مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية

مقاربة نقدية

د. علي أسعد وطفة

2023-06-19 05:49

" أيّها الأثينيّون لقد حكمتم عليّ بالإعدام وهذا لا يحزنني بل يُسعدني لأنني انتصرت على أعدائي. أفضل أن أموت حراً على أن أعيش عبداً...". سقراط

1- مقدمة:

يطرح التفكير في واقع الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية منظومة معقدة من القضايا والإشكاليات التي تأخذ طابع التنوع بأبعادها الفكرية والاجتماعية. ففي أحضان الجامعات نمت الحركات الديمقراطية، وتفتق العقل البشري عن طاقاته الإبداعية في مختلف الميادين والاتجاهات. وهذا هو المنطلق الذي دفع عددا كبيرا من الباحثين والمفكرين إلى الاعتقاد بأن مستوى تطور مجتمع ما مرهون إلى حد كبير بمستوى تطور جامعاته. وتلك هي الحقيقة التي انطلق منها بعض المفكرين لتفسير حتى الانتصارات والهزائم العسكرية لبلدانهم. ألم يعلن الكاتب المشهور الفرنسي أرنست رينان، في أعقاب الحرب الطاحنة التي دارت رحاها بين فرنسا وألمانيا في عام 1870، والتي انتصر فيها الألمان بأن " الجامعات الألمانية هي التي انتصرت(1).

أولم ينادي أيضا الفيلسوف الألماني فيخته بعد هزيمة ألمانيا عام 1806 أمام جيوش نابليون إلى إصلاح التعليم والتربية لإنقاذ البلاد. ألم تدعو الولايات المتحدة الأمريكية وبلدان أوروبا الغربية إلى إصلاح التعليم بعد إطلاق الاتحاد السوفييتي السابق لقمره الصناعي الأول سبوتنيك عام 1957. فالجامعات كانت ومازالت تشكل معقل الفكر الحر ومنطلق التجديد والابتكار في مختلف ميادين الوجود الاجتماعي، وقد ارتبط تاريخ هذه الجامعات بتاريخ نماء الفكر الديمقراطي بكل ما ينطوي عليه هذا الفكر من أصالة وقيمة إنسانية.

كانت الجامعات عبر تاريخها الطويل موطنا للحرية وحاضنا طبيعيا للقيم الديمقراطية، وهي في سياق هذه الوضعية كانت مصدر إشعاع حضاري وينبوعا للقيم الديمقراطية ومستنبتا لهذه القيم في البيئة الاجتماعية التي وجدت فيه.

وإذا كان نماء الفكر الديمقراطي رهينا بتطور الأبعاد الديمقراطية للحياة الاجتماعية بصورة عامة فإن الجامعات كانت ومازالت تشكل الحلقات الأكثر أهمية وخصوصية في عملية هذا النماء، فالعلم لا ينمو إلا بالإبداع والابتكار، وبالتالي فإن قيم الحرية والديمقراطية هي البوتقة التي تتشكل في معارجها أسس الإبداع والتجديد والابتكار. ومن هنا فإن الجامعة كمؤسسة علمية لا يمكنها أن تؤدي دورها التاريخي إلا في أجواء الحرية والمعاني الديمقراطية. فالجامعة كما يشهد تاريخها الطويل كانت المرآة الأولى التي ترتسم فيها أبجديات الإبداع والحرية في المجتمع الذي يحتضنها، ويتأسس على ذلك بالضرورة أن الفكر الديمقراطي بكل ما ينطوي عليه من قيم وعطاءات يجد نفسه في أحضان المؤسسات الأكاديمية العليا أولا، ومن ثم تبدأ دورته الاجتماعي ليأخذ أبعاده في مدار الحياة الاجتماعية بمختلف مؤسساتها وحلقاتها.

والجامعة في هذا السياق، كما تؤكد أدبيات علم الاجتماع - لا يمكن أن تؤدي وظائفها إلا على نحو متكامل وفي نسق روح واحدة وهوية موحدة. وهي على هذا الأساس التكاملي لا يمكنها أن تكون مؤسسة علمية ما لم تكن مؤسسة ديمقراطية، ولا يمكنها أن تمارس دورا اجتماعيا حضاريا ما لم تؤد وظيفتها العلمية والديمقراطية. وهذه الرؤية الموضوعية لدور الجامعة ووظائفها التي تتمثل في العلم والديمقراطية تطرح قضية إشكالية معاصرة تتعلق بدور الجامعة ووظيفتها.

فالجامعة نسيج من العلاقات الاجتماعية والثقافية التي تقوم بين مكونات وجودها، ويمكن للعلاقات الاجتماعية أن تأخذ اتجاهين مختلفين، فهي إما أن تكون علاقات عمودية، وإما أن تكون علاقات أفقية، وبتعبير آخر إما أن تأخذ هذه العلاقات اتجاها يتميز بالمرونة أو طابعا يتصف بالتصلب. وهذا يعني أن هذه العلاقات قد تأخذ صورة علاقات ديمقراطية أو علاقات تسلط تتميز بطابع التصلب والجمود. ويتأسس على ذلك أن غياب العلاقات الديمقراطية في الجامعة يفسح المجال لنماء علاقات التسلط والاستبداد، وعلى خلاف ذلك فإن غياب علاقات التسلط والإكراه يعني بالضرورة حضور القيم الديمقراطية في الجامعة.

إن دراسة أبعاد الحياة الديمقراطية والحريات الأكاديمية الجامعية تشكل منطلقا حيويا لدراسة الروح الداخلية للجامعة. فالأداء الديمقراطي للجامعة يشكل في نهاية الأمر الدورة الدموية للحياة في الجامعة، كما يمثل في الوقت نفسه صورة مصغرة للحياة الديمقراطية في المجتمع بصورة عامة، وذلك انطلاقا من أهمية العلاقات الوشيجة بين الجامعة والمجتمع، فالمجتمع يشكل الإطار العام لدورة الحياة الجامعية وهي تمثل الصورة المستقبلية التي سيكون عليه هذا المجتمع في معارج نمائه وتطوره الداخلي.

وإذا كانت الجامعات الغربية قد أدت دورها وتكونت لديها تقاليد علمية وديمقراطية راسخة، فإن الجامعات العربية مدعوة لأداء دور تاريخي بالغ الأهمية والخطورة في مجتمعات مازالت فيها قيم التعصب والقبلية والعشائرية والطائفية تسود وتنخر عظام الوجود الاجتماعي.

فالقيم السابقة لوجود المجتمع المدني والمناهضة له تستشري في أوصال الثقافة العربية وهذا يفرض على الجامعة أن تؤدي دورا حضاريا بالغ الأهمية والخطورة. وفي هذه الدائرة تبرز أهمية الوظيفة الديمقراطية للجامعة وتنهض ضرورتها التاريخية، ومن هذا المنطلق تأتي أهمية الدراسة الحالية التي تحاول أن تستجلي معالم هذه الوظيفة في التعليم الجامعي العربي بصورة عامة.

فالمسألة الديمقراطية في التربية تشكل اليوم جوهر المشروع التربوي للنهضة العربية، وهي بالتالي تشكل منطلق الطموحات العربية نحو مجتمع تغمره عطاءات الحياة الإنسانية الديمقراطية. إذ لم يعد دور الجامعة في إطار المجتمع المعاصر تقديم معرفة أو ثقافة إنسانية عامة وشاملة وتلقين هذه المعرفة كفاية بذاتها، بل أصبح هذا الدور معنيا بأداء مهمات جديدة تستجيب لحاجات متجددة أبرزها بناء الخصائص الحضارية للإنسان الذي يمكنه أن يتجاوب مع طابع تطور الحياة على نحو يأخذ فيه الذكاء الاجتماعي أهمية متزايدة ومتنامية. وهذا يعني أن المهمة الأساسية للجامعة والمؤسسات التربوية بصورة عامة تتمحور حول بناء الإنسان المواطن الذي يستطيع أن يتجاوب مع معطيات الحضارة وقيمها المتجددة.

وفي هذا السياق تتبدى الضرورة التاريخية اليوم لدراسة وتحليل وضعية الجامعات العربية وتقصي دورها الحضاري في تعزيز الوجود الديمقراطي للشعوب العربية في مختلف أقطارها. فالمجتمعات العربية تعاني اليوم من حالة قهر حضاري يتمثل في غياب القيم الديمقراطية وهيمنة القيم السابقة لوجود المجتمع المدني، ولا سيما قيم التعصب والقبلية والطائفية السياسية والدينية، كما تعاني هذه المجتمعات من انحدار الوعي الديمقراطي وقيمه في مختلف تقاطعات الزمان والمكان والصيرورة. وهذه الوضعية المقهورة تقتضي من الجامعات بوصفها مؤسسات العلم والديمقراطية أداء دور تاريخي متزايد ومتعاظم في اتجاه بناء المجتمعات العربية على أسس ديمقراطية في مواجهة المدّ العنصري الخانق لقيم التسلط والإكراه.

وانطلاقا من هذه الرؤية والإقرار بهذه الوضعية التاريخية للجامعات العربية تتبدى الضرورة التاريخية اليوم لدراسة طبيعة التفاعلات الداخلية لهذه الجامعة وتحديد دورها الديمقراطي في تأكيد ذاتها ووجودها. وسعيا نحو هذا الهدف تأتي هذه الدراسة الراصدة للأداء الديمقراطي الداخلي للجامعات العربية لتستجوب مجموعة من الرؤى المنهجية ومنظومة من التساؤلات العلمية حول دور الجامعات وأدائها وفعالياتها الديمقراطية. ونحن في مساعينا هذه نحو تقديم صورة علمية لواقع التفاعلات والفعاليات الديمقراطية في الجامعات العربية نريد أن نحدد وقع الأدوار الجديدة التي يمكن أن تؤديها هذه الجامعات في خدمة قضايا الحق والعدالة والإنسان، وهي قضايا تصب في صلب النماء الحضاري للمجتمعات العربية المعاصرة.

2- مفهوم الحرية الأكاديمية:

شغلت قضية الحريات الأكاديمية علماء الاجتماع على اختلاف مذاهبهم وتياراتهم. وتعد مشكلة الحرية الأكاديمية Academic Freedomمن القضايا الأساسية التي عالجها ماكس فيبر بمزيد من الاهتمام، حيث يعتقد بأن مختلف المشكلات والقضايا الجامعية ترتبط بها جوهريا. وهذا يعني أن الحرية الأكاديمية تشكل عمق الحياة الجامعية وجوهرها بكل ما تنطوي عليه هذه الحياة وهذه الوظائف من اعتبارات اجتماعية وإنسانية وقيمية(2). وقد وصف فيبر طبيعة الحياة الأكاديمية " بأنها تعكس جوهر المشكلة الثقافية والفكرية التي توضح العلاقة بين النظام التعليمي في ألمانيا وخاصة نظام التعليم الجامعي(3).

يعد مفهوم الحرية الأكاديمية من المفاهيم الإشكالية التي تنطوي على نسق معقد من الأفكار والاتجاهات المختلفة. ويتجسد البعد الإشكالي لهذا المفهوم ما وصل إليه رؤساء خمسة وعشرين جامعة أمريكية في اجتماعهم الشهير في فبراير عام 1953 لمناقشة الحرية الأكاديمية، إذ حسبما تقول شريكر: "كانوا كلما أمعنوا في مناقشة المسألة، ازدادت غموضا(4).

وفي خضم هذا التنوع الكبير في دلالات المفهوم، يوجد إجماع على أن مفهوم الحرية الأكاديمية بمعنى حرية التعليم والتعلم، انطلق من ألمانيا، مع إنشاء جامعة برلين عام 1810، بإشراف الفيلسوف الألماني الشهير يوهان غوتليب فيخته Fichte Gottlieb Johan،، ومن ثم شهد هذا المفهوم نماءه وتطوره في ظل الجامعات الأمريكية وفي أروقتها(5).

ومع ذلك يمكن أن نتلمس ظلال هذا المفهوم في الجامعات الغربية في العصور الوسطى. حيث كان المفهوم يشير إلى أمرين هما: اعتراف السلطة الدينية أو المدنية بالاستقلال الذاتي للجامعة والحقوق الخاصة والامتيازات التي يتمتع بها الأساتذة والطلبة في الجامعة، مثل: حرية السفر والتنقل الآمن، ومحاكمة الخارجين على قوانين الجامعة وأنظمتها، وحق الجامعة في وقف التدريس فيها أو نقل مكانها عند تعرضها للخطر، وقد شملت هذه الحقوق إعفاء ممتلكات الأساتذة والطلبة من الضرائب وإعفائهم من الخدمة العسكرية. وبموجب هذا الاستقلال الذاتي تمتعت الجامعة بحرية تنظيم إدارتها الذاتية فيما يتعلق بكلياتها وإداراتها وتحديد شروط العضوية في هيئتها التدريسية. وكانت المراسيم البابوية والمواثيق الملكية في أوروبا تؤكد هذا الاستقلال الذاتي للجامعات التابعة للكنائس والأديرة والممالك (6).

ولم تقف الحرية الأكاديمية عند حدود أعضاء الهيئة التدريسية بل شملت الطلاب أيضا، وتعني الحرية الأكاديمية للطلاب حقهم في الحصول على التعليم الذي يناسبهم، وحقهم في بناء تصوراتهم والتعبير عن آرائهم ومعتقداتهم بحرية وجرأة دون ضغوط أو إكراهات خارجية. ويركز التراث الجامعي الألماني على ازدواجية مفهوم الحرية الأكاديمية، فهناك الحرية التي تخص الأساتذة ويعكس ما يسمى بحرية التعليم، والآخر يخص الطلاب ويسمى حرية التعلم. وتؤكد المقولات الألمانية في هذا السياق على أهمية حرية التعلم عند الطلاب وأن هذه الحرية لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال حرية التعليم أي حرية أساتذة الجامعة. وهذا يعني أن حرية الطالب رهينة بحرية الأستاذ في التعليم. فحرية التعلم تعني حقوق الطالب في الالتحاق بالجامعة، وحرية اختيار الفروع التي يرغبها وهو المطلب الأول، أما المطلب الثاني فهو حرية الطلاب في الاعتراض والمناقشة والخروج على آراء الغير(7).

وكان أبرز من بشر بالنجاح الثاني للحرية الأكاديمية، أي لحرية الطلاب هو جارلس ايليوت C.W.ELIOT الذي استمرت ولايته لجامعة هارفارد أربعين عاما من (1909-1869) حيث أكد ضرورة ممارسة الطالب لحريته في التعليم والبحث واختيار المنهج والأستاذ المعلم (8). " وقد بدأ بعض أعلام التعليم الجامعي في الغرب عامة وفي الولايات المتحدة خاصة منذ أواخر القرن الماضي يتنبهون إلى أن الحرية الأكاديمية للجامعة ينبغي أن تمتد مظلتها لتشمل الطلاب كذلك، فبرز ما سمي بنظام الاختيار للمقررات الذي سارعت جامعات عربية إلى اقتباسه منذ أواسط السبعينات(9).

إن البحث في جوهر مفهوم الحريات الأكاديمية يؤكد وجود منظومة من المفاهيم والقيم الداخلية لهذا المفهوم. ومن هنا يذهب بعض المفكرين إلى التمييز بين جوانب هذه الحرية حيث يتم النظر إلى ثلاثة جوانب أساسية في منظومة الحريات الأكاديمية وهي: الجانب الأول ويعبر عن حرية العلم والبحث العلمي. أما الجانب الثاني فيجسد حرية الأفراد المشتغلين بالعلم والبحث العلمي ويشمل حقوق وواجبات مهنة العمل الأكاديمي. أما الجانب الثالث فيرمز إلى الحرية الداخلية للجامعات والمؤسسات الجامعية العليا (10).

وبعض الباحثين يؤكدون على جوانب محددة في مفهوم الحريات الأكاديمية ويبرزون عناصر الحرية يتنوع تجلياتها ووفقا لهذا المنظور فإن الحرية الجامعية تتمثل في ثلاثة مستويات كما يرى أحد المفكرين وهي:

1- حرية الرأي العلمي بالقول

2-حرية الرأي العلمي بالفعل

3-حرية الرأي العلمي بالتحريض والإثارة كما هو حاصل في مجال التعليم والخطابة والكتابة…(11).

وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى التعريف الإجرائي الذي ينظمه جون ديكنسون للحرية الأكاديمية فالحرية الأكاديمية تتكون من أربعة عناصر يمكن قياسها والتأكد من تحققها على أرض الواقع. هذه العناصر هي:

- الاستقلال الداخلي للمؤسسات الجامعية والبحثية: فالاستقلالية الداخلية للجامعة هي العنصر الأول من عناصر الحرية الأكاديمية.

- تنوع وتعدد مصادر تمويل الجامعات بما في ذلك تعدد تمويل البحوث الأساسية والتطبيقية

- التأكيد على الأمن الوظيفي للباحثين والأكاديميين.

وجود هيئة أو جمعية مهنية تتولى تمثيل الباحثين والأكاديميين وتدافع عن مصالحهم بصورة فردية أو جماعية. (12)

وإذا كانت الحرية الأكاديمية تعني صورة من صور الحرية الفكرية والحرية …وإذا كانت أيضا تنطوي على رفض لكل أشكال الإكراه والتقييد على البحث والتدريس داخل المؤسسات الجامعية والعلمية والبحثية، " فإن هدفها الأعم الارتقاء بواقع العطاء العلمي وإزالة كافة أشكال المعوقات التي تحد من النشاط العلمي والبحثي الحر وتحد من انتشار العلم والتفكير العلمي وتغلغلهما في الحياة" (13).

ويؤكد أغلب الباحثين المشتغلين بقضايا الحرية الأكاديمية أن مفهوم الحرية الأكاديمية يرتبط ارتباطا وثيقا بالحريات السياسية السائدة في المجتمع ويرتهن بها. فالحرية الأكاديمية، كما يعتقد أغلب المفكرين شديدة الارتباط بالبيئة الاجتماعية والسياسية التي تحدد مستوى تطور هذه الحرية وطابعها. " فالمعطيات والظروف الاجتماعية والسياسية هي التي تتحكم في وجود أو غياب الحرية الأكاديمية والأشكال الأخرى من الحريات والحقوق، خاصة في مجال التطبيق والممارسة" (14).

ويمكن في هذا السياق تحديد مظاهر الحرية الأكاديمية في عدد من الجوانب الإجرائية وهي (15):1- اختيار الإداريين الأكاديميين في الجامعة وفي مختلف كلياتها وأقسامها. 2- اختيار أعضاء هيئة التدريس.3- اختيار الطلاب 4- اختيار المقررات ونظام التقويم 5- المشاركة في وضع اللوائح المنظمة للعم الجامعي6- حرية التعبير عن الرأي في القضايا المجتمعية العامة.

وفي مجرى الحديث عن الحريات الأكاديمية في الجامعة والمؤسسات العلمية فإن كثيرا من الباحثين يلجمون هذا المفهوم بمبدأ المسؤولية والالتزام إلى حد يكاد يفقد فيه مفهوم الحرية الأكاديمية معناه وجوهره الحقيقي. ومن هذه الزاوية يؤكد كثير من الباحثين والمفكرين على ثانوية القيد والالتزام تأكيدا منهم على جوهر وأهمية المفهوم وحرصا على معانيه التاريخية ومن هذا المنطلق يقول عبد الخالق عبد الله "إن الإقرار بمبدأ المسؤولية والالتزام في مجال العمل العلمي والأكاديمي لا يعني مطلقا التسليم بالقيود على الحريات الأكاديمية، فالحريات الأكاديمية تظل هي القاعدة، أما القيود، بما في ذلك القيود الذاتية والداخلية، فهي باستمرار الاستثناء، بل إن الحرية الأكاديمية ليست سوى السعي من أجل التقليل إلى أقصى حد من القيود المفروضة على نشاط الأكاديميين والباحثين والمشتغلين بالعلم" (16). إن الحرية الأكاديمية، و مهما تباينت الآراء حول تحديد مفهومها و أبعادها، تقوم على سلطان العلم و لا يبرر إلا به وفي حدوده، بحيث أن كل تحول في طبيعة هذا السلطان يؤول إلى زيغ عن الحرية الأكاديمية و انقلاب عليها، فينزلق بها إلى مستوى التغييرات التي تجعلها تسخر لخدمة التصورات الأيديولوجيا و المصالح الفئوية والحزبية(17).

لقد أصبحت الحرية الأكاديمية بوصفها المنطلق الحقيقي لاكتشاف الحقيقية العلمية، مسلمة من المسلمات الحياتية والفكرية في المجتمعات الغربية وفي أكثر بلدان العالم المتحضر وهي قضية تجاوزت حدود الاختلاف والجدل في هذه البلدان. ولكن هذا المفهوم مازال يخوض غمار ولادة مريرة وآثمة في أغلب البلدان العربية. فالأنظمة السياسية ترفض مضامين هذا المفهوم وتصنفه بين المفاهيم الخطرة التي يجب أن تحارب. وبعض المفكرين العرب يخوضون غمار تجربة شاقة ومريرة لتأكيد الحضور الخلاق لهذا المفهوم الذي يبرر شرعية البحث عن المعرفة والحقيقية وتأكيد العلم والتفكير العلمي الحر في الحياة والمؤسسات الجامعية.

3- الحريات الأكاديمية والإبداع العلمي والمعرفي:

يعلن الفيلسوف الشهير برتراند رسل عن وحدة الإبداع والحرية كما يؤكد وضعية التلازم الحيوي بين الحرية الأكاديمية والابتكار إذ يقول بلغة بليغة ومقنعة بأن الأكاديمي: " شأنه شأن الفيلسوف والفنان ورجال الأدب، لا يمكنه القيام بعمله بكيفية مرضية إلا إذا شعر بأنه موجه من قبل دوافعه الداخلية الخلاقة، وأنه ليس مهيمن عليه من طرف سلطة خارجية " (18).

يقول أسامة عبد الرحمن في هذا الخصوص مؤكدا على العلاقة الجوهرية بين الإبداع والحريات الأكاديمية " إن الحرية الأكاديمية والمناخ الملائم للبحث والإبداع لا يصدران بقانون أو نظام، ولكنهما محصلة قيم اجتماعية وسياسية وثقافية راسخة الجذور، ولا يمكن في ظل التقوقع وعدم الشعور بالأمان أن يكون هناك بحث علمي حقيقي وإن رصدت الملايين باسم البحث العلمي (…) لأن العلماء هم نتاج وثمرة الجو الفكري الحر ومثل هذا الجو غير متوافر في واقع الحياة العربية الراهنة. فإذا نبغ عالم بين ظهرانينا فإن ذلك يكون في العادة بالرغم من الظروف المحيطة به وليس بفضلها (19).

لقد أجمع أهل الفكر والفلسفة عبر التاريخ أن العقل والعبودية لا يجتمعان، وأن العقل توأم الحرية فحيثما يوجد أحدهما يزدهر الآخر، كما يمتنع حضور أحدهما دون الآخر. وانطلاقا من هذه الحقيقة حاول الطغاة عبر مراحل التاريخ الإنساني استئصال شأفة التفكير والإبداع في كل مكان وزمان. فالمفكرون يجمعون على هذه الحقيقة التي تتمثل في أهمية العلاقة بين الإبداع والحرية ويؤكدون على تلازم هذين الحدين في مختلف مراحل تطور المجتمعات الإنسانية. وهذا التلازم المشهود بين الحرية والعطاء العلمي مشهود له في تجربة الحضارات الإنسانية، فأغلب الحضارات المتقدمة في التاريخ كانت وليدة أجواء الحرية والديموقراطية في مستويات مختلفة. وقد تتجلى هذه الحريات في أنظمة للعدالة الاجتماعية تغطي جوانب الحياة الاجتماعية. وهذا ما تسجله الحضارات المتقدمة كالحضارة الإغريقية والحضارة العربية الإسلامية في عهود ازدهارها.

ويؤكد محمد جواد رضا هذه الحقيقة عندما يتحرى منطق الحضارة العربية وأسس نهضتها فيقول " استطاع المجتمع العربي الإسلامي في عصر المأمون – بمقياس نسبي- تحقيق مبدأين اجتماعيين كانا سبب ازدهاره، مبدأ العقلانية Rationalisme في فهم الكون والتعامل معه وتقرير موقع الإنسان فيه، ومبدأ العدل الاجتماعي La justice. فلم مضى المأمون وأفل نجم عصره ووقع العدوان على هذين المبدأين كان ما نعرفه جميعا من سقوط حضارة العرب سياسيا وخروجهم من مركز دائرة الفعل في حركة التاريخ إلى " محيط " الانفعال (20).

" إن العلاقة بين الإبداع العلمي والحرية وثيقة "فالإبداع عطاء خيال حر وعقل تنفتح له الآفاق، وإرادة تمتلك الاختيار، ولذلك كثيرا ما يخرج الإبداع من رحم الحرية، وينمو في ظلها، فالطاقات المبدعة "لا يمكن أن تستنبت في أجواء القمع والإرهاب، والاستبداد السياسي والظلم الاجتماعي وغياب الحرية وحقوق الإنسان(21).

وفي مستوى المؤسسات التربوية كما هو الحال في مستوى المجتمع تلعب الحرية دورها التاريخي فالحريات الأكاديمية في الجامعة والأجواء الديمقراطية هي الرهان التاريخي لتطور العلم والمعرفة والإنسان المبدع الحر. إن الإبداع في مجال التعليم يعتمد على الحرية، فقد أظهر تقرير أعدته لجنة تطوير المناهج الأمريكية، أن من العوامل التي تعيق الإبداع في المدرسة الامتثال للأوامر والتركيز المبالغ فيه على السلطة وإهمال التلاميذ داخل الغرف الصفية وتركيز الإدارة على القواعد والقوانين والتعليمات وإهمالها للطلاب كأفراد(22).

وقد سجلت هذه الحقيقة جوهر وجودها في أعمال كبار المفكرين والفلاسفة أمثال روسو وديوي وكانط وبستالوتزي وغيرهم، فالحرية في عرف كانط وفي نهاية كل أمر هي المبتدأ والخبر في العملية التربوية(23). وهي تتجلى صنّوا للعقل في منظور المفكر العربي عبد الرحمن الكواكبي وهذه هي الحقيقة التي عاش ومات من أجلها(24). فالحرية كما يراها الكواكبي هي الشيء الذي يحقق معنى الحياة الإنسانية، حيث يقول " الحرية أعز شيء على الإنسان إذ بفقدها نفقد الآمال، وتموت النفوس، وتتعطل الشرائع وتختل القوانين فالحرية هي أن يكون الإنسان مختارا في قوله وفعلة لا يعترضه مانع ظالم(25). فالديمقراطية " لم تعد ترفا ثقافيا أو موضوعيا يهم المثقفين، بل هي ضرورة حيوية لنهضة الأمة والخروج بها من أزمتها(26).

يؤكد عبد الخالق عبد الله على الضرورة التاريخية لمطالب الحرية الأكاديمية في الوطن العربي إذ يقول:" إن الحرية الأكاديمية هي مطلب مهم من مطالب استمرار المشتغلين بالعلم والبحث والتدريس الجامعي في نشاطهم بمأمن من أي نوع من أنواع الإزعاج من قبل السلطات أو الزملاء أو المؤسسات أو المجتمع ككل. من حق هؤلاء ممارسة نشاطهم في البحث والتدريس دون قيود، ما عدا قيود ضمير وفكر وحس العالم والباحث نفسه، كما أن من حقهم التعبير عن آرائهم ولإعلان عن نتائج بحوثهم وتأملاتهم مهما كانت غير تقليدية وغير شائعة، بل حتى لو تعارضت مع التصورات والقناعات السائدة دون أن يتعرض أحدهم للعقاب أو الإساءة ودون أن يؤدي ذلك إلى فقدانه لوظيفته في المؤسسات الجامعية والبحثية(27). وفي هذا الخصوص أيضا يقول سعيد إسماعيل علي "ليست الحرية الأكاديمية بالنسبة للتعليم الجامعي حلية يتزين بها وليست ترفا يريد به الأساتذة أن يستكملوا به مظاهر(تميز) و(انفراد)، وإنما تقوم على مجموعة من الأسس التي تجعل منها ضرورة وحتمية اجتماعية ووجوبا دينيا وفريضة فلسفية"(28). وتتضح هذه الحقيقية فيما تذهب إليه جوستين بي ثورنز إذ تقول: "الحرية الأكاديمية ليست ميزة للأقلية بل هي لتمكين أعضاء المجتمع الأكاديمي من تنفيذ وتحقيق مهمتهم العلمية (29). وتلح ثرورنز على أهمية الدفاع عن هذه الحقوق كضرورة تاريخية حيث تقول: " إن الدفاع عن الحريات الأكاديمية يعد ضروريا في المجتمعات السلطوية كما هو ضروري في المجتمعات الحرة والديمقراطية. إن الحرية الأكاديمية ليست حقا فحسب بل هي واجب مفروض على المجتمع الذي ينتمي إليه الأفراد (30).

ويؤكد تالكوت بارسونز في هذا الصدد أن الحرية الأكاديمية ليست مجرد حقوق طبيعة وإنسانية أو نظامية فحسب، بل هي فوق ذلك حقوق أساسية تكفل لأساتذة الجامعات أهم مظاهر المساواة الاجتماعية التي تجسد جوهر الحقوق الليبرالية الطبيعية، وتكفل تحقيق مفهوم الحرية بكل معانيها. وهذا يعني أن الحرية الأكاديمية تعطي الجامعات مزيدا من العمل والكفاية والإنجاز (...) ولا يستطيع أساتذة الجامعات القيام بمهامهم الوظيفية والمهنية دون تحقيق الحرية الأكاديمية التامة(31).

4- التقاليد الأكاديمية في الجامعات العربية:

ينوه فؤاد زكريا في كتابه التفكير العلمي إلى غياب التقاليد العلمية الديمقراطية والجامعية في الوطن العربي، وهو في هذا السياق إذ يقارن بين العالم المتقدم وعالمنا المتخلف فيما يتعلق بالتراث العلمي ينتهي إلى القول " في الوقت الذي افلح فيه العالم المتقدم في تكوين تراث علمي راسخ امتد في العصر الحديث طوال أربعة قرون وأصبح يمثل في حياة هذه المجتمعات اتجاها ثابتا يستحيل العدول عنه أو الرجوع فيه، في هذا الوقت ذاته يخوض المفكرون في عالمنا العربي معركة ضارية في سبيل إقرار أبسط مبادئ التفكير العلمي(32)." ففي الوقت الذي خلق فيه الغرب جامعة عصرية وزودها بالاحترام، المتمثل موضوعيا في استقلالية الجامعة وحرية الأستاذ الجامعي، فإننا نحن هنا، أخذنا النظام التعليمي والمناهج التعليمية عن الغرب، ولكن أهملنا أن نأخذ معها الاعتبار الذي يعطى للعلم والعلماء والمواقف الإيجابية منهم. فقافلتنا تسير سيرا أعمى دون توقف. ومساهمتنا التاريخية في بناء الجامعة العصرية هو إحداثنا تنظيما من البوليس " البوليس الأكاديمي" ومهمة هذا البوليس هو مراقبة الطلبة والأكاديميين ومنعهم من التعبير عن أفكارهم في القضايا الاجتماعية(33).

نشأ الجيل الأول من الجامعات العربية الحديثة في ظل الهيمنة الاستعمارية ولا سيما هذه التي نشأت في مصر وسوريا ولبنان وتونس الجزائر والمغرب وقد حملت تحت تأثير نشأتها هذه سمات وخصائص الجامعات الغربية بمناهجها وأساليب عملها وتوجهاتها الأيديولوجية. ومن ثم تنامت هذه الجامعات وتوالدت في مرحلة الاستقلال على منوال الصورة التي بدأت بها. وفي هذا السياق يصف محمد جواد رضا نشأة هذه الجامعات في ظل الهيمنة الأجنبية بقوله: " " ليس بيننا من يماري بأن الجامعة العربية المعاصرة – أي جامعة – هي استعارة ثقافية من الغرب، وقد صيغت على غرار جامعات الغرب بدءا من المناهج الدراسية وطرائق البحث والتدريس وانتهاء بالطيلسان (الروب) والقبعة والوشاح. ومن هنا كان أحد مصادر الأزمات المزمنة في الحياة الجامعية العربية مطالبتها بتكييف نفسها للخصائص الثقافية الموروثة في المجتمع العربي(34).

ويقول نادر فرجاني في هذا الخصوص " إن غالبية مؤسسات التعليم العالي الحديثة قامت في كنف المستعمر الأوروبي، كنسخ من مؤسساته، خدمة التحديث، في منظوره. فقد كانت هذه المؤسسات وسيلة لطبع المجتمعات العربية بثقافة المستعمر، من ثم تحولت إلى ساحة صراع مع العناصر الوطنية (35). ويضيف بأن " ثلاثة أرباع الجامعات العربية أنشئت في الربع الأخير من القرن، ولا يتعدى عمر غالبيتها (75 بالمئة) الخمسة عشر عاما ‎(36).

ومن ينظر في طبيعة الجامعات العربية سيجد بأن هذه الجامعات ما زالت بصورة عامة حديثة العهد ولم تتبلور فيها التقاليد الجامعية المعروفة وأن هذه الجامعات لم تأت تعبيرا عن طبيعة التطور التاريخي للمجتمعات العربية التي تعاني من التخلف والتبعية والتجزئة بل جاءت تعبيرا عن مد استعماري من جهة وتعبيرا عن توجهات سياسية عربية جعلت من الجامعة حاملا لأيديولوجيات سياسية متنوعة.

وتأسيسا على هذه الحقيقة يرى عدد من المفكرين العرب أن الجامعات العربية هي ظواهر جامعية أكثر منها جامعات حقيقية، وذلك لأسباب تتعلق بنشأتها وبحداثة وجودها وأبعادها السياسية ووظائفها وأدائها العلمي والديمقراطي. يقول عبد الخالق عبد الله مؤكدا هذه الحقيقية في الخليج:" جامعة الإمارات، وربما معظم الجامعات الخليجية الأخرى، هي جامعات في طور التشكيل والصيرورة، وهي أقرب إلى " الظاهرة الجامعية " (37).

إذا كان الشيء يعرف بوظيفته، فإن الجامعات العربية بصورة نسبية لم تؤد وظيفتيها الأساسيتين في مستوى الإبداع العلمي والمعرفي وفي مستوى ممارسة دورها الديمقراطي. ومن هنا يصر كثير من المفكرين العرب على وصف الجامعات العربية بالظاهرة الجامعية. فالجامعات العربية " لم تعد أكثر من مؤسسات لتخرج الموظفين، الذين " لا يستطيعون سوى التنفيذ لا التفكير(38). وهذا يعني أن الجامعات العربية أصبحت مؤسسات لإنتاج الموظفين والعاملين في خدمة الدولة، وهذه الوظيفة هي أدنى مستويات العمل الجامعي. فالجامعات وعلى خلاف ذلك معنية بالاكتشاف والإبداع وبناء المعرفة العلمية وإحداث تغيرات عميقة وجوهرية في بنية الحياة الاجتماعية العربية بصورة عامة.

لقد جاءت عملية تسييس الجامعات العربية كجزء من المد الثوري الذي اجتاح الوطن العربي منذ بداية الستينات. فالعوامل السياسية هي القاسم المشترك لتأسيس أغلب الجامعات العربية. ومع فإن الدوافع السياسية مهما يكن شأنها يمكن أن تكون إيجابية وذلك عندما يكون الهدف بناء جامعات حرة حقيقية تعنى بالحقيقة العلمية وتؤدي دورها الديمقراطي والاجتماعي وتأخذ بأسباب الوظائف الجامعية الحقيقية.

ومع ذلك يمكن القول بأن الجامعات العربية تكونت لتكون مؤسسات حكومية تدعو إلى تعزيز وجود الفئات الحاكمة ولتكرس أيديولوجيا السلطات المتعاقبة ولتعمل على تكريس ثقافة غير ديمقراطية قائمة على أساس التسلط والاستلاب. وبعبارة واحدة الجامعات العربية ليست جامعات بالمعنى المحدد للكلمة إذا أخذنا بعين الاعتبار الدور والوظائف التي تؤديها داخليا وخارجيا. لقد تحولت هذه الجامعات على حد تعبير محمد جواد رضا إلى مؤسسات بيروقراطية تخاف الحرية، وتخشى التجديد وتتطير منه(39).

لقد تطورت جامعاتنا بتأثير الفعل السياسي أي وفقا للقرارات السياسية بإنشائها، وغالبا ما يحدث أن الأنظمة السياسية تقرر وجود هذه الجامعات ليس وفقا لمبدأ الحاجة إليها، ولكن من أجل غايات أخرى أبرزها إرضاء الرأي العام، وتحقيق سياسة القبول الجامعية، وبالتالي فإن ديناميات هذه الجامعات تأخذ بعدا سياسيا، فالسياسة هي التي تحدد أبعاد وحدود واتجاهات هذه الجامعات، وذلك غالبا ما يتم بطريقة ساذجة وعفوية وارتجالية في أغلب الأحيان.

ووفقا لمقومات وجودها وأسس نشأتها تحولت الجامعات العربية ربما إلى مؤسسات سياسية تعكس إلى حد كبير ما يحدث في عالم السياسة، وبدقة أكبر الرؤية الأيديولوجية للأنظمة السياسية، فتعمل (في إطار السيطرة السياسية) على دعم وتعزيز النشاط السياسي السائد: لقد تحولت الجامعة إلى مؤسسة إعلامية تعزز الرأي العام السياسي وتصنعه بالطريقة التي يحددها رجال السياسة. كما تطورت على صورة قوة سياسية حليفة بالضرورة للأنظمة السياسية القائمة وذلك في إطار مهرجاناتها وطقوس مواسمها وفعالياتها ومظاهراتها. إن التعليم العالي في البلدان العربية كما يقول نادر فرجاني: " شديد البعد عن نظيره في البلدان المتقدمة، في المضمون وفي الدور الاجتماعي، وإن تشبه به شكلا، إلى درجة تلقي شكوكا قوية على إمكان لحاق الأول بالثاني على صراط مستقيم"(40).

5- حقوق إنسانية أم حريات أكاديمية؟

تشكل الحرية منطلقا حيويا لوجود الإنسان وغاية من غاياته العليا. وإذا كانت الحرية تشكل المنطلق العام لوجود الإنسان فإن حرية الكلمة تشكل جوهر كل حرية إنسانية أصيلة. ويعبر ديموستين عن جوهر هذه الحقيقة بقوله: إن أفظع كارثة تحل بالشعب هي حرمانه حرية الكلمة(41). وهذا يعني أن حرمان الشعب من حرية الكلمة هو الصورة الأولى لحرمانه من حق الحرية. فحق الإنسان في حرية الكلمة والتعبير قد نال اعتراف كثير من المجتمعات الإنسانية في مختلف العصور، وشكل غاية كل حق إنساني وجوهره، فقانون كازاخ في إقليم السّهوب قرر: أنه يجوز لك أن تقطع رأس الإنسان، ولكن لا يجوز لك أن تقطع لسانه(42). فحرية الكلمة هي المدخل المنهجي إلى مختلف الحريات وهي البوابة الأساسية إلى منظومة الحقوق الإنسانية.

لقد أدرك الطغاة عبر التاريخ هذه الحقيقة فأعلنوا حربا لا رحمة فيها ضد كافة أشكال حرية الكلمة والتعبير. وبقيت حرية الكلمة هي الشيء الذي ترتعد له فرائص الطغاة. وفيما يقوله الملك الفرعوني (خيتي) لابنه (مريكارع) حوالي (2000ق.م) مثال واضح لإرهاب الكلمة وإرهاب الحرية في التعبير، حيث يقول هذا الفرعون: " إذا وجدت في المدينة رجلا خطرا يتكلم أكثر من اللازم ومثيرا للاضطراب فاقض عليه، واقتله، وامح اسمه، وأزل جنسه وذكراه وأنصاره، فرجل يتكلم أكثر من اللازم خطر على المدينة"(43). وفي هذا القول ما يدل على أن الحرية هي أسّ الحريات العامة وجوهر حقوق الإنسان وغاياتها. فأين هي الجامعات العربية المعاصرة من هذه الحقيقة القديمة قدم التاريخ؟

عندما يجري الحديث عن أعضاء الهيئة التدريسية غالبا ما يتمحور الحديث حول الحقوق الأكاديمية التي تتمثل بحريات عديدة وثيقة الصلة بحرية البحث عن الحقيقية، وحرية التعليم، وحرية نشر نتائج البحوث والدراسات، ومدى المشاركة في اتخاذ القرار داخل المؤسسات الجامعية. ولكن أليس حري بنا عندما نتحدث عن حقوق أساتذة الجامعات وحرياتهم في عدد كبير من جامعات العالم العربي أن نتحدث بداية عن الحقوق الإنسانية لهؤلاء الأساتذة؟ إن السؤال الذي يأخذ أهمية كبيرة اليوم هو هل يتمتع أعضاء هيئة التدريس في كثير من جامعات الوطن العربي بحقوقهم الإنسانية أولا؟ وإذا كان الأستاذ الجامعي يتمتع بحقوقه الإنسانية فيحق لنا أن نطرح السؤال الثاني الذي يتعلق بمدى تمتع أعضاء هيئة التدريس بحقوقهم الأكاديمية التي تتصل بواقع البحث العلمي والمعرفي؟

الحقيقة هي أن غالبية كبيرة من أساتذة الجامعة يناهضون في عالم الضرورة وهم في هذا العالم يبحثون اليوم عن حقهم في الرغيف أولا، وفي الحصول على السكن ثانيا، وفي الحصول على أداة للمواصلات، وفي مدى حصولهم على ثمن الدورية العلمية لاحقا(44). وبعبارة أخرى ما زال الأستاذ الجامعي في بعض الجامعات العربية يبحث عن الشروط الأولى للوجود، وما زال سعيه نحو الحقيقة العلمية والبحث العلمي والحريات الأكاديمية قضية قابلة للتفكير والمناقشة. ويمكن لنا في هذا السياق أن نستعرض بعض الملامح الأساسية التي تتعلق بالحقوق الإنسانية لأعضاء الهيئة التدريسية.

وهنا تبرز المفارقة الكبيرة في مجال ما يسمى بالحريات الأكاديمية وهي حقيقة كثيرا ما يتجاهلها كثير من المفكرين وهي: كيف يمكن لأستاذ جامعي أن ينصرف إلى الفعل الإبداعي والعمل العلمي الجاد وهي يعاني من إكراهات الضرورة الأولى التي تتمثل في البحث عن شروط الوجود التي تتصل بتأمين الحياة المادية وما تصل بها؟ فرجال العلم والأكاديميون العرب في أيامنا كما يقول أحد أساتذة القانون في القانون " يصارعون من أجل البقاء في مجتمع يسود فيه المال والاستهلاك (45). وفي هذا المسار يعبر أستاذ آخر عن هذه الوضعية بقوله " نعم أنا أستاذ، ثم ماذا وراء ذلك؟ فأنا إنسان لا حول لي ولا قوة، فلا معرفتي ولا شهاداتي تمنعني من عنف البيروقراطية وخشونتها، ولا هي تضمن لي حياة فكرية ومادية سليمة. فالناس مثلي مرغمون بحكم ظروفهم أن يتجرعوا مرارة الإهانات التي تسقيهم إياها ظروف وجودهم (46).

ولو حاولنا أن نبحث في شروط الحرية الأكاديمية لوجدنا أن هذه الحريات مرهونة على الأقل بالحريات الأولى. فالمجتمع الذي لا يستطيع أن يمنح أعضاء هيئة التدريس شروط الوجود لا يستطيع أبدا أن يمنحهم ما يسمى بالحريات الأكاديمية.

والسؤال الهام الذي يطرح هنا هو تعود أسباب الحصار والقهر التي يعانيها أستاذ الجامعة إلى فعل سياسي ممنهج ومنظم؟ يهدف إلى تذويب إمكانيات هذه الطبقة الأكاديمية ودفعها إلى دوائر الهامشية، وبالتالي تحويل المؤسسة الجامعية إلى مكان لإنتاج وإعادة إنتاج التسلط والقهر؟ فالأجيال الجديدة من أعضاء الهيئة التدريسية تجد نفسها أمام شبكة جامدة من المعوقات الحياتية والأكاديمية والعلمية. وفي هذا السياق يصف عدنان مصطفى الحالة الصعبة لأوضاع المدرسين الشباب وهمومهم بقول: " فإدارة الجامعة التي شكلت بقرارات أتت من عل، لم تفكر البتة بالحد الأدنى من مقومات استقرار الأساتذة الشباب وبدء حياتهم الأكاديمية على أرضية تسمح لهم بمتابعة بحوثهم العلمية والتحضير لمحاضراتهم والإشراف الفعال على الطلاب الذين يناط إليهم أمر تدريبهم" (47).

وفي هذا السياق يذكر رضوان السيد في مقالة له حول الحريات الأكاديمية في بعض الجامعات العربية أن مرتبات الأساتذة الجامعيين قد انخفضت بتأثير التضخم من حوالي 2000 دولار في مطلع عقد الثمانينات كحد وسط إلى حوالي 300 دولار عام 1990(48). لقد أصبحت طوابير أساتذة الجامعة على بوابات وشبابيك السفارات العربية والأجنبية طلبا للعمل ظاهرة مألوفة في بعض العواصم العربية. فما أن يعلن في جريدة عن إعلان لطلب توظيف أعضاء الهيئة التدريسية حتى نجد أعدادا كبيرة من أساتذة الجامعة المعنيين وتحت ضغط العوز قد سارعوا إلى الوقوف بصورة صفوف طويلة ليتقدموا بطلباتهم ملتمسين وظيفة أو عملا خارج وطنهم مهما تدنت شروط هذا العمل.

ومن المشكلات التي يعانيها أعضاء الهيئة التدريسية عدم مشاركتهم في تعيين رؤساء الأقسام والعمداء والإدارات الجامعية في أغلب البلدان العربية حيث يأتي تعيين هذه الإدارات بقرارات سياسية من خارج الجامعة وهذا يعني أن الأستاذ الجامعي لا يشارك أبدا في هذا الحق التاريخي الذي قامت على أساسه الجامعات القديمة والحديثة من حق مشاركة أعضاء الهيئة التدريسية في اختيار رؤساء الأقسام والإداريين في الجامعة. وهذا يعني أن هذه الجامعات قد فرض عليها أن تتخلى عن أبسط الحقوق التاريخية للأستاذ الجامعي، وهو الشرط الأول لأية حرية أكاديمية في الجامعة: انتخاب رؤساء الأقسام وعمداء الكليات ورؤساء الجامعات.

وما يلاحظ في هذا الخصوص تقليص حقوق الأستاذ الجامعي إلى الحدود الدنيا، وإلغاء كثير من الحقوق التي حصل عليها في الماضي. ففي أغلب جامعات العالم توجد مؤسسات نقابية لأعضاء هيئة التدريس وهذه النقابات والجمعيات تقوم على أسس ديمقراطية وتتمتع بالاستقلالية الذاتية. ومع الأسف الشديد فإن اغلب الجامعات العربية ترهب هذه الجمعيات ولا تسمح بحضورها بصورة ديمقراطية. أما في بعض البلدان فقد شكلت هذه النقابات بإرادة الدولة والمعنيين بالأمر ولكن ما هو دورها: دورها كما يعرف أكثر المتخصصين هو ممارسة القمع ضد الأستاذ الجامعي ومراقبته ومعاقبته والتحجير على سلوكه وإرهابه. هذه النقابات التي تسمى أحيانا " نقابات معلمين " أو " جمعيات أعضاء هيئة التدريس " تمارس دور "العريف" وهي أكثر استعدادا للتنكيل بأعضاء الهيئة التدريسية.

وفي بعض الجامعات العربية يوضع أعضاء الهيئة التدريسية في قفص اتهام دائم، فهم يراقبون بشكل منظم من قبل الأجهزة الأمنية المتعددة التي تراقب كل حركة لديهم على مستوى السلوك والعمل داخل الجامعة وخارجها، فأي معيار هنا للحرية الأكاديمية. لقد فاخر أحد المؤتمرين في مؤتمر نظمه اتحاد الجامعات العربية بأن النظام التربوي للبلد الذي يمثله استطاع أن يحقق تقدما تربويا وتكنولوجيا هائلا جدا، ولكن كم هي المفاجأة كبيرة إذ عرفنا بأن هذا التقدم الذي كان يتحدث عنه هو إدارة الجامعة المعنية استطاعت أن تضع كاميرات خفية لمراقبة سلوك أعضاء الهيئة التدريسية وهم في قاعة المحاضرة !!! والأغرب من ذلك كله أن الأستاذ المشارك في المؤتمر يفاخر لدولته بهذا الإنجاز !!! فأي إنجاز هذا الذي يحاصر أستاذ الجامعة في كل حركة من حركاته وسكنة من سكناته حتى في قاعة المحاضرة.

ويضاف إلى ذلك كله أنه يترتب على أعضاء الهيئة التدريسية أن يعلنوا في كل مناسبة سياسية أو وطنية عن ولائهم للأنظمة السياسية القائمة في الوطن العربي، ويجب على هذا الولاء أن يأخذ صيغا صريحة واضحة (خطابات- ندوات- لقاءات)، حتى أن هذا قد أصبح تقليدا يندفع إليه عدد كبير من أعضاء الهيئة التدريسية تجنبا لسيف المعنز إن لم يكن طمعا في ذهبه. فهم يساجلون في الصحف ووسائل الإعلام حبا بالنظام الحاكم، ويخوضون الندوات الفكرية ولاء له وتوجدا به. والحق يقال أن الصيغة الانتهازية بلغت أوجهها عند أعضاء الهيئة التدريسية، وأصبحت ظاهرة منتشرة بين صفوف المدرسين" مكره أخوك لا بطل ". فالأكاديميون أصبحوا اليوم عرضة لأن يكونوا سلاحا في يد السلطة السياسية تنشر بهم مفاهيمها وتفرضها وتضعف به الضمير الحي عند فئة الأكاديميين وفئات أخرى"(49).

وإذا كان هذا الحيف يقع على أعضاء الهيئة التدريسية مرة فإنه ينال من الطلاب ألف مرة. وفي هذا السياق يمكن القول وبصورة عامة أن الطلاب في الجامعات العربية يعانون من استلاب واغتراب أكاديمي لا حدود له، وكما يقال "حدث ولا حرج". فالطالب محروم من حرية المشاركة واتخاذ القرار ومن النقابات الحقيقية للدفاع عن وجوده ومصالحه ومن جميع مصادر التشجيع والاحترام والتقدير فهو مستلب في عالم يفيض بالاستلاب، ومقهور في عالم يضج بالقهر، ومحروم في عالم لا يعرف إلا الحرمان. وهذه نتيجة طبيعة لحرمان الأستاذ الجامعي من أبسط حقوقه الأكاديمية والإنسانية.

6- طبيعة الأداء الأكاديمي للجامعات العربية.

يتمثل الأداء الديمقراطي للجامعة في ضمان شروط الحريات الأكاديمية للطلاب والمدرسين في آن واحد. كما يتبلور هذا الأداء في توفير منظومة من القيم والحريات والعلاقات التربوية القائمة على روح التعاون والمشاركة والإيمان بالاختلاف وقبول الآخر على مبدأ المساواة والقيم الديمقراطية. وفي هذا الصدد يقول رياض قاسم مؤكدا أهمية الخبرات الأكاديمية في الجامعات العربية: إن قيمة التعليم الجامعي وعظم شأنه يتوقف على مبلغ نجاحنا في إرساء الحرية الأكاديمية وترسيخها كتقليد جامعي(50). والسؤال هنا هو ما مدى توافر الحريات الأكاديمية هذه في مجال الحياة الجامعية العربية المعاصرة؟

تشهد الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية غيابا يتسم بطابع الشمول والعمق في مستوى التحديدات الدستورية وفي مستوى الممارسة الواقعية. فالتعريف الدستوري للحريات الأكاديمية ما زال يشهد غيابه في الساحة العربية. ويتضح هذا الغياب في تأكيد عبد الفتاح عمر لغياب إذ يقول: " لا وجود في تونس، وشأنها في ذلك شأن عديد من الدول الأخرى، لتعريف دستوري أو قانوني للحركة الأكاديمية. كما أن التجربة الجامعية التونسية لم تفرز بصورة واضحة وجلية اتفاقا حول مفهوم الحرية الأكاديمية، ولا حول حدودها (51). ونحن نضيف أن هذا التعريف لا وجود له على حد علمنا في أية جامعة عربية.

وتتأكد حقيقة هذا الغياب فيما تذهب إليه الدكتورة منى مكرم عبيد التي تقول: إن التعرض للأساتذة المخالفين في الرأي، ومنع بعض الفنون والأنشطة الجامعية، وتهديد بعض الأساتذة، هي مظاهر للتعبير عن الفكر بالعنف شهدتها ساحة الجامعة المصرية في العقدتين الماضيين(52). وهذا بدوره يؤكد انتفاء الحريات الأكاديمية بصورة مجحفة ومأساوية.

لقد تحولت الجامعات العربية كما يقول محمد جواد رضا " إلى مؤسسات بيروقراطية تخاف الحرية وتخشى التجديد (53). فالحريات الأكاديمية في الجامعات العربية كما تفيد الدراسات الجارية " تسجل غيابا ملحوظا ومتناميا عبر الزمن، وتشهد مع فجر كل يوم جديد حصارا جديدا ومتجددا (54). ويضيف فاخر عاقل بأن الجامعات العربية تعاني من انعدام الحياة الجامعية الصحيحة وتفتقر إلى التقاليد الأكاديمية الحرة (55).

فالحريات الأكاديمية التي عرفتها الجامعات العربية نسبيا تتناقص تدريجيا مع انتقال إدارة هذه الجامعات إلى الحكومات الوطنية. وبدأ هذه الحريات تتآكل مع دورة الزمن وانحسار الحياة الديمقراطية العربية التي شهدت بعض الحضور في الخمسينات والستينات. لقد صبغت الجامعات العربية بالصبغة الحكومية وفقدت هذه الجامعات استقلالها بصورة واضحة تحت ضغط الممارسات التي توجهها الحكومات العربية. فالحكومات العربية تمول هذه الجامعات، وتعين إدارييها في الغالب الأعم، وتحدد وظائفها، وتقرر مناهجها، وتراقب سير عملها وآليات وجودها اليومي بصورة أدت إلى إفراغ هذه الجامعات من مضامينها الأكاديمية والديمقراطية. وفي بعض البلدان العربية إن لم يكن في أغلبها تحولت هذه الجامعات إلى مؤسسات صارمة يخضع العاملون فيها لقوانين صارمة ومتصلبة دون مراعاة لأبسط قوانين الوجود الأكاديمي.

في كثير من هذه الجامعات يتم تعيين الإداريين من عمداء ورؤساء جامعات وأقسام من قبل القيادات السياسية أو الأحزاب دون أية مراعاة لأصول التقاليد الجامعية التي تقوم على أساس انتخاب هذه القيادات الجامعية. حتى أعضاء الهيئة التدريسية يتم تعيينهم بناء على مراسيم تعد في مكاتب الأحزاب السياسية ولا يسمح للجامعة أبدا أن تتخذ قرارات بهذا الشأن إطلاقا. حتى أن النقابات الطلابية وجمعيات أعضاء هيئة التدريس تنظم بصورة سياسية (دون انتخابات) حيث تمارس هذه النقابات دورا مخالفا لطبيعتها فهي تمارس دورا يتمثل في تكريس التسلط والقهر وإلغاء إرادة الطلاب وأعضاء الهيئة التدريسية بصورة واعية ومنظمة.

وبصورة عامة لا يمتلك أعضاء هيئة التدريس، في كثير من الجامعات العربية، الحقوق الأكاديمية فيما يتعلق بحرية القول والكتابة والتعبير عن الرأي والبحث العلمي. ويضاف إلى ذلك أن أعضاء هيئة التدريس يوضعون في دائرة القهر المادية إذ تضيق عليهم أسباب الحياة المادية والاجتماعية بصورة يجعل منهم أشلاء جامعية مقهورة.

وحتى في الجامعات التي عرفت بهامش كبير من الحريات الأكاديمية كجامعات الخليج العربي تعاني أيضا من تراجع الحريات الأكاديمية في داخل الحرم الجامعي. "فجامعة الإمارات التي تتمتع بمعظم مظاهر الاستقلالية الداخلية، هي من المؤسسات الجامعية التي أخذت تعاني أشد المعاناة من التسلط الإداري الداخلي المعيق للعمل الأكاديمي، لقد أصبح التضخم الإداري البيروقراطي سمة من السمات الملازمة للجامعات الخليجية ككل. وأخذ هذا التضخم الإداري يزحف إلى الأقسام العلمية وينهك أعضاء هيئة التدريس في العمل الورقي اليومي والروتيني والبعيد كل البعد عن الاهتمام الأكاديمي والبحثي المباشر. ويعتقد الدكتور حسن الإبراهيم أن الجامعات الخليجية، ومنها جامعة الإمارات، قد أصيبت بداء " البيروباثولوجي " والذي يعني البيروقراطية المزمنة "(56).

ففي جامعة الإمارات العربية (57) تميل الإدارة إلى معاملة أعضاء هيئة التدريس معاملة صارمة ومقيدة … لقد أدت الممارسات الفوقية للإدارة الجامعية إلى انكماش أعضاء هيئة التدريس على وظيفة التدريس، ولجوئهم إلى الأسلوب التلقيني والملتزم بالكتاب الجامعي. " كما أدت هذه الممارسات التقييدية إلى تفشي الرقابة الذاتية، التي تتنافى مع حرية الأستاذ الجامعي في تدريسه وبحثه والتعبير عن آرائه ونظرياته وقناعاته، وهي جميعا من مسلمات الحرية الأكاديمية … وربما كان المطلوب بالنسبة لهذه الجامعة والجامعات الأخرى في الوطن العربي عموما إحداث ثورة ديموقراطية" (58). فالبيئة التي نعيشها في جامعاتنا لا يمكن - في الحدود التي نتعامل معها- أن تحقق أي تقدم كبير في مفهوم الحرية الأكاديمية أو الحرية الجامعية وحرية البحث والتأليف والترجمة والإبداع(59).

وغالبا ما يعامل أستاذ الجامعة كموظف من وجهة نظر السلطة السياسية. وإذا كانت الوظيفة السياسية للجامعة هي تخريج علماء ومفكرين فإن أصحاب القدر السياسي يريدون أن يخرجوا موظفين وكتبة(60).

لقد أدركت الأنظمة السياسية القائمة في بعض أقطار الوطن العربي الخطر الكبير الذي تمثله أية نهضة علمية وفكرية تتم في إطار المجتمع، ولا سيما هذه التي تتم في داخل الجامعات، فلجأت إلى التنكيل بكل المحاولات العلمية والمعرفية التي تقوم على أسس نقدية، وقد شمل هذا التنكيل مختلف مظاهر الحياة الثقافية من نشر وندوات علمية وتظاهرات فكرية ولا سيما هذه النشاطات التي توجهها الجامعات والتي تتم بمبادرات بعض المتنورين في الجامعة من أساتذة ومفكرين يحملون ضمائر حية وقلوب عامرة بالحب للحرية والمعرفة. حتى أن تناول هذه القضية، كما يرى المفكر العربي سعيد إسماعيل يمكنها " أن تجر الباحث إلى تلك المنطقة الخطيرة.. إلى أرض السلطة … بما تحتكره من قوة القانون وما تحظى به من مال وما تمتلكه من سجون ومعتقلات وما يبرق في يديها من سيوف ! (61).

لقد أدركت بعض القوى السياسية المهيمنة المعادلة الصعبة التي تقوم بين مقومات وجدها وتنامي لحريات الفكرية والأكاديمية في الجامعة التي تشكل خطرا يهدد الأسس التي يقوم عليها الوجود السياسي المتسلط. فالعلاقة بين وجود هذه القوى والمعرفة النقدية علاقة يحكمها التناقض والتنافر والعدمية. ومن هذا المنطلق فإن إطلاق حرية التعبير أو حتى النشاطات العلمية البسيطة أصبحت من المحظورات في بعض الجامعات العربية. والأمثلة على ذلك أكثر من تحصى (62).

فبعض الأنظمة ترى في الحوار والنقد وحرية الرأي في أي صيغة تأخذها هذه القيم إنذارا بالخطر، ودرءا لهذا الخطر تعتمد هذه القوى مختلف الضوابط التي يمكنها أن تخنق أية محاولة لنهوض الرأي وحريته في داخل الجامعات وفي خارجها. ويعتمد الحصار الذي تؤديه هذه القوى على منظومة معقدة من الفعاليات الإدارية والمالية والاجتماعية تشكل مجموعها القضبان التي تتشكل منها أقفاص الوجود الأكاديمي حيث يحاصر الأستاذ الجامعي حتى الاختناق.

7- الجامعات العربية: إعادة الإنتاج والمحافظة على الأيديولوجيا السائدة:

يتحدد الدور الاجتماعي والعلمي للجامعة تاريخيا بمبدأ التجديد والابتكار في مستويات الحياة الاجتماعية والثقافية والعلمية. فالجامعة يفترض أن توجه الحياة من حولها وأن تؤثر فيها على الأقل، وإذا كان هذا الأمر صحيحا مرة بالنسبة للجامعات في البلاد المتقدمة فإنه يجب أن يكون صحيحا ألف مرة بالنسبة للمجتمعات المتخلفة أو المجتمعات الآخذة بالنماء من البلاد العربية(63).

فالجامعات يمكنها بحكم رسالتها وأهدافها أن تقوم بدور فعال في تطوير المجتمع، وذلك بخلق الإنسان العقلاني الذي يتفاعل مع الآخرين بطرق عقلانية ومنطقية بدلا من الطرق التقليدية السائدة في مجتمعنا العربي (64). فوظيفة الجامعة الإبداعية تتمثل في حالة من الانفتاح على الحياة الاجتماعية، وفي حالة تواصل على أداء دور الخلق والإبداع والتجديد والتأثير الاجتماعي، وهنا يتأصل الرفض لمقولة " جامعة الأبراج العاجية "، وتقوم حقيقة قوامها أن الجامعة يمكنها أن تتوغل في المجتمع دون أن تفقد شخصيتها بوصفها مؤسسة اجتماعية علمية رائدة تغني في اتصالها المجتمع وتطوره في آن واحد.

فأين هي الجامعات العربية من هذه الحقيقية؟ وفي سياق الإجابة عن هذا السؤال الكبير، وفي ظل الظروف الاجتماعية والسياسية التي تحيط بالجامعات العربية، وفي فناء الديناميات الداخلية المتصلبة للحياة الأكاديمية في الجامعات العربية يمكننا أن نراهن على غياب الدور الإبداعي للجامعات العربية. إن " التربية السائدة في الجامعات العربية بوضعها الراهن تتنافى مع مبدأ العطاء والإبداع العلمي(65). هذه هي الحقيقة التي يلح في تأكيدها المفكرون العرب، وقد لا نغلو إن قلنا مع عبد الله عبد الدايم " بأن مهمة التعليم العالي في عصرنا وفي العصر المقبل لا ترتد إلى أن " يصور العالم " ويستنسخه ويستجيب له على نحو ما هو عليه، بل تتجاوز ذلك إلى الإسهام في " صنع العالم وابتكاره " (66).

فالجامعة " ليست مصنعا للشهادات كما يخيل للبعض أحيانا، ولا مركزا للامتحانات ولا مركزا لتخريج المواطنين بل هي صورة للمجتمع المثالي المطلوب إحداثه، وهنا تكمن مسؤولية الجامعيين" (67).

ومن هنا يمكن القول بأن " الجامعة لا يمكنها أن تحقق سيادة العقل مثلا في وطنها إذا لم تكفل سيادته في داخلها أولا، ولا أن تبعث القوى الخيرة في مجتمعها إذا لم تكن هي قد حققت هذه القوى في صميمها، ولأن تسهم في بناء حياة وطنها على المبادئ والقيم، إذا لم تشد هي بنيانها ذاته على نفس هذه الأسس والقواعد " تلك هي وظيفة الجامعة" (68).

" لقد أكدت الدراسات التي أجريت على حركة الإصلاح الجامعي خلال السبعينات حقيقة مقلقة وهي أن الجامعات العربية هي أكثر المؤسسات الاجتماعية محافظة، وهي بطيئة في تغيير مناهجها الدراسية، وبناها الإدارية(69). وبالتالي فإن " الجامعات العربية باتت اليوم رهينة انحسار واضح في سموها العلمي، مما أوصلها إلى مقام سبات يكاد يقارب صمت القبور(70). وفي هذا الصدد يقول " يقول أحمد بشارة واصفا الجمود الذي تعانيه الجامعات العربية مع تشديد منه على واقع التعليم العالي في الكويت بقوله: " إن وظيفة الجامعة في المجتمعات هي وظيفة وعاء الإبداع والإنتاج المعرفي الذي يسهم في بناء المجتمع وتطويره وتقدمه، والجامعة في مجتمعنا لا تقوم بهذا الدور، فهي مؤسسة للتلقين ونقل المعرفة، وبالتالي فالمجتمع بالإضافة إلى أنه غير متسامح بطبيعته، ولا يقبل الحرية فمن غير المعقول أن يعطي هذا الحق لمؤسسة لديه شكوك حولها ولا يجد ما يبرر أن يعطيها الحرية، ولا يستفيد منها استفادة ملموسة. ومن هذا المنطلق فالسلطة الأكاديمية أو الحرية داخل الجامعة ستظل لفترة طويلة منقوصة ومحدودة لأن المجتمع لم يتقبل تبعة الحرية، ومع الأسف فالشواهد العامة وخصوصا في الكويت تدل على تداخل المجتمع في الجامعة(71). فأغلب الجامعات العربية " تتبنى نظاما منهجيا وتعليما يرسخ في ذهن الطالب حفظ المادة العلمية دون تمكينه من الإبداع (72).

لقد أكد رضوان السيد هذا التراجع الكبير في مجال البحوث العلمية في لبنان وفي سوريا، في العلوم الاجتماعية والإنسانية، والعلوم البحتة والتطبيقية طبعا، كما وكفيا. فحتى الأساتذة الجامعيون كما يقول السيد " يقبلون على الكتابة الروائية والشعر وكتب الخواطر، تاركين الحديث في حقول تخصصهم(73).

وفي هذا الصدد يقول ف. كومبز (74) " إن أي نظام تعليمي يمكن أن يفقد القدرة على رؤية ذاته بوضوح إذا تمسك بالممارسات التقليدية لا لشيء إلا لأنه قد جرى العرف عليها. وربط نفسه بحبال التعاليم المتوارثة لكي يبقى طافيا في بحر الحيرة، وأضفى على الأساطير الشعبية قيمة العلم ومكانته، وفضل الجمود وعدم التغيير، لكان مثل هذا النظام تهكم واستهزاء بالتعليم ذاته (75).

عندما تفقد مؤسسة ما دورها في الإبداع والتجديد فإنها تمارس دورا محافظا تقليديا تعيد من خلاله ما هو قائم وسائد في دوائر الحياة الاجتماعية. وهذا يعني أن المؤسسات الجامعية يمكنها أن تمارس دورا بحدين فهي إما أن تكون فاعلة اجتماعيا وإما أن تكون منفعلة. وينبني على ذلك أن القوى الاجتماعية التي تهيمين قد تفرض على الجامعة أدوارا أيديولوجية قوامها تعزيز قيم واتجاهات وأيديولوجيا الطبقة التي تسود اجتماعيا. فالجامعات العربية تعيش مفارقات صعبة، فهي في الوقت الذي تدعو فيه إلى البحث عن الحقيقة، والكشف عن كل جديد، وتغيير المجتمع ليستجيب للتطورات في مجال العلم والثقافة فإنها تعاني من مختلف ضروب التسلط والقهر والممارسات التي تجعلها تابعة مغلوبة على أمرها تسير في ركاب الأنظمة السياسية الحاكمة في الوطن العربي، وقد أصبح من تقاليدها الراسخة اليوم تدريب الأجيال على قيم التبعية والخضوع.

وبعيدا عن النظريات النقدية المعاصرة التي ترى بأن دور المؤسسات التربوية مرهون بطبيعة ومستوى تطور المجتمع. فإن الجامعات العربية وبصورة عامة قد تحولت إلى مؤسسات للتسلط والقهر. وهذا التحول لا يتبع من طبيعة المؤسسة الجامعية ولكنه يتأتى عبر منظومة من عمليات القهر التي تمارسه بعض القيادات السياسية والتي تحاول أن تجعل من الجامعة مؤسسة منتجة لكل مقومات القهر والتسلط. لقد أفرغت الجامعات العربية من مختلف مضامينها العلمية والديمقراطية وتحولت بتأثير التخطيط المنظم لقوى القمع الاجتماعي إلى مؤسسة لترويض الشباب والعلماء على الإذعان والخضوع وتمجيد السلطة. فالجامعة تشكل بالنسبة إلى " صانعي القرار مؤسسة منضبطة ومنظمة تنظيما محكما ومسيرة تسييرا حسنا أكثر مما تمثل بالنسبة لهم مؤسسة لممارسة المعرفة. وهذه الأخيرة (المعرفة) تتطلب مناخا تسود فيه الاستقلالية والحيرة والمرونة بحيث يمكن الباحثين أن يقولوا فيه رأيهم حول أنشطتهم. فالجامعة لا يمكن أن تسير كما يسير المعمل، ومع الأسف الشديد الكثير من الأكاديميين، لا يميزون في تسييرهم بين المعمل والجامعة"(76).

وهناك شهادات عربية أخرى لا حصر لها على هذا الواقع المر والمروع الذي تعيشه الجامعات العربية المعاصرة. ومن مظاهر هذا القهر ما يلاحظ في كثير من الجامعات العربية إذ يترتب أن يحتفل الطلاب وأعضاء الهيئة التدريسية بمختلف الطقوس السياسية. ويتوجب على الجامعيين أن يعلنوا الولاء في مختلف المناسبات السياسية كما عليهم أن يجددوا هذا الولاء في كل موقف ومناسبة.

يقول امحمد صبور: " في بعض البلدان ذات الحزب الواحد المهيمن على كل شيء، يكون وجود الأكاديمي في الجامعة مرتبطا في الغالب باندماجه في النمط الأيديولوجي السائد فيها، لأن في ابتعاده عنه لن يكون في منأى عن الخطر، حتى بدعوى الحيادية. ففي الواقع لا تعترف الثقافة العربية بالحياد (…) فالحياد غالبا ما يعني نقصانا في المبادئ، أو أن الشخص المحايد مشكوك فيه يعمل في الخفاء ليتجاوز الآخرين (77). ولذلك فإن " الأكاديمي في وضع الحياد يعرض نفسه للمخاطر، وأقل ما يمكنه أن يفعله بدلا عن الحياد هو الاندماج السلبي في النظام. وما نعنيه الاندماج السلبي هو الالتحاق بالنمط السائد دون مشاركة نشيطة فيه أو قيام بأعمال من شأنها أن تعزز قوته وسلطته. أما في الواقع المعاش فإن هذا يتسبب في وضع الأكاديمي في وضع محنة تكون فيه كرامته عرضة للاستهزاء والإهانة(78)

فالأنظمة التربوية العربية توظف التعليم في تمجيد السلطة وتقديس مظاهر القمع والتسلط، وما زالت هذه الأنظمة التربوية تعلم الناشئة آداب الطاعة ومراسم الخضوع، والسلطات السياسية ما زالت تعمل على صرف المتعلمين في المدارس عن هموم الوجود " في التحصيل البنكي للمعلومات والمعارف وتدفع بهم إلى دوامات التحصيل لما في بطون الكتب وشحن الذاكرة بداء الاستظهار، وقتل العقل بالروتين التلقيني والأساليب التربوية الخانقة (79)." إن الواقع التربوي للجامعات العربية" يشير إلى أن المناخ السلطوي الذي يسود بعض جوانبه أدى إلى زيادة التخلف وتعطيل طاقات العقل" وخنق كل إمكانية للإبداع (80)."

فالتربية الديمقراطية تدعو إلى تكوين "إنسان" لا إلى تكوين مجرد "علامة " يحمل هامة ضخمة من المعارف فوق جسم هزيل وعاطفة ضامرة وإحساس فني متبلد وخلق مضطرب وقدرات مهنية وفنية مقتولة (81). وهذه هي التربية التي تسعى إلى بناء الإنسان الحر المتكامل وتلك هي التربية القمينة بإخراج الإنسان من دائرة اغترابه. فالتربية الاغترابية هي هذه التي تسعى إلى قتل أعظم المشاعر الإنسانية التي تتمثل في مشاعر الحرية والثقة والانتماء والتكامل.

8- الخلفيات الاجتماعية لغياب الأداء الديمقراطي في الجامعة:

تتمثل الأزمة التي نعيشها اليوم برأي حسن حنفي في غياب الحوار في حياتنا المعاصرة (...) فنحن لسنا أحرارا في تفكيرنا ولا نسلم بحق الآخر في الحرية والتفكير، إذ نواجه الفكرة بالسيف، والرأي بالاعتقال، والعقل بالعضلات، ونرفع سلاح التكفير على كل من يعارض (82). فالمآسي والنكبات " كانت نتيجة طبيعية لاستمرار حرمان المواطن العربي من حقوقه وحرياته الأساسية بأساليب جديدة ومتطورة قامت على سياسة (الإلهاء) و(الترهيب والترغيب) أو (العصا والجزرة) واستهدفت تدجين المواطن وتطويعه وصولا إلى تعطيل اهتماماته العامة ومن ثم تقزيم أهدافه الوطنية والقومية(83).

من أجل أن ندرك واقع وطبيعة الأداء الديمقراطي للجامعات العربية تقتضي الضرورة تقديم قراءة منهجية للشروط الاجتماعية والتاريخية التي تحيط بالمؤسسة الجامعية في الوطن العربي. فاغلب الباحثين يعتقدون أن غياب الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية مسألة تعود إلى غياب الديمقراطية في المجتمع. فالجامعة مؤسسة اجتماعية تربوية وهي لا تنفصل عن البيئة التي توجد فيها. وهذا يعني أن معطيات البيئة الاجتماعية تتغلغل في بنية الوجود القيمي للجامعة وأن الجامعة كما ينظر إليها هي صورة مصغرة للمجتمع الذي يحتضنها. وإذا كانت الجامعة فعلا هي صورة راقية للمجتمع الذي يحتضنها فإن الجامعات العربية لا تحسد على حالها. وذلك لأن المجتمعات العربية متشبعة بقيم التعصب والقيم السابقة للمجتمع المدني، وبالتالي فإن الثقافة التقليدية السائدة تشمل كل معايير الانتماءات القبلية والعشائرية وكل خرافات وأساطير العهد القديم. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا كيف يمكن للجامعة أن تمارس وظيفتها الديمقراطية في ظل ثقافة تقليدية وفي سيق أنظمة سياسية مستبدة وغير ديمقراطية؟

لقد ارتبـط اسـم المؤسسة الجامعية تاريخيـا بالعدالة الاجتماعية، فالجامعة في تصور النـاس كـانت ومازالت حتى اليوم مملكة العدالة والمساواة والحريـة، فيهـا ومـن خلالهـا يستطيع الشباب خوض معركة الحياة دون إكراه التمييز الاجتماعي والعنصري. وهكذا تتبدى الجامعة كعـالم مستقل ومنفصل عن الحياة الاجتماعية والسياسية وهي إذ ذاك مـوطن العدالـة والأمان مهمـا بلغت حدة المظالم الاجتماعية في ذلك العالم الذي يحيط بها ويحتضنها. ويكـفي أن نفتح أبواب الجامعة أمام جميع الشباب لكي يتاح لكل منهم تحصيل المعرفة والعلوم بما ينسـجم مع طاقاته العقلية والفكرية، وهنا تكمن العدالة التربوية وتتجسد ديمقراطية التعليم وتلك هي إحدى أهم المغالطات الأيديولوجية ربما في تاريخ التربية.

لقد سبق لدوركهايم E.Durkheim. أن شدد على الطابع الاجتماعي للمؤسسات التربوية بصورة عامة. فهو يؤكد دوركهـايم فـي كتابـه التربيـة والمجـتمع Education et sociologie إلى الهويـة الاجتماعيـة للمؤسسـات التربويـة. ويقول في معرض ذلك إن »الأنظمة التربوية ترتبط ارتباطا عميقا بالأنظمة الاجتماعية»(84). وهو بذلك ينطلق مـن مقولتـه الشـهيرة التـي ينظـر مـن خلالهـا إلى التربية بوصفها «ظاهرة اجتماعيـة فـي بنيتهـا وفـي وظيفتها»(85). يقول دوركهايم في هذا الخصوص إن التربيـة « هـي قبـل كـل شـيء الوسـيلة التـي يعتمدها المجتمع في تجديده المستمر لشروط وجوده الخاصة»(86).

لقـد كـان لآراء دوركهـايم، فـي تحـديد طبيعة الصلة بين الظاهرة التربوية والظـاهرة الاجتماعية، اثر كبير في ولادة اتجاه فكري يرى أن المؤسسات التربوية تؤدي دورها في سياق الحتمية الاجتماعية (87). وفـي سـياق ذلك الاتجاه الفكري يرى كريستوفير جينكس Christopher Jenkis أن قدرة المؤسسات التربوية على المساهمة في تحـقيق المسـاواة والديمقراطية مرهـون إلى حـد كبـير بمدى التحولات العميقة التي تحدث في البنى الاقتصادية والسياسـية القائمـة. وتجـد آراء كريسـتوفير تعزيـزا لها في فلسفة المفكر الفرنسـي جـورج سـنيدر Snyders George الــذي يــرى أن «اللامســاواة الاجتماعيـة مصـدر لكافـة أشكال اللامساواة التربوية »(88). وهو ينطلـق فـي مقولتـه هـذه مـن الأطروحة الماركسـية المعروفة التي ترى» أن المدرسـة فـي مجتمع طبقي لن تكون ولا يمكن أن تكون إلا مدرسة طبقية«(89).

ويميـل سـنيدر إلى الاعتقاد باستحالة وجود المدرسة التي تنفصل عن السياسية الاجتماعية فالمدرسة ترتبط بمصـالح طبقـة محددة. وهذا يعني أن المدرسة غير المسيسة هي في نهاية الأمر أكذوبة برجوازية هدفها خداع الجمـاهير«(90). وآراء سنيدر تتجاوب إلى حد كبير مع ما رأي لينين في خطابه الذي ألقاه في المؤتمر الأول لرجال التربية والتعليم في الاتحاد السوفيتي حيث أكد في خطابه هذا بأن " انفصال المدارس عن الحياة وعن السياسة كذب وبهتان ورياء.

ينضوي فريق كبير من المفكرين العرب تحت لواء الحتمية الاجتماعية فيما يتعلق بالدور الاجتماعي والثقافي للجامعة والمؤسسات الاجتماعية بعامة. ويرجع كثير من هؤلاء المفكرين غياب القيم الديمقراطية في الجامعة إلى بغياب هذه القيم في دوائر الحياة الثقافية العربية. فالثقافة العربية التقليدية التي توصف بالثقافة الأبوية البطرياركية تحكم كثير من مجالات الحياة الثقافية العربية. وهي بالتالي تمارس نفوذا واسعا وتضرب جذورها في الثقافة العربية بدءا من العائلة ووصولا إلى المؤسسات التربوية. وهذه العلاقات كما يصفها أحمد الأمين لا تقف عند حدود الأسرة بل تجد حضورها في المدرسة والجامعة حيث تبدأ عملية ثقافية وقيمية مضادة للقيم الديمقراطية. وغالبا ما تؤدي هذه العملية إلى بناء الشخصية المهزومة وغياب الشخصية الفاعلة والعقلية المبدعة، وهذا بدوره يؤدي إلى توفير " التربة الخصبة لنشوء حكم استبدادي سلطوي وظهور زعماء أفراد، طغاة يتمتعون بسلطات شخصية هائلة يرفضون التخلي عنها مهما كانت الأسباب، بل يعمدون إلى تغذية وتنمية الانتماءات الدينية والمذهبية والقبلية على حساب الأحزاب السياسية والحركات الاجتماعية المدنية" (91).

ولكي يتضح واقع الثقافة العربية بوصفها محددة لدور المؤسسات التربوية والجامعية حيث يميز الباحثين بين نوعين من الوعي وعي التخلف وتخلف الوعي، فالتخلف يصد عن بنية فكرية اجتماعية اقتصادية متخلفة. أما الوعي المتخلف فهو الوعي الذي يوجد في كل العينات المتقدمة والمتخلفة على السواء فقد نجد في السويد واليابان وعياً متخلفا يظهر على شكل الجمعيات العنصرية وعصابات السطو وتصريف المخدرات. أما وعي التخلف فهو وعي قائم بذاته يحمل علامات المجتمع الذي أفرزه ثم يطبع هذا المجتمع بطابعه لأنه وعي بطابعه لأنه وعي بنيوي يتخلل كل البنى في المجتمع. والثقافة العربية غالبا ما توصف بأنها ثقافة التخلف أو وعي التخلف بكل ما ينطوي عليه هذا الوعي من قيم واتجاهات ومعايير سلوكية تمجد القهر والتسلط والظلم والعبودية وكل القيم السابقة للمدنية والحضارة.

فالمجتمعات العربية تعاني من هيمنة ثقافة سياسية وأوضاع اجتماعية متردية في مستوى العمق والشمول والمجتمعات العربية تعاني من التاءات الثلاث: التبعية والتخلف والتجزئة، والوطن العربي وطن تتحرق شعوبه إلى الوحدة بينما تكرس أنظمته الانفصال، وطن تتشوق فيه شعوبه إلى الديمقراطية ولكن أنظمته تكرس كل قيم الاستبداد (92). وتأسيسا على هذه الرؤية، يبرر بعض المفكرين العرب غياب الحرية الجامعية تأسيسا على غياب هذه الحرية في المجتمع. يقول بشارة في هذا الخصوص: " المجتمع بالإضافة إلى أنه غير متسامح بطبيعته ولا يقبل الحرية، فمن غير المعقول أن يعطي هذا الحق لمؤسسة تأخذه فيها الشكوك ولا يجد ما يبرر أن يعطيها الحرية، ولا يستفيد منها استفادة ملموسة، ومن هذا المنطلق فالسلطة الأكاديمية أو الحرية داخل الجامعة ستظل لفترة طويلة منقوصة ومحدودة لأن المجتمع لم يتقبل الحرية(93). وفي سياق آخر يؤكد بشارة أن طلاب الجامعة تحكمهم رؤى سياسية خارجية: " الطلاب داخل القاعة مسيّسون أي أنهم يمثلون تيارات خارج الجامعة، وهذا يمثل نوعا من القهر أو من الحجز على الحرية الفكرية والأكاديمية في داخل الجامعة"(94). فالمشكلة كما يطرحها الربعي تتمثل في تلازم غياب الديمقراطية في مستوييها الاجتماعي والأكاديمي وهو يربط بصورة مضمرة بين الحريتين يقول: " نحن أمام مشكلتين: مشكلة غياب تقاليد ديمقراطية في حياتنا، ومشكلة غياب تقاليد أكاديمية أيضا في هذه الحياة(95).

هذا ويضج المجتمع العربي بتركيبات اجتماعية ثقافية منافية لقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، ويأتي في مقدمة هذه التركيبات مفاهيم الطائفة والعائلة والعشيرة والعصبيات المحلية وأساطيرها المختلفة، والتي تتساند وتتفاعل في ديناميكية فريدة مع مفهوم الأبوية "البطريركية" التقليدية، أو الحديثة الممثلة في الدولة، وهذه التركيبات والوضعيات الثقافية تمثل عقبات بنائية ضد نظم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهي تجد صداها في داخل المؤسسات التربوية والتعليمية (96). ولعل أخطر هذه التحديات التي تواجه الثقافة العربية يتمثل في هيمنة العقل المنغلق والماضوية الفكرية لدى غالب القوى السياسية والثقافية والحزبية – حيث يعاد إنتاج مصادر الأفكار داخل كل جماعة دونما تجديد أو اجتهاد(97). فالثقافة العربية التقليدية تكرس قيم التسلط والإكراه وتبرر قيم الهيمنة والنفوذ الاجتماعي غير المحدود للسلطات القائمة، وهي تكسب هذه القيم ثوبا دينيا، فعلى سبيل المثال، استخدمت ولا تزال تستخدم بعض الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية لتبرير طاعة الحاكم وتأكيد الطاعة له كواجب ديني، كذلك هناك الكثير من المقولات التقليدية التي تستخدم لإقناع المسلمين بضرورة تأييد الحاكم حتى ولو كان ظالما، بحجة أن ذلك خير من الفتنة وانحلال المجتمع، فمن هذه المقولات مثلا "أمام عادل خير من مطر وابل وإمام غشوم خير من فتنة تدوم " وأن الحكام" هم وسائل الله في عمله" وأن "الحاكم الظالم خير من انعدامه أصلا" وأن " السلطة من الله، ويجب أن تطاع" وأن الحاكم ظل الله على الأرض" وأن "الطاعة واجبة.. خوفا من انقسام الأمة.. واضطراب الأمور"، وأن "الحاكم ولو كان ظالما، لخير من الفتنة وانحلال المجتمع"، وأنه "على الرعايا طاعة الحكام أدوا إليهم حقهم واسألوا الله حقكم.

إن السلطوية هي السمة الأساسية لعدد من الأنظمة السياسية العربية، حيث يتسم بناؤها السياسي بتركيز السلطة في يد قلة تتحكم في المجتمع، وكثيرا ما تعمل تلك القلة على حرمان مواطنيها من المشاركة ومصادرة حقوقهم الأساسية وحريتهم.

يقول خالد الناصر في هذا السياق: " إن المتأمل في حال الإنسان العربي في المرحلة الراهنة يستطيع أن يلمس بسهولة أن هذا الإنسان يعاني حالة حرمان من أهم حقوقه الأساسية كإنسان، فهو محروم من حرية إبداء الرأي والتعبير في شؤون مجتمعه ووطنه وأمته وهو مغلول عن المشاركة في تقرير مصيره ومصير بلده ومكبل بقيود القهر والخوف والحاجة "

فالثقافة العربية يغلب على ممارستها وبنيتها الطابع القمعي والنزوع إلى القهر والتحكم، وعادة لا يشعر الأفراد بأنهم مقهورون بل يفتقدون الرؤية الصحيحة في تحديد سمات القهر، وهم أيضا لا ينتبهون بأنهم يسلكون سلوك المقهورين فيتوهمون أنهم يمتلكون إرادتهم الحرة (...) إن القهر قد اصبح سمة سياسية سلوكية في المجتمعات العربية في نظم الحكم والإدارة وفي الحياة الاجتماعية وفي السرة والتربية والتعليم(98).

يقول عبد المالك التميمي مؤكدا الحتمية الاجتماعية للفعل التربوي التي تتمثل في هذه الوضعيات والتركيبات المنافية للقيم الديمقراطية: إذا لم تكن هناك حرية بمعناها الصحيح في المجتمع فلن تكون هناك حرية في الجامعة، لكن المجتمع الجامعي بإمكانه توفير ضمانات توفر الحد الأدنى من القيم والسلوك الذي يستطيع فيه المجتمع الجامعي أن يفرض رأيه حتى لو لم تتوفر الحرية الكاملة في المجتمع(99).

لم يصل المجتمع العربي إلى مرحلة المجتمع العقلاني ولم يستطع العقل أن يتحرر وينطلق ليتجاوز حدود التقاليد. وإذا كانت الأزمة عند الغربيين هي أزمة ما بعد العقل وما بعد الحرية فإننا لا زلنا نمر بأزمة ما قبل العقل وما قبل الحرية. فالغربيون تجاوزوا نطاق التفكير العقلي التقليدي بعد أن تشبعوا بالعلم والمنطق والفلسفة، وأصبحوا يتطلعون إلى عقل يتجاوز نطاق العقل الذي ألغوه. أما عندنا فلا زال العقل يعمل جاهزا من أجل اكتشاف ذاته وتحقيق أبسط مطالبه(100).

وفي هذا السياق يؤكد أغلب المفكرين العرب بأن الواقع العربي يعاني في المقام الأول من حرمانه وافتقاره إلى الحرية الفعلية، حرية المعرفة بلا خوف وحرية التعبير بأمان(101)." ووفقا لهذا المنظور فإن غياب هذه الحريات يجد ترجمة له في مؤسسات التعليم بعامة والتعليم الجامعي على نحو الخصوص.

وفي هذا السياق يعلن نفر من هؤلاء المفكرين بأن الواقع الثقافي محمل بمخاطر النزعات المتصلبة، وأن هذا التصلب يؤدي إلى تصلب البنى التعليمية والمؤسسات التربوية بصورة عامة. ويذهب بعضهم إلى القول في هذا الخصوص إلى القول: إن أكثر القوى تنظيما وتطورا هي القوى الغير متنورة، بل هي على العكس القوى التي تريد أن تعود بالمجتمع إلى الوراء، فالذين يطلق عليهم "متنورون" هم مشكلة الحرية(102). فالمجتمع العربي يعاني من غياب النضج سياسي وغياب الثقافة الديمقراطية ويترتب على هذا غياب حرية الخلاف والاختلاف (103). ويضاف إلى ذلك كما يقول رضوان السيد " إن مفهوم الوطن غير متبلور فهناك عشيرة، وهناك قبيلة وهناك عائلة وبالتالي فإن مفهوم الوطن بالمفهوم العصري غير موجود إلا بشكل ضئيل(104). وهكذا يستحيل علينا كما يذهب أحمد الربعي " أن نقيم واحة من الحرية في صحراء قاحلة من غياب الحرية"(105).

"إن تحرير الجامعة لتقوم بأدوارها الحقيقية، من تفتيش عن الحقيقة إلى تحرير نفوس تلاميذها من كل شوائب العبودية والخوف والتقليد، يمر فقط عبر ساحة معارك الحرية والعدالة والحق (…) باختصار، إن إصلاح التعليم العالي، كما هو إصلاح المجتمع، موضوع قابع في قلب السياسة، أي جزء من لعبة القوى المجتمعية المتصارعة. من هذا المنظور فإنه مرتبط إيجابا وسلبا بعوامل خارجية كحقوق الإنسان والديمقراطية وتوزيع الثروة والعولمة ومقدار قوة أو ضعف الدولة أو المؤسسات المدنية والأنواع الجديدة من الاستعمار السياسي والعسكري والثقافي(106).

وفي هذا السياق يبـدو لنـا ضروريـا أن نبرز بعض النقاط المشتركة التي تمثل حصادنا الفكري لطبيعة العلاقة بين المؤسسات التربوية والمجتمع:

- الجامعة لا تمثـل عالما منفصلا عن الحياة الاجتماعية، وهي في كافة أحوالها مؤسسـة تربوية تخـضع لجـدل العلاقات القائمة بين المؤسسات الاجتماعية وبين المجتمع.

- وإذا كـانت وظيفـة وبنيـة المؤسسـة الجامعية مرهونـة بالشروط الاجتماعية القائمـة، فإن ذلك لا يتعارض مع هامش من الاستقلال النسبي الذي تتمتع به هذه المؤسسـة التربويـة، ويبقى مثل ذلك مرهونا بمستوى وعي العاملين في الحقل التربوي وطبيعة انتماءاتهم الاجتماعية وخلفياتهم الثقافية.

- هـذا ويمكـن للجامعة أن تلعـب أدوارا متعددة ومتباينة، فهي قادرة على تكـريس الديمقراطية التربويـة كمـا يمكـنها وعلى خلاف ذلك أن تسهم في تعزيز القيم التسلطية المنافية للقيم الديمقراطية، ولكن هذه الإمكانية مرهونة بجملة من الظروف الاجتماعية والسياسية القائمة.

فالجامعة لا تستطيع أن تضمن استقلالها وحريتها في طلب الحقيقة، ونشرها ما لم تتمتع بتأييد واضح من القوى الاجتماعية خارج جدرانها وبعبارة أخرى، يجب على الجامعة أن تجعل أحد أهدافها الرئيسية تربية الأجيال المتلاحقة من خريجيها على تمتين مفاهيم الحرية الأكاديمية ليكونوا عونها الفكري والبشري إذا أزفت الأزمة حاقت بالجامعة قوى الردة الحضارية تريد مصادرة حقها في طلب الحقيقة، وإشاعتها بين الناس(107).

وأخيرا فإن دور الجامعة الإبداعي يتحدد بدرجة الاستقلالية الذاتية أو النسبية التي تتمتع بها الجامعة وبطبيعة المجتمع الجامعي والقوى الاجتماعية التي يتحدر منها المجتمع بمختلف فصائله واتجاهاته وتياراته. وهذا يعني أنه كلما تنامت درجة الاستقلال الذاتي للمؤسسة الجامعية وكلما تنامت فيها القوى الاجتماعية الليبرالية استطاعت هذه المؤسسة أن تتسنم أدوارا اجتماعية تحمل طابع الابتكار والتجديد.

وتجدر الإشارة إلى أن هذا الاتجاه بدأ يشهد حالة كبيرة من التراجع ولا سيما في النصف الثاني من القرن العشرين وذلك تحت تأثير نمو الفكر السوسيولوجي الذي استطاع أن يكشف عن الأبعاد الاجتماعية للعملية التربوية وعن الروابط الأيديولوجية للعلاقة بين التربية والمجتمع. فالمؤسسات التربوية كما تظهرها هذه الدراسات تمارس وظيفتها وفقا لمعايير اجتماعية تتحدد في نسق الحياة الاجتماعية السياسية.

9- موقف الأكاديميين من وضعية القهر وغياب الحريات الأكاديمية:

تتوقف ردود فعل الأكاديميين العرب على منظومة من الوضعيات الاجتماعية والأكاديمية التي يعيشون فيها. فأغلب الفئات الأكاديمية التي تعاني من الأوضاع السيئة والمتردية هي الأجيال الجديدة من المدرسين والأكاديميين الذين عادوا من الإيفاد وأنهوا دراستهم في الثمانينات وما بعد ذلك. وأغلب هذه الفئات الأكاديمية تنتمي إلى الطبقة الوسطى في مختلف البلدان العربية. وهذا يعني أن هذه الفئات تتحدر غالبا من فئات اجتماعية تعاني في الأصل من أصول اجتماعية متواضعة جدا. ويمكن التمييز في نسق هذه الفئات الأكاديمية بين الفئات الأكاديمية التي تأهلت علميا في الاختصاصات العلمية الدقيقة مثل الطب والهندسة والصيدلة والعلوم وبين الفئات التي تأهلت علميا في مجال العلوم الإنسانية.

وكما وضحنا في السابق فإن هاجس الأكاديميين الجدد هو التحرر من عالم الضرورة ويلاحظ في هذا السياق أن الصراع من أجل الرغيف والوجود (تأمين سكن – هاتف – الزواج وبناء أسرة) يشكل جوهر حياة هذه الفئة فالبحث هنا يجري عن خلاص وهذا الخلاص يبدو بالنسبة إلى أغلبهم كالسراب.

ويبدو أن الأكاديميين من ذوي الاختصاصات العلمية (طب وهندسة) أوفر حظا من زملائهم في مجال العلوم الإنسانية حيث يجدون فرصا للعمل في القطاع الخاص وأحيانا يدخلون في نسق من العلاقات التي تضمن لهم ماء الوجه والحد الأدنى من الكرامة الإنسانية. أما الطامة الكبرى فتقع على أصحاب الاختصاصات الإنسانية الذي يجدون أنفسهم في حصار مادي واجتماعي خانق لا يرحم. وتبعا لوضعية هذه الفئات الاجتماعية تتحدد وضعية الاستجابة تجاه الوضعية المأساوية التي تعيشها شريحة واسعة من هؤلاء الأكاديميين.

فالأجيال القديمة من الأكاديميين استطاعوا الاستفادة من النظام الأكاديمي القديم الذي منحهم فرصة أكبر لتكوين حياتهم المادية والفكرية والدخول في نسق من العلاقات التي ضمنت لهم نوعا من الاستمرارية والحضور والقدرة على المواظبة سواء في خارج بلدانهم أو في داخلها. وأغلب عناصر هذه الفئة انكفأ على امتيازاته النسبية وابتعد حتى عن أبسط المطالبات الأساسية لتحسين أوضاعهم وأوضاع زملائهم. فالخلاص الفردي لهذه الفئة شكل لها المخرج الأساسي من أزمة التدهور التي يعانيها المجتمع الأكاديمي ولا سيما شريحة الأجيال الجديدة.

ويلاحظ في هذا السياق الصمت الذي سجله عدد كبير من المفكرين الذي عرفوا بجرأتهم وقدرتهم الأكاديمية وحضورهم الاجتماعي الكبير في أوطانهم. هذه الفئة من الأكاديميين التي تسجل حضورها في كثير من المحافل الثقافية والفكرية لم تحرك ساكنا أو قلما للحديث عن الأوضاع المتردية للمجتمع الأكاديمي بصورة عامة. والغريب في الأمر أن أغلب المفكرين الكبار في أوروبا وأمريكا قد خصصوا دراسات وأبحاث حول الحرية الأكاديمية في جامعاتهم ومؤسساتهم إلا أن كثيرا من المفكرين العرب البارزين قد تغافلوا هذه القضية وأغفلوها لاعتبارات غير واضحة. فعلى سبيل المثال كان يمكن لهؤلاء المفكرين أن بما يمتلكون عليه من القدرة والاقتدار الأكاديمي أن يثيروا هذه القضية في مستواها العلمي على الأقل ولكنهم آثروا الصمت حول هذه القضية علما بأنها من أهم القضايا التي يمكن أن تثار وتطرح في الساحة الفكرية والسياسية.

وفيما يتعلق بالفئة الأكاديمية المؤهلة بالعلوم الدقيقة والتطبيقية بقيت آمالهم في خلاص فردي يقوم على أساس الخبرات التي يمتلكون عليه في مجال الطب والهندسة وغير ذلك من العلوم النادرة والمنتجة ماديا.

أما فيما يتعلق بأوضاع الفئة الأكاديمية الوسطى والتي تأهلت في مجال العلوم الإنسانية بقيت استجاباتها في حدود الترجي والأمل في أن تجد خلاصا ماديا يقوم على أساس عناية القيادة السياسية: فالآمال عند هؤلاء كبيرة جدا في أن تلتفت إليهم السلطة السياسية في لحظة ما لتعيد لهذه الطبقة بعض الاعتبار ولا سيما فيما يتعلق بالسكن والسيارة وتحسين الأوضاع بصورة عامة. وتتحدد استجابات الأكاديميين في ثلاثة مستويات: فئة أكاديمية استطاعت أن تجد الخلاص في مراحل سابقة وهي غير معنية فيما يحدث بالنسبة لزملائهم من الشرائح الأكاديمية الأخرى. فئة ثانية وهي فئة الأكاديميين من ذوي الاختصاصات العلمية تعول على أهمية رأس المال العلمي الذي تمتلكه وعلى القدرات والمهارات التي يمكن الاستفادة منها مباشرة في سوق العمل. أما الفئة الثالثة فهي الفئة التي تحمل تأهيلا في مجال العلوم الإنسانية وهذه الفئة ما زالت تعتمد أسلوبا في النضال يقوم على أساس لفت الانتباه والترجي والأمل … إلخ.

وهناك شريحة من الأكاديميين الذي يوجدون في سدة الحكم من وزراء ورؤساء جامعات ونقابيين وغير ذلك من المسؤوليات الكبيرة ولكن هذه الفئة تعمل وعلى خلاف ما هو مرجو منها على تكريس معاناة أعضاء هيئة التدريس وعلى تضييق الحصار عليهم بصورة مستمرة عبر قوانين جديدة ومراسيم إدارية جديدة تكرس بؤس الأستاذ الجامعي ومعاناته. طبعا الأمثلة على هذه الوضعية لا حدود لها ويمكن أن نسرد آلاف المؤشرات والحوادث التي تدل على هذه الوضعية.

في تحليل سوسيولوجي أكثر عمقا من هذا الذي صورناه يقدم امحمد صبور رؤية علمية لردود أفعال الأكاديميين إزاء وضعية القهر وتحليله هذا قد ينسحب على كثير من أوضاع الأكاديميين في الوطن العربي حيث يقول " يؤدي الطغيان والقهر الذي يتعرض له الأكاديميون إلى ردود فعل مختلفة إزاء النظام السائد " فمنهم من يندمج، ومنهم من ينسحب، ومنهم من يكيف نفسه، ومنهم من يتمرد ويثور. وبعبارة أخرى هناك من يندمجون لأسباب شخصية (كالمنفعة والمصلحة والتطلعات الإدارية) وباندماجهم يصبحون أعضاء مهيمنين لتأييد الأيديولوجيا المهيمنة. أما المنسحبون فلا يعتبرون أنفسهم جزءا من النظام ويغتربون عنه، وفي هذه الحالة، يعرضون أنفسهم بكيفية آلية لعمليات الانتقام(108). أما المجموعة التي تكيف نفسها مع النظام، فإنها تلبس جلد الحرباء وتتلون مع المواقف كما تلونت. وأعضاء هذه الجماعة مرنون ومتعاونون وموافقون ومستعدون للجلوس في أي مقعد يقدم لهم، والاندفاع في أي خطاب يعرض عليهم. وبعبارة أخرى فهم على استعداد، على أساس أن عملهم عمل علمي وليس سياسيا. وهم في الواقع يحاولون إخفاء انتهازيتهم تحت ستار عدم الانتماء السياسي وتلبيس ضياعهم الثقافي قناع الأيديولوجيا البرغماتية الحادة(109).

10- خلاصة:

الأكاديميون العرب (مع الاحتراز ضد التعميم) يعيشون حالة اغتراب تتمثل في غياب الحريات وتآكل الحقوق والأكاديمية بكل المقاييس. وبما أن الجامعة هي حرم العقل والحرية فإنه يترتب على الجامعيين اليوم وأكثر من أي وقت مضى أن يتحرروا من نزعة الخلاص الفردي. الأكاديميون يملكون الكلمة والقلم على الأقل وهم يستطيعون أن يقدموا صورة واقعية للمأساة عبر أبحاثهم ومناقشاتهم وهمساتهم. وهذا يعني أن الصمت ليس الأداة الأفضل للنضال من أجل تغيير الواقع. وهذا يعني أنه يجب على الأكاديميين الخروج من دائرة الصمت والمطالبة بالحوار والتأكيد على أهمية الخلاص الحقيقي للأكاديميين من دائرة الصعوبات لأن خلاصهم ضروري من أجل تقدم المجتمع والجامعة والحياة الاجتماعية برمتها.

فالحريات الأكاديمية كما تلح دراستنا هذه لم تعد ترفا ثقافيا أو موضوعيا يهم المثقفين، بل هي ضرورة حيوية لنهضة الأمة والخروج بها من أزمتها(110). وأنى لهذه الحرية أن تتأتى إذ كان الأكاديميون يعيشون في صراع مع شروط البقاء والمقدمات الأساسية للوجود. فالحرية " ليست شيئا يودع في عقول الرجال بل هي ممارسة أو استجابة واعية نحو العالم(111). وهذا يعني أن الحرية والحقوق لا تأتي على طباق فضية بل يجب على المعنيين أن يناضلوا من أجلها وأن يمارسوها بعيدا عن وضعيات التوسل والرجاء.

وذلك لأن "قيمة التعليم الجامعي وعظم شأنه يتوقف على مبلغ نجاحنا في إرساء الحرية الأكاديمية " وترسيخها كتقليد جامعي(112). وهذه الحرية قمينة إذ توفرت أن تمكن الجامعة نفسها من الاستمرار ومن امتلاك ناصية العمل على إعادة بناء العقلية العربية انطلاقا من مقدمات ديمقراطية لمواكبة العصر بصيرورته وتطوراته. فالحرية مطلب تاريخي للإنسان والشعوب وإذا كانت مطلبا عاما للإنسان فإن هذه الحرية تطرح نفسها بإلحاح لا حدود له في مجال الحياة والأكاديمية. لأن الحرية الأكاديمية تمثل عصب وشريان الوجود بالنسبة لوظيفة الجامعة وأدائها.

* جامعة الكويت – كلية التربية

....................................
مراجع الدراسة:
[1] - إلياس الزين: الجامعة اللبنانية وإعادة بناء لبنان وتطويره، دراسات عربية، عدد2، كانون الأول 1977،ص45.
[2] - عبد الله محمد عبد الرحمن: سوسيولوجيا التعليم الجامعي: دراسة في علم الاجتماع التربوي، دار المعرفة الجامعية، 1991، ص 101.
[3] - عبد الله محمد عبد الرحمن: سوسيولوجيا التعليم الجامعي: المرجع السابق، ص104.
[4] - رضوان السيد: الحريات الأكاديمية في جامعات سوريا ولبنان، ضمن الحرية الأكاديمية في الجامعات العربية، بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي عقدها منتدى الفكر العربي، 27-28 سبتمبر أيلول عمان، 1994، (صص 73-91) ص 83.
[5] - علي محافظة: الحرية الأكاديمية في الجامعات الأردنية، ضمن الحرية الأكاديمية في الجامعات العربية، بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي عقدها منتدى الفكر العربي، 27-28 سبتمبر أيلول عمان، 1994، (صص 23- 38) ص 24.
[6] - علي محافظة: الحرية الأكاديمية في الجامعات الأردنية، المرجع السابق، ص 24.
[7] - رياض قاسم: مسؤولية المجتمع العلمي العربي منظور الجامعة العصرية وأفق الحرية الديمقراطية داخل الحرم الجامعي العربي، المستقبل العربي، عدد 193، آذار /مارس1995، صص(76-94)، ص86.
[8] - محمد جواد رضا: الاصطلاح الجامعي في الخليج العربي، الكويت، شركة الربيعان للنشر والتوزيع، 1984،ص109.
[9] - سعيد إسماعيل علي: الحرية الأكاديمية للتعليم العالي العربي لمواجهة تحديات مطلع القرن القادم، ضمن المؤتمر التربوي الثاني لقسم التربية حول التعليم العالي العربي وتحديات مطلع القرن الحادي والعشرين، الكويت، هوليدي إن،(17 - 20) إبريل 1994،ص10.
[10] - عبد الخالق عبد الله: حالة جامعة الإمارات العربية المتحدة، ضمن الحرية الأكاديمية في الجامعات العربية، بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي عقدها منتدى الفكر العربي، 27 - 28 سبتمبر أيلول عمان، 1994، (صص 93 - 112)، ص97.
[11] - مداخلة حسن جميل طه: حوار حول الحرية الأكاديمية بين المفهوم والممارسة، المجلة التربوية، المجلد1، السنة الأولى، العدد الأول، يونيو1984، صص(63 - 102)ص78.
[12] - جون ديكنسون: العلم والمشتغلون بالبحث العلمي في المجتمع الحديث، سلسلة كتب عالم المعرفة، 112، الكويت 1987، ص 189
[13] - عبد الخالق عبد الله: حالة جامعة الإمارات العربية المتحدة، مرجع سابق، ص95.
[14] - عبد الخالق عبد الله: حالة جامعة الإمارات العربية المتحدة، مرجع سابق، ص95.
[15] - سعيد إسماعيل علي: الحرية الأكاديمية للتعليم العالي العربي مرجع سابق، ص24.
[16] - عبد الخالق عبد الله: حالة جامعة الإمارات العربية المتحدة، مرجع سابق، ص96.
[17] - عبد الفتاح عمر: الحريات الأكاديمية في الجامعات التونسية، ضمن الحرية الأكاديمية في الجامعات العربية، بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي عقدها منتدى الفكر العربي، 27 - 28 سبتمبر أيلول عمان، 1994، (صص 55 - 72) ص 56.
[18] - امحمد صبور: المعرفة والسلطة في المجتمع العربي: الأكاديميون العرب والسلطة، مركز دراسات الوحدة العربية، سلسلة اطروحات الدكتوراه (18)، بيروت، 1992، ص 203.
[19] - أسامة عبد الرحمن: البيروقراطية النفطية ومعضلة التنمية، دار الشباب للنشر والترجمة والتوزيع، قبرص، 1987، ص 238.
[20] - الدكتور محمد جواد رضا: أزمات الحقيقة والحرية والضرورة، الجمعية الكويتية لتقدم الطفولة العربية، سلسلة الدراسات العلمية والموسمية المتخصصة، العدد 22، يناير، الكويت 1991، ص 46.
[21] - عمر عبيد حسنة: مراجعات في الفكر والدعوة والحركة، الرياض، الدار العالمية للكتاب الإسلامي، 1994، ص38.
[22] - يزيد عيسى سورطي: السلطوية في التربية العربية المظاهر والأسباب والنتائج، المجلة التربوية، العدد47، المجلد12، الكويت، شتاء1998،صص(235 - 285)،ص274.
[23] - عبد الرحمن بدوي: فلسفة الدين والتربية عند كنت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1980، ص 128.
[24] - عبد الرحمن الكواكبي (1854 - 1902) مصلح سوري أصيل مدينة حلب، هاجر وطنه في آخر حياته إلى مصر عام 1899 فرارا من الاضطهاد العثماني وعرف بمؤلفيه: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد 1899، وأمَ القرى 1901.
[25] - محمد إبراهيم المنوفي: نحو فلسفة تربوية لمواجهة ظاهرة الاستبداد السياسي، دراسات تربوية، صادرة عن رابطة التربية الحديثة، المجلد العاشر، جزء79، صص(97 - 176)،ص109.
[26] - علي الدين هلال: الديمقراطية وهموم الإنسان العربي المعاصر، ضمن مركز دراسات الوحدة العربية، الديمقراطية وحقوق الإنسان في الوطن العربي، بيروت،1986،(صص7 - 21)ص 8.
[27] - عبد الخالق عبد الله: حالة جامعة الإمارات العربية المتحدة، مرجع سابق، ص98.
[28] - سعيد إسماعيل علي: الحرية الأكاديمية للتعليم مرجع سابق،ص12.
[29] - جوستن بي ثورنز: الحرية الأكاديمية واستقلال الجامعات، مستقبليات، المجلد 28، العدد 3، سبتمبر 1998، (صص 401 - 407)، ص403.
[30] - جوستن بي ثورنز: الحرية الأكاديمية، مرجع سابق، ص403.
[31] - عبد الله محمد عبد الرحمن: سوسيولوجيا التعليم الجامعي، مرجع سابق.
[32] - فؤاد ذكريا: التفكير العلمي، سلسلة كتب عالم المعرفة، رقم3، الكويت 1978، ص8.
[33] - امحمد صبور: المعرفة والسلطة في المجتمع العربي: الأكاديميون العرب والسلطة، مركز دراسات الوحدة العربية، سلسلة اطروحات الدكتوراه (18)، بيروت، 1992، ص 174.
[34] - محمد جواد رضا: الثقافة الثالثة: الجامعات العربية وتحدي العبور من برزخ الثقافتين، المستقبل العربي، العدد 237، السنة 21، تشرين الثاني / نوفمبر 1998، (صص 109 - 120)، ص 119.
[35] - نادر فرجاني: التعليم العالي والتنمية في البلدان العربية،، مجلة المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، السنة الحادية والعشرون، العدد237،تشرين الثاني/نوفمبر، 1998،صص(83 - 108)،ص90
[36] - نادر فرجاني: التعليم العالي المرجع السابق، ص90
[37] - عبد الخالق عبد الله: حالة جامعة الإمارات العربية المتحدة، مرجع السابق، ص101.
[38] - عبد الخالق عبد الله: حالة جامعة الإمارات العربية المتحدة، مرجع السابق، ص102.
[39] - محمد جواد رضا: الجامعات العربية من الغربة إلى الاغتراب، المستقبل العربي، عدد 182، نيسان/إبريل، 1994،ص25.
[40] - نادر فرجاني: التعليم العالي والتنمية في البلدان العربية، مرجع سابق، ص86
[41] - هيلين دار بشير: حرية الكلمة الحرية الرئيسية، رسالة اليونسكو، مارس (صص14_24) 1994،ص14.
[42] هيلين دار بشير: حرية الكلمة الحرية الرئيسية، المرجع السابق، ص14.
[43] - عبد الهادي عباس، حقوق الإنسان، الجزء الأول، دار الفاضل، دمشق 1995، ص 60.
[44] - نحن على وعي كامل بمخاطر التعميم فالوضع يختلف بين جامعة عربية وأخرى وبين قطر عربي وآخر.
[45] - امحمد صبور: المعرفة والسلطة في المجتمع العربي، مرجع سابق ص 185.
[46] - امحمد صبور: المعرفة والسلطة في المجتمع العربي، مرجع سابق، ص 15.
[47] - عدنان مصطفى: مسألة الجامعات العربية منظور القبور الحية، عالم الفكر، المجلد24، العددان1/2، يوليو/سبتمبر /أكتوبر/ ديسمبر،1995،صص(15 - 34)،ص28.
[48] - رضوان السيد: الحريات الأكاديمية في جامعات سوريا ولبنان، ضمن الحرية الأكاديمية في الجامعات العربية، بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي عقدها منتدى الفكر العربي، 27 - 28 سبتمبر أيلول عمان، 1994، (صص 73 - 91) ص 79.
[49] - امحمد صبور: المعرفة والسلطة في المجتمع العربي، مرجع سابق، ص 128.
[50] - رياض قاسم: مسؤولية المجتمع العلمي العربي منظور الجامعة العصرية وأفق الحرية الديمقراطية داخل الحرم الجامعي العربي، المستقبل العربي، عدد 193، آذار /مارس1995، صص(76 - 94)، ص85.
[51] - عبد الفتاح عمر: الحريات الأكاديمية في الجامعات التونسية، ضمن الحرية الأكاديمية في الجامعات العربية، بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي عقدها منتدى الفكر العربي، 27 - 28 سبتمبر أيلول عمان، 1994، (صص 55 - 72) ص 55.
[52] - منى مكرم عبيد: الحريات الأكاديمية في مصر بين الأمس واليوم، ضمن الحرية الأكاديمية في الجامعات العربية، بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي عقدها منتدى الفكر العربي، 27 - 28 سبتمبر أيلول عمان، 1994، (صص 39 - 54) ص 45.
[53] - رضا محمد جواد: الجامعات العربية من الغربة إلى الاغتراب، المستقبل العربي، عدد 182، نيسان /أبريل، 1994. (صص:4 - 20)
[54] - سعيد إسماعيل علي: الحرية الأكاديمية للتعليم العالي العربي مرجع سابق، ص2.
[55] - عاقل فاخر: التربية قديمها وحديثا، دار العلم للملايين، بيروت، 1977. (ص: 434).
[56] - عبد الخالق عبد الله: حالة جامعة الإمارات العربية المتحدة، مرجع سابق، ص103.
[57] - لا يمكن لأصحاب القلم الحر أن يكتبوا عن موضوع الحريات الأكاديمية في بعض الجامعات العربية ولذلك فإننا نعتقد بأن الجامعات التي كتب فيها وبوضوح عن الحريات الأكاديمية هي جامعات حرة نسبيا.
[58] - عبد الخالق عبد الله: حالة جامعة الإمارات العربية المتحدة، مرجع سابق، ص104.
[59] - مداخلة أحمد بشارة: في ندوة: الحرية الجامعية والهوية الثقافية، المجلة العربية للعلوم لإنسانية، عدد58، السنة 15، ربيع 1997، صص(222 - 258)،ص231.
[60] - مداخلة عبد الملك التميمي: في ندوة الحرية الجامعية والهوية الثقافية، مرجع سابق، ص242.
[61] - سعيد إسماعيل علي: الحرية الأكاديمية للتعليم العالي العربي مرجع سابق، ص3.
[62] - لقد شهدت إحدى الأقسام في إحدى الجامعات العربية نشاطا معرفيا يحمل طابعا فكريا فلسفيا يتميز بطابع الشمولية وذلك في ندواته الثقافية السنوية وعلى أثر النجاح الكبير التي حققه هذا القسم بتظاهراته الثقافية (ودون أية ممارسة فكرية سياسية معارضة أو مناوئة) تم تغيير رئيس القسم وتعطيل هذا النشاط.
[63] - فاخر عاقل: التربية قديمها وحديثها، دار العلم للملايين، بيروت 1977، ص433.
[64] - أحمد خضر أبو هلال: دراسة أنتروبولوجية لدور الجامعات العربية في تطوير المجتمع العربي: المؤتمر العام الثاني لاتحاد الجامعات العربية: الجامعات العربية والمجتمع العربي المعاصر 7 - 4 شباط 1973، صص(113 - 141)،ص134.
[65] - انظر: خليل محشي: التربية المدرسية والعطاء العلمي في البلدان العربية، ندوة تهيئة الإنسان العربي للعطاء العلمي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1985، (ص 219 - 268)، ص 256.
[66] - عبد الله عبد الدايم: التعليم العالي وتحديات اليوم والغد، المستقبل العربي، العدد 237، السنة 21، تشرين الثاني / نوفمبر 1998، (صص 121 - 131)، ص131.
[67] - شكري نجار: الجامعة ووظيفتها الاجتماعية والعلمية، الفكر العربي، عدد20، آذار - نيسان1981،ص149.
[68] - شكري نجار: الجامعة ووظيفتها الاجتماعية والعلمية، المرجع السابق، ص149.
[69] - محمد جواد رضا: الإصلاح الجامعي في الخليج العربي، الندوة الفكرية الثانية لرؤساء ومديري جامعات الدول الأعضاء، جامعة الملك عبد العزيز، جدة 1984، ص71.
[70] - عدنان مصطفى: مسألة الجامعات العربية منظور القبور الحية، عالم الفكر، المجلد24، العددان1/2، يوليو/سبتمبر /أكتوبر/ديسمبر،1995،صص(15 - 34)،ص19.
[71] - مداخلة أحمد بشارة: في ندوة الحرية الجامعية والهوية الثقافية، المجلة العربية للعلوم الإنسانية، عدد58، السنة 15، ربيع 1997، صص(222 - 258)،ص229.
[72] - زكي حنوش: نحو منطلقات مشتركة لفلسفة وأهداف مناهج التعليم الجامعي العربي في المرحلة الراهنة، شؤون عربية، عدد91،سبتمبر، 1997،ص137.
[73] - رضوان السيد: الحريات الأكاديمية في جامعات سوريا ولبنان،، مرجع سابق، ص 80.
[74] - ف.كومبز: أزمة التربية في عالمنا المعاصر، ترجمة أحمد خيري كاظم وجابر عبد الحميد، دار النهضة المصرية، القاهرة، 1971.
[75] - آلفين توفلر: صدمة المستقبل أو المتغيرات في عالم الغد، ترجمة محمد علي ناصيف، نهضة مصر، القاهرة 1990(ص:203)
[76] - امحمد صبور: المعرفة والسلطة في المجتمع العربي، مرجع سابق، ص 173.
[77] - امحمد صبور: المعرفة والسلطة في المجتمع العربي، مرجع سابق، ص 174.
[78] - امحمد صبور: المعرفة والسلطة في المجتمع العربي، مرجع سابق، ص 175.
[79] - انظر: محمود قنبر: التربية وترقية المجتمع، دار سعاد الصباح، مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، ط1، الكويت، 1992.
[80] - فيليب أديب سالم: الحواجز الحضارية أمام التقدم العلمي العربي، مجلة المستقبل العربي، العدد2، 1978.
[81] - عبد الله عبد الدايم، التربية عبر التاريخ، دار العلم للملايين، بيروت، ط3، 1978، ص 505.
[82] - حسن حنفي: الجذور التاريخية لأزمة الديمقراطية في وجداننا المعاصر، ضمن مركز دراسات الوحدة العربية، الديمقراطية وحقوق الإنسان في الوطن العربي، بيروت،1986،(صص 175 - 190)، ص 177.
[83] - منذر عنبتاوي: دور النخبة المثقفة في تعزيز حقوق الإنسان، ضمن مركز دراسات الوحدة العربية، الديمقراطية وحقوق الإنسان في الوطن العربي، بيروت،1986،(صص 277 - 312)، ص 279.
[84] - Durkhein (E.), Education et sociologie, Paris,. U.F.(1966),(P.86)
[85] - Męme source:,P.87
[86] - Męme source, P.82.
[87] - Christophy (J.) et Mary J.B., School and inquility saturday Revît et Washington post,17 avril (1972),In Gras (A.), Sociologie de l'éducation: Textes fondamentaux, Paris, Larousse,(1974),(p.311).
[88] - Voir: Snyders (G.), Ecole classe et lutte des classes, ibid.
[89] - Snyders (G.), Ecole classe et lutte des classes,ibid,p.29
[90] - Snyders (G.), Męme source, pp(30 - 31).
[91] - أحمد الأمين: إعادة بناء العقلية العربية: مقدمات من أجل بناء المجتمع المدني وإقامة الديمقراطية، دراسات عربية، العدد 1/2، نوفمبر/ ديسمبر، دار الطليعة، بيروت، 1998، صص(2 - 12). ص 11.
[92] - المعهد العربي للتخطيط وثيقة تعليم الأمة العربية في القرن العشرين " الكارثة والأمل " التقرير التلخيصي لمشروع مستقبل التعليم في الوطن العربي " تحرير سعد الدين إبراهيم، القاهرة - 18 - 30 - نيسان (أبريل) 1992.
[93] - أحمد بشارة: ضمن: ندوة الحرية الجامعية والهوية الثقافية،، مرجع سابق، ص229.
[94] - أحمد بشارة: ضمن: ندوة الحرية الجامعية والهوية الثقافية،، مرجع سابق، ص234.
[95] - أحمد الربعي: ضمن: ندوة الحرية الجامعية والهوية الثقافية،، مرجع سابق، ص229.
[96] - زكي حنوش: مستقبل حقوق الإنسان والشعوب في ظل النظام العالمي الجديد، مرجع سابق، ص239.
[97] - زكي حنوش: مستقبل حقوق الإنسان والشعوب في ظل النظام العالمي الجديد،، مرجع سابق، ص239.
[98] - انظر محمد نبيل نوفل: دراسات في الفكر التربوي المعاصر، مكتبة الأنجلو مصرية، القاهرة 1986، ص52.
[99] - مداخلة عبد المالك التميمي: في ندوة الحرية الجامعية والهوية الثقافية،، مرجع سابق، ص242.
[100] - أحمد خضر أبو هلال: دراسة أنتروبولوجية لدور الجامعات العربية في تطوير المجتمع العربي: المؤتمر العام الثاني لاتحاد الجامعات العربية: الجامعات العربية والمجتمع العربي المعاصر 7 - 4 شباط 1973، صص(113 - 141)،ص122 - 123.
[101] - سلامة الخليفي: تربية التسامح الفكري: صيغة تربوية مقترحة لمواجهة التطرف، التربية المعاصر، عدد 26، مارس1991، صص(77 - 109)،ص83.
[102] - مداخلة أحمد الربعي: في ندوة الحرية الجامعية والهوية الثقافية،، مرجع سابق، ص240.
[103] - منى مكرم عبيد: الحريات الأكاديمية في مصر بين الأمس واليوم،، مرجع سابق، ص 50.
[104] - رضوان السيد: الحريات الأكاديمية في جامعات سوريا ولبنان، مرجع سابق، ص 91.
[105] - مداخلة أحمد الربعي: في ندوة الحرية الجامعية والهوية الثقافية،، مرجع سابق، ص238.
[106] - علي فخرو: متطلبات تطوير التعليم العالي، المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، السنة الحادية والعشرون، العدد237،تشرين الثاني/نوفمبر، 1998،صص(81 - 82)،ص82.
[107] - محمد جواد رضا: الجامعات العربية من الغربة إلى الاغتراب، مرجع سابق، ص8.
[108] - امحمد صبور: المعرفة والسلطة في المجتمع العربي، مرجع سابق، ص 174.
[109] - امحمد صبور: المعرفة والسلطة في المجتمع العربي، مرجع سابق، ص 174.
[110] - علي الدين هلال: الديمقراطية وهموم الإنسان العربي المعاصر، ضمن مركز دراسات الوحدة العربية، الديمقراطية وحقوق الإنسان في الوطن العربي، بيروت،1986،(صص7 - 21)ص 8.
[111] - باولو فرايري: تعليم المقهورين، مرجع سابق، ص58.
[112] - رياض قاسم: مسؤولية المجتمع العلمي العربي منظور الجامعة، مرجع سابق، ص85.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي