وسائل السيطرة على الجماهير، الايحاء، الخداع، العلم والمغالطة
آية الله السيد مرتضى الشيرازي
2015-02-23 02:19
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى، محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولا قوه إلا بالله العلي العظيم.
يقول تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ...)([1]) ويقول جل اسمه (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا)([2])
سبق الحديث حول الأديان المنحرفة وحول الفرق الضالة، وكيف يعقل أن يتبع الملايين من البشر الفرق الضالة وفيهم الكثير من الفلاسفة والعرفاء واساتذة الجامعات والنخب الثقافية او غيرهم وحتى في داخل الدائرة الاسلامية الواحدة.
وقد سبقت الإجابة ايضا لكننا سنتوقف عند بصيرة اخرى من البصائر التي تضئ شعلتها الآيات الكريمة مما يرتبط بمساق البحث وثماره:
هل المعاند أخسر أعمالاً أم الضال الجاهل المركب؟
يقول تعالى (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا)؟ والجواب هو (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا).
وههنا مشكلة علمية متوهمة وهي ان الأسوأ أعمالا هو المعاند العالم العامد المخالف وليس الجاهل المركب، وذلك لان الأقسام أربعة:
1- الجاهل البسيط: وهو من لا يعلم وهو يعلم انه لا يعلم. وعلاج هذا النوع سهل لان معرفة الداء نصف الدواء ومعرفة المريض أنه مريض هو نصف الحل.
2- الجاهل المركب: وهو من لا يعلم وهو لا يعلم انه لايعلم، بل يتصور انه يعلم. وعلاج هذا النوع صعب إلى حد كبير.
3- الجاهل الشبيه بالمركب: وهو برزخ بين القسمين السابقين أي هو الجاهل المركب المشوب جهله ببصيص نور، كمن يعتقد مثلا بنسبة 99% انه على الحق ويحتمل بدرجة 0.1% فقط انه على الباطل لكنه يقوم بإلغاء هذا الاحتمال ويبني على انه على الحق 100%، والكثير من الناس هم على هذه الشاكلة، ولذا ذهب الكثير من العلماء إلى عدم وجود جاهل قاصر في الكون بدعوى انهم من هذا القسم من أنواع الجاهل أو لأنه وإن وجد الجاهل المركب المحض فانه بالنتيجة مقصر في المقدمات([3]).
ولعل الآية الشريفة تشير الى هذا القسم أي ان الذي (ضل) هو مابين الجاهل البسيط والجاهل المركب.
4- وهو العالم المعاند، وهذا هو أسوء الأقسام على حسب الظاهر، ومع ذلك فكيف يكون (الذين يحسنون صنعاً) هم من وصفتهم الآية الكريمة بـ(بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا)؟
هناك عدة وجوه للإجابة نذكر منها:
أولاً: ان الحصر هنا حصر اضافي وليس حقيقيا، فليس المراد من (الاخسرين اعمالا) ما يقابل المعاند (وهو الاخسر الاخسر) وانما ما يقابل الجاهل البسيط، أي المراد هو البرزخ بين الامرين، وهو الممسوخ فكريا، فانه أسوأ من الجاهل البسيط وذلك لأن فعله خطأ كما ان نفسه مشوبة وملوثة.
ثانياً: ان نلتزم ان الحصر حقيقي، أي ان هؤلاء هم الاخسر اعمالا حتى من العالم المعاند لكن مع ذلك يكون الجاهل اخسر أعمالاً من المعاند.
ويتضح هذا الجواب بدراسة المثال التقريبي الآتي:
فلو كان هناك شخصان في الصحراء احدهما: يعلم بان هذا الطريق متاهة توصل الى مسبعة([4]) او إلى قطاع طرق، لكنه رغم علمه بذلك أصر على السير في ذلك الطريق الخطر عنادا وثانيهما: يعتقد ان الطريق سالكة لا مشكلة فيها بل ان بها النجاة وذلك اعتماداً على معلومات خاطئة اطمأن بها أو بوصلة غير منضبطة وقد تصورها وثيقة.
الفوارق العملية بين العالم المعاند والجاهل المركب
وهنا سوف نجد الفارق بين الشخصين (الجاهل الذي يحسب انه عالم والعالم المعاند) كبيراً فان الجاهل الذي يحسب انه يحسن صنعا بسلوكه هذا الطريق الخاطئ لهو أسوء حالا من العالم المعاند واكثر خسارة منه من عدة جهات؛ وذلك لانه (الجاهل):
أ - من جهة يُغِذُّ السير ويسرع في المسير الذي ستكون نتيجته الوصول الى المسبعة والهلاك فيها؛ لأنه يتوهم ان بذلك النجاة.
ب - ومن جهة اخرى فانه سوف لا يتوقف ليتمتع بالمباهج والمناظر الجميلة اثناء الطريق؛ لانه يعتقد ان الخلاص من الأخطار لهو في سرعة طي هذا البيداء وان الجنة والسعادة في الوصول الى تلك المسبعة التي توهم انها هي الجنة المنشودة!!
وفي المقابل نجد ان العالم المعاند من جهة لا يجد داعياً أكيداً لكي يغذ السير؛ لأنه يعلم انه سيصل الى المسبعة المهلكة فلا بأس بالتمهل لساعات او ايام مثلا كما انه يجد وقتاً طيباً لكي يستمتع بالملذات اثناء الطريق.
وذلك مما يلقي الضوء على حال أتباع الفرق الضالة الذين يضحون بكل شيء في سبيل المعتقد الباطل لأنهم يحسبون انهم يحسنون صنعا. بينما نجد رئيس الفرقة حيث انه عالم ببطلان مسلكه وضلاله لذا فانه لا يضحي بحياته ولا بثرواته ولا بموقعه بل نجده حريصاً على الاستمتاع بمباهج الحياة ولذا تجدهم أيضاً يرتبطون بالشرق والغرب الى ان تأتي نهايتهم السيئة.
ويشهد لذلك: ان الظاهر أن أكثر الانتحاريين الارهابيين هم من المضللين المخدوعين فتجدهم يفجرون أنفسهم ليقتلوا العشرات من الأبرياء والصالحين من اتباع اهل البيت (عليهم السلام) او غيرهم متوهمين انهم بذلك يحسنون صنعاً وانهم يقتلون المشركين أو كفاراً حربيين وانهم سيصلون بذلك الى الجنة سريعا بزعمهم، اما الذين يعلمون منهم انهم على باطل فقلما يستعد أحد منهم ان يفجر نفسه إذ انه يعلم انه مصيره إلى النار مباشرة! نعم شذ من فعل مثل ذلك لإجبار أو غيره.
ج- ومن جهة ثالثة فان الصدمة سوف تكون اكبر وأعظم عند الجاهل؛ لان العالم كان قد اعد نفسه طوال أيام او سنين لمواجهة تلك النتيجة بينما الجاهل سوف يفاجأ بالعاقبة الوخيمة التي كان يحسبها الجنة والسعادة!!
بين (الاخسرين أنفساً) و(الاخسرين أعمالاً)
ثم ان الآية الشريفة فيها مزيد من الدقة لمن تدبر وتفكر فانها لم تقل الاخسرين انفساً! بل قالت: الاخسرين اعمالا.. وذلك لأن المعاند عقوبته اشد والجاهل البسيط والمركب اخف عقوبة منه لمكان جهله لكن أعماله هي الأخسر من المعاند، والمثال السابق خير مرشد لذلك إذ نجد ان أعمال الجاهل أسوأ من جهة انه (يغذ السير) و(لا يتمتع بمباهج الحياة) و (يفاجأ مفاجئة كبيرة) وغير ذلك كلها خسارات تفوق الخسارة العملية أو السلوكية من هذه الجهات.
ثالثاً: ان المعاند يمكن ان يتوب ويتراجع؛ لأنه يعلم انه على باطل فقد يصحو ضميره او يستيقظ وجدانه او يبتلى ببلية فيخاف من اخرى اشد منها او غير ذلك كما نشاهد ونسمع عن الكثيرين من المعاندين الذين اهتدوا في نهاية المطاف.. بينما من يعتقد انه يحسن صنعا فانه لا داعي له لأن يتوب أو يتراجع؛ لأنه يتصور انه على حق؛ ولان ضميره يعمل بالضد من الحق الواقعي فلا وجه لأن يتوب أو يتراجع الا أن يأتي عامل خارجي فيطهر نفسه ويوقظه بقوة تكوينية([5]).
ومن هنا نجد ان بعض القتلة يسلمون أنفسهم الى القضاء بعد فترة من جريمتهم وما ذلك إلا لأن ضميره يؤرقه حتى انه قد لا يستطيع النوم طوال الليل.
كيف يسيطر الضُلّال على أتباعهم؟
والآن لنعد إلى السؤال السابق: فاننا عندما نتصفح حال الكثيرين من اتباع الفرق الضالة والاديان المنحرفة او العلمانيين نراهم بالفعل يعتقدون انهم على صواب اما بجهل مركب او بالجهل البرزخي، فكيف يسيطر قادة الفرق الضالة على اتباعهم؟
1) التنويم الايحائي
الجواب: هناك طرق عديدة منها:
التنويم الايحائي وهو اعم دائرة من التنويم المغناطيسي وقد سبق([6]) لكن نضيف هنا:
انه حسب احصاءات منظمة الصحة العالمية فان نسبة الذين لهم قابلية الوقوع ضحية التنويم الايحائي([7]) تصل الى 90% من سكان العالم!! وهو رقم مهول حقاً، ويدخل تحته الآلاف من علماء الذرة او الفيزياء او الطب او الدين او غيرهم فضلا عن عامة الناس، بل قد يدخل تحت هذا الرقم عباقرة العلماء في شتى التخصصات، والسر في ذلك ان عالم الفيزياء أو الفلك أو الطب أو غير ذلك، ليس بمتخصص في العقائد فيسهل التأثير عليه وخداعه فيها فانه من هذه الجهة كعامة الناس إذ لا يعرف المعادلات والأدلة والبراهين ولا يميزها عن المغالطات والخطابة ونظائرها.
وهكذا نجد ان الفرق الضالة تستفيد أكبر الاستفادة من هذه النافذة بل هذه البوابة الكبرى المشرعة لابتلاع الملايين من الناس.
التنويم الايحائي سلاح ذو حدين
وهنا نقطة هامة جداً وهي ان التنويم الايحائي سلاح ذو حدين ومثله كمثل السكين الذي هو سلاح ذو حدين فقد يستخدم لغاية شريرة وقد يستخدم لأهداف نبيلة.
ولذا كان الانبياء والصالحون يستخدمون الطرق الصحيحة من الايحاء والتلقين على نطاق واسع بل بُعداً هاماً من أبعاد فلسفة (شعائر الله) هو الايحاء الجمعي الإيجابي، ولا نسميه تنويماً إيحائياً لأنه إيقاظ إيحائي، وهذا يكشف أيضاً سراً من أسرار ضراوة الغرب والشرق وأتباعهم في محاربة الشعائر الدينية والحسينية بشكل عام لانهم يعلمون مدى تأثيرها الايحائي على الملايين من الناس فهم يعلمون ان هذه الوسيلة والطريقة ناجعة ومؤثرة لكنهم يرفضون المضمون ويحاربون المعاني الاسلامية والولائية الصحيحة الكامنة فيها.
وبذلك يتضح لنا وجه حضاري مشرق من وجه تشريع الشعائر الحسينية والدينية كالطواف ورمي الجمار والبكاء واللطم والتطبير وغيرها فان جزءاً من فلسفتها الأساسية هو هذا التأثير الإيحائي الفعال وإن توهمها بعض قاصري العلم والمعرفة أفعالاً روتينية بل رآها لغواً أو همجية وذلك ما يكشف عن بعض عمق قوله تعالى: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) فتدبر جيداً
2) المخادعة
تعتبر المخادعة من الاسلحة الفعالة التي يستخدمها أرباب الفرق الضالة قال تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ)([8]) والمشكلة ان الاتباع البسطاء لا يفطنون لمكامن الخداع التي بنى رؤساء الفرق الضالة عليها ضلالاتهم؛ لان الانسان البسيط عادة ما يقيس الناس على نفسه فيتصور ان الجميع بسطاء ووادعون وليسوا مخادعين.
خدعة الصنم المعلق في الهواء
ففي الهند مثلا هنالك الكثير ممن يعبد الصنم والغريب انهم هم الذين يصنعونه بأنفسهم ثم تراهم يعبدونه!!
وفي زمان السلطان محمود بن سبكتكين عندما دخل الهند وجد الكثير من الناس يعبدون الصنم وقد سمع عن ظاهرة غريبة جعلت الكثير من البسطاء يؤمنون أو يزدادون إيماناً بألوهية الأصنام فقد كان هناك معبد كبير في وسطه يوجد صنم ضخم معلقاً في الهواء فلا هو على الأرض ولا هو مشدود بالحبل! وكان الناس يرون في ذلك معجزة دالة على ان هذا الصنم هو الاله حقاً! ففكر السلطان مستغربا، كيف يمكن ذلك؟ وما هي الخدعة وراء ذلك؟ إذ كيف يمكن بقاء الصنم معلقا في الفضاء بلا سند او عماد!
وكان هناك مستشار ذكي قلّب الأمر على وجهه حتى اكتشف اخيراً ان المسالة تعتمد على معادلة علمية وهي وجود ألواح ضخمة من المغناطيس (سالب وموجب) من جانبي الصنم في داخل الحائطين بكميات كبيرة محسوبة بدقة بالغة، كما وضع في داخل الصنم كميات من الحديد وقد جرت هندسة ذلك عبر موازنة دقيقة كي لا يختل التوازن وبحيث لا تجذب ألواح المغناطيس التي في أحد الجانبين، الصنم إلى جهتها إذ تكافأها الألواح الموجودة في الجانب الآخر ولذلك ظل الجسم (الصنم) معلقا بالهواء بين الحائطين مما أوهم البسطاء ان الرب (الصنم المصنوع) يقف في الهواء غير مستند الى شيء!.
وهنا اقترح المستشار ان يزيل بعض الجنود ألواح المغناطيس الموضوعة في أحد الحائطين، وسرعان ما شاهد الجميع الصنم ينجذب بقوة هائلة الى الجانب الاخر لقوة الجذب المغناطيسي فيصطدم بالجدار بكل عنف وشدة!!
وهنا عرف الناس الخدعة ورجع الكثير عن الاعتقاد بالمعجزة الموهومة.
3) العلم
يعتبر العلم سلاحاً ذا حدين، ولذا إستخدمه الاشرار والاخيار على مر الاعصار وقد استخدم الغرب فروعاً من سلاح العلم([9]) كثيراً جداً لضرب الأديان ولضرب الاسلام وخاصة في القضية المهدوية وقد سمعت قبل أكثر من عشرين سنة انهم أسسوا معهداً متخصصاً في القضية المهدوية وانهم يصرفون عليه أموالاً طائلة جداً لانهم يعرفون مدى خطورة المنقذ العالمي المهدي المنتظر (عليه السلام) على مصالحهم الاستراتيجية وحكوماتهم الاستعمارية.
وقد ذهب بعض من نعرفه الى ذلك المعهد المتخصص عبر طريقة ذكية جداً واطلعوا عن كثب على بعض برامجهم وعلى بعض تلك الدراسات المهدوية ووجدوا انهم يخضعون كتب الفريقين لتدقيق وتمحيص ثم انهم في بُعد آخر كانوا يدرسون مدى إمكانية تقليد هذه التجربة الناجحة أو تقليد بعض جوانبها على الأقل وابتداع مذهب أو فرقة تتسلح بهذه الدعوى ومعها بعض تلك الغرائب.. وعلى سبيل المثال كانت إحدى الدراسات تنصب على مدى إمكانية تقليد ما أشارت إليه احدى الآيات القرآنية: (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ)([10]) بان يصنعوا دابة تخرج من الارض فتتكلم بكلام وتتصرف كمخلوق أعلى متطور جداً([11]) وتقول ما يبرمج لها وبما ينسجم مع معتقداتهم ومتبنياتهم، ثم يُعِدّون المشهد والسيناريو بحيث ينطلي على الكثير من البسطاء!!.
وكانت إحدى الدراسات تنصب على صناعة مدّع للسفارة وتسليحه بالحجج العلمية (الغيبية) مثل ان يستدل على الناس بانه سينزل أربعة ملائكة من السماء أو أكثر يشهدون له بذلك!! وعملية الخداع البصري هذه سهلة من خلال العلم الحديث وليس فقط عبر سحر الأعين (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ)([12])، وذلك عبر تقنية حديثة جداً أهمها الهولوكرام كما سيأتي.
والحاصل: ان العلم سلاح اخر إلى جوار السحر والخداع والايحاء، والذي يمكن تسخيره لخداع الناس وصناعة المذاهب والأديان.
تكنلوجيا الهولو كرام
وقد يأتي آت فيقول: انا نبي مرسل، ومن معاجزي ان اجعل شخصا واحدا يتواجد في آن واحد في مكانين مختلفين أو في أمكنة متعددة ويشاهده فيها الجميع! فيمكنك ان تتصل مثلاً بصديقك في الصين فيخبرك ان هذا الشخص موجود الآن هناك في الصين كما يمكنك ان تخابر صديقك الاخر في اليابان مثلاً فتجده يخبرك انه موجود هناك! كما هو موجود الآن هنا (في العراق) مثلاً وكفى بذلك معجزة!!
وكان هذا الأمر يطرح قبل عقود كقصة من قصص الخيال العلمي لكن العلم الحديث وصل إليه عبر تقنية (الهولوكرام) وهي تقنية تعمل بالليزر وتقوم بإيجاد صورة ثلاثية الأبعاد دقيقة جداً، فكما ان التلفزيون ثنائي الأبعاد (ينقل الطول والعرض) فقط فالهولولكرام ثلاثي الأبعاد ينقل العمق أيضاً فتجد أمامك شخصاً كاملاً وما لم تلمسه فانك لا تكتشف انه ليس إلا من أشعة الليزر! وقد نقل لي قبل سنتين احد اصدقائنا وهو صاحب شركة متخصصة وهي فرع من شركة عالمية اعلى قال لي: انه شاهد هذا الامر بنفسه بعد ان دعته الشركة الأم الى حضور اجتماع قمة مع رئيس الشركة وباقي الاعضاء (من أنحاء العالم).
قال: كان رئيس الشركة في امريكا، لكن عن طريق (تكنلوجيا الهولوكرام) حضر إلى مقرّ الشركة والقى محاضرة لساعة كاملة وكان يتمشى ويضع يديه خلف ظهره أحياناً ويجلس أحياناً – كأي شخص حاضر حقيقي - وغير ذلك.
ويقول صاحبنا: انه اقشعر بدني عندما شاهدت هذا المنظر لأنني اعلم انه في أمريكا لكنه حضر معنا وكأنه شخص حقيقي في الاجتماع!([13])
وقد تعمم هذه التجربة لاحقا فيُخدع بها الملايين من الناس.
ومن هنا علينا ان نميز بدقة بين التطور العلمي أو الخدعة السحرية أو الرياضة النفسانية وبين المعجزة الالهية بالفعل.
القرآن يفتتح عصر العلم والمعرفة
ولذلك كله نجد ان القران الكريم افتتح أبواب العقل والمعرفة والتعلم والقراءة والكتابة على مصراعيه باعتباره عصر خاتم الأديان والأنبياء محمد (صلى الله عليه وآله) فهذا العصر هو عصر العقل الفطري كحَكم أساسي وتبقى المعجزات والكرامات عوامل مساعدة.
وهذه نقطة جوهرية ينبغي الالتفات اليها، فلو ان شخصا الآن احيى فرضاً ميتا او الف ميت فهل يصيره ذلك نبيا؟ كلا، ان المقياس هو العقل وهو يحكم بان العلم متطور الآن جداً وقد يمكنه أن يقوم بمثل ذلك فيتحقق بالعلم ما لم يكن يمكن ان يتحقق سابقا.
اننا الان في عصر الحجج والأدلة والبراهين ولسنا في عصر خوارق العادات كأدلة نهائية على صحة الأديان والمذاهب.
ومن هنا كانت أولى الكلمات القرآنية النازلة هي هذه الآيات الخمسة: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)([14]) كما عليه المشهور من المفسرين([15]).
ان النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) افتتح عصر العقل والعلم و ومن هنا نجد ذلك الحث الشديد والحض الأكيد في الآيات والروايات على التدبر والتفكر وهي بالعشرات.
ان خوارق العادة قد تصدر من العامي أو الصوفي أو المسيحي والبوذي أو المشرك وغيرهم وهي ليست المقياس بل المقياس هو العقل والحجج الحقة.
ولجريان الخوارق التي قد تتوهم انها من الكرامات أو المعاجز، على ايدي هؤلاء حِكَم إلهية في عالم الامتحان والابتلاء قد نتحدث عن ذلك بتفصيل لاحقا ان شاء الله تعالى.
4) مغالطة الاسم والمسمى
الطريق الاخر: هو مغالطة الصغرى والكبرى ومغالطة الشاخص والشخص ومغالطة الكلي والجزئي، وهذه معادلة تعتمد على نوع من السرقة الشيطانية الغريبة؛ ذلك انه تارة يسرق احدهم مجوهرات وارصدة شخص ما وهو نوع من السرقة، وتارة يسرق احدهم انسانا وهو ما يسمى بالاختطاف وهو نوع اخر من السرقة، وهناك نوع ثالث هو الأخطر وهو سرقة الشخصيات الكبرى وهذا النوع من السرقة يعد من اهم اسلحة المبطلين.
فمثلا: حيث ان المهدي المنتظر حقيقة لا شك فيها وقد بشر بها الرسول (صلى الله عليه وآله) والأئمة والأنبياء من قبل لذا يرى بعض المبطلين بان أفضل طريقة للصعود المفاجئ وخداع السذج هو (دعوى انني أنا المهدي الموعود)! أو (انني انا سفيره المنشود)! وهكذا يقوم بسرقة أسم هذه الشخصية الإلهية أو تلك ويتلبس بلباسها ظلماً وزوراً لأغراض دنيوية شريرة أو مادية مستحقرة.
ومن هنا فقد جاء في الروايات ان أربعين شخصاً من الدجالين انتحلوا شخصية (موسى) في الفاصل بين وفاة يوسف وظهور موسى كليم الله كما ادعى العشرات – بعضهم كانوا في زمن الأئمة (عليهم السلام) – انهم هم المهدي المنتظر! والبعض الآخر ادعى انه ابن الإمام المهدي، وهذا نوع من المغالطة يشبه مغالطة الصغرى والكبرى ومغالطة العنوان والمعنون والاسم والمسمى.
بل – وهذا هو الغريب حقا – انه وصل الامر ببعضهم الى ادعاء الربوبية بدلا عن الله تعالى خالق الكائنات. أعاذنا الله وإياكم من شرور هذه الفتن ومن محنه الإيمان المستعار ورزقنا البصيرة الثاقبة في الدين والفكر والمعرفة والإيمان المستقر بلطفه وكرمه انه سميع الدعاء.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين.