الثنائيات المتضادة في النص القرآني
اصحاب اليمين، اصحاب الشمال
د. حازم فاضل البارز
2015-01-05 12:04
المقدمة
الحمد لله الذي علم الانسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير من يعلم، وعلى اله وصحبة ومن سار على نهجه الاقوم، والفخر والثناء على لغتنا التي اعزها الله بمعجزة الاسلام (المصحف الاكرم)، والذي جعلني مسلما سبحانه العلي الاعلم
وبعد....
الثنائيات سمة من سمات الحياة، وقد انعكس ذلك الادب (القرآن) وشاعت في الخطاب اللغوي عامة والادبي خاصة، فدراستها ضرورة علمية وادبية ونقدية، لمعرفة حدود تكونها داخل النص، ودرجة وجودها فيه، واثرها في تحقيق المعنى والفكرة المراد ايصالها للمتلقي، ومن ثم اثرها في خلق النص ودلالته......
وقد تناولت دراسات عديدة (النص القرآني) بحثا وتمحيصا وفي اغلب الوجوه التفسيرية والفنية والفلسفية...، غير ان هذا النص ما يزال بحاجة الى دراسات اخرى، لان فيه كثيرا من الظواهر التي نحتاج الى ان نقف عندها، ومن هذه الظواهر هي (الثنائيات المتضادة في النص القرآني – اصحاب اليمين، اصحاب الشمال)، اذ ان هذه الثنائيات بوصفها احدى التقنيات التي جعلت النص يبوح بأسراره النفسية والفنية والفكرية....، من خلال الشرح والتأويل، فكان التعامل مع النص بوجود الثنائيات على مستوى النص برمته او على مستوى الآية الواحدة، وهي تؤدي دورا جوهريا في ايصال الفكرة التي يروم الناقد ايصالها الى المتلقي فضلا عما تفضيه من جمالية على النص القرآني، ولا تبدو الثنائيات واضحة الا اذا نظر اليها على انها حالة علمية - فكرية – نقدية تهز كيان النص القرآني، وهذا ما نجده في النصوص القرآنية التي سندرسها، وكان على الباحث الامساك بطاقاتها الفعالة، واشراقاتها المضيئة البينة والمبهمة في حدود الامكانيات المتاحة للباحث وما تيسر له من مصادر اعانته على البحث والاستقصاء، اما المنهج الذي قام عليه البحث فيتمثل بمستوى التحليل الموضوعي تارة والتحليل البنيوي تارة اخرى، وهذا المستوى من الدراسات يعتمد على (تجلي الثنائيات) وكيفية تفردها في تشكيل المعنى للمستوى الظاهر والعميق للنص القرآني... وقد عمدنا الى وضع (الثنائيات المتضادة في النص القرآني.. اصحاب اليمين، اصحاب الشمال)، عنوانا لهذه الدراسة وقد وزعت الى تمهيد ومبحثين وخاتمة وقائمة بالمصادر، ففي التمهيد تطرق البحث الى ثنائية
(اصحاب اليمين، اصحاب الشمال) البحث في الاولية – التأصيل، وبهذا شكل مدخلا لتناول الثنائيات في النص القرآني، فجاء المبحث الاول، بعنوان ثنائية (الايمان، الفكر)
و(الخير، الشر)، اما المبحث الثاني، فجاء بعنوان ثنائية: (الجنة، النار)
و(الامل، اليأس) بعد ذلك انتهت الدراسة بخاتمة تفصح عما توصلت اليه من نتائج، وقائمة اعتمدتها للوصول الى دراسة عسى ان تكون مستوفية للبحث.
تمهيد:- ثنائية (اصحاب اليمين، اصحاب الشمال)
- البحث في الاولية – التأصيل
اليمين:- البركة، واليمين: خلاف الشؤم، وقد يمن الرجل على قومه فهو ميمون: اي صار مباركا عليهم، وتيمن به تبارك، والايمن والميمنة ضد الميسرة [1]، واليمين في اللغة: القوة[2] اما الشمال: نقيض اليمين: فهي الريح التي تهب من ناحية القطب، والعرب تقول فلان عندي باليمين اي منزله حسنة، واذا ساءت منزلته قالوا هو عندي بالشمال [3] وقد تفاءلت العرب بالجانب الايمن، وانتزعوا له اسما من اليمن، وانتظار الخير، وربما سموا التقدم يمينا، والتخلف شمالا، فقالوا: اجعلني في يمينك ولا تجعلني في شمالك، اي اجعلني من المتقدمين،[4] ولان اصحاب الجنة يؤتون كتبهم بأيمانهم فان اليمين يصبح يومئذ رمزا لدخول الجنة [5] و والميمنة ايضا من اليمن اي نصيب الحسن، وقد جعل الله اعطاء الكتاب للإنسان بيده اليمنى يوم القيامة دليلا على العاقبة الحسنى، ولان كاتب الحسنات على اليمين وكتاب السيئات على الشمال فان اصحاب اليمين هم الذين زادت حسناتهم على السيئات، والصحبة من التلازم والمقارنة، فقد يكون هؤلاء ذوي الصلة المتينة بملائكة الحسنات لكثرة الصالحات عندهم، فهم لا يبرحون يصلونهم بها بين الحين والاخر، فيصحبهم اولئك الملائكة عند الحساب، يبينون حسناتهم، ويشفعون لهم عند الله، ومن كانت هذه صفته فانه يصير الى منزله عظيمة من الجزاء والرضوان عند الله [6]
واما (ما اصحب الميمنة) جاء هذا التعبير اشارة الى التفخيم، والمراد ما يتميزون به عن اصحاب الشمال من الثواب العظيم [7] (واصحاب الشمال) قالوا، العرب تسمي الشمال شؤما، لانهم يعتبرونه نحسا، ويقولون: قعد فلان شامه (شمالا)، ويا فلان شائم بأصحابك
(تياسر بهم) كما يسمون اليد اليسرة الشؤمى [8].
فالمراد اذن بأصحاب المشأمة اولئك الذين يؤتون كتابهم بشمالهم، ليكون ذلك علامة على انهم من اصحاب النار وقيل ان المعنى اصحاب الشؤم والنحس [9].
فهذا الفريق هم المعنيون بالمشأمة، ومع انهم يعطون كتابهم بشمالهم الا ان القرآن لا يسمهم أصحاب اليسار، لأنها مأخوذة من اليسر تفاؤلا كالمفازة للصحراء، ذلك ان قوة الانسان في يمينه، ويستخدمها بيسر وسهولة، بينما يواجه حرجا وعسرا في اعمال شماله، فقيل يسار رجاء اليسر، واذا كان تجلي الشمال واليمين والمشأمة والميمنة في يوم الدين هو اعطاء الكتاب بإحدى اليدين فان تجليهما في الواقع الاجتماعي والسياسي هو القيادة الصالحة بالنسبة لليمين، والفاسدة بالنسبة للشمال، وقد وردت بهذا التأويل روايات كثيرة من بينها: قول رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) للأمام علي (عليه السلام) (هم شيعتك) [10]، يعني اصحاب اليمين، وقول ابي عبد الله الحسين (عليه السلام): (والكتاب الامام، ومن انكره كان من اصحاب الشمال...) [11] ومن هذه الاخبار وامثالها استلهم علي بن ابراهيم (رض) تفسيره للآيات التي في هذا الشأن ان اصحاب اليمنى هم اصحاب امير المؤمنين (عليه السلام) واصحاب الشمال هم الجبارون والمشركون والكافرون والطواغيت[12]...
اما (ما اصحاب المشأمة) فيراد بهذا التهويل الذي عد لهم من عذاب شديد، ولعل الحكمة من التهويل هنا وهناك هو الفصل بين الفريقين فصلا نهائيا بالرغم من اختلافهم في الدنيا، فقد يكون الوالد من هؤلاء، والولد من أولئك، ولكنها لن يشتركا في مصير الاخرة، وانما بينهما مسافة ابعد مما بين الارض والسماء ويبدو من النصوص القرآنية التي في هذا الشأن تهدف الى تعميق من الطبيعي سقوط الانسان في دوامة الفساد، لما فيه من جاذبية مادية، ولان ذلك السقوط لا يحتاج الى قرار وانما يتم عادة من صاحبه، وبسبب انعدام الحذر عنده [13] وعموما فالثنائية المتضادة في النص القرآني (اصحاب اليمنى، اصحاب الشمال) تحيلنا الى ثنائيات اخرى هي: ثنائية (الايمان، الكفر) و (الخير، الشر) في المبحث الاول وثنائية (الجنة، النار) و (الامل، الياس) في المبحث الثاني.
المبحث الاول
ثنائية (الايمان، الكفر) و (الخير، الشر)
بسم الله الرحمن الرحيم
((ثم كان من الذين امنوا وتواصلوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة اولئك اصحاب الميمنة والذين كفروا باياتنا هم اصحاب المشأمة)) [14]
وقال تعالى ايضا في كتابه العزيز: ((يوم ندعوا كل اناس بإمامهم فمن اوتي كتبه بيمنه فأولئك يقرأون كتبهم ولا يظلمون فتيلا ومن كان في هذه اعمى فهو في الاخرة اعمى واضل سبيلا)) [15]
تشغل النصوص القرآنية الانفة الذكر احد طرفي التضاد وهو (اصحاب اليمين)، ويشمل الطرف الاخر (اصحاب الشمال)، وبهذا يظهر التضاد على مستوى ثنائية (الايمان، الكفر)، وثنائية (الخير، الشر)، حيث جعل الله سبحانه وتعالى الانسان خليفة في ارضه.
قال تعالى: ((اني جاعل في الارض خليفة)) [16]، واوجد معه الخير والشر يصطرعان في داخله، قال تعالى: ((ونفس وما سواها فألهما فجروها وتقواها)) [17]، لذلك اختلفت اراء العلماء في طبيعة الانسان الشريرة والخيرة، فبعضهم يرى ان الشر يغلب عليها ولا تستطيع منه فكاكا:
(فالإنسان شرير بطبيعته غرائزه المتأصلة فيه، كما ان رغباته شريرة اكثر منها خيرة) [18]
وان الانسان جبل على فعل الشر، وهو بطبيعته التي خلق عليها انسان شرير لايعرف الخير ولا يستطيع التسامي اليه.
ومنهم من يرى ان طبيعة الشخصية الانسانية خيرة وان الشر يأتي من المجتمع:
(فاذا اردنا ان نصلح الحياة الاجتماعية فعلينا ان نربي الناشئة تربية طبيعية بعيدة عن مؤثرات المجتمع وشروره) [19]، وعليه فالإنسان خير بطبيعته، لانه جاء عن طريق خالق الكون، فاذا مامسته يد الشر احالته الى شرير [20].
وبهذه المقدمة نرى ان النص القرآني اعتمد على المتضادات الملموسة، لإثبات وجود الثنائية المتضادة والمتصارعة (الخير ضد الشر) وهي من المتضادات المحسوسة، واختار لها بيئة واحدة هي اجتماعهما في الشخصية الانسانية، فقد كان الناس يتفاءلون باليمين ويتشاءمون من الشمال: (نظرا لطبيعة الحياة الصحراوية ومتاعبها فان ريح الشمال كانت قاسية على من في الصحراء صيفا وشتاءا، فتذمر العرب منها وذموها، وتبعا لذلك اصبحت الشمال عند العرب تمثل موضوع الشؤم والتطير والمنزلة السيئة والضعف، وفي المقابل اصبحوا يميلون الى اليمين ممثلا بالخير والتفاؤل والبركة والقوة) [21].
فأصحاب اليمين في القرآن هم المؤمنون المتقون في الدنيا وهم الذين يستحقون الجنة، واما اصحاب الشمال فهم الكفار الذين يكون مصيرهم النار في الاخرة [22]
ففي سورة (البلد) نرى ان المسافة بين فك رقبة والاطعام، وبين الايمان التام بكل ما انزل الله واتباع رسول الله مسافة شاسعة، وان البشر لا يزال يعمل الخيرات ويقاوم شهوات حتى يعرج الى مستوى التسليم لله والايمان برسالاته، واتباع الرسول وخلفائه المعصومين، (الايمان)، والصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد، واعظم منه التواصل به، فانه قمة التسليم للحق والرضا بالمكاره التي في طريقه، واعظم من الصبر الرحمة، فقد تعبر على اذى الناس وانت تدعوهم الى الخير ولكن يمتلا قلبك بغضا لهم، بينما المؤمن حقا هو الذي يرحم الناس جميعا وحتى اعدائه تسعهم رحمته، واعظم من كل ذلك التواصي بالمرحمة، واشاعة ثقافة الصبر والرحمة في المجتمع هؤلاء هم المؤمنون الذين يحظون بالعاقبة الحسنى، وهكذا جعل الله شرطا لدخول الجنة يتمثل في اقتحام العقبة، ومن لم يحقق هذا الشرط الاساسي فان امانيه في الجنة تذهب عبثا، وقد قال الامام امير المؤمنين (عليه السلام):
(هيهات لا يخدع الله عن جنته)، وجاء في حديث ما ثور: (حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات)، اما (الكفار) الذين سقطوا في فخ الهوى، ولم يتساموا الى مستوى التحدي فانهم يتهاوون في النار وساءت مصيرا، ولا يقبل انفاقهم، لان الايمان شرط مسبق لقبول اي عمل صالح، والعرب كانت تتشاءم من الشمال ولذلك سميت الشمال بالمشأمة [23]
اما في سورة الاسراء نجد ثنائية (الايمان، الكفر) و(الخير، الشر)، من خلال دعوة الله جل ثناؤه لكل جماعة بعنوانها وباسم منهجها الذي اتبعته او باسم الرسول الذي اقتدت به، او الزعيم او الكتاب او الامام الذي ائتمت به في الحياة الدنيا (الايمان. المؤمنون) تنادى ليسلم لها كتاب عملها وجزائها في الدار الاخرة، فمن اعطي كتاب اعماله بيمينه فهو سعيد فرح بكتابه يقرأه مبتهجا ويوفي اجره ولا ينقص منه شيء ولو قدر الخيط الذي يتوسط النواة ومن عمي في الدنيا عن الحق والهدى واتباع الرشاد، فهو في الاخرة اعمى عن طريق الخير وهو اشد ضلالا، يتخبط ولا يجد من يهديه وجزاؤه جهنم [24]
ان الله قسم ارادته قسمين، نعم ولا، وكل الطبيعة ترمي لتحويل الارادة التي تقول لا الى الارادة التي تقول نعم وعند هؤلاء الرومانطيقيين ان الشيطان هو الذي عرفه فاوست بقوله انه الروح التي تقول دائما لا [25]
واصحاب اليمين هم الذين وصلوا الى الحقيقة عن طريق قلوبهم المطمئنة، لان القلب هو الذي يوصل الى الحقيقة، فاذا اصبح القلب نفسه موطنا للصراع بين الخير والشر، فالأمر دقيق بالغ الدقة، عندئذ اما ان يكون الانسان اما ان يكون الانسان بغير قائد سليم، واما ان يكون توجهه الى الخير او الى الشر، سيرا في طريق واحدة، يختلف الناس في تسميتها، فبعظهم يسميها طريق الخير، وبعظهم يسميها طريق الشر[26].
فأصحاب اليمين لا يعترفون بأوجاع الحياة، لانهم ليسوا من الذين ينكرون الحقائق الماثلة ولكنهم لايريدون ان ينحنوا امام عواطف الاوهام والشرور والاوجاع والالام ولا يريدون ان يطيلوا التأمل في الامور التي تضاعف الآثام وتزيد الكفر ما دام بوسعهم ان يحولوا تفكيرهم الى ايمان وخير مستمدين ذلك من الله -تبارك وتعالى- حتى يشعرون بالطمأنينة والسعادة والخير والواسع لقناعتهم بان الله فعال لما يريد وما على الانسان الا السعي والاجتهاد. وكان لسان حال اصحاب اليمين يرددون ما قاله الكثيرون، اليس في وسع المرء ان يعيش في هذا العالم دون ان تطبع روحه مطابع الملة وتصبغ بصبغة الطائفية، الا بقدر ان يكتسب ثقة اخوانه البشر دون ان يفاخر بتعصبه ويكابر بغيرته الدينية كما يفعلون داعش ومن لف لفيفهم لعائن الله عليهم، الا بقدر ان يحب فئة من الناس (الخير) دون ان يبغض سواه (الشر)، الا بقدر ان يكون شريف الروح نزيهها عفيف النفس ابيها، اليس له ان يحب ربه دون ان يبغض اخاه في الانسانية ؟.
فأصحاب اليمين يرون ان العالم الاخر هو جوهر سام بتمثل عالم اخر غير هذا العالم فلا سبيل الى الوصول الى عالمه الاسمى عن طريق وسائل هذا العالم الفاني بل سبيل الوصول هو وحدة ترك هذا العالم بكل سبله ومعاينة العالم الاخر بلا وسائط، فالمعرفة الحقه للنفس لاتتم الا بالوصول نفسه وبالمعاينة ذاتها، والايمان والكفر والخير والشر هما طريقا المعرفة المتقابلان في هذه الحياة، الايمان الذي يلتزم العقل المتمثل بالمنطق المحدد والقواعد الواضحة والكفر المتمثل بالقلب الذي يعتمد على وسائله المحددة في الخداع والشرور بتغليب العاطفة على العقل.
وهذه الثنائية تدل على اتساع الدلالة في النص القرآني واختلافها حيث الكلمات المتضادة تصر دائما على اقصاء بعضها البعض، فأنها تصبح سجينة طاحونة من الانزياحات المختلفة والممكنة المفاجئات في البنيات السردية – التي توهم ببنية مفتوحة مستحيلة الانهاء وذات نهاية اعتباطية [27].
فالنص القرآني خلق تقابلا بين الايمان والكفر والجمع بين الشيء وما يخالفه يثير على المستوى العميق في بنية النص علاقات جديدة: (وعملية البحث عن التخالف وهي حركة على المستوى الداخلي للبنية، اذ تكشف عن حركة العقل في التحريك بين متقابلين هما: التخالف والتناسب، وانعكاس ذلك في صياغة تجمع الامرين معا، ولكن تجليهما لا يتم الا برصد العلاقات الخفية)[28]،والمسلم الذي يؤمن بالتصور الاسلامي على بصيرة فلا يجزع ولا يقلق ولا يضطرب لما يرتقيه من قدر الله، لانه قد سلم امره الى الله واطمأن الى ارادته فيه، واطمأن الى انه لايريد له في النهاية الا الخير، تهديه في ذلك علاقة المودة لله والحب، والرغبة المتبادلة من الجانبين [29].
فالاقتران بين اصحاب اليمين واصحاب الشمال والايمان والكفر والخير والشر هو اقتران معنى ذهني مجرد، استخدام النص القرآني فيه الوسائل البلاغية لخلق التأثير النفسي في المتلقي... واستنفار قدراته على التخيل من اجل تلقي اوفق، اذ ساعد هذا الاسلوب على ابراز بعض الانفعالات الانسانية بين الايمان والكفر والخير والشر في سلوك الانسان وبذلك يتم ترجيح الطرف الاول على الاخر.
المبحث الثاني
ثنائية (الجنة، النار) و (الامل، اليأس)
بسم الله الرحمن الرحيم
((فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ))[30]
وقال تعالى ايضا في كتابه العزيز ((فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً (8) وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً (11) وَيَصْلَى سَعِيراً (12) إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً)) [31]
وقال تعالى ايضا في كتابه العزيز () وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ (33) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً (36) عُرُباً أَتْرَاباً (37) لأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38) ثُلَّةٌ مِنْ الأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنْ الآخِرِينَ (40) وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ)) [32]
لابد لأي امرئ، وهو يتفاعل مع محيطه الخارجي وظروفه الموضوعية من ان يتعرض لمواقف صعبة يشعر من خلالها انه لا يستطيع – احيانا – تجاوزها وتحملها وتصاحب هذه المواقف عادة مشاعر من الضيق والقلق والجزع (التشاؤم) او أي حالة من حالات الانفعال الانساني والاضطراب النفسي، وان هذه المشاعر والاحاسيس انما ترتبط وتعبر عن مدى وعي المرء بوجوده وتحقيق ذاته وقيمه ضمن المحيط الذي يكون فيه، وبهذا المنظور يمكن القول ان اليأس هو (انحراف المزاج واضطراب النفس، ويقابل اليأس الشعور بالنشاط والمرح ويرجع اليأس الى ميل الفرد للتشاؤم) [33]
كما ان اليأس ظاهره انسانية انفعالية نفسية يشعر المرء من خلالها انه امام موقف معقد وصعب لا قدرة على تجاوزه او التخلص من اثاره النفسية فيكون بذلك من اصحاب الشمال فضلا عن شعوره بان الخارج (العالم المحيط به) اقوى من الداخل، أي ارادته وقدرته على التحمل بحيث يترك اثرا نفسيا شديد الوقع على صاحبه، ويحول الحياة الى صورة قاتمة الالوان، ويعيش في ظل اجواء نفسية خانقه لاتبدد على الرغم من انه يتمتع بالدنيا بما فيها وما عليها، لكن اصحاب اليمين الصالحون المؤمنون على الرغم من الضغوطات التي تواجههم من زخارف الحياة وبهرجها الا انهم يتفاءلون بالأمل الابدي المستقبلي الذي يمثل الجو الروحي الذي يمكن ان تتنفس فيه الروح مما يخلق للمرء دوافع جديدة تغير سلوكه واحساسه من سلوك يائس ومحبط الى سلوك مفعم بالنشاط والحيوية والتفاؤل.
واصحاب اليمين من خلال الامل – التفاؤل – لايعرف احدهم تلك الساعات والايام المرهقة المثقلة بالهموم، التي يخيم فيها اليأس على الروح او الفكر، ولو لا الامل في الفوز، وفي جني ثماره، لظل الناس في اماكنهم لا يتحركون، ولتوقف مركبة الدنيا في مستهل الطريق، كحال اصحاب الشمال.
وبهذا فان استجابة المرء لليأس او عدم ذلك يتوقف على مدى ما يتسلح به الفرد من الثقة بالنفس والايمان والارادة الفعالة والعزيمة الصارمة للتغلب على حالة اليأس والنظر الى الامام، الى مستقبل حافل بتطلعات اخرى من اجل تجاوز هذه الحالة السلبية وهذا الحاضر المؤلم، واذا كانت (خيرة الالم شاهدا حيا على ارتباط الاخلاق بالعسر والضيق والشدة، فان خيرة الامل دليل قوي على اقتران الاخلاق بالثقة والرجاء والايمان) [34].
فالنصوص القرآنية الانفة الذكر استعملت ثنائية (اصحاب اليمين، اصحاب الشمال) للتعبير عن ثنائية (الجنة، النار) و (الامل، اليأس) حيث اخبر الله جل ثناؤه في سورة الحاقة عن سعادة من يؤتى كتابه يوم القيامة بيمينه وانه من شدة فرحه يقول لكل من لقيه: خذوا اقرءوا كتابي، لأنه يعلم ان الذي فيه حسنات محضة يجعل الله سيئاته حسنات، فهو في حياة مرضية أي رفيعة قصورها، حسان حورها، نعيمة دورها، دائم حبورها (الجنة) اما الاشقياء اذا اعطي احدهم كتابه بشماله فحينئذ يندم غاية الندم ويتمنى الموت ولم يكن في الدنيا اكره اليه منه، والله سبحانه يأمر الزبانية ان تأخذه عنفا من المحشر فتغله أي تضع الاغلال في عنقه ثم تورده الى جهنم (النار)، حيث العذاب الذي لا ينتهي [35] فالآية الكريمة عرضت حال اصحاب اليمين وما لهم فيه من اشكال النعيم (الجنة)، واحوال اصحاب الشمال وما لهم فيه من اشكال العذاب (النار)، فقارن تبارك وتعالى بين احوال هؤلاء وهؤلاء ليصور الفرق بين (الامل) و(اليأس) الخيبة بما يلقي ضوءا على المعنى ويبرزه، فالأحوال المتقابلة اكثر اثارة لانتباه المتلقي الذي ينظر اليها على انها مواقع للإيحاء بالدلالة [36] وكما عبر القرآن الكريم عن المستحقين للعذاب باصحاب الشمال استخدم تبارك وتعالى تعابير اخرى كما في سورة الانشقاق حيث ذكر تبارك وتعالى ان من يؤتى كتابه من وراء ظهره، لان يمينه مغلولة الى عنقه وتكون يده اليسرة خلف ظهره امارة للملائكة على ان صاحبه من اهل النار [37].
اما في سورة الواقعة نجد ثنائية (الجنة، النار) و(الامل، اليأس) من خلال اصحاب اليمين الذين يدخلون الجنة الى نعيم مقيم، لكنه دون نعيم السابقين كثرة وتنوعا وكيفا، كما انهم دونهم في الايمان والعلم في الدنيا، وينتمي الى هذا الفريق عامه المؤمنين والمسلمين من الناس، الذين عنوان مسيرتهم الصلاح،
فهم وان دخل بعضهم النار، او تأخر في الحساب، الا انه لايلبث ان ينقلب الى نعيمه واهله مسرورا برحمة من الله، وبسبب اعماله الصالحة، او شفاعة السابقين، وهم ثلة في كل امة وجيل، ولا يطيل القرآن الحديث عنهم، بل يختصره في اربعة عشرة اية قصيرة، ثم ينتقل بنا الى بيان مصير اصحاب الشمال، حيث انواع العذاب المؤلم المهين، (سموم الحميم، وظل اليحموم، وشجرة الزقوم، وشراب الحميم)، وكل ذلك تذكره السورة في كلمات ترعب النفوس، وبلاغة تنفذ الى اعماق من يلقي السمع شهيدا، بما يكفي زاجرا للانسان وعلاجا للترف و والاصرار على الضلال والتكذيب بالأخرة [38].
وعليه مثلت هذه الثنائية بؤرة فاعلة في تشكيل النص القرآني، لانهما ثنائية ضدية واطرافهما لايجتمعان، فلا يكون مصير الانسان الخلود في الجنة والنار معا بل يكون مصيره احد الطرفين، انما الجنة او النار.
وقد اعتمدت هذه النصوص والتي تقع ضمن ثنائية (الجنة، النار) على اسلوب المقابلة بين الاشياء، المتمثلة بالطرف الاول (الجنة) والتي ارتبطت بأصحاب اليمين حيث مثلت انية الانسان والبداة من الناس خاصة، والتي ترتبط بصورة الجفاف واليبس عندهم فتقابلها مقابلة الضد للضد، فيبدو فضلها عند من فقدها او اعتاد شحة المياه وجفاف التربة، لذا فهي بشرى لاتعادلها بشرى، ولمسة يتخيلها الانسان بمنتهى العجب [39]
اما الطرف الثاني (النار) المتمثل بأصحاب الشمال والذي يكمن بإبراز مظاهر الهول العظيم في يوم القيامة بما يثيره في النفوس من رعب ورهبة، فالمواقف المتقابلة اكثر اثارة لانتباه المتلقي لخدمة القضية الثنائية، لان القارء حينما ترتكز لديه فكرة السيطرة الالهية والتي تشمل الواقع المحسوس والواقع المرتقب، يتعزز ارتباطه بالإله بوضعه جزءا من الموجودات التابعة كليا لإدارة هذه الاله المدبر: (فالوعي بهذا التقابل هو ما يحرص النص القرآني على تأسيسه وتأصيله، اذا كان للتفاعل المنشود ان يجري في مجراه الصحيح لكي يبلغ هدفه الاخير فلا بد ان نسلم بداءة – بان المفارقة هي شرطه الوحيد) [40].
وان المعرفة الانسانية تأتي عن طريق الحواس، ولما كانت الحواس تختلف باختلاف الافراد وتتباين بتباين ظروف الادراك، وعليه فالصور المدركة للشيء الواحد لا بد ان تعدد بتعدد المدركين وتعدد حالات الادراك، لذلك تستحيل معرفة حقيقة الشيء. [41]
والنصوص التي تخص (اصحاب اليمين – الجنة) تتضمن اشارة واضحة تؤكد ان النفس الانسانية لها الحق التذوق والتلذذ والتمتع والنيل من ملذات العالم الاخروي، ولو لم تكن كذلك لما استشعرت حلاوة النعيم في العالم الاخروي، واما النصوص التي تخص (اصحاب الشمال – النار) فهي اشارة الى ان الكافرين يستشعرون الالم الموجع الذي اعده الله لهم جزاء ما اقترفوا من اثام وشرور.وان ثنائية (الجنة، النار) و (الامل، اليأس) تدعوا كثيرا الى قمع اللذات الحاضرة لكونها لا تعبر عن التلذذ والاستمتاع الا في لحظة زمانية ولمجرد انقضائها فان (الامل – اليأس) سوف يعقبها، اليأس الذي هو الصورة الحقيقة لتلك اللحظة الحاضرة هذا يدل الى عدم الدقة وسلامة الاختيار، لذلك فان الامر يتطلب الكثير من الفكر والرؤيا، بينما هناك نوع اخر من اللذات هو اللذات الآجلة وهي اكثر ديمومه من اللذات السابقة لكونها قائمة على النظر والتثبت وسلامة الاختيار. [42]
وبعضهم من يرى ان السعادة من جنه وامل ليست في اللذة، وان اللذة حتى لو كانت في جنة الفردوس مع ما فيها من الورد والريحان والروح والولدان او ضروب المتع واللذائذ لا تعد سعادة وامل الا عند الجهلاء وقصيري النظر، وانما سعادة الانسان في ادراكه العقليات والامور الالهية على ما هي عليه. [43]
وثنائية (اصحاب اليمين، اصحاب الشمال) والتي تحيلنا كما قلنا سلفا الى ثنائيات اخرى هي ثنائية (الجنة، النار) و (الامل، اليأس) تترجم هموم الناس و معاناتهم ترجمة واقعية حفل بها النص القرآني، لان الحياة الانسانية مليئة بالصراعات والمتناقضات التي تؤثر تأثيرا مباشرا في النفس الانسانية مما يجعلها عرضة لصراع نفسي يجمع بين النقيضين في ان واحد، فالنفس الانسانية يتنازعها عاملان قويان هما: حب الحياة والخوف من العذاب وبهذين العاملين يتعلق الشعور بالجنة والنار والامل والياس، فالجنة – الامل هي التي تكره العالم الدنيوي وتحبب العالم الأخروي الى النفس وتظهرها في المظهر الذي يبسط لها الرجاء فيها ويبعث الامل بها، والنار – الياس هو الذي يحب العالم الدنيوي ويبعث الوحشة في العالم الأخروي ويظهرها في المظهر الذي يبسط العذاب فيها ويبعث الياس في العالم الأخروي.
وبهذا اننا لانعرف الشيء بدقة وعمق الا من خلال معرفة نقيضة وذلك، لان النقيض يوفر لنا امكانية المقارنة بين الشيء ونقيضه وان هذه المقارنة تساعدنا على الاستنتاج وبناء تصور معرفي عن الاشياء ومعرفة الايجابي والسلبي من خلال عملية المقارنة والضد يكشف حسنه الضد.
الخاتمة
بعد ان تمت بعون الله وفضله هذه الدراسة التي كانت غايتها (الثنائيات المتضادة في النص القرآني – اصحاب اليمين، اصحاب الشمال)، نلخص مجمع النتائج التي تمخضت عنها الدراسة، فكانت كالاتي:-
- يتناول البحث عن مكونات النص وما فيه من شفرات ودلالات ومدلولات وعلامات تتيح لكل من القارئ والدراسة ايجاد الثنائيات والتقابلات التي ينضوي علها النص، وتم الكشف عن الثنائيات التي تتصف بالتعمق وتمنح الباحث الاستجابة الواعية للنص واكتشاف نظامه الخاص، حيث نقلت المتلقي من الرؤية الاحادية للنص الى التعبير المطلق عن الشعور او الفكرة....
- تؤكد التجارب البشرية ان طبيعة الحياة الانسانية في كثيرة من جوانبها مملوءة بالثنائيات التي تؤثر تأثيرا فعالا في النفس الانسانية وفي طبيعة سلوكها مما يجعلها عرضة لصراع نفسي داخلي وخارجي، وبهذا شغلت الثنائيات في النص القرآني حيزا، حيث كان لحضورها تأثيرا واضحا ومتميز فنا وابداعا وفكرا في المجالات الحياتية والنفسية والفلسفية....
- تتحكم في بنية النص القرآني، ثنائية (اصحاب اليمين، اصحاب الشمال)، ثنائية زمنية هي: (الماضي، الحاضر)، اذ تعمل هذه الثنائية على خلق المفارقة التي تشكل بنية غائبة في النص القرآني وبنية اخرى حاضرة، بين حال من يؤتى كتابه بيمينه او اصحاب اليمين ومن يؤتى كتابه بشماله او اصحاب الشمال او من يؤتى وراء ظهره يوم القيامة، فالبنية الغائبة هي البنية الماضية حيث السعادة والسرور لأصحاب الشمال والالم والمعاناة لأصحاب اليمين، اما البنية الحاضرة فهي الواقع الذي يسير به كل منهما في يوم القيامة، حيث تقلب الاوضاع، فيتحول الى الشقاء من كان سعيدا، والى السعادة من كان شقيا، وهكذا تخلق ثنائية:
(اصحاب اليمين، اصحاب الشمال)، ذلك التوازن الذي تسعى الحلقة الزمنية الثانية الى خلقه وتحقيقه.
- جعل النص القرآني من هذه الثنائية اعادة التوازن لاضطراب السلوك الانساني، ويجعلها محور الصراع في هذه النصوص، مع اضفاء دلالات ايجابية مختلفة على طرف اصحاب اليمين يقابلها اضفاء دلالات سلبية على محور اصحاب الشمال، لكي يتمكن الانسان الذي يرضخ عقله على الاستنتاج والتتبع لحقيقة ما وراء الاشياء من الوقوف عند اطراف الثنائيات الذي اختارها النص القرآني ليكون العقيدة التي تحتل كيان الانسان وتوصله الى حالة من الامتلاء واليقين الخاص.
- عبرت الثنائيات في النص القرآني الذي درسناه عن الدور المهم في تجسيد المتضادات وتقديمها برؤى متعددة وتأثيرات متبادلة تحقق جدلية في العلاقات الانسانية بوجهيها الظاهري والباطني، حيث مثلت بصور مختلفة: (اصحاب اليمين، اصحاب الشمال) و(الايمان، الكفر) و(الخير، الشر) و (الجنة، النار) و (الامل، الياس)، فهذه الثنائيات هي ارتباط بين طرفين تجمع بينهما علاقة تضاد ويكون لهذه العلاقة الجامعة بين الطرفين اثر في تشكيل المعنى وعمق الدلالة، فتكون بمجملها بنية خاصة قادرة على الاشعاع داخل النص، وتفسير المعاني المختلفة من خلال القدرة على اثارة ذهن القارئ للتنقل من مستوى الى مستوى اخر في النص، والنص القرآني يستعمل الثنائيات وسيلة لجعل كل ما يبدو مألوفا في الحياة يخضع للإدراك و التفكير والوعي...
- تلك اهم النتائج التي توصل البحث اليها من خلال الدراسة لهذه الثروة الخالدة (القرآن الكريم)، فان وفقت في ما قدمته، فذلك فضل من الله، وان اخطأت فهذا من شأن العباد، فحسبي اني قد بذلت جهدي ((ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا او اخطأنا))
وختاما نسأل الله القدير ان يتقبل منا هذا اليسير وهو المستعان وما التوفيق لا بالله السميع البصير....