمر زمناً طويلاً جداً ((سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِ شُجَاعاً مِنْ نَارٍ)) والشجاع هو نوع من الحيات ولكنها حيّة نادرة إذ هي أفعى نارية وهي أشد إيلاماً من أية أفعى تخطر ببال البشر ((يَنْهَشُهُ فِي قَبْرِهِ)) فليست الأفعى النارية هذه للتخويف فحسب بل انها تقوم بعضه ونهشه في قبره ((إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)) وليس مرة أو مرتين أو مئات أو ألوف المرات، ومن الغريب ان أحدنا يخاف من ان تلدغه حية دنيوية عادية أشد الخوف، لكنه إذا سمع مثل هذه الرواية يمرّ مرور الكرام ولا يحرك ساكناً ولا يحتاط على أقل التقادير؟
ثالثاً: ان الرواية تصرح باستحقاق هذه العقوبة وترتبها حتى لو كان الإنسان مغفوراً له، مما يعني استثناء إهمال حوائج الإخوان، من عموم أدلة الغفران. فتأمل.
رابعاً: ان طالب الحاجة لو أعذر مَن أهمل قضائها، كان المهمِل اسوأ حالاً مما لو لم يعذره الطالب وعاتبه أو سخط عليه، ولعل من أسباب ذلك ان سخط الطالب وعتابه نوع عقوبة دنيوية (تضاف لها الأخروية وهي تسليط شجاع من النار) ولكن الطالب لو أعذره (كما لو اقتنع بعذر المهمِل بمعسول كلامه) كان حاله اسوأ عند الله والعقوبة عليه أشد كونه قد تخلص من هذه العقوبة بالمكر والخداع فاستحق عقوبةً إلهيةً أشد، والفرض كله فيما لو كان قادراً على قضائها، لكنه أوهم طالب الحاجة بانه معذور، أما لو كان عاجزاً حقاً فمن البديهي انه لا يستحق عقوبة أبداً.
((خَذَلَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ))
كما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): ((مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَخْذُلُ أَخَاهُ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى نُصْرَتِهِ إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ))(9) ومن الواضح ان خذلان الله تعالى في الآخرة تترتب عليه أنواع من الشدائد التي قد تشيب لهولها الوِلدان، وان خذلانه في الدنيا قد يعني ان يرفع الحماية التي وفّرها جل اسمه له فقد تدهمه سيارة تصيبه بشلل نصفي إلى آخر عمره أو قد يخسر في تجارته عقوبةً على عدم نجدته للمؤمنين من إخوته، وقد يصاب بداء عضال أو يبتلى بعدو شرس شديد المراس أو قد يسجن أو تصادر أمواله نتيجة خذلان الله تعالى له الناتج عن سوء اختياره بخذلانه لأخيه المؤمن.
((حَشَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَغْلُولَةً يَدُهُ إِلَى عُنُقِهِ))
كما ورد قوله (صلوات الله عليه) ((مَنْ سَأَلَهُ أَخُوهُ الْمُؤْمِنُ حَاجَةً مِنْ ضُرٍّ فَمَنَعَهُ مِنْ سَعَةٍ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهَا مِنْ عِنْدِهِ أَوْ مِنْ عِنْدِ غَيْرِهِ حَشَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَغْلُولَةً يَدُهُ إِلَى عُنُقِهِ حَتَّى يَفْرُغَ اللَّهُ مِنْ حِسَابِ الْخَلْقِ))(10) ومن المعلوم ان غلّ اليدين إلى العنق عقوبة شديدة، خاصة إذا استمرت فترة طويلة متواصلة حتى يفرغ الله من حساب الخلق! ولئن شك أحدٌ في كونه عقوبة أو شكك في ذلك فما عليه إلا ان يجرب ان يغلّ يديه إلى عنقه بالأصفاد الحديدية لمدة ساعة فقط، ولا نقول لمدة يوم أو أسبوع أو سنة، فان استمتع بذلك فليكن ذلك حجة له على انها ليست بعقوبة أبداً!
وهنالك الكثير من الروايات الأخرى والتي قد نستعرض بعضها في الأسابيع القادمة، والتي لا يبعد ان تبلغ درجة التواتر المضموني، اما تواترها الإجمالي فمما لا شك فيه.
ومع ذلك الكم الكبير من الأحاديث الشريفة المصرحة بأنواع من العقوبات على ترك أنواع من الإحسان كيف يمكن رفض القول بان الإحسان واجب في الجملة؟ أو كيف يمكن نفي وجوبه مطلقاً؟
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين