مدى فاعلية التشريعات الوطنية والدولية في معالجة الفساد

The effectiveness of national and international legislation in dealing with corruption

مؤتمر الإصلاح التشريعي

2018-09-08 07:03

الدكتور نبيل العبيدي – القانون الدولي الجنائي-الخبير الأكاديمي في مكافحة الارهاب الدولي-كلية الكتاب الجامعة – العراق
الدكتور سعدون حسيب عارف-جامعة كركوك-كلية القانون والعلوم السياسية-العراق

بحث مقدم الى مؤتمر (الاصلاح التشريعي طريق نحو الحكومة الرشيدة ومكافحة الفساد) الذي اقامته مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام وجامعة الكوفة/كلية القانون 25-26 نيسان 2018

يعد الفساد آفة العصر الحديث، لا دين له ولا وطن، ولا يخفى على أحد ما نمرُّ به هذه الأيام من ظواهر، وحوادث كبيرة في شيوع ظاهرة الفساد، والعالم أجمع، فليس هناك دولة – في الوقت الراهن – تسلم من الفساد، وكوارثه. ولا شك أن الفساد يشكِّل تهديدًا مستمرًا للسلام، والأمن، والاستقرار ولا يوجد مبررٌ أو مسوغٌ لارتكاب الفساد، فهو مدان دائمًا مهما كانت الظروف أو الدوافع المزعومة.

فقد كان هناك إجماع دولي على استخدام أدوات النظام المالي لمكافحة الفساد، وذلك باعتبارها من أفضل الوسائل للقضاء على الفساد من خلال مكافحة الفساد بجميع الطرق المتاحة التي تأتي من خلال المواجهة المالية للجريمة المرتكبة والتي يكون الفساد اساسها، لذلك تعتبر عملية مكافحة الفساد إحدى أولويات المجتمع الدولي وتعني الحد من توسع الفساد التي تحقق مارب المجرمين.

ولهذا أصبح الفساد من أكثر الجرائم انتشارا على مستوى العالم. إن الجمعية العامة، إذ يقلقها رشو الموظفين العامّين من قبل أفراد ومؤسسات في دول أخرى فيما يتعلق بالمعاملات التجارية الدولية،

واقتناعا منها أيضا بأن مكافحة الفساد يجب دعمها بجهود صادقة من خلال التعاون الدولي،، وتشكل خطرا على الاقتصاد بشكل عام، وتعد مصدرا لتمويل الجريمة المنظمة والجرائم الارهابية، ولهذا نصت الاتفاقيات الدولية في الآونة الاخير على ادراج جرائم الفساد والارهاب ضمن جرائم غسيل الاموال بهدف تجفيف منابع الفساد والارهاب.

1- مشكلة البحث: مما يلاحظ زيادة الاهتمام الدولي بالتهديد الذي تشكله جريمة الفساد وضورة اتخاذ الاجراءات القانونية ضدها. اذ يشكل تمويل الارهاب أحد أهم التهديدات الامنية الدولية والمحلية من خلال إمداد الجماعات والتنظيمات الارهابية بالأموال من خلال عمليات الفساد التي ترتكب. وعلى ذلك تبدو اشكالية هذا البحث في ان الفساد أصبح ظاهرة تؤثر في حريات الافراد وحقوقهم، وتقوم المؤسسات الراعية لعمليات الفساد بعمل من أجل ديمومة الفساد. ولهذا يتطلب عمليات مالية دقيقة لمكافحة عميلات غسيل الاموال من اجل مكافحة الفساد.

2- أهمية البحث: تكمن أهمية البحث في الاهتمام بمكافحة الفساد التي تتم بطرق غير قانونية من مصادر غير مشروعة، وكذلك تتمثل في اهمية خاصة للمهتمين بمراجعة واصلاح التشريعات المتعلقة بمكافحة الفساد. ونظرا للتطور الهائل الذي يشهده العالم، بحيث أصبحت مكافحة الفساد تتطلب قوى بشرية ذات مواصفات وسمات خاصة.

3- منهج البحث: اتبعت المنهج التحليلي

4- خطة البحث:

المحور الأول: ماهية الفساد وصوره

المحور الثاني: معالجة جريمة الفساد في التشريعات الوطنية

المحور الثالث: معالجة جريمة الفساد في التشريعات الدولية

المقدمة

لا شك أن الأموال العامة تحتل مكانة هامة في اقتصاد أي دولة، لا سيما وأنها أساس المعاملات الاقتصادية، وبما أن هذه الأموال كانت عبر مختلف الأزمنة و العصور عرضة للاعتداء من طرف الأفراد قامت الدول بحمايتها بعدة وسائل منها أنها كرست لها حماية مدنية بموجب قواعد قانونية تقضي بعدم قابليتها للتصرف والتقادم والحجز، إضافة إلى أنها وضعت تسييرها وإدارتها تحت تصرف أشخاص مؤتمنين على هذه الأموال يسمون بالموظفين العموميين تستخدمهم الدولة أو الهيئات العامة بصفة دائمة أو مؤقتة للقيام بعمل تشريعي أو إداري أو قضائي بمقابل أو بدون مقابل.

وبمرور الوقت امتد تفكير القائم بتسيير وإدارة المال العام إلى خيانة هذه الأمانة، فأصبح بذلك المال العام يتعرض على يد الموظف العمومي إلى عدة أفعال مضرة به، دفعت بالمشرع في مختلف الدول إلى تجريمها و المعاقبة عليها بصرامة، في إطار حماية جزائية لهذا المال، وذلك لأن دور الدولة في حماية الأموال والمصالح العامة المعهودة لأشخاص يعملون في الهيئات ذات النفع العام وتوظيف هذه الأموال والمصالح بما يخدم المجتمع هو السمة المميزة لها أيا كان اتجاهها السياسي والاقتصادي، على أساس أن سلوك الجاني هنا وهو من الموظفين ومن في حكمهم الذين يستلمون بحكم وظائفهم المال العام، يعبر عن خطورة إجرامية في استغلال مركزه لارتكاب الجريمة، إضافة إلى أن يده على المال هي بمثابة يد أمانة يسهل معها الاستحواذ على المال لنفسه.

ومن هنا كان موقف التشريع في أغلب الدول متشددا كي يمنع ما وسعه فكرة الاعتداء على المال العام من أن تراود أذهان هذه الطائفة من الأفراد الذين يعملون باسم المجتمع ولمصلحته، لذلك كان من الطبيعي أن تنمو نظرية متكاملة لردع الاعتداء على المال العام في ظل تنامي دور الدولة ومؤسساتها العامة في المجتمعات المعاصرة وضرورة تأمين الحماية اللازمة للأموال التي تسلم أو يتم إدارتها من طرف هؤلاء الموظفين.

وقد عالج قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 جرائم الفساد في الباب السادس تحت عنوان (الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة) و تشمل جرائم الرشوة والاختلاس وتجاوز الموظفين حدود وظائفهم حيث عالجت الرشوة في المواد(307__314) فالموظف العام عند قيامة بإداء وظيفته فان ذلك لتحقيق المصلحة العامة والرشوة هي طلب الموظف او قبوله لنفسه او لغيره عطية او منفعة او ميزة او وعدا بشيء من ذلك لإداء عمل من اعمال وظيفته او الامتناع عنه او الاخلال بواجبات الوظيفة و وعاقب المشرع العراقي بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات او الحبس اذا حصل الطلب او القبول او الاخذ بعد اداء العمل او الامتناع عنه بقصد المكافاة على ما وقع من ذلك.

المحور الأول
ماهية الفساد وصوره

لم يعد الفساد مجرد ظاهرة او مجموعة ظواهر فردية نستطيع بقليل او كثير من المكافحة القضاء عليها بل اصبحت افة تهدد جسد الدولة العراقية بمجملها وليس فقط المجتمع العراقي ويبدو ان العراق لم يعد ينفرد بهذه الافة التي تكاد تقضي على وجوده وتهدد كيانه وان كان يتربع وبامتياز على عرش الدول الاكثر فسادا لذلك فقد عقدت اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد كون ان هذه الجريمة اصبحت افة عالمية لا يقتصر وجودها على دولة ما او مجتمع ما دون الاخر الا انها بطبيعة الحال تتفاوت نسبتها بحسب درجة نزاهة موظفي تلك الدولة وبحسب درجة احترام القوانين فيها بل وبحسب نسبة المواطنة والحرص على المال العام بين مواطني تلك الدولة التي عدت نافذة بتاريخ 14 كانون الاول عام 2005.

ولم يتفق الكتاب والمنظمات المعنية بمكافحة الفساد على تعريف محدد له، يعَرف المفهوم العالمي النمطي الأكثر انتشاراً للفساد بانه "استغلال أو إساءة استخدام الوظيفة العامة من أجل تحقيق مصلحة خاصة"(1). استخدام النفوذ العام لتحقيق ارباح او منافع خاصة ويشمل جميع انواع رشاوى المسؤولين المحليين او الوطنيين او السياسيين ولكنه يستبعد الرشاوى التي تحدث فيما بين القطاع الخاص(2).

وهناك تعريف من قبل الجمعية اللبنانية التي عرفت الفساد بانه: - (الخروج عن القواعد الاخلاقية الصحيحة وغياب او تغييب الضوابط التي يجب ان تحكم السلوك، ومخالفة الشروط الموضوعة للعمل وبالتالي ممارسة كل ما يتعارض مع هذه وتلك)(3).

وعموما فان الفساد كمصطلح يغطي مجموعة واسعة من الممارسات السياسية والاقتصادية والادارية المشبوهة والمريبة، وهناك مجموعة من السلوكيات التي تعبر عن ظاهرة الفساد وهي متشابهة ومتداخلة في كثير من الأحيان وهي:

- الرشوة (Bribery): أي الحصول على أموال أو أية منافع أخرى من اجل تنفيذ عمل مخالف لاصول المهنة، وهي منتشرة في كثير من الدول الغربية والدول النامية.

- المحسوبية (Nepotism): أي تنفيذ أعمال لصالح فرد أو جهة ينتمي لها الشخص مثل حزب أو عائلة أو منطقة دون أن يكونوا مستحقين لها، وهي منتشرة في الدول العربية بشكل عام.

- المحاباة (Favoritism): أي تفضيل جهة على أخرى في الخدمة بغير حق للحصول على مصالح معينة.

- الواسطة ((Waste: أي التدخل لصالح فرد ما، أو جماعة دون الالتزام بأصول العمل والكفاءة اللازمة مثل تعيين شخص في منصب معين لأسباب تتعلق بالقرابة أو الانتماء الحزبي رغم كونه غير كفؤ، وهي منتشرة كثيرا في العالم العربي وفي العراق.

- نهب المال العام: أي الحصول على أموال الدولة والتصرف بها من غير وجه حق بشكل سري تحت مسميات مختلفة.

- الابتزاز (Black mailins): أي الحصول على أموال من طرف معين في المجتمع مقابل تنفيذ مصالح مرتبطة بوظيفة الشخص المتصف بالفساد.

ويمكن تحديد مجموعة من صور وأشكال الفساد كما يلي:

1. استغلال المنصب أو المركز من قبل الأشخاص المهمين مثل الوزراء ونواب الوزراء والمستشارون للحصول على العمولات المالية من أشخاص آخرين لهم مصالح معينة مقابل تسهيل حصولهم على امتيازات خاصة مثل مشاريع الخدمات العامة، والبنية التحتية للدولة (مشاريع الطرق، والماء والكهرباء، والصرف الصحي، وبناء المدارس والجامعات والمستشفيات وغيرها)، أو الحصول على رخص استيراد المواد الأساسية مثل المواد الغذائية أو المحروقات دون التزامهم بالشروط الخاصة بذلك خاصة ما يتصل بوجود المنافسة الحقيقية وتكافؤ الفرص مع الآخرين. كذلك استخدام المنصب العام الحكومي لتحقيق مصالح شخصية سياسية أو غيرها مثل تزوير الانتخابات أو شراء أصوات الناخبين أو تمويل الحملات الانتخابية من أموال الدولة الخاصة، أو التأثير لي قرارات المحاكم من خلال دفع رشوة للقاضي الفاسد.

وبالرغم من وجود العديد من أشكال وصور الفساد السابقة في العراق، إلا أن المحسوبية والواسطة والاحتكارات في العطاءات الحكومية وسرقة المال العام تعد ابرز صور الفساد في التي يشهدها المجتمع العراقي.

2. غياب النزاهة والشفافية أي الصدق والمساواة والعدالة والوضوح في طرح العطاءات الحكومية " أي المشاريع التي تحتاج الحكومة لتنفيذها لمصلحة البلد مقابل اجر مادي للشركات والمؤسسات القادرة على تنفيذ هذه المشاريع سواء من داخل البلد أو من خارجه" مثل إعطاء عطاء حكومي لشركة لها علاقة بمسؤول معين، أو من أفراد عائلته، أو عدم اتباع الإجراءات والتعليمات القانونية عند طرح العطاء مثل الإعلان في الصحف للجميع أو فتح المجال للمنافسة للجميع.

3. وجود المحسوبية والمحاباة والواسطة في التعيينات الحكومية مثل تعيين أحد المسؤولين أشخاصا في الوظائف الحكومية لأنهم من أقربائه أو من حزبه، على حساب الكفاءة والمساواة والعدالة في فرص التوظيف، أو قيام أحد المسؤولين بتوزيع المساعدات العينية أو المبالغ المالية من المال العام على فئات معينة تخصه، أو مناطق جغرافية معينة لتحقيق أهداف سياسية مثل الفوز في الانتخابات للمجلس التشريعي مثلا.

4. إهدار المال العام، كأن يقوم الموظف بإعفاء الشركات أو المواطنين من الضرائب او الجمارك المستحقة عليهم دون وجه حق، أو إعفائهم من دفع الرسوم التي تفرضها الدولة مقابل الحصول على رخصة لممارسة مهنة معينة، بهدف كسب رضا شخصيات معينة في السلطة الحاكمة، أو من اجل تحقيق مصالح شخصية متبادلة أو مقابل رشاوى، مما يؤدي إلى حرمان خزينة الدولة من إيرادات يتم إنفاقها على خدمات تنفع المواطنين.

5. سرقة الأموال والممتلكات العامة الواقعة تحت سيطرة الشخص المسؤول الفاسد، مثل سرقة أموال الضرائب أو توزيع أموال على خدمات ومؤسسات وهمية يقوم هذا الشخص بتشكيلها وتكون غير حقيقية وغير موجودة بشكل فعلي للحصول على هذه الأموال.

والكثير من انواع الانشطة الفاسدة الاخرى، ولا يشترط في النشاط لكي يعد (فسادا) ان يكون فعلا يجرمه القانون، فمن الافعال ما لا تجرمه القوانين ولكنه يعد فسادا متى ما كان نشاطا يتضمن اساءة في استغلال السلطة الممنوحة لتحقيق مصالح فردية كالرشوة خارج القطاع العام في بعض الدول كالعراق والذي لا تجرمه الكثير من القوانين بضمنها القانون العراقي.

ولا يقتصر ظهور الفساد على القطاع العام بل هو قد يكون اكثر ظهورا في القطاع الخاص وفي مؤسسات المجتمع المدني. والفساد في القطاع العام لا يظهر في مفاصل السلطة التنفيذية والسلطة القضائية فقط، بل يمكن ان يظهر في ميدان عمل السلطة التشريعية من خلال تجميد المشاريع لأغراض المساومة مثلا، او في توزيع المناصب الحكومية على اسس حزبية او طائفية، او على مقياس الولاء بغض النظر عن الجدارة او الكفاءة او الاختصاص. كما قد يظهر بشكل صارخ في المؤسسات المستقلة بضمنها المؤسسات الرقابية او المتخصصة في مكافحة الفساد كفساد المحققين وضباط الشرطة والمفتشين العامين وموظفيهم.

وليس هناك علاقة مباشرة بين نظام الحكم والفساد، فالفساد موجود في دول انظمتها ديكتاتورية كما هو موجود في دول انظمتها ديمقراطية، الا ان الانظمة غير الديمقراطية تعد حاضنة صالحة للفساد اكثر من الانظمة الديمقراطية من الناحية النظرية.

وبشكل عام يمكن ملاحظة ملازمة العنصريين التاليين لفعل الفساد:

اولاً: مخالف للقانون والنظام وتعليمات المنصب العام وغير منسجم مع القيم الأخلاقية السائدة في المجتمع.

ثانياً: سوء استخدام المنصب العام أو استغلاله يهدف إلى خدمة أغراض خاصة أو تحقيق منافع شخصية مادية أو معنوية. وبالنتيجة فان الفساد يؤدي إلى إلحاق الضرر بالمصلحة العامة.

المحور الثاني
معالجة جريمة الفساد في التشريعات الوطنية

ان الفساد مشكلة بل معضلة شديدة التعقيد، متعددة الجوانب، تتداخل اسبابها وظروف نشوئها ومبررات واسس استمراها ودوامها تداخلا كبيرا، لذا تتطلب مواجهتها اتباع استراتيجية شاملة متكاملة (سياسية وادارية ومجتمعية ووقائية واقتصادية ثم قانونية عقابية في نهاية المطاف)(4). لذا لابد من مواجهة الفساد بوسائل متعددة تجابه جوانبه واسبابه وصوره المتعددة ومبررات استمراره.

يمكن أن تنقسم وسائل مكافحة الفساد الى قسمين:

الاول: الوسائل المباشرة (وسائل هجومية) التي تمس ظاهرة الفساد نفسها.

الثانية: وسائل غير مباشرة (وسائل دفاعية) تحيط بظاهرة الفساد وتبطل العوامل التي قد تساعد على نموها في مهدها. ويمكن استعراضها كما يأتي:

الاول: الوسائل المباشرة (وسائل هجومية): وهي الوسائل التي يمكن ان تساهم الدولة فيها بجهد واضح ومن ابرزها:

1- تقوية شفافية الحكم: ان وضوح الدولة في محاسبة المنحرفين واثارة قضايا الفساد الحكومي، واشاعة اساليب النزاهة في العمل الوظيفي وقطع دابر البيئة التي ينشأ فيها الفساد وهي اطر عملية لإعطاء دور لشفافية الحكم في ممارسة دورها الاصلاحي، وحتى تساهم الشفافية بدور فعال في مكافحة الفساد الحكومي فانه لابد من توافر مجموعة من العناصر تعتبر اساسية حتى تنجح الشفافية في تحقيق اهدافها وتتمثل هذه العناصر في الآتي: (5) ا- ضرورة تحقيق مستوى متقدم من التطور الاداري. ب- ضرورة احداث التنسيق بين الاجهزة المعنية بالقوى البشرية والتطوير الاداري وكذلك اجهزة الخدمة المدنية. ج- تنفيذ خطة وطنية للتدريب. د- ضرورة اشباع حاجات المجتمع من التعليم. – استخدام المعايير العلمية في التوظيف والتشغيل. و- تطوير شبكة من المعلومات. ز- تطوير نظام الخدمة المدنية من خلال تطوير نظام نقييم الاداء لجميع العاملين واستخدام مبدأ الكفاءة في الترقيات والاعتماد على الكفاءة في اختيار الموظف، مع ضرورة الاعلان عن ذلك في الصحف وتجديد الواجبات والمسؤوليات للأفراد والعاملين.

2- اقامة حكم مؤسسي: ان تطوير مؤسسات الدولة واكتمال فروعها التشريعية، والقضائية، والتنفيذية ورصد المخالفات الوظيفية وخاصة المتعلقة بالفساد الحكومي لإعلام المشرع بوجوب ادخال نصوص تشريعية لمعالجتها وتنشيط صيغ اكتمال عمل تلك المؤسسات لمعالجة أي اساءة في استخدام صلاحيات المنصب الوظيفي لأغراض شخصية(6).

3- تدعيم المساءلة الفعالة للحكم: لابد في الحكم الصالح ان يكون الجميع من اعلى منصب في الدولة الى اصغر منصب فيها معرضين الى المساءلة والحساب القضائي في حالة مخالفتهم للوائح والقوانين التي لها علاقة بتبديد اموال الدولة، وهدر اموالها في عمليات نهب وسرقة بطرق ملتوية.

4- ضمان استقلال القضاء: ان استقلال القضاء هو الصمام الامين للحفاظ على مصداقية هذه المؤسسة الحساسة في الدولة وخاصة في الحكم على قضايا الرشوة، واختلاس الاموال، واساءة استخدام صلاحيات الوظيفة الرسمية، وضمن هذا الاطار فان استقلالية السلطة القضائية يتم عبر خضوع الجميع الى القوانين المرعية والاحتكام الى قرارتها هي خطوة فعالة لتحجيم الفساد الحكومي.

5- تفعيل دور الديمقراطية والحكم الصالح: ان انضاج الممارسات الديمقراطية وحرية التعبير بأشكاله المختلفة الى جانب اصلاح الحكم بما في ذلك من حيث فلسفته، وآلياته، واستراتيجياته لها اثر كبير على زرع وخلق بيئة سياسية اجتماعية صالحة تلفظ أي ممارسة شاذة لا تقرها الشرائع السماوية ولا القوانين المرعية والاعراف الدولية مثل الرشوة واختلاس الاموال وتبديد الموارد العامة للمجتمع وجلب واستيراد كل عوامل تفتيت المجتمع من قيم اخلاقية فاسدة.

6- تنشيط اعمال الاجهزة الرقابية الحكومية: دور هذه الاجهزة الحكومية فحص والتأكد من سلامة الاجراءات الحكومية لضبط حدوث أي انحراف ومحاسبة مرتكبيه نتيجة لتزايد المصالح والاموال التي يقوم عليها موظف الدولة والهيئات والمؤسسات العامة وسائر الجهات المملوكة للدولة او التي تشارك في ملكيتها اذ تزامنت امامهم فرص الانحراف بالعمل العام واستغلاله جريا وراء اثراء غير مشروع ولذلك حرصت الدولة على محاربة هذا الانحراف بإصدار التشريعات الخاصة بتحريم الحصول على كسب غير مشروع.(7)، منها القروض التي تمنح من القروض العربية بدون ضمانات مادية او بضمانات شخصية وكان منها مايتم بالتليفون او بتوصية على ورقة صغيرة من احد كبار القوم الذي لايستطيع موظف الائتمان المختص رفضها وكان النتيجة عدم رد هذه القروض الى البنوك وتهريب جزء كبير منها الى الخارج(8).

7- تحسين دخل الفرد في دوائر الدولة: لاشك ان تمتع الموظف بمورد مالي جيد وتحسين معيشته ودعمه عبر منح الحوافز والمكافئات التشجيعية له سيؤثر على استقراره النفسي والاقتصادي وسيخفف احتمال انهياره امام المغريات الخارجية للقيام بأعمال او تسهيل انجاز معاملات غير شرعية لكسب مورد مالي غير شرعي يدخل في خانة الفساد الحكومي.

8- مراقبة نشاط القطاع الخاص مع دوائر الدولة: عندما نتذمر في الاقطار العربية من تعدد حالات الفساد نميل الى اتهام جهاز الدولة بشكل حصري متناسين ان عمليات الفساد تشمل طرفين باستمرار أي الفاسد والمفسد وعندما يتعلق الامر بحالات التبذير والهدر والفساد في صفقات الدولة وطرق واليات الانفاق العام او منح الدول حسابات ريعية واحتكارية لبعض المؤسسات الخاصة فان القطاع الخاص هو المسؤول مسؤولية كاملة وشاملة عن تلك الحالات.

ومما يسهل استمرار مثل هذه الحالات التفاوت الشاسع في مستوى المداخيل الفردية بين دخل الوزراء وكبار المسؤولين الاداريين من جهة وهي متدنية في معظم الاقطار وبين دخل كبار رجال الاعمال وارباح شركاتهم المتعددة(9).

9-: -

اولا: - ملاحقة عمليات الفساد جزائياً: - وهي وسيلة من اهم وسائل مكافحة الفساد التي تساهم مساهمة فاعلة اكيدة في الحد منه فيما اذا احسن العمل بها واخذ بالأسباب التي تصلح لتجنب نتائجها السلبية الخطيرة على الوظيفة العامة وحقوق الانسان.

وهي تعتمد بشكل اساس على تجريم القوانين بعض اهم صور الفساد، وملاحقة مرتكبيها بواسطة المحققين تحت اشراف قضاة التحقيق، وتقديمهم للمحاكم لمعاقبتهم بالعقوبات التي تحددها القوانين، وهي في فلسفتها في مكافحة الفساد تقوم على الردع العام، فحيث يستحيل اكتشاف كل عمليات الفساد، وحيث يستحيل زج جميع مرتكبي افعال الفساد في السجون، وحينما يتعذر جمع الادلة الكافية لملاحقة جميع عمليات الفساد، الا ان معاقبة بعض المفسدين، واكتشاف بعض قضايا الفساد يحقق الردع العام، لذا فان هذه الوسيلة تحقق هدفها حينما تتمكن السلطات التحقيقية من بث هاجس الرقابة الكفوءة وهاجس احتمال كشف الفساد لدى كل من يفكر فيه سواء في القطاع العام او في القطاع الخاص، فذلك رادع مهم يقلل من عمليات الفساد، ولو كان مستحيلا فضح كل عملياته وملاحقتها جزائيا. وتعتمد فاعلية هذه الوسيلة على: -

أ- استيعاب النصوص العقابية الوطنية تجريم اكبر قدر ممكن من صور الفساد سواء اكان اداريا او سياسيا، الا ان التشريعات على الاغلب لا تضم كل صور الفساد، بل تغفل الكثير من الصورة المهمة منها، فرغم تصديق العراق على اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2003 الا ان قانونه لا يجرم الرشوة في اطار القطاع الخاص التي تدعو الاتفاقية المذكورة الى تجريمها، ولا يجرم الاثراء غير المشروع او ما يعرف بـ (من اين لك هذا) والتي تدعو الاتفاقية المذكورة ايضا الى تجريمها.

ب- كفاءة المحققين القائمين بملاحقة جرائم الفساد وقدرتهم على جمع الادلة بما يكفي لادانتهم من قبل المحاكم حين احالتهم اليها، وفي العراق يودع التحقيق في قضايا الفساد الى ضباط الشرطة التابعين لوزارة الداخلية والى محققي هيئة النزاهة والى المحققين التابعين لمجلس القضاء، وهؤلاء على الاغلب اما غير كفوئين أو فاسدين.

ج- كفاءة القضاء واستقلاليته وحياده ومنع التأثير عليه او التدخل في اعماله.

د- عدم تدخل السلطات الاخرى كالتنفيذية او التشريعية في اعمال الملاحقة الجزائية للمفسدين مهما كانت مبررات التدخل واسبابه، سواء اكان التدخل بالتأثير على القضاء او على المحققين او على رؤسائهم الاداريين.

الا ان من الخطأ الكبير الظن بان هذه الوسيلة (الملاحقة الجزائية والتحقيقية للمفسدين) هي الوسيلة الوحيدة اللازمة لاجتثاث الفساد او حتى للحد منه او التقليل من اثاره بشكل مقبول ومفيد، لان هذه الوسيلة في مكافحة الفساد لن يكون بإمكانها ان تساهم في ذلك الا بنسبة تقل عن 10% اذا بالغنا في تقييمها، لأسباب كثيرة، منها عدم كفاءة القائمين عليها، ولان الرقم الاسود في جرائم الفساد هو اكبر بكثير من الرقم الابيض، فجرائم الفساد التي تظل في طي الكتمان اكثر بكثير من الجرائم التي تكتشف حتى فـي الدول التي تمتلك قدرات تحقيقية وقضائية كفؤة، فما حال كشف الفساد في دول تكون الجهات القضائية والتحقيقية فيها اقل كفاءة وخبرة من المفسدين.

ولهذه الوسيلة (المعالجة الجزائية للفساد) نتائج جانبية سلبية عميقة، فهي سلاح ذو حدين، اذ ان المبالغة بها، وايداعها الى محققين غير كفوين، والتشهير بالمتهمين قبل حكم المحاكم عليهم بالإدانة بالتهم التي نسبت اليهم، وعدم احترام النص القانوني، الذي يجعل التحقيق سريا (10)، والتشهير بالموظفين في وسائل الاعلام تحت غطاء مكافحة الفساد، يؤدي الى فقدان الشعب ثقته بالوظيفة العامة والقطاع العام، كما تؤدي الى فقدان الموظف العام ثقته بنفسه، حينما يستقر لدية الشعور بانه معرضة للملاحقة التحقيقية بسبب وبدون سبب، فيبدأ بالحرص قبل اي شيء على حماية نفسه في كل قراراته واعماله ولو ادى ذلك الى اهدار وضياع المال العام

2- الوسائل غير المباشرة (وسائل دفاعية): وهي الوسائل التي يمكن ان تشترك فيها جهات اخرى بالإضافة الى الجهاز الحكومي التقليدي لمحاربة الفساد وهي: -

أ- دور الصحافة الحرة: ان البنك الدولي يعتقد عكس ذلك اذ اصدر كتابا في عام 2002 يؤكد فيه ان كلام الصحافة متى كانت حرة قادرة على اطعام الملايين من الجياع خبزا وزبدة ايضا،اذ يرى البنك ان السرية هي الحاصنة الام للفساد وهي النقيض للشفافية ومن مهمات الصحافة الحرة اختراق جدران السرية وتسليط الضوء على اخطبوط الفساد سواء في القطاع الحكومي او في القطاع الخاص، والاهم من كل ذلك توفير المعلومات والمعرفة لأكبر قطاع ممكن من الناس لان المعرفة هي قوة ومن يتمكن من معرفة الحقائق وللمعلومات يكون قد قطع نصف الطريق نحو حل المشكلة ومهمة الصحافة توفير هذا النصف على الاقل بينما يتكفل فقراء الارض يحل النصف الباقي من المشكلة(11).

ب- دور الجامعات ومراكز البحوث المعنية بالتطوير الاداري: - واجب هذه المؤسسات تحديد الاتجاهات والصيغ الرئيسية لعملية الاصلاح الاداري والتعاون مع الادارات المختصة لتأشير الاهداف والغايات المطلوب بلوغها ووسائل وطرق تنفيذها بأعلى كفاءة ممكنة(12).

ج- دور المؤسسات التعليمية: - تعتبر عملية صياغة قيم اجتماعية وزرعها في عقول الناشئة صعودا الى المراحل المتقدمة من التعليم عاملا مهما لمكافحة الفساد بعد ان انتشر انماط من القيم الاجتماعية التي جعلت من الاستهلاك الفاخر والحقوق الفردية معايير تفاضل بين ابناء المجتمع الواحد بصرف النظر عن شرعية الطرق والوسائل التي تساعد على توفيرها وتأمينها، اذ سرعان ما يجد الافراد انفسهم مندفعين الى البحث عن الطرق التي يحققون من خلالها مظاهر الاستهلاك وترقية مكانتهم الاجتماعية ايضا بصرف النظر عما يترتب على ذلك من اضرار تمس الافراد الآخربن وتمس بنية المجتمع بصورة عامة(13).

د- دور المجتمع المدني في مكافحة الفساد: تلعب مؤسسات المجتمع المدني دورا في مكافحة الفساد، فثمة مؤشرات متنامية الى أن جهود بعض المنظمات غير الحكومية في رصد حالات الفساد والدفاع عن المجتمع ازاءها قد بدأت تؤتي ثمارها من حيث فضح الممارسات الفاسدة وتعبئة الرأي العام للضغط في سبيل وضع سياسات قوية لمكافحة الفساد.

المحور الثالث
معالجة جريمة الفساد في التشريعات الدولية

اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي تم التوقيع عليها من قبل العراق في 30/8/ 2007(14)، وتمثل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد ميثاقاً دولياً بالغ الأهمية لسببين أولهما: أنها اتفاقية عالمية النطاق اشترك في أعمالها التمهيدية وفي المفاوضات التي سبقت إقرارها أكثر من مائة وعشرين دولة بالإضافة إلى العديد من المنظمات الدولية. وثانيهما إن هذه الاتفاقية تمثل استراتيجية شاملة لمكافحة الفساد تعتمد على اتخاذ مجموعة من التدابير التشريعية وغير التشريعية. وتنشئ لنفسها آلية لمراقبة التنفيذ من خلال مؤتمر الدول الأطراف. وتستهدف التعاون القضائي بين الدول الأطراف على كافة أصعدة مكافحة ظاهرة الفساد.

ولاشك إن التشريع العراقي مدعو إلى الاستجابة التشريعية لهذه الاتفاقية لكي يبدو أكثر توافقاً أو أتساقاً مع أحكامها.

ولعل هذه الاستجابة التشريعية المرجوة يفرضها عامل قانوني مهم، وهو أن انضمام العراق إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والتصديق عليها يعني ان المشرع العراقي سوف يصبح من الناحية القانونية ملزم بأحكامها. لأن التصديق على معاهدة دولية بحكم ما تنص عليه الدساتير والقوانين يجعل من هذه المعاهدة جزء لا يتجزأ من النظام القانوني الوطني. ويترتب على ذلك ضرورة تحقيق الاستجابة والمواءمة التشريعية بين ما تضمنته أحكام المعاهدة وبين الأحكام الواردة في التشريع العراقي.

ومن السبل العلاجية معالجة الاضرار التي تلحق بالمجتمع المحلي والدولي ويتمثل ذلك الضر الذي يلحق بالمجتمع في المبالغ التي يتحصل عليها المجرم نتيجة لفعله الإجرامي والتي تتمثل في النهاية استقطاع من دخل المجتمع، ولجبر ذلك الضرر لابد من إعادة تلك الأموال وقد فطنت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد للأهمية ذلك فنصت في المادة رقم 3 منها على إرجاع العائدات المتأتية من الأفعال المجرمة وفقا لها، كما نصت في المادة رقم 31 منها على" ضرورة مصادره العائدات الإجرامية المتأتية من أفعال مجرمة أو الممتلكات التي تعادل قيمتها قيمة تلك العائدات" ويقصد بذلك نزع ملكية الأموال التي تحصل عليها المجرم من إحدى جرائم الفساد ونقل ملكيتها إلى الدولة وذلك مثل الأموال التي اختلسها الموظف أو مبلغ الرشوة الذي حصل عليها، وكذلك أيضا نزع ملكية ممتلكات المجرم والتي تعادل قيمتها قيمة ما تحصل عليه من عائدات إجرامية وذلك إذا ما تصرف هذا الأخير في تلك العائدات كمصادرة سيارته الخاصة ومجوهراته وعقاراته، كما نصت أيضا تلك المادة على" مصادرة الممتلكات أو المعدات أو الأدوات الأخرى التي استخدمت أو كانت معدة للاستخدام في ارتكاب أفعال مجرمة وفقا لهذه الاتفاقية".

وقد توسعت الاتفاقية في نص المادة 31 سالفة الذكر لمحاولة محاصرة العائدات الإجرامية ومصدرتها ومنع أي تلاعب قد يحدث لتغير صورتها وتضليل الوصول إليها ولكن يعيب عليها إنها قد نصت على إمكانية مصادرة المنافع المتحصلة من تلك العائدات على الرغم من استحالت ذلك من الناحية الواقعية والقانونية انا لم تكن تلك المنافع ذات طابع مادى.

ولم يكتفي واضعي اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد على ذلك بالنسبة لعلاج الضرر المادي للجريمة (باسترداد الموجودات) بل قد خصصوا الفصل الخامس منها لذلك الشأن واستهلوه بالتأكيد على أن استرداد الموجودات هو مبدأ أساسي في هذه الاتفاقية وعلى الدول الأطراف أن توفر أكبر قدر من التعاون والمساعدة في هذا المجال (1)، كما ضمنوه آليات استرداد تلك الموجودات وطرف التعاون الدولي في هذا الشأن.

إلا إننا نجد على الرغم من الاهتمام البالغ لواضعي الاتفاقية بهذا الشأن فإنها قد جاءت دون تحقيق غرضها المأمول وهو اعادة الموجودات المنهوبة إلى صاحبها الأصلي أي البلد التي تم فيها الجرم الأصلي وتعد تلك الموجودات جزء من رأس مالها،فنجد أنه أثناء الأعمال التحضيرية لإبرام هذه الاتفاقية قد تم حذف عبارة "إعادة الأموال المنهوبة إلى بلدان الأصل" من مادتها الأولى، كما انه قد جاء بالمادة 57 منها "أن ما تتم مصدرته نتيجة لكونه من عائدات الفساد يتم التصرف فيه بطرق منها إرجاعها إلى مالكيها الشرعيين السابقين" مما يدل على كون إعادة تلك العائدات إلى أصحابها ليس الطريق الوحيد للتصرف فيها بل من الممكن أن يكون هناك أوجه تصرف أخرى، وبذلك أصبح للدول الأطراف حرية التصرف في تلك الموجودات المصادرة وليست ملزمة بإعادتها إلى الدولة التي سرقة منها كما أن وجه التصرف في تلك الممتلكات الذي حددته المادة سالفة الذكر وهو إعادتها إلى مالكيها الشرعيين السابقين لم يؤدى إلى الغرض المقصود منه، حيث أن عبارة "مالكيها الشرعيين السابقين" قد تؤدى إلى تولد نزاع بين العديد من الأطراف حول أي منهم هو مالكها الشرعي نظرا لما تحمله تلك العبارة من غموض، وجدير بالذكر في هذا الشأن أن عبارة مالكيها الشرعيين قد جاءت بدلا من عبارة بلدان الأصل والتي كانت موضوعه في البداية مما يدل على كون هناك من يقوم بمحاولة أضعاف مبدأ إعادة الأموال المتحصلة عن جرائم الفساد إلى بلدانها الأصلية وهو ما يعد في حد ذاته فساد يجب مكافحته.

وفى النهاية يجب أن تعرف جميع الدول الأطراف في هذه الاتفاقية أنه لابد من إعادة تلك العائدات إلى بلدانها الأصلية وإلا أصبحت تلك الاتفاقية عديمة القيمة ولا تحقق الغرض المرجو منها.

ويترتب على ارتكاب جرائم الفساد تشويه صورة النزاهة العامة وفقدان الثقة خصتا عندما ترتكب تلك الجرائم من قبل القيادات العامة والذين يمثلون قدوة للمجتمع فضلا عن تولد الشعور باللامبالاة لدى أفراد المجتمع وخصتا الشباب وعدم رغبتهم في سلوك الطريق القويم للنهوض بمستوى المجتمع في شتى المجالات، وبالتالي يترتب في النهاية على ذلك خلق مجتمع عقيم غير قادر على إنجاب بذور صالحة ومتميز بالجهل والفقر.

ولعلاج ما ترتب من ضرر معنوي بالمجتمع نتيجة لارتكاب جرائم الفساد يلزم القيام بالآتي:

1- على الحكومة: -

أ - اتخاذ الإجراءات اللازمة لمعاقبة مرتكب تلك الجرائم بعقوبات رادعة تتناسب مع ما ارتكبوا من جرم ومنها رفع الحصانات والتي تكون ممنوحة لبعضهم وتحول دون عقابهم، على أن يتم ذلك فور اكتشاف تلك الجرائم وكون مرتكبيها في ازاها صورهم حتى يكونوا عبرة للمجتمع ودليل على أنه ليس هناك من هو فوق القانون مما يعيد الثقة مرة أخرى في نزاهة السلطات الحاكمة وسيادة القانون.

ب - الالتزام بالشفافية بينها وبين المجتمع بتيسير سبل معرفة هذا الاخير بما تقوم به من دور في شتى المجالات وخطاطها المستقبلية والعمل على مشركته في اعدادها بحيث تكون متوائمه معه.

ج - تسهيل سبل وصول أفراد المجتمع إلي متخذين القرارات لعرض آرائهم بشأنها وما يرونه غير متناسب معهم والتقليل من السلطات التقديرية المتاحة لصناع القرار.

د - تشجيع أن يكون الاختيار في تولى المناصب والترقيات على أساس الجدارة.

ھ - تبسيط الاجراءات واللوائح واستخدام تقنية المعلومات والاتصالات لإجراء تحول إيجابي في تقديم الخدمات العامة.

و - توفير المناخ المناسب للمجتمع المدني حتى يستطيع أن يقوم بدوره.

2 - على المجتمع المدني: -

أ - كشف الفساد وتعبئة الرأي العام ضده بحيث يتولد لدى أفراد المجتمع ان مرتكب الجريمة هو شخص منبوز ولا يصلح أن يكون قدوة حتى وأن كان من الأثرياء، إذ تعلو الاخلاق على المادة، وهو ما يمثل علاج نفسى يساعد الشباب على تخطى أزمة انتشار الفساد بين كبار المسئولين والاثرياء واللذان يتخذهما الشباب قدوة لهم.

ب - تفعيل دور الصحافة في كشف الفساد على أن تلتزم هذه الأخيرة بنشر المعلومات الصحيحة والمؤكدة ومحاسبتها اذ مالم تلتزم بذلك(1).

3 - على المجتمع الدولي: -

أ - التعاون والتنسيق بهدف محاصرة وكشف وقطع خطوط الاتصال بين مرتكبي جرائم الفساد مما يعطى الانطباع بتكاتف الدول لمكافحة السلوك الفاسد.

ب - منح الخبرات إلى الدول التي تعاني من تفشى الفساد لمساعدتها على التغلب عليه.

ج - فرض نوع من الرقابة لضمان اتباع الدول لمبادئ الشفافية والنزاهة والمسائلة في أنظمتها وذلك دون اعتداء على سيادتها الداخلية.

ولعل يتضح لنا الآن سبب عدم قدرة الحكومة المصرية على مكافحة الفساد وتضخمه المستمر حيث لم تهتم هذه الحكومة بمعالجة الضرر المعنوي المترتب على ارتكاب جرائم الفساد مما تولد معه لدى أفراد المجتمع أن الفساد هو المبدأ والقيم والاخلاق والشرف والنزاهة هي الاستثناء وذلك بالطبع بجانب عدم اتباعها السبل الرشيدة في الحكم القائمة على الشفافية والنزاهة والمسائلة ومساعدة المجتمع المدني للنهوض بفكر المجتمع وحذرها الدائم من أي منشأة أو جهاز ليس له ذات اتجاهاتها وأن لم تكن له أي اتجاهات سياسية.

الخاتمة

ان المعركة ضد الفساد ليست معركة الجهات المتخصصة في مكافحة الفساد، بل هي واجب يجب ان تشترك فيه جميع سلطات ومؤسسات الدولة، ويساهم فيه المواطن العادي ومؤسسات المجتمع المدني بشكل فاعل، والا فلا يمكن مواجهة الفساد ولا التخفيف من حجمه واثره.

إن المشرع العراقي فيما يتعلق بجرائم الفساد قد جاء من حيث المبدأ متوائما مع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2004 سواء كان ذلك على صعيد القوانين العامة أو القوانين الخاصة ولم يبتعد عن أحكام الاتفاقية إلا على سبيل الاستثناء. فمن خلال دراستنا لإحكام هذه الاتفاقية وتحليل نصوصها ومقارنتها مع التشريع العراقي وجدنا أن هناك من الأحكام ما يجب أن تتضمنه التشريعات العراقية لاسيما وان العراق قد أصبح عضو في هذه الاتفاقية. عليه فبناء على الدراسة المتقدمة وما وصلت إليه من نتائج نتقدم بالتوصيات التالية:

1- تقنين نصوص خاصة بتجريم أو تشديد العقوبات بشان جرائم الرشوة المقدمة من الكيانات التي تمثل أشخاص معنوية التي لها نفوذ أو اثر فاعل في الفساد الإداري أو المالي تتميز عن تلك النصوص التي عالجت أحكام الرشوة وفقا للمبادئ العامة في قانون العقوبات

2- تشريع قوانين خاصة بمساءلة الموظفين الدوليين الذين يعملون في المنظمات أو إلهيات الدولية أو الإقليمية والتي لها مقرات داخل العراق.

3-تقنين نصوص خاصة باستغلال النفوذ أو الاتجار بالنفوذ وذلك لما يمثله من خطر جسيم ذات اثر على البنى التحتية الاقتصادية في العراق الذي يشهد تطورا ملحوظا في الآونة الأخيرة.

4 - دراسة وتطبيق آليات المكاشفة والمصارحة والشفافية من خلال التأكيد على التزام موظفي القطاع الحكومي بمسؤولياتهم عن نشر المعلومات للجمهور عبر آليات منظمة قانونا والرد على استفساراتهم ومتابعة أعمالهم.

5- وضع تصور عام حول اجراءات ووسائل وسبل منع ومكافحة الفساد من الجوانب الاجرائية والوقائية والرقابية والعقابية والعمل على تطبيقها مع الجهات المعينة.

6-تنمية العلاقات من المنظمات الدولية ذات العلاقة بمكافحة الفساد وترسيخ الشفافية وغسيل الأموال وخاصة منظمة الشفافية الدولية والمشاركة في جهود البنك الدولي في مجال مكافحة الفساد.

7- تنمية قدرات ومهارات الموظفين العموميين العلمية والإدارية والفنية.

...........................................
الهوامش
[1]- حسين العبيدي: " الضمانات التأديبية للموظف العام في العراق "،اطروحة دكتوراه غير منشورة،كلية القانون، جامعة بغداد،1991، ص23.
[2]- د. جاسم محمد الذهبي: الفساد الاداري في العراق وتكلفته الاقتصادية والاجتماعية، مقال متاح على الموقع الالكتروني www.berc-iraq.com.
[3]- الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية، لا فساد، كتاب الفساد، ط1،مطابع تكنوبرس،لبنان، 2005.
[4]- د. سليمان عبد المنعم: ظاهرة الفساد - دراسة في مدى مواءمة التشريعات العربية لإحكام اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد، برنامج الامم المتحدة الانمائي، ص17.
[5]- د. موسى اللوزي: التنمية الادارية: المفاهيم، الاسس، التطبيقات، دار وائل للطباعة والنشر، عمان، 2000، ص 163.
[6]- عبد الله عليان واماني جرار: الشفافية في الخدمة المدنية مفاهيمها ومعاييرها واثرها على الخدمة المدنية، 1997، صحيفة الاهرام، العدد 42945، 5يونيو 2004، ص 16.
[7]- عزت عبد المنعم علي: الانحراف الوظيفي طريق الكسب الحرام، صحيفة الاهرام، العدد 42945، 5يونيو 2004.
[8]- يحيى المصري: البنوك والفساد المصرفي، صحيفة البيان، 7 اكتوبر 2001.
[9]- د. جورج قرم: التحديات التي تواجه التنمية البشرية في الوطن العربي،المؤتمر العربي الاول لمنتدى التنمية البشرية (القاهرة،24-26 فبراير 2003) ورد على موقع جورج قرم www. Georges corm. Com
[10] - نصت المادة (57) من قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971: - (أ- للمتهم وللمشتكي وللمدعي بالحق المدني وللمؤول مدنيا عن فعل المتهم ووكلائهم ان يحضروا اجراءات التحقيق. وللقاضي او المحقق ان يمنع أيا منهم من الحضور اذا اقتضى الامر ذلك لأسباب يدونها في المحضر على ان يبيح لهم الاطلاع على التحقيق بمجرد زوال هذه الضرورة ولا يجوز لهم الكلام الا اذا اذن لهم، واذا لم يأذن وجب تدوين ذلك في المحضر. ب- لاي ممن تقدم ذكرهم ان يطلب على نفقته صورا من الاوراق والافادات الا اذا رأى القاضي ان اعطاءها يؤثر على سير التحقيق او سريته.ج – لا يجوز لغير من تقدم ذكرهم حضور التحقيق الا اذا اذن القاضي بذلك.) فالنص صريح على ان التحقيق في العراق يعد سريا على غير اطراف القضية الجزائية، فلا يحق لغير اطراف القضية وقاضي التحقيق والمحقق حضور التحقيق او الاطلاع عليه الا استثناء وبأذن من قاضي التحقيق حصرا.
[11]- د. محمد الأمين البشري: الفساد والجريمة المنظمة-، الرياض، مكتبة فهد الوطنية- 2007- ص74.
[12]- د. عباس أبو شامة: عولمة الجريمة الاقتصادية- الرياض مكتبة فهد الوطنية- 2007- ص42.
[13]- د. عوض محمد: الجرائم المضرة بالمصلحة العامة- دار المطبوعات الجامعية- الاسكندرية- 1985- ص95.
[14]- انضم العراق إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2004 بموجب قانون رقم (35) لسنة 2007 والذي تم نشره بجريدة الوقائع العراقية في العدد 4047 بتاريخ 30/8/2004.
(1) ما يستفاد من نص المادة 51 من الاتفاقية.
1- د. حسنين المحمدي بوادي: الفساد الاداري، لغة المصالح، بيانات النشر، الاسكندرية، دار المطبوعات الجامعية، 2008، ص191.
............................................
المراجع
المراجع القانونية
- حسنين المحمدي بوادي: الفساد الاداري، لغة المصالح، بيانات النشر، الاسكندرية، دار المطبوعات الجامعية، 2008.
- سليمان عبد المنعم: ظاهرة الفساد - دراسة في مدى مواءمة التشريعات العربية لأحكام اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد.
- عباس أبو شامة: عولمة الجريمة الاقتصادية، مكتبة فهد الوطنية، الرياض، 2007.
- عبد الله عليان واماني جرار: الشفافية في الخدمة المدنية مفاهيمها ومعاييرها واثرها على الخدمة المدنية، 1997.
- عوض محمد: الجرائم المضرة بالمصلحة العامة، دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية، 1985.
- محمد الأمين البشري: الفساد والجريمة المنظمة، مكتبة فهد الوطنية، الرياض، 2007،.
- موسى اللوزي: التنمية الادارية: المفاهيم الاسس التطبيقات، دار وائل للطباعة والنشر، عمان، 2000.
- الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية، لا فساد، كتاب الفساد، ط1، مطابع تكنوبرس،لبنان، 2005.
الرسائل والاطاريح:
- حسين العبيدي: الضمانات التأديبية للموظف العام في العراق، أطروحة دكتوراه غير منشورة، كلية القانون، جامعة بغداد،1991.
-القوانين والمعاهدات
- قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971.
- اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2004.
الصحف والمجلات:
- يحيى المصري: البنوك والفساد المصرفي، صحيفة البيان، 7 اكتوبر 2001.
- عزت عبد المنعم علي: الانحراف الوظيفي طريق الكسب الحرام، صحيفة الاهرام، العدد 42945، 5يونيو 2004.
-المواقع الالكترونية
- جورج قرم،التحديات التي تواجه التنمية البشرية في الوطن العربي،المؤتمر العربي الاول لمنتدى التنمية البشرية (القاهرة،24-26 فبراير 2003) ورد على موقع جورج قرم www.Georges corm.com
- جاسم محمد الذهبي: الفساد الاداري في العراق وتكلفته الاقتصادية والاجتماعية، مقال متاح على الموقع الالكتروني www.berc-iraq.com.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا