مناشئ الانحراف والضلالة: المؤامرات الدولية على الاديان والمذاهب
وموقع مراكز الدراسات في بلورة الرؤى والاستراتيجيات
آية الله السيد مرتضى الشيرازي
2015-03-14 07:40
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى، محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولا قوه إلا بالله العلي العظيم.
يقول تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا، أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا) ([1])
سيتمحور الحديث باذن الله تعالى حول مناشئ الضلال والانحراف على ضوء هذه الآية الشريفة، ولكننا سنبدأ الحديث ببعض البصائر القرآنية الكريمة التي تلقي الضوء على ما يرتبط بذلك.
وسوف نتوقف عند (مادة ننبئكم) تارة، وعند (هيئة ننبئكم) تارة أخرى، إذ فيهما بصائر مهمة:
1- البصيرة الأولى: في مادة (النبأ)
فوارق (النبأ) عن (الخبر)
لا بد من التدبر في وجه الحكمة في استخدام القرآن الكريم مفردة (النبأ) في هذا المساق (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا)؟ فلماذا لم يستخدم كلمة (نخبركم) أو (نعلمكم) مثلاً؟
فنقول: هناك فوارق عديدة ـ تكشف مدى ثراء اللغة العربية ومدى دقة استعمالات القرآن الكريم ـ بين (النبأ) وبين (الخبر) نشير إلى بعضها الآن:
الفرق الاول: ان لفظ (النبأ) لا يطلق على كل خبر بل هو اخص منه مطلقا، فاذا كان الخبر عظيما هاما عندئذ يقال له: نبأ... اما الخبر العادي فلا يستخدم فيه (النبأ)، وان استخدم فيه فهو غلط أو مجاز([2]).
ومن هنا نلاحظ ان القرآن الكريم استخدم (النبأ) في الأنباء العظيمة، قال تعالى:
(نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ([3])
وقال جل اسمه: (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ، عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) ([4])
ولفظ (النبأ) كمادة يدل على العظمة فكيف لو وصف بالعظيم؟! وقد فسّر النبأ بأنحاء كلها تدل على العظمة والشأن الكبير، منها: انه رسالة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومنها: انه القرآن الكريم، ومنها: انه يوم القيامة، كما جاء في الكافي عن الإمام الصادق (عليه السلام) ان النبأ العظيم هو الولاية. وفي الروايات العديدة: ان النبأ هو علي ابن ابي طالب (عليه السلام).
وكل هذه التفسيرات صحيحة؛ لأنها من باب التفسير بالمصداق غير ان بعضها أظهر من بعض.
وعلى ضوء ذلك ندرك أهمية ورود كلمة النبأ في قوله تعالى (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا) إذ تكشف لنا ان مسألة الاخسرين اعمالا هي مسالة خطيرة جدا وحساسة فان عليها يتوقف مصير الملايين بل المليارات من البشر، فيجب علينا ـ نحن المؤمنين ـ ان نحتاط لها ونحترس وان نحقق وندقق ونبحث عن المناشئ والاسباب، وعن الحلول والبلاسم.
وهكذا نجد ان مطلع الآية يرشدنا إلى ان هذا الامر عظيم جدا، فانه (نبأ) يريد الله تعالى ان يخبرنا عنه!! فعلينا إذا ان نعرف من هم (الْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا) فان أمرهم عظيم وخطرهم – على انفسهم وعلى غيرهم – جسيم!!.
الفرق الثاني: ان لفظ (النبأ) لا يطلق عادة الا فيما لو حصل به العلم او الظن المعتبر عكس الخبر فان الخبر هو ما يحتمل – بنفسه - الصدق والكذب اما النبأ فلا يحتمل ذلك؛ لان مادته اصلا وضعت للخبر الصادق فالخبر الصادق يسمى نبأ، بينما الخبر الكاذب لا يطلق عليه النبأ الا بنحو التجوز.
ثم انه كثيرا ما يستخدم لفظ (النبأ) في التهديد والوعيد مثلا يقال: لأُعَرِفَنّك أو لأُنبِئَنّك عندما تريد ان تهدد شخصا ما، وقد استخدم القرآن الكريم هذه المادة أحياناً في التهديد.
ولعل مقامنا من هذا القبيل فان في (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا) تحذيراً وتخويفاً أي ان ههنا موطن احتراس، فيمكن ان يقال ان الآية فيها طابع تهديد وتحذير، فعليكم ان تحتاطوا وتحترسوا عند الاحاطة خبراً بهذا النبأ وعليكم ان تتخذوا مختلف سبل الوقاية والدفع قبل الرفع.
2- البصيرة الثانية: في هيئة (النبأ)
دلالات صيغة الجمع في النبأ
كما لا بد من التدبر في وجه الحكمة في قوله تعالى: (... هَلْ نُنَبِّئُكُمْ...) حيث استخدمت هيئة الجمع مرتين: مرة للفاعل وأخرى للقابل فلم يقل تعالى: (هل انبئكم) بهيئة المفرد للفاعل المنبِأ كما لم يقل (هل ننبئك) بهيئة المفرد للقابل المنبَأ؟ ولعل السبب في ذلك:
أ- اما في القابل فلأن الآية تشير ـ ان لم تكن ظاهرة ـ الى ان المسؤولية مسؤولية جماعية، وعلى الجميع ان يعرف هذه الحقيقة وليس الكلام موجهاً الى طبقة خاصة من الناس فكأن معرفة هذا النبأ واجب عيني([5]).
ذلك ان كل شخص قد يقع في دائرة احتمال (الْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا) ولذا لم يقتصر الإنباء على الاطباء فقط أو المهندسين أو المحامين أو الفقهاء أو الاصوليين أو مطلق العلماء فقط، ولا الجهال فقط، بل الجميع داخل في أطراف محتملات هذه الدائرة الخطرة.
وإذا كان ذلك كذلك فلنسأل الآن: هل الجميع يعلم ماهي ضوابط ومقاييس الاخسرين اعمالا ؟!! لعل الكثير بل الاكثر لا يعلم ذلك، ولذا يقع الكثير في المتاهة والمصيدة: مصيدة دعوى سفارة او مذهب ضال او غير ذلك.
(قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا)؟ فإياك ان تكون منهم ولكن من هم؟ انهم (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا)
ان على المسلم ان يبحث ويحقق ويفحص في كل دعوة جديدة لا ان يسير وراءها بدون تروٍ او سؤال من اهل الخبرة والعلم، فان الاحتياط مطلوب بل واجب مادام الامر يتعلق بالمصير الابدي للإنسان، فلعله الخلود في النار، أليس كذلك؟
ب- واما الوجه في استعمال الجمع في الفاعل (... هَلْ نُنَبِّئُكُمْ...) إذ لم يقل (هل أُنبئكم) مع ان المنبِأ هو الله تعالى أو النبي (صلى الله عليه وآله) فوجهان:
1) للدلالة على التفخيم، كما ان فيه دلالة على التهويل ايضا؛ لان القائل عندما يُفخم فان ذلك يكشف عادة عن ان المضمون والمقول هو أمر مهم وخطير كما في (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) فان استخدام (إنا) للتفخيم وهو يقتضي عرفاً ان يكون المنزل في ليلة القدر عظيماً ومهمّاً كذلك.
2) لعل في استعمال الجمع في (... هَلْ نُنَبِّئُكُمْ...) اشارة الى دور القادة ومسؤوليتهم الجماعية، أي ان الأنباء ليس مسؤولية شخص واحد وهو رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن ثم الإمام (عليه السلام) فمرجع التقليد مثلاً بل هو مسؤولية للقادة الذين يديرون المجتمع وقد يكونوا مراجع او خطباء او قادة احزاب او رؤساء عشائر او غير ذلك.
والحاصل: ان الموضوع موضوع مهم استدعى من الله تعالى ان يعبر بمادة (النبأ) التي لا تستخدم الا في الامر العظيم ولعل فيها نوعا من التهديد او قل التحذير، كما استدعى ان يستخدم في طرفي الفاعل والقابل صيغة الجمع التي ربما تدل على ان هذه المسؤولية مسؤولية جماعية للجميع فاعلا وقابلا.
مناشئ الضلال والانحراف
بعد ان اتضح ذلك لا بد ان نبحث في مناشئ الضلال والاسباب التي تؤدي بالناس الى الانحراف والضلال؟ فلماذا يعبد ملايين من الناس الحجر او المدر او البقر؟ ولماذا الكثير يميلون مع كل ريح وينعقون مع كل ناعق كما قال امير المؤمنين (عليه السلام)؟
واذا عرفنا السبب بطل العجب كما قيل، والأهم ان ذلك يرشدنا الى الحلول الناجعة بإذن الله تعالى.
وقد ذكرنا في البحوث السابقة بعض المناشئ والتي منها: الجهل المطبق ومنها: الغرور والكبرياء.
وسنذكر ههنا بعض المناشئ الاخرى:
من مناشئ الضلال: المؤامرات الدولية
وهو منشأ مهم جدا، وعادة ما يكون مغفولا عنه: وهو المؤامرات الدولية العالمية، والتي وراءها الدول العظمى أو الإقليمية أو حتى الجهات المحلية فنقول:
ان من المعروف كثرة المؤامرات على الساحة الدولية فقد تتآمر دولة على دولة او رئيس حكومة على رئيس اخر او سياسي من بلده او من بلد اخر على بلد آخر وغير ذلك من المؤامرات المعروفة، لكن من غير المعروف عند الناس عادة أصل أو بعض أبعاد المؤامرات الدولية على الأديان والمذاهب بمعنى التآمر لخلق وصناعة دين أو مذهب جديد يولد في رحم الدهاليز السرية لأجهزة الاستخبارات الدولية!!
وفي السابق كانت المؤامرات بسيطة ثم تطورت بعد ذلك وازدادت تعقيداً ودهاءً وذلك لان الشيطان واتباعه يزدادون خبرة وخبثاً بمرور الزمن ويحدّثون من أساليبهم وحيلهم وخططهم الماكرة.
ولنشر ههنا إلى بعض النماذج إشارة سريعة:
الجبر الاشعري الاموي
فمثلا أحدث معاوية بدعة شغل الناس بها كما برّر بها اعماله الظالمة فقال بـ(الجبر)، وان كل ما يصدر من الانسان ـ ومنه الحاكم المسمى بالإسلامي بطبيعة الحال ـ انما هو من قضاء الله وقدره، فمن يقتله الحاكم أو يسجنه فان ذلك كان بقضاء من الله وقدر! ومن لم يقبل بقضاء الله وقدره فهو كافر لابد من قتله !!
فمن اجل تبرير افعال السلطان الجائر حُرف هذا المفهوم الديني الصحيح (القضاء والقدر) واُلبس ثوب الجبر جبرا وقسرا.
بينما تصرح الروايات الواردة عن اهل البيت b انه: Sلَا جَبْرَ وَلَا تَفْوِيضَ وَلَكِنْ أَمْرٌ بَيْنَ أَمْرَيْنR([6]) الا ان الامويين قالوا كل شيء بقضاء الله وقدره فاذا فعل الحاكم الظالم ما فعل فلا تسألوه بل اسألوا الله تعالى عن ذلك!!.
مسالة خلق القرآن
وفي زمان المأمون العباسي أثار المأمون بشدة وبقوة مسألة خلق القرآن وقد اشغلوا الناس بها سنين طوال واثاروا بذلك فتنة عامة في الحواضر الإسلامية، واصبح الناس قسمين:
قسم يقول بخلق القرآن والقسم الاخر يقول بانه قديم، وكل يكفّر صاحبه، وكان المأمون يطارد ويسجن ويعذب ويجلد وأحيانا يقتل من يقول بقدم القرآن، فقتل خلق كثير لذلك، وكذلك سار المعتصم ثم الواثق.
ولم يعلم إلا الخواص والأذكياء انها مؤامرة شيطانية دبرتها اجهزة الحكم آنذاك لإلهاء الناس عن واقع ما يجري في البلاد وعن مصالحهم الحقيقة ولأشغالهم عن التفكير في جرائم وموبقات الحاكم الجائر([7])
المؤامرات الحديثة: صناعة الأديان والمذاهب
لكن هذه المؤامرات كانت في العهد الغابر وهي قد لا تجد صداها في الوقت الحاضر بعد ان تطورت البشرية الى حد كبير، فكان على الاعداء والاستعمار ان يفكروا بمؤامرات جديدة أكثر تطوراً وكان منها صناعة وخلق الاديان والمذاهب بتخطيط دولي واسع مترامي الاطراف، وقد بدأ المستعمرون هذه السلسلة من المؤامرات منذ بضع مئات من السنين.
ابتداع دين السيخ في الهند
فقد استطاع الاستعمار البريطاني في الهند ان يبقى اكثر من (300) سنة مستعمرا ناهبا لثروات الهند وخيراتها وما ذلك الا عبر الخطط الشيطانية التي كان يحيكها في الظلام ضد الشعب الهندي.
وكان من ذلك صناعة دين جديد لهم، ففي القرن السادس عشر ابتدعوا لهم ديناً جديدا وهو دين (السيخ) الذين رفعوا شعار (لا مسلمون ولا هندوس) بل الطريقة الوسط!!
ولا يزال هذا الدين قائما في الهند الى الان، كما انتشر أتباعه في الكثير من الدول ولا يزال قادته يعتبرون أذرعا للحكومة البريطانية يأتمرون بأوامرهم ولا يخرجون عن ارادتهم عادة.
وقد بلغ عدد السيخ في العالم (23) مليون شخصاً([8])!! ولهم معابد ومراكز ضخمة ودور كبيرة في شتى انحاء العالم، وكنت قد رأيت قسما منها في أكثر من دولة.
عدد الاديان في العالم عشرة آلاف!
وقد قمت ببحث عن عدد الاديان في العالم وكان مما وجدت:
انه حسب احصاء موسوعة (باريت) عام 2001م: يوجد هناك (10،000) دين في العالم !! منها (22) دينا مشهورا، كما ان عدد الاديان التي لها أكثر من (مليون) من الاتباع تقدر بــ(150) ديناً.
ومن هذه الأديان المخترعة: (دين الوثنيين الجدد) ولهذا الدين من الأتباع أكثر من (مليون) شخص حالياً منتشرون في أنحاء العالم وهو منظمون وحيث ان ورائهم الاستعمار فانهم يصنعون الكثير الكثير.
والوثنيون الجدد يعتمدون بالأساس على السحر والأساطير ونظائرهما، وورائهم الاستعمار الذي يسندهم بالمال والخبرات وببعض الأجهزة الحديثة جداً التي تستعمل كدليل على ان السحر حق وان الأساطير واقع!!
ان الغرب الذي لا يغفل عن الشيء البسيط في سبل السيطرة على الأمم، كيف يغفل عن موقعية الأديان وعن سلطة وسيطرة الأديان على الإنسان ذلك ان الدين والمذهب له تأثير كبير قد لا يشابهه شيء في السيطرة على الناس، وقد التفتوا الى ذلك منذ مئات السنين –كما اسلفنا- فعملوا المؤامرات تلو المؤامرات لصناعة الأديان والمذاهب والفرق.
ألا يكفي ما سبق لكي نحتاط ولكي نحتمل على الأقل ان الدين الجديد الذي يطرح على الناس او المذهب او الفرقة المستحدثة (ومنها دعاوى اليمانية والسفارة ونظائرهما) قد يكون من صناعة مؤامرة دولية؟! من يدري ولا اقل من الاحتمال؟
ومما يؤكد ذلك ويبرهنه: وضوح ان الاستعمار يعمل ليلا نهارا مسترشداً بمراكز الدراسات والجامعات التخصصية للسيطرة على العالم والاستحواذ على اكبر قدر من الطاقة والمال والاقتصاد وغير ذلك، وان من الطرق المهمة للسيطرة على العالم هي: أ- (صناعة الاديان) و ب- (السيطرة على الاديان) وذلك من أظهر مفردات القوة الناعمة وهي خطة فعالة وماضية فقد سيطروا تماما على المسيحية واليهودية فضلا عن انها دين استعماري وقع بأيدي الصهيونية في الوقت الحاضر.
كما انهم خططوا للسيطرة على الاسلام من الداخل حتى وقع بعض كبار المفكرين والشخصيات في دائرة خططهم وحيلهم ولعله لا يعلم بانه داخل في مؤامراتهم وسائر بركابهم فأضحى يقدم التنازلات العقدية والفكرية واحدة اثر الأخرى للحضارة الغربية!! ولعلنا نتحدث عن ذلك بشيء من التفصيل لاحقاً بإذن الله تعالى.
اذن من مناشئ الضلال: المؤامرات الدولية والتي تصنع دينا كاملا او مذهبا كاملا كالوهابية او البابية او كالوثنية الجديدة او السفارة وغير ذلك.
الحلول والبلاسم
بعد ان بينا بعض المناشئ - وسنتطرق الى البعض الاخر لاحقاً بإذن الله تعالى – لا بد ان نتحدث عن سبل الحل وطرق العلاج:
فنقول: بعد ان أنبانا الله تعالى بالكبرى الكلية (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا....) فيجب علينا ان نبحث عن الصغريات الجزئية، كما علينا ان نبحث عن الحلول وسبل المواجهة خاصة إذا عرفنا ان اكثر الناس في خسر الا من استثني: (وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)([9]) والآية الكريمة لعلها تشير الى الكلي الطبيعي، اي ان هذه الطبيعة أي الانسان بما هو انسان في خسر الا من امن وعمل صالحا، فاقتضاء الخسران إذاً فيه كبير وشديد!!
ثم ان الإنسان وان آمن فهو لا يزال في خسر الا اذا عمل صالحا ايضا وشفعه بالتواصي بالحق والصبر معاً، فان المتصف بمجموع هذه الصفات هو المستثنى.
وهنا نذكر مفتاحين من مفاتيح الحل:
1- انشاء مراكز الدراسات المتخصصة
1) من المفاتيح التي تُري الطريق وهو من السبل العلمية لإدراك وجه العلاج وطريق الحل وليس هو حلا عملياً بنفسه([10]): انشاء مراكز الدراسات المتخصصة في شان الاديان والمذاهب والفرق المبتدعة الضالة، ومهمة هذه المراكز دراسة حركة هذه الاديان وامتداداتها ونقاط قوتها وضعفها ورسمها البياني.
فمثلا الكثير منا لا يعرف عن البهائية أو الوهابية أو القاديانية أو مدعي السفارة أو السيخ شيئا الا الاسم: كيف نشأوا؟ وكم عددهم؟ ومدى تأثيرهم؟ ماهي نقاط قوتهم؟ وماهي نقاط ضعفهم؟ وما هي الاسباب وراء تقدمهم أو انكسارهم؟ وماهي الحلول؟ وغير ذلك.
الا يستحق هذا الامر الدراسة؟ اذ يمكن ان يُستنسخ وينشأ دين اخر أكثر تطورا وتأثيرا فيغزو العالم ويكتسح الحقيقة إلى درجة كبيرة!!
فهل يوجد عندنا مركز من هذا النوع؟ في حدود علمي لم اجد مثل ذلك ومن هنا نعرف نقطة من نقاط ضعفنا وسبباً من أسباب ضعف مناعة شبابنا، كما نعرف أكثر كيف اننا تخلفنا في الكثير من الحقول الحيوية والمفتاحية وسبقنا فيها غيرنا فاصبح يتحكم فينا على باطله ووضوح حقنا!!
مركز دراسات عن مراكز الدراسات!
ولنستشهد على ذلك وعلى مدى أهمية مراكز الدراسات بالدراسة المسحية التالية:
ففي عام 2013 م تواصل (9) الاف شخص متخصص كل حسب اختصاصه، من شتى ارجاء العالم عبر وسائل الارتباط، بين مفكر وخبير وصحفي وقانوني وافراد من القطاعين الخاص والعام وغير ذلك، كلهم اشتركوا في دراسة مسحية فريدة من نوعها واستمرت هذه الدراسة ما يقرب من (18) شهر!
ومحور هذه الدراسة: مسح تحقيقي عن مراكز الدراسات في العالم فقاموا بدراسة عن (6826) مركزا للدراسات!!
ومن الواضح ان العالم العربي احتلّ ذيل القائمة، بل لعل الكثير منا لا يعرف ما هي مراكز الدراسات اصلا!.
وكان 26% من مراكز الدراسات من نصيب امريكا وان 18% منها من نصيب أوروبا وأقل من 6% منها من نصيب العالم العربي – على ضحالة أكثرها نسبياً - والباقي موزع على جميع انحاء العالم الاخرى.
كما توصل الباحثون إلى ان بعض هذه المراكز هي (مراكز دراسات قيادية) وهي المراكز التي تقوم بمهمة اعطاء الافكار والخطط لقادة دولهم والوزراء والمعاونين والمستشارين وتطرح لهم الرؤى والخيارات والآليات التي بها يتمكنون من التأثير على الرأي العام وعلى الدول الأخرى والتي تمكنهم أيضاً من السيطرة وبسط النفوذ بشكل اكبر بغض النظر – طبعاً - عن الدين والاخلاق والانسانية إلا بالقدر الذي يشكل غطاءً لسياساتهم التوسعية!!
ومن أهم الاستراتيجيات المتبناة هي استراتيجية صناعة قوة خشنة كالقاعدة وطالبان وداعش من جهة، ومن جهة اخرى صناعة قوة ناعمة كالبهائية أو مدعي السفارة أو غيرها.
ومن الواضح ان ما يقوم به داعش من أعمال همجية استفزازية لا يخفى على احمق انه يؤلب العالم كله ضدهم اذ ان من البديهي ان احراق شخص او عدة اشخاص يثير الجميع ضدهم، لكنهم عبيد مأمورون بذلك لمجرد تصوير الإسلام وإظهاره بمظهر الدين الخشن.
نعم، ليس من المعقول ان يؤلب من وصل الى الحكم كل العالم ضده بطرق همجية استفزازية لولا انه عميل صرف ومأمور بذلك من أجهزة مخابرات دولية.
وفي المقابل نجد ان البعض يستخدم اقدس اسم في الكون بعد الخمسة الطيبة من أصحاب الكساء وهو اسم الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وذلك لتحقيق مآرب اخرى ناعمة.
وهكذا يقاد العالم بالقوتين الخشنة والناعمة، وهو التعبير العصري عما اصطلح عليه بعض الأدباء من سياسة العصا الغليظة والجزرة الحلوة!!
وعوداً إلى تلك الدراسة المسحية: وجدت هذه الدراسة أن إحدى مراكز الدراسات([11]) هذه تستخدم بمفردها (1600) موظفاً!! خصوصا اذا علمنا ان اغلبهم متخصصون في علم الاجتماع او علم النفس او علم الانثربولوجيا والتكنولوجيا الرفيعة والسياسة وفي مختلف العلوم والاختصاصات الاخرى التي تصب في الهدف من إنشاء المركز.
أليس من الأجدر بنا ان تكون لدينا مراكز دراسات تخصصية لدراسة الأديان المنحرفة والفرق الضالة خاصة وقد أصابنا منها ما أصابنا وقد أخذت من شبابنا وبناتنا الكثير الكثير؟!
ويكفي مثلاً على ذلك الوهابية التي تغزو دول العالم الإسلامي من ليبيا ومصر إلى اليمن والباكستان واندونيسيا وهي كالسرطان الجاثم، وورائها دولة - بل دول - تضخ بالمال والسلاح وليس لها مهمة الا الإفساد في الأرض والقتل وتكفير عامة المسلمين، ويكفي شاهداً على ذلك ما رآه الجميع طوال العقود الثلاثة الماضية في العراق وسوريا وأفغانستان وباكستان وغيرها من مشاهد الدمار والخراب والإرهاب والتفجيرات والاغتيالات التي قادتها جماعات الطالبان والقاعدة وجيش الصحابة وداعش وغيرها بأموال وتخطيط مخابرات دول إقليمية وأخرى دولية! وكل ذلك لا يهدف إلا تشويه صورة السلام المحمدي الأصيل.
2- بلورة رؤيتنا الاسلامية على مستوى النظرية
من الممكن ان يعيش الناس فترة من الزمن على الأحلام والآمال والوعود بالعدل والحرية والشورى والأخلاق وحقوق الانسان والضمان الاجتماعي وغير ذلك ولكن إلى متى؟
ان علينا إذا اردنا ان نكون صادقين مع أنفسنا ومع الناس ان نعمل على تحقيق ذلك على الارض وذلك كي تتكامل أطروحتنا على المستويين: مستوى الوعد ومستوى الفعل والتطبيق.
ولكن: اذا لم تكن رؤيتنا الاسلامية متبلورة على مستوى النظرية فكيف يمكن تفعيلها بالتطبيق؟! فمثلا ماهي نظريتنا في الاقتصاد الاسلامي؟ ثم بعد النظرية ما هو علم الاقتصاد الإسلامي؟ وماهي نظرتنا الاقتصادية في الزراعة مثلا؟ وما هي رؤيتنا الإسلامية (النظرية والعملية) لتطوير الزراعة والصناعة والتجارة والتي لم يصل الغرب إليها بفكره المادي والبشري والتي فاقهم الإسلام بها – بلا شك - بأبعاده وامتداداته السماوية!
ألا نقول – وهو حق دون ريب - ان الاسلام هو خاتم الاديان على مستوى النظرية والتطبيق؟ بينما واقعنا الصناعي والتجاري والزراعي في العراق وايران وتونس ومصر والخليج وباكستان وغيرها يكشف عن تخلف مأساوي في العديد من الجوانب.
وماهي نظريتنا في البنوك والمصارف؟ صحيح أننا نؤمن بالبنك اللاربوي في الإسلام، لكن ثم ماذا؟ وهل يمكن ان ندير الأموال الطائلة من شتى أنحاء العالم ببنك اكثر تطورا من بنوك الغرب بمجرد شعار لغو الربا؟ وهل المصرف قائم على ثنائية ربا/لا ربا فقط بكل تعقيداته؟ وقد ذكر السيد الوالد – كمثال – ان هناك ثلاثة آلاف مسألة فقهية تتعلق بالبنك فقط –في أدنى الفروض-؟.
فمثلا لنتصور ان احدنا عيّن مديرا للبنك المركزي فما الذي يصنعه؟ وهل انه في أفضل الفروض يكون تلميذاً جيداً ومنفذاً ممتازاً لما اقتاته من علوم على موائد الشرق والغرب؟ أم انه يمتلك نظرية إسلامية وعلماً إسلامياً أكثر تطوراً مما جاء به علماء الغرب والشرق؟
إن المفروض إذاً ان تكون الرؤية الإسلامية متبلورة على صعيد النظرية ثم نسعى جاهدين نحو التطبيق.
نعم هناك محاولات مهمة ورائدة لكن المطلوب اكثر واكبر مما نتصور فقد كتب السيد الوالد (الفقه الاقتصاد) وهو كتاب في علم الاقتصاد، كما كتب السيد الصدر كتاب (اقتصادنا) وهو في المذهب الاقتصادي وهو مكرس لإثبات ان اقتصادنا الاسلامي اكثر تطورا من اقتصادكم الرأسمالي او الشيوعي أو الاشتراكي([12]) وهذا الامر مهم لكنه يبقى في دائرة المذهب الاقتصادي.
لكن اين علم الاسلام الاقتصادي؟ فلو حصلنا على وزارة النفط مثلا فما المنهج الاقتصادي الذي ينبغي علينا ان نطبقه؟ وهل غاية كمالنا ان نطبق ما قرآنا في الشرق والغرب عن ذلك؟
ان جزءاً من الحل يكمن في أن نبلور رؤية واضحة حول مختلف القضايا الحيوية والاستراتيجية: السياسية والاقتصادية والصناعية والعلمية على مستوى النظرية أولاً ثم في حقل التخصصات الرفيعة في علوم تلك الأبعاد ثانياً حتى يمكنا ان نتقدم خطوة الى الأمام على صعيد التطبيق أيضاً ولا نبقى نراوح في مكاننا في الصف الأخير من صفوف البلدان النامية، وإلا ومن دون ذلك فسوف تكون بلادنا أسيرة تدور في فلك الغرب علمياً وصناعياً واقتصادياً و... وسوف يكون شبابنا لقمة سائغة للمبادئ الهدامة والفرق الضالة التي تفرّخ الجهات الاستعمارية المزيد منها يوماً بعد يوم! و(إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) و(إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) و(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ).
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين