طريق التنمية في العراق: الشؤون الجيوسياسية، والريعية، والممرّات الحدودية

مركز كارنيغي

2024-05-23 10:08

بقلم: حارث حسن

ينبغي على الحكومة العراقية التركيز على إجراء عددٍ من الإصلاحات المؤسّسية لمعالجة هواجس المشكّكين في مشروع طريق التنمية.

ملخّص

يهدف مشروع طريق التنمية العراقي إلى إنشاء شبكة نقل عابرة للحدود تربط بين منطقة الخليج وتركيا، من أجل تعزيز مكانة العراق الجيوسياسية باعتباره ممرًّا للتجارة العالمية، وتوفير عائدات مالية من شأنها تقليل اعتماد البلاد على الموارد الهيدروكربونية. لكن هذا المشروع يواجه عقبات عدّة، من بينها تحديات على مستويَي التمويل والتطبيق، والفساد المستشري، واحتمال أن يشهد العراق حالةً من انعدام الأمن والاستقرار، وأن تسعى دولٌ أخرى إلى تقويض نجاحه لترقية مشاريعها الخاصة العابرة للحدود في المنطقة.

محاور أساسية

يُعدّ طريق التنمية مشروعًا عراقيًا يهدف إلى إنشاء بنية تحتية من الطرق والسكك الحديدية للربط بين منطقة الخليج وتركيا عبر العراق، مستفيدًا من الموقع الجغرافي للبلاد ومنافذها الحدودية مع دول مجاورة عدّة.

يحاول طريق التنمية إرساء نموذج تنموي جديد من شأنه تحقيق الاستقرار السياسي في العراق والتخفيف من وطأة العواقب الوخيمة الناجمة عن اقتصاده الريعي.

تتمثّل العقبات الأساسية في وجه طريق التنمية في صعوبة تأمين تمويل مستدام لمثل هذا المشروع الضخم، وانتشار الفساد ونقص الفعالية داخل مؤسسات الدولة العراقية.

قد يُثبط انعدام الأمن والاستقرار المُحتمل في العراق عزيمة المستثمرين المهتمّين بطريق التنمية والدول الساعية إلى الاستفادة منه.

يتعيّن على العراق حجز مكانٍ لنفسه وسط مشهد إقليمي يخيّم عليه التنافس الجيوسياسي والجيو-اقتصادي، نظرًا إلى إطلاق مشاريع عدّة تهدف إلى إنشاء ممرّات تجارية في المنطقة.

تستطيع بلدانٌ عدّة، مثل تركيا وإيران والكويت، عرقلة خطط العراق الرامية إلى إنجاز طريق التنمية.

خلاصات وتوصيات

- لم تجرِ الحكومة العراقية دراسة مناسبة حول الجدوى الاقتصادية لطريق التنمية من أجل ضمان القيمة الاستراتيجية للمشروع، وما من إجماع على ما يبدو بين المؤسسات الحكومية حول نطاقه وأهدافه وتكلفته.

- تبرز بعض التساؤلات حول ما إذا ستخصّص الأحزاب السياسية المهيمنة في البرلمان أموالًا للمشروع، باعتبارها لا ترغب في تعزيز نفوذ رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.

- نظرًا إلى التحديات المتعدّدة التي يواجهها مشروع طريق التنمية، سيواجه العراق صعوبةً في حشد دعم إقليمي، ناهيك عن حثّ دول أخرى على الاستثمار فيه أو الاستفادة منه.

- لا يزال المجال متاحًا أمام الحكومة العراقية لمعالجة هواجس المشكّكين في طريق التنمية، إضافةً إلى المسائل التي قد تشكّل عقبات في المستقبل. يستوجب ذلك مأسسة إدارة المشروع، وإقامة شراكات مع جهات مانحة مُحتمَلة ومع القطاع الخاص، وتوخّي الشفافية في التعامل مع المشروع.

- اكتسبت فكرة تحويل الحدود إلى صلات وصل بين الدول والقارّات زخمًا متزايدًا خلال السنوات الأخيرة. لكن الكثير من هذه المشاريع مدفوعٌ بخليط من الشعبوية القومية والحسابات الداخلية الضيقة، ما قد يؤدّي في نهاية المطاف إلى مفاقمة حدّة التنافس وتأجيج جذوة النزاع بين الدول، بدلًا من تعزيز التكامل الاقتصادي في ما بينها.

مقدّمة

أعلن العراق عن إطلاق مشروع طريق التنمية الضخم، سعيًا إلى الاستفادة من الموقع الجغرافي للبلاد ومنافذها الحدودية مع دول عدّة، من خلال بناء شبكة نقل تربط بين منطقة الخليج وتركيا. يُشار إلى أن طريق التنمية هو واحدٌ من بين مشاريع أخرى من هذا النوع تتمّ مناقشتها في الشرق الأوسط اليوم وترمي إلى زيادة الترابط بين الدول وتحسين الحركة التجارية عبر الحدود، ليس بين بلدان المنطقة فحسب، بل أيضًا بين دول عدّة في آسيا وأوروبا وأفريقيا. وإذا كُتب النجاح لطريق التنمية، فسيعزّز مكانة العراق الجيوسياسية باعتباره ممرًّا للتجارة العالمية، وسيوفّر عائدات مالية وفرص عمل من شأنها تقليل اعتماد البلاد على الموارد الهيدروكربونية وعلى التوظيف في القطاع العام. وعلى نحو أكثر أهمية، يحاول المشروع أيضًا إرساء نموذج تنموي جديد من شأنه تحقيق الاستقرار السياسي للبلاد والتخفيف من وطأة العواقب الوخيمة الناجمة عن الاقتصاد الريعي.

مع ذلك، ثمة عقبات عدّة قد تعرقل إنجاز مشروع طريق التنمية، ما يوحي بأن الطموحات العراقية قد تكون متضخّمة إلى حدٍّ ما. وتشمل هذه العقبات، أولًا، عجز الدولة عن تمويل مثل هذا المشروع الضخم وتطبيقه، ولا سيما نظرًا إلى حجم الفساد المستشري على المستوى الوطني؛ وثانيًا، احتمال أن يشهد العراق حالةً من انعدام الأمن والاستقرار، ما قد يؤدّي إلى انسحاب المستثمرين الأجانب أو الدول الساعية إلى الاستفادة من طريق التنمية؛ وثالثًا، تتمثّل العقبة الأهم على الأرجح في أن العراق سيضطرّ إلى حجز مكانٍ لنفسه وسط مشهد إقليمي يخيّم عليه التنافس الجيوسياسي والجيو-اقتصادي، نظرًا إلى إطلاق مشاريع عدّة تهدف إلى إنشاء ممرّات تجارية، مثل مبادرة الحزام والطريق الصينية، والممرّ الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، وطموحات إيران لأن تصبح مركزًا للتجارة العابرة للأقاليم.

إن لم ينجح طريق التنمية في تحقيق إمكانياته، خصوصًا إذا عُزي سبب ذلك إلى الفساد وسوء الإدارة، فستترسّخ الفكرة القائلة إن العراق عاجزٌ عن تنويع اقتصاده وانتشاله من فخّ الريعية، ما سيخلّف تداعيات جسيمة حين يتراجع الطلب على الموارد الهيدروكربونية وتنخفض الأسعار. إضافةً إلى ذلك، مع أن الجهود الرامية إلى تحويل الحدود من بؤر صراع إلى مناطق لالتقاء المصالح المشتركة ولتحقيق التكامل الاقتصادي تشكّل تطوّرًا إيجابيًا على المستوى النظري، فهي قد تؤدّي إلى نشوب نزاعات جديدة بسبب المنافسة الحامية الوطيس على اختيار الحدود التي تُعدّ الأكثر ملاءمةً للاضطلاع بهذا الدور والجهات التي ستحقّق الاستفادة القصوى من هذه العملية.

طريق التنمية نموذجٌ تنموي جديد في العراق

انبثق مشروع طريق التنمية عَقِب مرحلة من انعدام الاستقرار السياسي والاجتماعي في العراق، تنامى خلالها الاستياء الشعبي من العيوب التي شابت طريقة إدارة البلاد سياسيًا واقتصاديًا. فنُظر إلى المشروع كوسيلة لتهدئة السخط الاجتماعي من خلال إظهار نيّة الحكومة إطلاق مشاريع عملاقة وتنويع اقتصاد البلاد الذي يعتمد اليوم إلى حدٍّ بعيد على النفط والغاز، إنما من دون السعي إلى إحداث تغيير جذري في علاقات القوة السائدة ونظام الحكم القائم في العراق.

لقد تبنّت حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني مشروع طريق التنمية، الذي تعتبره وسيلةً لتسريع وتائر النمو الاقتصادي في العراق، وتعزيز روابط البلاد بالأسواق العالمية، وتوفير مصادر دخل وفرص عمل جديدة.1 ومع أن المشروع ومرحلة تنفيذه الأولية سبقا عملية تشكيل حكومة السوداني، سعى رئيس الوزراء إلى نسب الفضل فيهما لنفسه، مظهرًا أن أجندته تركّز على النهضة الاقتصادية والتنمية.2 أطلق الائتلاف السياسي الداعم لرئيس الوزراء على حكومته الحالية اسم "حكومة خدمات"،3 مشيرًا إلى أنها ستعطي الأولوية إلى تحسين جودة الخدمات والعمل على تلبية حاجات المواطنين. وأوحى ذلك ضمنيًا أن حكومة السوداني لا ترغب في الانجرار إلى القضايا المشحونة سياسيًا التي منعت حكومات سابقة من تحقيق تقدّم في تنمية البلاد.

تم تشكيل حكومة السوداني في تشرين الأول/أكتوبر 2022 في سياق أزمة سياسية طويلة بدأت مع انطلاق شرارة الاحتجاجات في تشرين الأول/أكتوبر 2019 التي أطاحت بحكومة رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي. واستمرّت الأزمة في عهد حكومة خلفه مصطفى الكاظمي الذي واجه معارضة شرسة من الأحزاب السياسية القوية في المعسكر الشيعي، ولا سيما من الفصائل المسلّحة التي ازداد نفوذها خلال الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية. وقع أيضًا خلافٌ سياسي حادّ بين هذه الأحزاب والتيار الصدري عَقِب الانتخابات التشريعية في العام 2021، أدّى إلى اشتباكات مسلّحة بين الجانبَين.4 وخلُص معظم المحلّلين إلى أن هذه الاضطرابات ناجمة بشكلٍ كبير عن المشاكل الاجتماعية الاقتصادية، وإخفاقات الحوكمة، والفساد المستشري في البلاد.5 وقد اعترف حتى أعضاء من النخبة الحاكمة بأن البطالة كانت محرّكًا أساسيًا للغضب في أوساط الشباب العراقيين،6 ولا سيما أن مظاهرات تشرين الأول/أكتوبر 2022 سبقتها احتجاجات لخرّيجي الجامعات المطالبين بالحصول على وظائف في القطاع العام.7

يشكّل قطاع المواد الهيدروكربونية مصدر الدخل شبه الوحيد للحكومة العراقية، إذ يسهم بحوالى 93 في المئة من إجمالي إيرادات الموازنة العامة.8 وتموّل حصةٌ كبيرة من العائدات القطاعَ العام المتضخم وغير المنتج إلى حدٍّ بعيد، الذي لم يعد في الغالب يؤدّي دورًا في الحوكمة، بل يساعد بشكلٍ أساسي على خفض معدّلات البطالة وتوسيع شبكات المحسوبية التابعة للأحزاب السياسية المهيمنة. هذا هو الوضع منذ العام 2003، حين تضخّم عدد موظّفي القطاع العام من 850 ألفًا إلى أكثر من 4.5 ملايين شخص، إضافةً إلى ملايين المواطنين العراقيين المتقاعدين الذين يتلقّون الأموال من الدولة ويستفيدون من مختلف أشكال الدعم الحكومي.9

إذًا، طغت المحسوبية واللامساواة والفساد الشديد على عملية إعادة توزيع الإيرادات النفطية، ولم تجرِ إعادة استثمارها.10 وأسفرت هذه السياسات عن إقصاء فئات واسعة من المجتمع يشكّل الشباب غالبيةً ساحقة فيها، علمًا أن حوالى 60 في المئة من السكان هم دون سنّ الخامسة والعشرين.11 وأدّى نقص استثمار العائدات إضافةً إلى فرص العمل المحدودة في القطاع الخاص، إلى زيادة الطلب على الوظائف في القطاع العام، ما نجم بدوره عن هدر المزيد من الموارد على الأنشطة غير المنتجة. وتسبّبت الصدمة المزدوجة المتمثّلة في تفشّي وباء كوفيد–19 وانهيار أسعار النفط على وجه الخصوص بإظهار عيوب هذه السياسات.12 واضطرّت الحكومة العراقية إلى رفع سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي والاقتراض من الاحتياطي المالي الاستراتيجي في البلاد لتتمكّن من دفع رواتب الموظفين.13

وعلى الرغم من ارتفاع أسعار النفط بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، ثمة قناعة عامة بأن نموذج إعادة توزيع الثروة النفطية ينطوي على خلل، وأن الأزمة السياسية المقبلة ستكون أكبر بكثير ما لم يتم تصويب ذلك. أيّد بعض المنتقدين اتّخاذ إجراءات جذرية14 تهدف خصوصًا إلى إنهاء المحاصصة السياسية والمالية وتقاسم موارد الدولة بين الأحزاب الحاكمة وقادتها، الأمر الذي حوّل مؤسسات الدولة إلى إقطاعيات خاصة.15 لكن أي حكومة تسعى إلى تقويض المصالح المتجذّرة لهذه المجموعات إنما تضع بقاءها السياسي على المحك. لذا، مالت الحكومات العراقية المتعاقبة إلى تنفيذ إصلاحات تدريجية فحسب، من دون تحدّي الوضع القائم. وقد تبنّى السوداني وقبله الكاظمي وعبد المهدي مثل هذه المقاربة، مع اختلافات طفيفة في الأولويات.

يريد السوداني منح الأولوية للاقتصاد على حساب الأهداف الحكومية الأخرى، ولكن ليس من خلال طرح نموذج تنموي يرمي إلى إحداث تحوّل جذري في سياسات إعادة التوزيع، أو تطوير السياسات التعليمية وبناء قدرات الشباب، أو الانخراط في المزيد من مشاريع الخصخصة. بل يريد بدلًا من ذلك تقديم نموذج لرأسمالية الدولة يُنظر بموجبه إلى المشاريع الاستراتيجية العملاقة باعتبارها تحوّلية. ثمة أمثلة عدّة عن هذا النموذج في مصر والسعودية وتركيا، وهو يعتمد بشكلٍ أساسي على تقييمات متسّرعة، مقرونة بجرعاتٍ من الشعبوية الاقتصادية. بتعبير آخر، يركّز هذا النهج على كسب دعم القواعد السياسية من خلال تنفيذ مشاريع عملاقة تهدف إلى إعادة هيبة الدولة، بدلًا من حلّ المشاكل الاقتصادية على نحو فعلي.

يتماشى طريق التنمية مع هذا النمط من التفكير، إذ إنه مشروع اقتصادي يتمحور حول هدف سياسي هو الحفاظ على الوضع القائم من خلال البحث عن إجراءات مجتزأة لمعالجة التحديات الاقتصادية. قال مستشار رئيس الوزراء العراقي لشؤون النقل، ناصر الأسدي، إن طريق التنمية لا يهدف فقط إلى تعزيز التبادل التجاري عبر الحدود، بل يُعدّ أيضًا العصب الجديد الذي سيسمح بضخّ دم جديد في الاقتصاد العراقي.16 وهو سيتضمّن، إضافةً إلى شبكة الطرق والسكك الحديدية التي ستربط ميناء الفاو في جنوب العراق بالحدود العراقية التركية، إنشاء مصانع وورش عمل في طريقه، ما من شأنه تشجيع الأنشطة التجارية وتوفير الكثير من فرص العمل. ووفقًا للخطة، سيسمح طريق التنمية الذي سيمرّ في الغالب في المناطق الصحراوية خارج مراكز المدن الكبرى، بنقل ثقل النشاط الاقتصادي بعيدًا عن المراكز الحضرية ذات البنى التحتية المتهالكة، وسيساعد في تحفيز السكان على النزوح إلى المناطق الطرفية (انظر الخريطة 1).17

سيتألّف هذا المشروع من طريق برّي دولي سريع بطول 1190 كيلومترًا (حوالى 740 ميلًا) تمرّ عبره الشاحنات المحمّلة بالبضائع، إضافةً إلى خطّ سككي مزدوج تسير عليه قطارات لنقل الركّاب والبضائع.18 يبدأ مشروع طريق التنمية من ميناء الفاو ويمرّ بعشر محافظات عراقية وصولًا إلى منطقة فيشخابور على الحدود العراقية التركية، على أن يتم ربطه بشبكة السكك الحديدية والطرق السريعة التركية.19 وبحلول العام 2028، ستبلغ الطاقة القصوى المتوقّعة لخطّ سكة الحديد المخصّص لنقل البضائع عبر قطار الشحن على الأرجح 3.5 ملايين حاوية و22 مليون طن من البضائع سنويًا.20 وبعد عقدٍ من الزمن، ستزداد لتصل إلى 7.5 ملايين حاوية و33 مليون طن من البضائع، ثم إلى 40 مليون طن من البضائع في العام 2050.21 ويُتوقَّع أن تكون القطارات الفائقة السرعة في المرحلة الأولية قادرة على نقل 13.8 مليون مسافر سنويًا.22

{img_1}

صحيحٌ أن المشروع يبدو جذابًا من الناحية النظرية، إلّا أن الشيطان يكمن في التفاصيل. يُشار إلى أن طريق التنمية ليس مفهومًا جديدًا على الإطلاق، إذ ساور العراق خلال محطات كثيرة من تاريخه طموحُ توسيع منفذه إلى البحر والاستفادة من موقعه الجغرافي شمال الخليج العربي. وقد تمّ التداول في فكرة مشابهة خلال ثمانينيات القرن المنصرم حملت اسم مشروع القناة الجافة،23 نظرًا إلى أن العراق يمكن أن يصبح مركز عبور تجاري بين آسيا والشرق الأوسط وأوروبا، على نحو شبيه بدور ممرّات بحرية أساسية مثل قناة السويس.24 لكن السنوات الطويلة من الحرب، والعقوبات الاقتصادية، والعزلة الدولية، وانعدام الاستقرار السياسي والأمني حالت دون تطبيق العراق هذه الرؤية.

مع ذلك، برزت هذه الفكرة مجدّدًا بعد أن تضافرت عوامل عدّة مثل نهاية الاقتتال الطائفي وهزيمة تنظيم القاعدة في العام 2008، وبداية مرحلة من الاستقرار النسبي في البلاد، فضلًا عن ارتفاع أسعار النفط. كان الهدف التركيز بشكلٍ أساسي على بناء ميناء كبير في قضاء الفاو الواقع في جنوب محافظة البصرة (انظر الخريطة 2)، وهو الموقع الوحيد في العراق الذي يتمتّع بعمق بحري كافٍ يسمح لسفن الشحن الضخمة بأن ترسو.25 إن محدودية منافذ العراق إلى البحر، إذ يمتدّ خطه الساحلي على طول 58 كيلومترًا (نحو 36 ميلًا) فقط، هي مشكلةٌ أثارت قلق الحكومات المتعاقبة لأنها حرمت البلاد من المزايا التي يوفّرها الخط الساحلي الواسع وما يتيحه من أنشطة بحرية. إضافةً إلى ذلك، النفاذ إلى البحر أساسيٌّ لدولة مصدِّرة للنفط لا تريد أن تعتمد بالكامل على خطوط أنابيب تمرّ عبر بلدان أخرى، ما قد يتسبّب باضطرابات واختلالات. هذه المشكلة كانت أحد الأسباب خلف إقدام الرئيس صدام حسين آنذاك على احتلال الكويت في العام 1990، ما دفع الولايات المتحدة إلى تشكيل تحالف عسكري دولي لإخراج القوات العراقية من البلاد. وحتى اليوم، يعود من حين إلى آخر النقاش حول سُبل التعامل مع الخط الساحلي المحدود للعراق، ولا سيما نظرًا إلى الخلاف بشأن مسألة ترسيم الحدود البحرية مع الكويت، التي أدّت إلى أزمة جديدة بين الدولتَين في شهر أيلول/سبتمبر 2023.26 لهذا السبب، وصف وزيرٌ كويتي العراق خلال سبعينيات القرن الفائت بأنه "مرآبٌ كبير ذو باب صغير للغاية".27

{img_2}

على ضوء هذه المعطيات، بات تطوير ميناء الفاو يشكّل تدريجيًا هدفًا استراتيجيًا للحكومات العراقية المتعاقبة بعد العام 2003، على الرغم من التوصيات بضرورة دراسة جدوى المشروع الاقتصادية على نحو أكثر دقة، ولا سيما بسبب غياب البنية التحتية الداعمة له. وقد لاحظ بعض منتقدي المشروع أن ميناء أم قصر الواقع على بعد 60 كيلومترًا فقط (نحو 37 ميلًا) من الفاو، "يتمتع بطاقة استيعابية إضافية كبيرة وبمساحة واسعة للمزيد من أرصفة التفريغ والساحات المخصّصة للحاويات والتخزين التي يجري إنشاؤها (كذلك يمكن تعزيز إمكانياته ليتمكّن من تلبية حاجات السفن الأكبر في العالم من خلال تجريف وتجهيز قناته الملاحية لتعميقها، وذلك بكلفة أقل بكثير ممّا يتطلّبه تجريف قناة ميناء الفاو)".28

في نهاية المطاف، كان المشروع جذّابًا من الناحية السياسية، ونظرت إليه حكومات كلٍّ من حيدر العبادي وعادل عبد المهدي ومصطفى الكاظمي كخيارٍ يحظى بالشعبية. وقد لقي المشروع أصداءً في الذاكرة الجمعية العراقية التي لا تزال تعتبر المشاريع الاستراتيجية التي أنجزها مجلس الإعمار في العهد الملكي الهاشمي سابقًا نموذجًا ناجحًا.29 وبدا أيضًا أن ميناء الفاو، الذي سيصبح عند اكتماله أكبر ميناء في الشرق الأوسط، سيعيد التأكيد على دور العراق كلاعب أساسي في الخليج ويحلّ مشكلة محدودية منافذه إلى البحر. وفي كانون الأول/ديسمبر 2020، وقّعت الحكومة عقدًا بقيمة 2.6 مليار دولار مع شركة "دايوو"30 الكورية الجنوبية لإنشاء البنية التحتية لميناء الفاو، بما في ذلك كاسر أمواج بطول 15 كيلومترًا (حوالى 9 أميال) لحماية السفن.31 وتُقدَّر التكلفة الإجمالية لمشروع بناء الميناء بقرابة 7 مليارات دولار.32 وبحسب شركة "تكنيتال" المتخصّصة في تصميم الخدمات والإشراف على العمل في الميناء، سيسمح تعميق حوض أرصفة الحاويات باستقبال الجيل الجديد من سفن الحاويات العملاقة. وسيضمّ الميناء فناء للحاويات تبلغ مساحته مليونَي متر مربع، إضافةً إلى المباني والمستودعات. أما القناة المجروفة التي يبلغ عرضها 400 متر وطولها 24 كيلومترًا فستصل الميناء بالمياه الإقليمية العميقة.33

وفي أيلول/سبتمبر 2023، أعلنت وزارة النقل العراقية أن المرحلة الأولى من مشروع طريق التنمية ستكتمل في بداية العام 2025، ما سيسمح للميناء باستقبال 20 مليون طن من البضائع سنويًا بحلول العام 2028.34 في غضون ذلك، بات مشروع الميناء يسهم في التنافس السياسي الداخلي. ففيما حاولت حكومة الكاظمي تقديم المشروع باعتباره إنجازها الأساسي على مستوى البنية التحتية، سعت حكومة السوداني التي أعقبتها إلى تبنّي هذا المشروع بدورها، بعد أن كانت قد انتقدت حكومة الكاظمي (إلى حدّ اتهام بعض شخصياتها الرئيسة بالضلوع في الفساد).35 وأكّد السوداني على ضرورة عدم النظر إلى مشروع ميناء الفاو بمعزل عن طريق التنمية الذي يُعدّ مُكمِّلًا له.36 يرى رئيس الوزراء أن الشروع في بناء ميناء أساسي أمرٌ منطقي فقط إذا كان ثمة طلب على كميات كبيرة من البضائع التي يتم تفريغها فيه لنقلها نحو تركيا ودول أخرى مرورًا بالداخل العراقي.

يقول المسؤولون العراقيون إن المشروع سيعّزز التجارة بين آسيا وأوروبا، ما سيقلّل الفترة الزمنية اللازمة لنقل البضائع بين ميناء شنغهاي الصيني وميناء روتردام الهولندي من ثلاثة وثلاثين يومًا إلى خمسة عشر يومًا.37 نتيجةً لذلك، سيصبح العراق مركزًا مهمًّا للتجارة الدولية وممرًّا رئيسًا لنقل السلع، ما سيؤدّي إلى إنعاش اقتصاد البلاد واستحداث فرص عمل وتوليد مصادر دخل جديدة للدولة. ويتوقّع المسؤولون العراقيون أن تبلغ الإيرادات المحقَّقة نحو 4 مليارات دولار سنويًا، فيما تُقدَّر التكلفة الإجمالية للمشروع بحوالى 17 مليار دولار.38

في شهر أيار/مايو 2023، عقدت الحكومة العراقية مؤتمرًا شارك فيه وزراء النقل من دول الخليج والجوار، لطرح مشروع طريق التنمية والتماس دعمهم له.39 وصف السوداني هذا المشروع بأنه "ركيزة للاقتصاد المستدام غير النفطي، وعقدة ارتباط تخدم جيران العراق والمنطقة". خلال المؤتمر، أشار ممثّل شركة Progetti Europa and Global (PEG) الإيطالية التي كُلِّفت بدراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع إلى أن طريق التنمية لا يشكّل بديلًا لقناة السويس، إلا أنه سيساعد في التعامل مع نمو التجارة الدولية عبر منطقة الشرق الأوسط، الذي يُقدَّر بنحو 10 إلى 15 في المئة سنويًا.40

علاوةً على ذلك، سيعيد هذا المشروع تشكيل معالم الحدود العراقية الجنوبية والشمالية التي تُعدّ جزءًا لا يتجزّأ من طريق التنمية بعد أن كانت لردحٍ طويل من الزمن بؤرًا للصراع وانعدام الاستقرار. شهدت شبه جزيرة الفاو، وهي أقصى نقطة في جنوب العراق، بعض أشرس معارك الحرب التي اندلعت بين العراق وإيران بين العامَين 1980 و1988. وقد تمكّنت القوات الإيرانية من احتلال شبه جزيرة الفاو في العام 1986، ثم استعاد الجيش العراقي سيطرته عليها في العام 1988. إن الرمزية الكبيرة التي اضطلعت بها الفاو خلال هذه الحرب الضارية تسلّط الضوء على هشاشة هذه المنطقة الحدودية وضرورة تعزيز روابطها مع المركز. لذلك، يشكّل الميناء الجديد تطوّرًا مهمًّا في شبه جزيرة الفاو، لأنه سيسهم إلى حدٍّ كبير في تحويل المشهد الاقتصادي لهذه المنطقة وتوطيد علاقاتها مع سائر مناطق العراق.

كانت الحدود الشمالية ساحةً للصراعات، ولا سيما حين بسط تنظيم الدولة الإسلامية سيطرته على محافظة نينوى، منفّذًا عمليات تطهير عرقي وطائفي، ومزعزعًا استقرار المنطقة بأكملها.41 وبعد نجاح القوات العراقية والفصائل شبه العسكرية في طرد تنظيم الدولة الإسلامية من شمال العراق، أصبحت المنطقة ساحةً لحروب جديدة، بالدرجة الأولى بين الجيش التركي وحزب العمّال الكردستاني الذي تصنّفه أنقرة تنظيمًا إرهابيًا. وقد عمدت تركيا إلى قصف المنطقة الحدودية على نحو منتظم، فيما نفّذ حزب العمّال الكردستاني والفصائل العراقية شبه العسكرية من حين إلى آخر هجمات مضادّة لوقف تقدّم الجيش التركي.42 وفي حال وصل طريق التنمية إلى الحدود مع تركيا من خلال التعاون بين بغداد وأنقرة، فقد يطلق هذا الأمر العنان لمرحلة جديدة من الزخم الاقتصادي الذي من شأنه أن يسهم في تهدئة مثل هذه الصراعات ودفع الدولتَين إلى التفكير في نهج مختلف. وسيشكّل ذلك خير مثال على إمكانية إحداث تحوّل في المناطق الحدودية المتنازع عليها من خلال التنمية.

ما العقبات المحتملة التي قد تحول دون إنجاز مشروع طريق التنمية؟

إن كان قادة العراق ينظرون إلى مشروع طريق التنمية على أنه حلٌّ سحري لمشاكل البلاد الكثيرة، يبقى أن هذه المشاكل نفسها هي التي قد تسهم في إعاقة أو المشروع أو وقف تنفيذه. وتشمل هذ العقبات انعدام الفعالية وانتشار الفساد داخل المؤسسات الحكومية، ما يؤدّي إلى عرقلة تنفيذ مشاريع كبرى في البلاد، وحرف المبالغ الكبيرة اللازمة لتمويلها عن وجهتها. وتتمثّل مشكلة محتملة ثانية في انعدام الأمن والاستقرار السياسي، الأمر الذي قد لا يعيق استكمال المشروع فحسب، بل قد يُبعد أيضًا العملاء والمستثمرين. أما العقبة الثالثة فتكمن في التنافس الجيو-اقتصادي والجيوسياسي الشديد حول مشاريع الممرّات التجارية الإقليمية، ما يعني أن بعض البلدان إما ستعارض طريق التنمية أو ستظلّ غير داعمة له.

انعدام الفعالية والفساد

أثارت حملة حكومة السوداني الرامية إلى تسويق مشروع طريق التنمية داخل البلاد وخارجها اعتراضات أو تحفّظات. فقد شكّك بعض الخبراء في الجدوى العملية للمشروع وفي قدرته على خفض تكاليف النقل الدولي، نظرًا إلى الوضع الأمني المضطرب في العراق، والذي يفرض أقساط تأمين مرتفعة على الشركات.43 يرى منتقدو طريق التنمية أن المشروع كان يتطلّب اتّخاذ إجراءات أولية عدّة لم تُنفّذ على الإطلاق.44 وبدا أن الحكومة العراقية تواجه ضغوطًا لإثبات التزامها بتطوير البنية التحتية من خلال تضخيم الفوائد المحتملة، ما حَجَبَ ربما أولوية التركيز على إجراء مراجعة متأنّية للمشروع. تَمثَّل أحد الشروط المسبقة الأساسية في الحاجة إلى تقييم الأسواق العالمية، وتحديد العملاء الذين قد يستخدمون طريق التنمية، وتقدير كميات السلع التي ستُنقل عبره، وحجم الشركات التي ستستخدمه.45 ثمّة افتراضٌ مفاده أن الصين والدول التجارية الكبرى الأخرى ستحوّل ببساطة مسار تبادلاتها التجارية إلى طريق التنمية، لكن ذلك يستند على الأرجح إلى تفكير رغبوي أكثر منه إلى معطيات فعلية، ولا سيما أن النقل البحري بين آسيا وأوروبا أقل كلفةً من النقل البري. وواقع أن مشروع طريق التنمية يتطلّب نقل البضائع بحرًا ثم برًّا سيكبّد شركات النقل تكاليف إضافية.46 جادل أحد منتقدي طريق التنمية، زياد الهاشمي، بأن أفضل ما قد يحقّقه هذا المشروع هو ربط دول الخليج بتركيا عبر العراق، لذا من الأفضل إعادة صياغة المشروع على المستوى المفهومي لتحقيق أهداف أكثر تواضعًا.47

ويجادل آخرون بأن الدولة العراقية تعاني من انعدام الفعالية ومن الفساد المستشري بحيث تعجز عن إدارة مشروع كبير مثل طريق التنمية بشكل سليم. فقد يَحول غياب التنسيق بين مؤسسات الدولة دون تنفيذ خطة عمل معدّة جيّدًا. ما زال من غير الواضح ما إذا كان البرلمان العراقي، الذي تسيطر عليه أحزاب تسعى إلى تحقيق أقصى قدرٍ ممكن من الأرباح من الدولة، سيخصّص مبالغ مالية كافية للحكومة من أجل المضي في مراحل المشروع. وينسحب الأمر نفسه على طبيعة التنسيق بين الحكومة المركزية ومحافظة البصرة حيث يقع ميناء الفاو، ولا سيما في تحديد أيٍّ من الجهتَين ستكون مسؤولة عن جوانب محدّدة من المشروع. لقد كان أداء الحكومات المتعاقبة بعد العام 2003 سيّئًا في إدارة مشاريع البنية التحتية الكبرى، كما ظهر في أزمة الكهرباء المزمنة، على الرغم من إنفاق أكثر من 15.5 مليار دولار لإصلاح قطاع الكهرباء على مدى عقد من الزمن.48 لذا، قد يلحق انعدام الفعالية والافتقار إلى المهارات اللازمة لإنجاز طريق التنمية وإدارته ضررًا بالغًا بالمشروع. على سبيل المثال، لفت النائب العراقي عامر عبدالجبار إسماعيل الذي شغل سابقًا منصب وزير النقل، إلى أن الشركة العامة لموانئ العراق تعتزم شراء معدّات تفريغ وتحميل تقليدية لميناء الفاو، على الرغم من توافر تقنيات أحدث وأكثر تماشيًا مع الموانئ الذكية.49

يرى منتقدو المشروع أيضًا أنه مجرّد غطاء جديد للفساد السياسي، سيتم استغلاله من أجل تمرير أرباح غير قانونية إلى الأحزاب السياسية الحاكمة ورجال الأعمال المرتبطين بها.50 من الأمثلة التي ذكرها منتقدو المشروع العقد الموقّع مع شركة PEG الإيطالية لإجراء دراسة حول الجدوى الاقتصادية لطريق التنمية، والذي لم يلتزم على ما يبدو بآليات الشفافية القانونية المطلوبة عند إبرام العقود الحكومية. وشدّدوا أيضًا على أن هذه الشركة لا تملك خبرة كافية في مشاريع البنى التحتية.51 وسلّط آخرون الضوء على عمليات تطوير مشبوهة في ميناء الفاو بحدّ ذاته،52 نتيجة التنافس بين الأحزاب السياسية والفصائل المسلّحة للفوز بالعقود المرتبطة ببناء الميناء، ما أدّى إلى تعليق الأعمال. تحديدًا، يشير التنافس بين التيار الصدري وكلٍّ من عصائب أهل الحق ومنظمة بدر، وانخراط هذه الجماعات في العمليات الدائرة في ميناء أم قصر، إلى اعتبار مثل هذه المشاريع عمومًا مغرية جدًّا بحيث لا يمكن تجاهلها ومربحة جدًّا بحيث لا يمكن السماح للمنافسين بالاستفادة منها.53

علاوةً على ذلك، تبرز مشكلة أخرى متعلّقة بالتكاليف المرتفعة لمشروع طريق التنمية. فقد حدّدت بعض التقديرات التكلفة الأولية للمشروع، ومن ضمنه ميناء الفاو، بنحو 12 مليار دولار،54 بينما قدّرت مصادر أخرى تكلفته الإجمالية بـ17 مليار دولار، وهذا توقّع واقعي أكثر عند أخذ تكلفة بناء ميناء الفاو في الحسبان.55 يكشف هذا التباين الكبير في الأرقام عن خلاف بين الهيئات الحكومية العراقية حول نطاق المشروع والمخصّصات المالية اللازمة لتنفيذه. تعهّدت الحكومة بتمويل البنية التحتية الأساسية للمشروع – أي ميناء الفاو والطرق السريعة والسكك الحديدية – فيما ستموّل الاستثمارات الخاصة المشاريع المكمّلة والخدماتية المرتبطة به – مثل ورش العمل والفنادق والمطاعم والخدمات الأخرى.56 لكن ما من مؤشرات واضحة على ما إذا كانت الحكومة تمتلك سيولة كافية لتمويل المشروع. لم يتمكّن البرلمان العراقي من إقرار موازنة للعام 2022، ولم تأتِ موازنة العام 2023 على ذكر المشروع،57 ما يثير تساؤلات حول قدرة الحكومة على تأمين التمويل اللازم.

ساهمت السياسة أيضًا في حالة اللايقين السائدة. فبعض الأحزاب متردّدة في تخصيص ميزانية كبيرة لتنفيذ مشروع طريق التنمية، ويُعزى ذلك جزئيًا إلى الخوف من أن يعزّز ذلك موقع السوداني على حساب القوى السياسية الأخرى. ويخشى بعض المراقبين أيضًا من إمكانية أن تُغري المخصّصات المالية الضخمة الأحزاب السياسية وتدفعها إلى محاولة الحصول على جزء من هذه الأموال من خلال عقود ثانوية مشبوهة.58 هذه المخاوف لها أساسٌ في الواقع، إذ تبرز أدلة على أن بعض الشركات المرتبطة ببعض الفصائل السياسية والمجموعات المسلّحة نجحت في الفوز بمثل هذه العقود لميناء الفاو، ما يظهر أن الشركات التي تتمتّع بروابط سياسية ربما تمكّنت بالفعل من الانخراط في جوانب مختلفة من المشروع.59

غياب الأمن والاستقرار عقبةٌ إضافية

يعاني العراق أيضًا من مشكلة انعدام الأمن والاستقرار، التي لن تحدّد فحسب من سيختار استخدام طريق التنمية، بل أيضًا من قد يستثمر في المشروع. فعلى سبيل المثال، تعترض حكومة إقليم كردستان على المشروع لأن الخطة الأولية للطريق الرئيس استبعدت الإقليم، الذي يتشارك حدودًا مع تركيا، وتجاوزته ليمرّ الطريق عبر محافظة نينوى. وتعتقد السلطات الكردية أن استبعاد الإقليم من الخطة له دوافع سياسية واقتصادية ويهدف إلى إضعاف المنطقة الكردية. وقد تعهّد رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني بأن حكومته لن تسمح بحدوث ذلك.60 قد تطرح الأحزاب الكردية تهديدًا أمنيًا للمشروع، أو تمنع حتى عمليات البناء في المناطق القريبة من الإقليم، محوّلةً بالتالي طريق التنمية إلى مصدرٍ لانعدام الاستقرار في منطقة مضطربة أساسًا. في الوقت نفسه، قد يعرقل حزب العمّال الكردستاني، الذي يتمتّع بحضور قوي في غرب محافظة نينوى وعبر الحدود في سورية، والذي خاض صراعًا طويلًا مع الحكومة التركية، أعمال البناء أو يهدّد حتى عمليات النقل على طريق التنمية في حال اكتماله.

قد يشكّل الضعف النسبي للحكومة العراقية ووجود فصائل مسلّحة متنفّذة، بعضها له تاريخ من الابتزاز والاختلاس، عقبة حقيقية إضافية أمام نجاح المشروع. كذلك، قد تطرح بعض المجموعات المسلّحة المتحالفة مع إيران، التي أنشأت وجودًا قويًّا في شمال العراق وفي المثلّث الحدودي العراقي-السوري-التركي، تهديدًا أمنيًا.61 في حين أن بعض هذه المجموعات، مثل عصائب أهل الحق، متحالفة حاليًا مع حكومة السوداني، يواصل بعضها الآخر، ولا سيما كتائب حزب الله وحركة النجباء، العمل بشكل مستقل وتحدّي سياسة الحكومة في بعض الأحيان، كما تبيّن من هجماتها التي استهدفت القوات الأميركية المنتشرة في العراق بعد اندلاع الحرب على غزة في تشرين الأول/أكتوبر 2023.62 بإمكان هذه المجموعات أن تعرّض عمليات النقل البرّي للخطر إذا شعرت أن مصالحها لم تُؤخذ في الحسبان بشكل كافٍ.

في الوقت نفسه، قد يشكّل طريق التنمية، بوصفه مشروعًا مهمًّا له تأثيرات استراتيجية على العراق، فرصةً أمام الحكومة العراقية وحافزًا لبسط سيطرتها الأمنية على المناطق الطرفية أيضًا وتوسيع نطاق السلطات المركزية. وسيتعيّن على المؤسسات الحكومية وقوات الأمن في المناطق الحدودية والطرفية تعزيز وجودها لضمان حسن سير المشروع. علاوةً على ذلك، ستجعل الطرق والسكك الحديدية الجديدة التنقّل أسرع بين المحافظات العراقية، وستساعد على دمجها مع بعضها البعض بصورة أفضل، وتعزيز الأنشطة الاقتصادية المحلية والمشاريع الكبرى التي تستفيد من هذه البنية التحتية.

مع ذلك، تشير ضرورة تأمين الحدود العراقية والمناطق الطرفية، سواء نجح هذا المسعى أو فشل، إلى احتمال حدوث توتّرات أو أعمال عنف. الجدير بالذكر أن بعض الميليشيات الموالية لإيران تدير شبكات تهريب على طول الحدود العراقية السورية، وتعمل بالتعاون مع حزب العمّال الكردستاني، ما يعني أنها قد تتحرّك إذا حاولت الدولة توطيد سلطتها في مناطق عملياتها. كذلك، ثمّة عوامل عدّة مثل عدم تحمّس إيران لمشروع طريق التنمية، وحقيقة أنه قد يتنافس مع مشاريع ممرّات إقليمية إيرانية، ومعارضة الميليشيات الموالية لها سلوك تركيا في العراق، قد تدفع بهذه المجموعات إلى الوقوف في وجه المشروع أو عرقلة تنفيذه. فتاريخ العراق الحديث يزخر بأمثلة عن مجموعات متمرّدة عرّضت أمن الطرق السريعة والحدودية البعيدة للخطر، سواء لتحدّي الحكومة أو لتحصيل الأموال من خلال مصادرة الشحنات أو احتجاز المدنيين كرهائن. وقد لجأ تنظيم القاعدة في العراق، الذي تحوّل لاحقًا إلى تنظيم الدولة الإسلامية، إلى مثل هذه التكتيكات بشكل مكثّف. وبما أن تنظيم الدولة الإسلامية لا يزال ينشط في المناطق القريبة من الحدود، قد يستغّل أيضًا مكامن الضعف الكامنة في المشروع لانتزاع أموال من الدولة.63

المنافسة من مشاريع الممرّات الإقليمية

ثمّة عامل آخر يثير الشكوك حول إمكانية تنفيذ مشروع طريق التنمية، وهو تعدّد مشاريع الممرّات المتنافسة في المنطقة، ولكلٍّ منها تأثيرات جيوسياسية وجيو-اقتصادية كبيرة. وتشمل هذه المشاريع الإقليمية مبادرة الحزام والطريق الصينية، والممرّ الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، وطموحات إيران بتحويل موانئها إلى مراكز تجارية بين شرق آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا. وما يزيد الأمور تعقيدًا أن العراق عالقٌ اليوم بين حاجته إلى تطوير بنيته التحتية باستخدام عائداته النفطية المتزايدة، وحقيقة أن سياساته الداخلية مرتبطة بشكل مطّرد بالمنافسات الإقليمية. فهذا قد يمنع بغداد من إرساء الاستقرار اللازم لتطوير البنية التحتية، ولا سيما إن كانت دولٌ إقليمية – من بينها إيران، التي تمارس تأثيرًا كبيرًا على القوى السياسية والميليشيات العراقية – تفضّل خوض حروب بالوكالة على الأراضي العراقية.

برز اللجوء إلى المعارك بالوكالة في إطار التداعيات الإقليمية لحرب غزة التي اندلعت في أواخر العام 2023 ولا تزال مستمرة خلال العام 2024. فقد هدّدت الخطوات التي اتّخذتها إيران وحلفاؤها الإقليميون حركة الملاحة في منطقة الخليج والبحر الأحمر. ومن الحوادث ذات الصلة احتجاز إيران ناقلة محمّلة بالنفط الخام العراقي المتّجه إلى تركيا في كانون الثاني/يناير 2024، ردًّا على مصادرة الولايات المتحدة للسفينة ذاتها وشحنة النفط الإيراني التي كانت تحملها العام الماضي.64 الأهم أن التوتّرات في البحر الأحمر نتيجة الهجمات التي شنّتها جماعة أنصار الله (المعروفة بالحوثيين) على سفن شحن تجارية، والتي زُعم أنها ردٌّ على الحملة الإسرائيلية على غزة، أرغمت شركات الشحن والنقل على البحث عن طرق جديدة.65 في ظل هذا الوضع، قد يشكّل طريق التنمية خيارًا بديلًا مفيدًا، لكن بما أن جماعة أنصار الله تشكّل جزءًا من محور المقاومة الذي تقوده إيران، من المستبعد أن تشجّع طهران وحلفاؤها العراقيون على اعتماد طريقٍ للتبادلات التجارية عبر العراق.

علاوةً على ذلك، أثار موقع العراق في مبادرة الحزام والطريق أسئلة مهمة في الداخل العراقي، حيث تساءل مراقبون وناشطون عمّا إذا كان مشروع طريق التنمية مرتبطًا بتطلّعات بيجينغ أم منفصلًا عنها.66 ففي العام 2021، أصبح العراق أكبر المستفيدين من التمويل الذي خصّصته الصين لمبادرة الحزام والطريق، إذ تلقّى 10.5 مليارات دولار من أصل 60 مليار دولار تقريبًا.67 وقبل ذلك، كانت حكومة عادل عبد المهدي قد اتّفقت مع الصين على تأسيس صندوق مشترك تُستخدم فيه إيرادات 100 ألف برميل يوميًا من صادرات النفط العراقي لتسديد القروض والاستثمارات الصينية في عملية إعادة الإعمار والمشاريع التنموية في العراق.68

لقد أصبح "التوجّه نحو الصين" جزءًا من الخطاب السياسي لبعض الفصائل السياسية العراقية - خصوصًا تلك المقرّبة من إيران – التي صوّرت ذلك كوسيلة لمواجهة الهيمنة الأميركية.69 وبات ربط العراق بمبادرة الحزام والطريق وتحويله إلى ممرٍّ تجاري أساسي بالنسبة إلى الصين فكرة تحظى بالشعبية في أوساط بعض الناشطين والشركات، إلى حدّ وصفها بأنها الحلّ السحري للبنية التحتية العراقية المتداعية.70 مع ذلك، حاول المسؤولون والدبلوماسيون الأميركيون خلف الكواليس الوقوف في وجه التقارب بين العراق والصين. وحقّقت هذه الضغوط بعض النتائج حين فضّلت حكومة الكاظمي التعاقد مع شركات غربية لإنجاز مشاريع ضخمة في مجال الطاقة، على غرار الاتفاق الموقّع مع شركة Total Energies بقيمة 27 مليار دولار لزيادة إنتاج النفط والغاز في جنوب العراق.71

لكن عمليًا، لا يحتلّ العراق مكانة أساسية في الخطط الصينية الرامية إلى الاستفادة من مشاريع الممرّات الإقليمية. فالطريق البرّي الذي اقترحته بيجينغ على نطاق واسع لا يمرّ عبر العراق، بل عبر آسيا الوسطى وتركيا.72 لذا عمدت الحكومة العراقية إلى تصوير ميناء الفاو على أنه مشروع مكمّل للمبادرة، يوفّر طريقًا بحريًا جديدًا يمكن أن يخدم الصين والقوى الاقتصادية الناشئة في آسيا، إذ يُفترض أن يقلّص مدّة وصول البضائع إلى أوروبا وكلفة التبادلات التجارية. لكن العراق يواجه أيضًا منافسة شديدة من الدول المجاورة. فبعضها منخرطٌ بصورة أكبر في التجارة الدولية وإدارة الموانئ والشحن، على غرار الإمارات العربية المتحدة، وبعضها الآخر قادرٌ على عرقلة خطط العراق الرامية إلى تنفيذ مشروع طريق التنمية، مثل تركيا وإيران والكويت.

يعتمد العراق على تركيا من أجل تنفيذ طريق التنمية. فالحكومة التركية تبدو متحمّسة لهذا المشروع لأنها تعتبره مكمِّلًا لهدفها المُعلَن بتحويل البلاد إلى مركز جيوسياسي يربط بين آسيا وأوروبا وأفريقيا.73 وتسعى أنقرة إلى أن تشكّل حلقة الوصل الأساسية بين الصين وأوروبا عبر آسيا الوسطى.74 وتطمح أيضًا إلى استكمال مشروع ما يُعرَف بممرّ زنغزور في أرمينيا الذي من شأنه أن يصل تركيا بشواطئ أذربيجان على بحر قزوين،75 بهدف تعزيز التبادل التجاري مع آسيا الوسطى والقوقاز وروسيا، وتوطيد أواصر الوحدة التركية. لذلك، تنظر أنقرة إلى طريق التنمية باعتباره فرصة لتحسين حركة التجارة مع منطقة الخليج والشرق الأوسط. إذًا، يُعدّ الدعم التركي لطريق التنمية، وهو أمرٌ أساسي للمشروع، مشروطًا بقدرة أنقرة على الاستفادة منه.

لهذا السبب اعترضت تركيا76 على المبادرة التي ترعاها الولايات المتحدة لإنشاء الممرّ الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا الذي يسعى إلى تعزيز الروابط والتكامل الاقتصادي بين آسيا ومنطقة الخليج وأوروبا.77 بدا أن واشنطن تملك دافعَين لدعمها هذه الخطة. الأول هو التصدّي لمبادرة الحزام والطريق الصينية، والثاني هو تعزيز دمج إسرائيل في الشرق الأوسط في ظل اتفاقيات تطبيع العلاقات التي تمّ توقيعها بوساطة أميركية بين إسرائيل وبلدان عربية عدّة. أما أنقرة، فاعتبرت هذا المشروع المدعوم أميركيًا محاولةً لإقصائها وتهميشها، لأن النقطة الأخيرة من هذا الممرّ في آسيا هي ميناء حيفا في إسرائيل، وليس تركيا. وهذا ما دفع الحكومة التركية إلى إعادة التأكيد على دعمها لطريق التنمية كخيارٍ بديل.78

مع ذلك، تبرز عوامل قد تحدّ من الاهتمام التركي بمشروع طريق التنمية، ولا تقتصر فحسب على الصعوبات التي قد يواجهها العراق في تنفيذ المشروع، بل تشمل أيضًا الخلافات العراقية التركية، ولا سيما بشأن العمليات الأمنية التركية في شمال العراق ضدّ حزب العمّال الكردستاني، والتي أدانتها بغداد.79 وتشمل هذه العوامل أيضًا النزاع بين البلدَين حول تقاسم مياه نهريّ دجلة والفرات،80 فضلًا عن الخلاف حول نقل النفط من إقليم كردستان العراق عبر خط أنابيب إلى تركيا، وهو ما تعارضه بغداد.81 صحيحٌ أن مشروع طريق التنمية قد يحثّ البلدَين على التعاون، إلّا أن هذه القضايا الخلافية يُحتمل أن تعمّق أيضًا فجوة انعدام الثقة وتعرقل آفاق التعاون بينهما.

{img_3}

على خلاف تركيا، لا تبدو إيران متحمّسة لمشروع طريق التنمية لأنه يُعدّ مُنافسًا لممرّات أخرى تعبر الأراضي الإيرانية (انظر الخريطة 3). فقد يشكّل المشروع العراقي بديلًا لطريق تجاري آخر مُخطَّط له يربط تركيا بالإمارات عبر إيران.82 في غضون ذلك، تسعى طهران التي وقّعت اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة مع الصين،83 إلى تحويل موانئها إلى مراكز أساسية للتجارة بين الصين وشرق آسيا وآسيا الوسطى والشرق الأوسط. وقد روّجت الحكومة الإيرانية لموانئ عدّة بوصفها صلات وصل استراتيجية لحركة التجارة العالمية،84 وهي: تشابهار على خليج عُمان، وبندر عباس قرب مضيق هرمز، وبندر الإمام الخميني في شمال مياه الخليج.

مع أن الطموحات الإيرانية لا تُقصي العراق بالكامل، فإنها تعطيه في الغالب دورًا ثانويًا. لذلك، مارست طهران ضغوطًا قوية على بغداد لإنشاء خط سككي يربط بين منفذ الشلامجة في محافظة خوزستان في إيران ومحافظة البصرة في جنوب العراق عبر شط العرب.85 وفي أيار/مايو 2023، وافقت حكومة السوداني على المضي قدمًا في مشروع الربط السككي،86 آملةً ربما بأن تؤدّي هذه الخطوة إلى تخفيف معارضة إيران لمشروع طريق التنمية. وقد ولّد قرار الحكومة عاصفةً من الجدل والانتقادات على خلفية أن الخط السككي بين البصرة والشلامجة سيدعم الموانئ الإيرانية ويوفّر لها طريقًا بريًّا يسمح لإيران بأن تكون صلة الوصل الأساسية في التبادل التجاري مع آسيا.87 وقد اعتبر البعض حتى أن الربط السككي إقرارٌ مبكر بفشل مشروع ميناء الفاو لأنه يحرم الميناء من غايته الجيو-استراتيجية الأساسية.88 ردّت الحكومة العراقية بالقول إن الربط السككي يهدف حصرًا إلى نقل المسافرين والحجّاج الدينيين ولن يُستخدَم للنقل التجاري.89 لكن السردية الإيرانية الرسمية في المقابل وصفت مشروع الربط السككي باعتباره وسيلةً لتوسيع التبادل التجاري بين العراق وإيران، وجزءًا من الممرّ الذي يربط الخليج العربي بالبحر المتوسط عبر العراق وسورية.90

ما زال من غير الواضح أيضًا ما إذا ستدعم دول الخليج الأخرى طريق التنمية. على سبيل المثال، قد ترى الإمارات أن هذا المشروع سينافس ربما ميناء جبل علي الواقع في دبي. مع ذلك، وفقًا لمسؤول عراقي،91 طلب السوداني من الإمارات المشاركة في إدارة ميناء الفاو خلال زيارة أجراها إلى أبو ظبي في شباط/فبراير 2023. ربما يسعى رئيس الوزراء إلى جذب الاستثمارات الإماراتية إلى المشروع، وبالتالي الاستفادة من خبرة الشركات التي تتّخذ من الإمارات مقرًّا لها في إدارة الموانئ الكبرى. من الوارد، لا بل من المُحتمل، أن تقرّر الإمارات والسعودية مساعدة العراق، ولا سيما في تمويل المشروع، إذا كان ذلك سيسهم في إبعاده عن إيران. لكن قد يقرّر المسؤولون الإماراتيون عدم الاستثمار في المشروع نظرًا إلى المخاطر الكبرى التي ينطوي عليها، وإلى العداوة مع المجموعات المسلّحة المدعومة من إيران. لذلك، من المرجَّح أكثر أن تصبح قطر الشريك الخليجي الأساسي للعراق في هذا المشروع، نظرًا إلى علاقاتها الوديّة مع إيران، واهتمامها في إقامة علاقة اقتصادية مباشرة مع تركيا. في الواقع، أبدت قطر اهتمامًا جديًّا في دعم حكومة السوداني وزيادة استثماراتها في البلاد، بدءًا بتوقيع اتفاقيات مع العراق لتطوير مشاريع في قطاعَي البنى التحتية والخدمات تصل قيمتها إلى نحو 10 مليارات دولار.92

فيما قد يحسّن مشروع طريق التنمية العلاقات الحدودية مع تركيا، ما يُعدّ تطورًا إيجابيًا، يُحتمل أن يفاقم في المقابل النزاعات الحدودية مع دول أخرى، من ضمنها الكويت التي شهدت خلافات مع العراق حول الحدود البحرية. فالكويت تعتبر ميناء الفاو منافسًا لميناء مبارك الكبير في جزيرة بوبيان، الذي أثارت أعمال بنائه المستمرّة توتّرات بين العراق والكويت. ولا يُعزى سبب ذلك إلى النزاع حول الحدود البحرية بين البلدَين فحسب، بل إلى وجهة النظر العراقية القائلة إن ميناء مبارك الكبير قد يقوّض حظوظ ميناء الفاو. وقد أدّت هذه الخلافات إلى تعليق العمل في مشروع الميناء الكويتي لفترة من الوقت، إلّا أنّ الحكومة أعلنت في تموز/يوليو 2023 استئناف أعمال إنجازه.93

قد يؤدّي الخلاف حول الحدود البحرية بين العراق والكويت إلى نشوب نزاع جديد في أي وقت، ما من شأنه أن يعرّض سلامة الملاحة في الخليج العربي للخطر، ويزيد من العراقيل التي تعترض مشروع طريق التنمية. مع ذلك، قد يشكّل المشروع حافزًا يدفع بغداد إلى محاولة حلّ الخلاف البحري مع الكويت عبر التفاوض. إن التوصّل إلى اتفاق سيعود على الأرجح بالفائدة على البلدَين، ويدفعهما إلى التعاون والتنسيق في مشاريعهما التنموية في المنطقة بدلًا من التنافس.94 وقد يمكن تحقيق ذلك من خلال الربط بين الميناءَين والتنسيق بين أنشطتهما وأعمالهما التوسّعية المحتملة، وبالتالي إنشاء مركز بحري ضخم للتجارة الحرة. مثل هذا التعاون يمكن أن يسهم في تقليص التكاليف التي يتكبّدها البلَدان، وفي تهدئة التوتّرات بشأن الحدود البحرية.

يشير إطلاق مشاريع متنافسة لإنشاء ممرّات جيو-اقتصادية في منطقة الخليج والشرق الأوسط الأوسع إلى أن هذه المساعي قد تفاقم الخصومات السياسية بدلًا من تحقيق الهدف المُعلن المتمثّل في تعزيز التكامل والتعاون في المجال الاقتصادي. للعراق تاريخٌ حافلٌ بالنزاعات الحدودية مع معظم جيرانه، والتي أسفرت عن حروبٍ وغزوات مع إيران والكويت. لذلك، قد تؤدّي محاولات إعلاء القيمة الاقتصادية للمناطق الحدودية عبر شبكات جديدة من الموانئ والطرق إلى احتدام التوترات الكامنة ونشوب مزيدٍ من الصراعات. لهذا السبب أيضًا قد لا تتحقّق أبدًا الآمال الكبيرة المعلّقة على مشروع طريق التنمية.

خاتمة

تكثر العوامل التي تثير الشكوك حول قدرة العراق على بناء أكبر ميناء في الشرق الأوسط، وجني عائدات طائلة من المشروع، واستخدامها لتنويع اقتصاده. يبدو أن الحكومة العراقية لم تجرِ أعمال التحضير المناسبة لضمان القيمة الاستراتيجية لهذا الطريق. وما من إجماع على ما يبدو بين المؤسسات الحكومية حول نطاق طريق التنمية وأهدافه وتكلفته، ناهيك عن أن الأحزاب السياسية العراقية المهيمنة لم تُبدِ استعدادًا كبيرًا لدعم هذا المشروع. فبعض الأحزاب تتردّد إما لأسباب سياسية، مفضِّلةً إعطاء الأولوية للمكاسب القصيرة المدى من خلال التوظيف في القطاع العام والمحسوبية، أو لأن القوى الإقليمية الراعية لها لا تؤيّد هذا المشروع، وينطبق ذلك بشكلٍ خاص على الفصائل المرتبطة بإيران. إضافةً إلى ذلك، وعلى الرغم من الهدوء النسبي في العراق، لا يمكن اعتبار الأوضاع في البلاد مستقرّة إطلاقًا.

أخيرًا، سيكون من الصعب على دولةٍ في مثل وضع العراق أن تفرض مشيئتها على مختلف الأطراف أو أن تغريهم بالانضمام إلى طريق التنمية، نظرًا إلى وجود مشاريع متنافسة عدّة في المنطقة وإلى غياب التوافق الإقليمي حول المشروع الذي يجب منحه الأولوية. هذه التحديات قد تؤدّي إلى إعادة تقييم المشروع، أو إلى حدوث سيناريو أسوأ يتمثّل في تعليق العمل به لفترة زمنية طويلة.

على نحو أكثر إيجابيةً، قد يشكّل طريق التنمية مشروعًا وطنيًا، أو شعارًا يلتف حوله معظم العراقيين بعد سنوات من الانقسام. وقد يمثّل أيضًا انطلاقةً للتفكير بشكل جدّي في خيارات أخرى بديلة عن الاعتماد شبه المُطلق على الموارد الهيدروكربونية. وقد يؤدّي ذلك دورًا مهمًا في دفع الدولة نحو إعادة بناء بنيتها التحتية المتهالكة، وتعزيز الروابط بين مختلف مناطق العراق، وإعطاء زخم للقطاع الخاص.

لا يزال المجال متاحًا أمام الحكومة العراقية لمعالجة هواجس المشكّكين بمشروع طريق التنمية، إضافةً إلى المشاكل التي قد تتحوّل إلى عقبات في المستقبل. يستوجب ذلك اتّخاذ خطوات عدّة، مثل مأسسة إدارة المشروع، ربما من خلال تشكيل هيئة دائمة يقودها رئيس الوزراء وتتولّى الإشراف على حسن سير المشروع وحلّ المشاكل التي قد تطرأ. كذلك، من المفيد إقامة شكل من أشكال الشراكة مع جهات مانحة مُحتمَلة والقطاع الخاص، على أن تولي الحكومة العراقية أهمية قصوى لتوخّي الشفافية في التعامل مع المشرو. لكن هذا لن يكون كافيًا ما لم يقترن بنجاح الحكومة في ضمان الدعم السياسي المستدام لطريق التنمية وتأمين التمويل اللازم له، ما يتطلّب تقديم حجج قوية ومقنعة لصالح المشروع بهدف تبديد الشكوك حول إمكانية نجاحه.

إن تحويل الحدود إلى صلات وصل بين الدول والقارّات فكرةٌ اكتسبت زخمًا متزايدًا خلال السنوات الأخيرة. فقد حظيت مبادرة الحزام والطريق الصينية بالشعبية في الدول النامية التي تعجز بمعظمها عن التنافس في قطاعات التكنولوجيا المتقدّمة، ما دفعها إلى التركيز على قطاعات الخدمات. لكن الكثير من هذه المشاريع مدفوعةٌ بخليط من الشعبوية القومية والحسابات الداخلية الضيقة، وبالتالي قد تفضي في نهاية المطاف إلى مفاقمة حدّة التنافس وتأجيج جذوة النزاع بين الدول، بدلًا من تعزيز التكامل الاقتصادي في ما بينها.

* حارث حسن، باحث أول غير مقيم , مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط

https://carnegieendowment.org/

.............................................

تم إصدار هذه الدراسة بدعمٍ من برنامج X-Border Local Research Network (شبكة البحث المحلية حول القضايا العابرة للحدود الوطنية) الذي يحظى بتمويل من مشروع UK International Development التابع للحكومة البريطانية. إن الآراء الواردة في هذه الدراسة لا تعبّر بالضرورة عن السياسات الرسمية للحكومة البريطانية.

..................................................

هوامش

1 أميمة الشاذلي، "طريق التنمية: فرصة لتطوير البنية التحتية في العراق وهمزة وصل بين الشرق والغرب"، BBC News عربي، 28 أيار/مايو 2023، https://www.bbc.com/arabic/middleeast-65732210

2 اتحاد المصارف العربية، "الدور الحكومي العراقي وإنجازات رئيس الوزراء محمد شياع السوداني"، شباط/فبراير 2023، تمّت زيارة الصفحة في 20 تشرين الأول/أكتوبر 2023، https://shorturl.at/pxLY9

3 "السوداني: هذه الحكومة هي حكومة خدمات"، آن نيوز، 5 نيسان/أبريل 2023، https://an.news/Details/11177

4 “Death Toll Rises to 15 Amid Clashes After Iraqi Shia Cleric Muqtada al-Sadr Resigned,” Associated Press, August 29, 2022, https://english.alarabiya.net/News/middle-east/2022/08/29/Eight-protesters-dead-in-clashes-in-Baghdad-s-Green-Zone-New-toll.

5 Zaid al-Ali, “Flawed by Design: Ethno-Sectarian Power Sharing and Iraq’s Constitutional Development,” Chatham House, March 20, 2023, https://www.chathamhouse.org/2023/03/iraq-20-years-insider-reflections-war-and-its-aftermath/flawed-design-ethno-sectarian-power.

انظر أيضًا:

Warqaa Muhammad Rahim, “The Phenomenon of Corruption in Iraq and Its Political and Social Effects,” Multicultural Education,8, no, :9 (2022): http://ijdri.com/me/wp-content/uploads/2022/09/9.pdf.

6 "بغداد تعلن تدابير اجتماعية في محاولة لتهدئة الاحتجاجات"، هيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية، 6 تشرين الأول/أكتوبر 2019، https://shorturl.at/vBO24

7 الحزب الشيوعي العراقي، "في احتجاجات خريجي الدراسات العليا في العراق وأزمة التعليم العالي"، 30 أيلول/سبتمبر 2019، https://www.iraqicp.com/index.php/sections/platform/25392-2019-09-30-12-28-52

8 Mehmet Dağ, Semih Serkant Aktuğ Zavar, and Salah Ali Alı, “Evaluation of Relationship Between Oil Revenues and Government Budget in Iraq: 2006–2016 Period,” Emerging Markets Journal 9, no. 1 (2019).

9 Ali Al-Mawlawi, “Public Sector Reform in Iraq,” Chatham House, June 2020, https://www.chathamhouse.org/sites/default/files/2020-06-17-public-sector-reform-iraq-al-mawlawi.pdf.

انظر أيضًا:

Ahmed Maher, “A Dream Career? Government Employment Loses its Sheen in Iraq,” The National, December 29, 2021, https://www.thenationalnews.com/mena/2021/12/29/a-dream-career-government-employment-loses-its-sheen-in-iraq.

10 Iffat Idriss, “Inclusive and Sustained Growth in Iraq,” Knowledge, Evidence and Learning for Development, Helpdesk Report, June 20, 2018, https://assets.publishing.service.gov.uk/media/5b6d747440f0b640b095e76f/Inclusive_and_sustained_growth_in_Iraq.pdf.

11 United Nations Children’s Fund (UNICEF), “On the Eve of International Women’s Day, the Ministry of Youth and Sports and UNICEF Launch the National Girls’ Network,” May 6, 2023, https://rb.gy/bg2ah4.

12 البنك الدولي، "جائحة كورونا وانخفاض أسعار النفط يدفعان بملايين العراقيين الى هاوية الفقر"، 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2020، https://www.albankaldawli.org/ar/news/press-release/2020/11/11/new-world-bank-report-calls-for-urgent-fiscal-stimulus-and-economic-reforms-to-help-the-poor-and-the-most-vulnerable-in-iraq

13 Massab al-Aloosy, “Iraq’s Depreciated Currency Holds Consequences at Home and Abroad,” Gulf International Forum, January 23, 2023, https://tinyurl.com/3z8wkzy4.

14 بدر ابراهيم، "نائب رئيس الوزراء العراقي علي علاوي لـ"المجلة": الحكومة بدأت عملية جذرية لإصلاح الاقتصاد"، المجلة، 16 تشرين الأول/أكتوبر 2021، https://www.majalla.com/node/169411/مقابلاتنائب-رئيس-الوزراء-العراقي-علي-علاوي-لـ«المجلة»-الحكومة-بدأت-عملية-جذرية-لإصلاح

15 حارث حسن، "نظامٌ في أزمة: ماذا يعني انتصار المُحاصصة مُجدداً في العراق؟"، 17 تشرين الأول/أكتوبر 2022، مركز الإمارات للسياسات، https://epc.ae/ar/details/brief/nezam-fi-azma-madha-yani-aintisar-almuhasasa-mujddan-fi-al-iraq

16 ناصر الأسدي، مستشار رئيس الوزراء العراقي لشؤون النقل، مقابلة مع قناة العراقية الإخبارية، نُشرت على يوتيوب في 25 أيار/مايو 2023، تمّت زيارة الصفحة في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، https://www.youtube.com/watch?v=bk1GXkuUpOg

17 الأسدي، مقابلة مع قناة العراقية الإخبارية.

18 الأسدي، مقابلة مع قناة العراقية الإخبارية.

19 "العراق يسعى لإنشاء "طريق التنمية" بتكلفة 17 مليار دولار"، العربية، 15 أيار/مايو 2023، https://www.alarabiya.net/aswaq/economy/2023/05/15/-العراق-يسعى-لانشاء-طريق-التنمية-بتكلفة-17-مليار-دولار-

20 Karim Tolba, “Iraq to Launch Rail Link with Turkey in 2024,” Logistics, April 20, 2023, https://rb.gy/0gops7.

انظر أيضًا الحكومة العراقية (@IraqiGovt)، "شاهد: تفاصيل طريق التنمية"، منشور على X، 24 أيار/مايو 2023،

https://twitter.com/IraqiGovt/status/1661316824233918466

21 Tolba, “Iraq to Launch Rail Link with Turkey in 2024”: انظر أيضًا الحكومة العراقية (@IraqiGovt)، "شاهد: تفاصيل طريق التنمية".

22 Tolba, “Iraq to Launch Rail Link with Turkey in 2024”: انظر أيضًا الحكومة العراقية (@IraqiGovt)، "شاهد: تفاصيل طريق التنمية".

23 فاضل مشعل، "قناة جافة للنقل الدولي بالعراق"، الجزيرة، 18 تشرين الأول/أكتوبر 2010، https://www.aljazeera.net/ebusiness/2010/10/18/قناة-جافة-للنقل-الدولي-بالعراق

24 William B. Fisher and Charles Gordon Smith, “Suez Canal,” Britannica, accessed December 14, 2023, https://www.britannica.com/topic/Suez-Canal.

25 “Iraq’s Ambitious Al Faw Port Project Inches Closer to Completion,” Maritime Executive, July 30, 2023, https://maritime-executive.com/article/iraq-s-ambitious-al-faw-port-project-inches-closer-to-completion.

26 نشب الخلاف من جديد بعد أن حكمت المحكمة الاتحادية العليا العراقية ببطلان تصديق البرلمان على اتفاقية تنظيم الملاحة بين العراق والكويت في منطقة خور عبد الله. نتيجةً لذلك، أطلقت الحكومة الكويتية حملة احتجاجية ضخمة، محذرةً من محاولة عراقية لتغيير الحدود. انظر، الجزيرة، "لماذا يثير خور عبد الله المخاوف من تجدد التوتر بين العراق والكويت؟"، 3 تشرين الأول/أكتوبر 2023، https://tinyurl.com/mryfp3ns

27 Richard Schofield, “The United Nations’ Settlement of the Iraq-Kuwait Border, 1991–1993,” accessed June 20, 2023, 81, https://www.dur.ac.uk/resources/ibru/publications/full/bsb1-2_schofield.pdf

28 Mina Aldroubi and Robert Tollast, “An Overland Route to Rival Suez: The Wild Ambition of Iraq’s Al Faw Port,” The National, August 8, 2021, https://www.thenationalnews.com/mena/iraq/2021/08/08/an-overland-route-to-rival-suez-the-wild-ambition-of-iraqs-al-faw-port.

29 شذى خليل، "مجلس الإعمار الملكي العراقي: منجزات تاريخية أنموذجًا يحتذى به"، مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، 20 تموز/يوليو 2020، https://rawabetcenter.com/archives/113149

30 John Lee, “Daewoo Signs a $2.6 bn Iraq Portal Deal,” Iraq Business News, January 3, 2021, https://www.iraq-businessnews.com/2021/01/03/daewoo-signs-2-6bn-iraq-port-deal.

31 Technital, “Design Services and Works Supervision for the Al Faw Grand Port (Iraq),” accessed November 9, 2023, https://www.technital.net/projects/ports-and-waterways/industrial-and-commercial-ports/ports-and-waterways-design-services-and-works-supervision-for-the-al-faw-grand-port-iraq.

32 Aldroubi and Tollast, “An Overland Route to Rival Suez.”

33 Technital, “Design Services and Works Supervision for the Al Faw Grand Port.”

34 “Key Phase of Iraq’s Faw Port Nearly Finished: Minister,” Hellenic Shipping News, September 6, 2023, https://shorturl.at/jpHQY.

35 Ahmed Rasheed and Timour Azhari, “Iraq Seeks Interpol Alerts for Former Officials Over $2.5 billion graft,” Reuters, August 7, 2023, https://rb.gy/k4z4vf.

36 "السوداني: لا يمكن الفصل بين ميناء الفاو الكبير وطريق التنمية، كلاهما منظومة واحدة لدعم الاقتصاد"، تمّت زيارة الصفحة في 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، https://www.youtube.com/watch?v=hy8VnwvkUyU

37 محمد علي، "طريق التنمية: مشروع تجاري يربط دول الخليج بتركيا عبر العراق"، العربي الجديد، 22 آذار/مارس 2023، https://www.alaraby.co.uk/economy/طريق-التنمية-مشروع-تجاري-يربط-دول-الخليج-بتركيا-عبر-العراق

38 "العراق يسعى لإنشاء "طريق التنمية" بتكلفة 17 مليار دولار"، العربية.

39 وزارة الخارجية في جمهورية العراق، "مؤتمر طريق التنمية"، تمّت زيارة الصفحة في 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، https://mofa.gov.iq/مؤتمر-طريق-التنمية/

40 قناة دجلة الفضائية، "انطلاق اعمال مؤتمر طريق التنمية في بغداد"، تمّت زيارة الصفحة في 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، https://www.youtube.com/watch?v=2ogVTnkTPto

41 هيومن رايتس ووتش، "العراق ـ داعش تختطف وتقتل أفراد الأقليات"، 19 تموز/يوليو 2014، https://www.hrw.org/ar/news/2014/07/19/254575

42 للحصول على المزيد من المعلومات حول هذه المنطقة الحدودية، انظر حارث حسن وخضر خضّور، "تشكيل الحدود الكردية: معادلات النفوذ والنزاع والحوكمة في المناطق الحدودية العراقية السورية"، مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط، 8 تموز/يوليو 2021، https://carnegie-mec.org/2021/07/08/ar-pub-84625

43 زياد الهاشمي، "منظومة النقل البحري الدولي وفرضية أهمية موقع العراق الجغرافي في ربط حركة البضائع بين آسيا وأوروبا"، شبكة الاقتصاديين العراقيين،

https://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2023/05/زياد-الهاشمي-منظومة-النقل-البحري-الدولي-وفرضية-أهمية-موقع-العراق-الجغرافي-في-ربط-حركة-البضائع-بين-آسيا-وأوروبا.pdf

44 الهاشمي، "منظومة النقل البحري الدولي".

45 الهاشمي، "منظومة النقل البحري الدولي".

46 الهاشمي، "منظومة النقل البحري الدولي".

47 ""طريق التنمية الدولي"... حقائق "صادمة" تهدده في مهده"، العالم الجديد، تمّت زيارة الصفحة في 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، https://shorturl.at/suz38

48 Riyadh Mohammed, “Corruption, Incoherent Energy Plan, and Poor Management,” Emirates Policy Center, March 21, 2023, https://epc.ae/en/details/featured/corruption-poor-management-and-incoherent-energy-plan-fuel-iraq-s-power-crisis.

49 النائب عامر عبدالجبار إسماعيل (@AmirAIsmael1)، "#دولة_الرئيس"، منشور على منصة أكس، 15 كانون الثاني/يناير 2024، https://x.com/AmerAIsmael1/status/1746786273178665044?s=20

50 بالاستناد إلى بيانات عمليةجمعها باحث مساعد للمؤلّف ومقابلات غير منظمة أجراها في البصرة، أيلول/سبتمبر وتشرين الأول/أكتوبر 2023.

51 "مؤتمر "طريق التنمية" يفشل في تحقيق هدفه وتساؤلات يطرحها مختصون"، العالم الجديد، 27 أيار/مايو 2023، تمّت زيارة الصفحة في 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، https://rb.gy/phithr

52 "ميناء الفاو.. تلكؤ في الإنجاز وفساد في التنفيذ والسلطات تتابع"، المعلومة، 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2022، https://rb.gy/y5f4qr

53بالاستناد إلى بيانات عمليةجمعها باحث مساعد للمؤلّف ومقابلات غير منظمة أجراها في البصرة، أيلول/سبتمبر وتشرين الأول/أكتوبر 2023.

54 "مؤتمر "طريق التنمية" يفشل في تحقيق هدفه وتساؤلات يطرحها مختصون"، العالم الجديد.

55 Timour Azhari, “Iraq Launches $17 billion Road and Rail Project to Link Asia and Europe,” Reuters, May 27, 2023, https://www.reuters.com/world/iraq-launches-17bn-road-rail-project-link-asia-europe-2023-05-27.

56 الناطق باسم الحكومة العراقية، مقابلة مع قناة العراقية الإخبارية، نُشر على يوتيوب، 28 أيار/مايو 2023، تمّت زيارة الصفحة في 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، https://www.youtube.com/watch?app=desktop&v=4MbzZlIE4Gg&t=2s

57"الموازنة العامة الاتحادية لجمهورية العراق"، الوقائع العراقية، العدد 4726، 26 حزيران/يونيو 2023، https://moj.gov.iq/upload/pdf/4726_72.pdf

58محمود النجار، "ميناء الفاو العراقي. إلى متى يعاني من الإهمال والفساد؟"، موقع TRT عربي، 31 كانون الأول/ديسمبر 2020، https://rb.gy/cmmsat

59بالاستناد إلى بيانات عمليةجمعها باحث مساعد للمؤلّف ومقابلات غير منظمة أجراها في البصرة، أيلول/سبتمبر وتشرين الأول/أكتوبر 2023.

60"مسرور بارزاني للوفد التركي: طريق التنمية يجب تنفيذه بموافقة الإقليم"، المسلة، 24 آب/أغسطس 2023، https://almasalah.com/archives/64078

61 حسن وخضّور، "تشكيل الحدود الكردية".

62 Jeff Seldin, “US Hits Back at Iran-Backed Militia in Iraq,” Voice of America, January 4, 2024, https://www.voanews.com/a/us-strike-kills-militia-leader-blamed-for-iraq-attacks-us-official-says/7426636.html.

63 Aaron Boehm, “The ISIS Threat in 2023,” Manara Magazine, February 22, 2023, https://manaramagazine.org/2023/02/the-isis-threat-in-2023.

64 Jana Choukeir, Ahmed Elimam, Robert Harvey, “Iran Seizes Oil Tanker Involved in U.S.-Iran dispute in Gulf of Oman,” Reuters, January 16, 2024, https://www.reuters.com/business/autos-transportation/uk-shipping-authority-receives-report-vessel-boarded-by-armed-persons-off-oman-2024-01-11.

65 Marie Mannes, Jonathan Saul, Lisa Baertlein, “Companies Rush to Avert Disruption From Red Sea Attacks as Shipping Rates Rise,” Reuters, December 20, 2023 https://www.reuters.com/business/retail-consumer/electrolux-readies-alternative-routes-after-red-sea-attacks-2023-12-19.

66 "طريق التنمية.. ما له وما عليه؟ هل هو مخطط أمريكي لقطع خيط الحرير؟"، المعلومة، 27 أيار/مايو 2023، https://rb.gy/h1dcky

67 “Iraq Was Top Target of China’s Belt and Road In 2021—Study,” Reuters, February 2, 2022, https://www.reuters.com/world/china/iraq-was-top-target-chinas-belt-road-2021-study-2022-02-02.

68 مظهر محمد صالح، "الاقتصاد السياسي لاتفاقية إطار التعاون بين العراق والصين"، شبكة الاقتصاديين العراقيين، 5 كانون الأول/ديسمبر 2019، https://iraqieconomists.net/ar/2019/12/05/د-مظهر-محمد-صالح-الاقتصاد-السياسي-لات/

69 Harith Hasan, “Pivot to the East: The Implications of China’s Growing Economic Foothold in Iraq,” Emirates Policy Center, November 3, 2022, https://epc.ae/en/details/featured/pivot-to-the-east-the-implications-of-china-s-growing-economic-foothold-in-iraq.

70 "العصائب: ثورة برلمانية خلال الأيام المقبلة لتفعيل الاتفاقية الصينية"، الساعة، 22 حزيران/يونيو 2023، https://alssaa.com/post/show/16079

71مقابلة أجراها المؤلّف مع مسؤولون عراقي في حكومة الكاظمي، بغداد، 2 نيسان/أبريل 2021. انظر أيضًا:

“Iraq, TotalEnergies Sign Massive Oil, Gas, Renewables Deal,” Reuters, July 10, 2023, https://www.reuters.com/business/energy/iraq-totalenergies-sign-27-bln-deal-energy-projects-2023-07-10.

72 OECD Business and Finance Outlook 2018, Organization for Economic Cooperation and Development (Paris: OECD Publishing), https://doi.org/10.1787/9789264298828-en.

73 “Development Road Project to Help ‘Build Wew World’: Erdoğan,” Daily Sabah, September 19, 2023, https://www.dailysabah.com/business/economy/development-road-project-to-help-build-new-world-erdogan.

74 Turak Asadi, “No Corridor Effective Without Involvement of Türkiye—Foreign Minister,” APA, September 15, 2023, https://apa.az/en/infrastructure/no-corridor-effective-without-involvement-of-turkiye-foreign-minister-411878.

75 Diyar Guldogan, “President Erdoğan Says Turkey Wants to Realize Zengezur Corridor ‘As Soon As Possible,’” Anadolu Agency, September 26, 2023, https://www.aa.com.tr/en/turkiye/president-erdogan-says-turkiye-wants-to-realize-zengezur-corridor-as-soon-as-possible/3001633.

76 “Erdogan Says India-Gulf transport Corridor Won’t Work with Turkey Exclusion,” New Arab, September 12, 2023, https://www.newarab.com/news/turkeys-erdogan-slams-india-gulf-israel-transport-corridor.

77 The White House, “Memorandum of Understanding on the Principles of an India-Middle East-Europe Economic Corridor,” September 9, 2023, https://www.whitehouse.gov/briefing-room/statements-releases/2023/09/09/memorandum-of-understanding-on-the-principles-of-an-india-middle-east-europe-economic-corridor.

78 Adam Samson, “Turkey Floats Alternative to G20’s India-Middle East Trade Corridor Plan,” Financial Times, September 17, 2023, https://www.ft.com/content/0673f928-dec9-48fb-83b3-8b868a9dcbbe; see also Bilgay Duman, “Why Turkey-Iraq Development Road Is the Best Way to Connect Europe and the Middle East,” Middle East Eye, September 18, 2023, https://www.middleeasteye.net/opinion/turkey-iraq-development-road-best-connecting-europe-middle-east.

79 “Iraq Condemns ‘Repeated Turkish Attacks’ After Kurdish Officers Killed,” France 24, September 19, 2023, https://www.france24.com/en/live-news/20230919-iraq-condemns-repeated-turkish-attacks-after-kurdish-officers-killed.

80 Achref Chibani, “Water Politics in the Tigris-Euphrates Basin,” Arab Center, May 30, 2023, https://arabcenterdc.org/resource/water-politics-in-the-tigris-euphrates-basin.

81 Maha El Dahan and Ahmed Rasheed, “Explainer: What Is Stopping the Iraq-Turkey Oil Pipeline Restarting?,” Reuters, October 9, 2023, https://www.reuters.com/business/energy/what-is-stopping-iraq-turkey-oil-pipeline-restarting-2023-10-09.

82 “New UAE–Turkey TIR Trade Route Two-Thirds Faster Than by Sea,” International Road Transport Union, October 20, 2021, https://www.iru.org/news-resources/newsroom/new-uae-turkey-tir-trade-route-two-thirds-faster-sea.

83 Maziar Motamedi, “Iran Says 25-year China Agreement Enters Implementation Stage,” Al Jazeera, January 15, 2022, https://rb.gy/u55m5f.

84 “Chabahar Port Allows Iran to Emerge as Hub for Regional Trade Amid Global Sanction,” Infra.com, July 25, 2022, https://infra.economictimes.indiatimes.com/news/ports-shipping/chabahar-port-allows-iran-to-emerge-as-hub-for-regional-trade-amid-global-sanctions/93098934; see also, Ahmed Shams el-Din Leila and Mutasim Saddiq Abdullah, “The Economic and Strategic Significance of Iranian Ports: Jask Port As a Case Study,” Journal for Iranian Studies 5 issue 13, 2021, https://rasanah-iiis.org/english/wp-content/uploads/sites/2/2021/09/THE-ECONOMIC-AND-STRATEGIC-SIGNIFICANCE-OF-IRANIAN-PORTS-JASK-PORT-AS-A-CASE-STUDY.pdf.

85 Mazia Motamdei, “Why Is the Shalamcheh-Basra Railroad So Important to Iran and Iraq?,” Al Jazeera, September 6, 2023, https://www.aljazeera.com/news/2023/9/6/why-is-the-shalamcheh-basra-railroad-so-important-to-iran-and-iraq.

86 حمزة مصطفى، "السوداني وضع حجر الأساس للربط السككي مع إيران"، الشرق الأوسط، 2 أيلول/سبتمبر 2023، https://aawsat.com/العالم-العربي/المشرق-العربي/4522441-السوداني-وضع-حجر-الأساس-للربط-السككي-مع-إيران

87 بالاستناد إلى بيانات عمليةجمعها باحث مساعد للمؤلّف ومقابلات غير منظمة أجراها في البصرة، أيلول/سبتمبر وتشرين الأول/أكتوبر 2023.

88 "مشروع الربط السككي مع إيران يستفز العراقيين: السوداني يطلق رصاصة الرحمة على الفاو"، العرب، 4 أيلول/سبتمبر 2023، https://www.alarab.co.uk/مشروع-الربط-السككي-مع-إيران-يستفز-العراقيين-السوداني-يطلق-رصاصة-الرحمة-على-الفاو

89 "الحكومة وخبراء اقتصاديون يتحدثون لـIQ عن الربط السككي مع إيران"، IQ News (أخبار العراق)، 2 أيلول/سبتمبر 2023، https://www.iqiraq.news/economy/52430--iq-.html

90 Motamdei, “Why Is the Shalamcheh-Basra Railroad So Important to Iran and Iraq?”

91 مقابلة أجراها المؤلّف عبر الهاتف مع مسؤول عراقي منخرط في شؤون العلاقات الخارجية، 12 شباط/فبراير 2023.

92 "شركات قطرية توقع اتفاقيات مع العراق لتطوير مشروعات قيمتها 9.5 مليارات دولار"، الجزيرة، 18 حزيران/يونيو 2023، https://www.aljazeera.net/ebusiness/2023/6/18/شركات-قطرية-توقع-اتفاقيات-مع-العراق

93 "الكويت: استئناف أعمال إنجاز ميناء مبارك الكبير"، أرقام، 21 تموز/يوليو 2023، https://www.argaam.com/ar/article/articledetail/id/1660159

94 بدر السيف، "توسيع نطاق المفاوضات خطوة فعالة لتسوية الخلاف البحري بين الكويت والعراق"، مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط، 12 نيسان/أبريل 2021، https://carnegie-mec.org/2021/04/12/ar-pub-84272



ذات صلة

لماذا نبني وكيف نبني وماذا نبني؟من عرفات الى الكوفة: المسافة بين الأرض الى السماءمحكمة العدل الدولية وجرائم الحرب في فلسطينالخوف المحمود وأقسامه ودرجاتهالاصلاح نهج الانبياء