المسؤولية الجنائية للطبيب
عن الجرائم الواردة في قوانين مزاولة مهنة الطب وقانون العقوبات
مؤتمر الإصلاح التشريعي
2018-09-03 04:40
اعــــــــداد: أ.م.د احمد حمد الله احمد
بحث مقدم الى مؤتمر (الاصلاح التشريعي طريق نحو الحكومة الرشيدة ومكافحة الفساد) الذي اقامته مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام وجامعة الكوفة/كلية القانون 25-26 نيسان 2018
المقدمــــــــة
خلق الله الانسان وميزه عن باقي المخلوقات بالعقل وقدرة الاختيار وبالتالي اضحى الانسان الكائن المنفرد الذي يعي تصرفاته ويستطيع ان يحدد الصواب من عدمه، ولهذا فإن غالبية التشريعات الجزائية تبنت مذهب حرية الاختيار في المسؤولية الجزائية على اعتبار ان الانسان له حرية الاختيار وهي المقدرة على المفاضلة بين البواعث المختلفة وتوجيه الارادة وفقاً لاحدها وعلى ذلك فأن الجاني كان في وسعه ان يختار بين الطريق المطابق للقانون والطريق المخالف له، مع الاخذ بعين الاعتبار ان التشريعات الجنائية اهتمت بالحالة الخطرة ومعالجتها بالتدابير الاحترازية في حالة عدم مسؤولية صاحبها جنائياً او مسؤوليته مخففة.
وحتى تقوم المسؤولية الجزائية للجاني لابد وان يثبت بان الجاني قد ارتكب خطأ لأن الخطأ هو سبب لقيام المسؤولية الجزائية واذا انعدم فلا يسأل الفاعل عن الفعل. والخطأ الذي هو الفعل المخالف للقانون الذي فيه يقوم الجاني بمخالفة ما امر به المشرع او ما نهى عنه، وهو اما ان يكون عمدياً او غير عمدي ويتحقق الاول عندما يريد الفاعل الفعل والنتيجة أي ان يتوافر لديه القصد الجرمي في ارتكاب الفعل الذي جرمه القانون كأن يتعمد الجاني على ازهاق روح انسان على قيد الحياة كأن يدس له السم في الطعام.
او ان يكون الخطأ غير عمدي ويتحقق ذلك عندما يريد الفاعل الفعل فقط دون ان يقصد أي نتيجة من النتائج التي ستترتب على الفعل ومثل ذلك جرائم القتل الخطأ كأن يقوم أحد الاطباء بأجراء احدى العمليات الجراحية لأحد المرضى فيقطع احد الاوردة الدموية للمريض ويتسبب بموته.
وان ما تقدم يقتضي ان يتوافر عنصري الادراك والارادة (حرية الاختيار) لكي يمكن ان يسأل الفاعل عن ما اقترفه من خطأ، فالخطأ وصف يلحق بالإرادة المميزة. والادراك او التمييز يعني قدرة الانسان على فهم طبيعة فعله بحيث يكون باستطاعته ان يقدر نتائجها، ويسأل الفاعل عن فعله ولو كان يجهل ان القانون يعاقب عليه فالعلم مفترض بالقانون.
وينتفي الادراك اذا كان الفاعل صغير السن او كان مصاباً بعاهة عقلية او كان فاقد لإدراكه بسبب تناوله مسكراً بدون اختياره او علمه.
اما الارادة فهي قدرة الانسان على توجيه نفسه الى فعل معين او الامتناع عنه، ويفترض القانون ان الانسان لديه ارادة التي بها يستطيع ان يسيطر على دوافعه الذاتية واتباع السلوك الذي اختاره فاذا ما ارتكب الفاعل فعلاً شكل جريمة تترتب المسؤولية الجزائية عليه، اما اذا كان هذا الشخص فاقداً لحرية اختياره كأن يكون لأسباب خارجية كالإكراه او حالة الضرورة او اسباب داخلية كأن يكون مجنوناً فهنا تنتفي عنه المسؤولية الجزائية لأن شرطاً اساسياً من شروط قيام المسؤولية الجزائية اضحى غير متوفر.
ولاشك ان المساس المقصود بجسم الانسان يشكل اعتداءً على حقه في سلامته البدنية او الصحية الا ان الاعمال الطبية التي يمارسها الاطباء على مرضاهم تخرج من نطاق التجريم وتعتبر مجازة لأن القانون نفسه يرفع الصفة الجنائية في حال توافر شروط معينة وهذه الاجازة للأعمال الطبية تجد اساسها على انها وان كانت تمس جسم الانسان الا انها تعتبر ضرورية وتصب بمصلحته وبدونها قد لاتستمر حياة الانسان.
وهذه الاعمال الطبية تعتبر مباحة ولا يترتب عليها أي مسؤولية ان توفرت شروط معينة وهي: الترخيص بالعلاج او (الترخيص بمزاولة مهنة الطب) وقصد العلاج ورضا المريض واتباع اصول الفن والمهنة.
وسنعمد في بحثنا الى بيان المسؤولية الجنائية للطبيب عند اخلاله بأصول مهنته ومخالفته لأحكام قانون مزاولة مهنة الطب واحكام قانون العقوبات اذ سنقسم بحثنا الى ثلاثة مباحث مبحثين نتناول في الاول بيان ماهية العمل الطبي وفي المبحث الثاني بيان احكام المسؤولية الجنائية للطبيب عن الجرائم الواردة في قانون مزاولة مهنة الطب وهي جريمة مزاولة المهنة بدون ترخيص وجريمة تقديم بيانات غير صحيحة للحصول على ترخيص، اما المبحث الثالث فنتناول بيان الجرائم الممكن ارتكابها من قبل الطبيب المنصوص عليها في قانون العقوبات وهي جريمة تزوير الشهادات الطبية وجريمة الاجهاض وجريمة افشاء السر الطبي وجريمة امتناع الطبيب عن تقديم المساعدة.
المبحث الاول
ماهية العمل الطبي
نتناول في هذا المبحث بيان ماهية العمل الطبي حيث سنتطرق لتعريف العمل الطبي والاساس القانوني لإباحة العمل الطبي وشروطه ولأجل الالمام بهذه المواضيع فإننا سنعمد الى تقسيم هذا المبحث الى ثلاثة مطالب نخصص الاول لبيان التعريف اما الثاني فسنبين فيه الاساس القانوني لإباحة العمل الطبي، اما المطلب الثالث فسنتناول فيه شروط العمل الطبي وعلى النحو الاتي:
المطلب الاول
التعريف بالعمل الطبي
هو نشاط يتفق في كيفيته وأصول مباشرته مع القواعد المقررة في علم الطب ويهدف إلى شفاء المريض، والأصل في العمل الطبي أن يكون علاجيا أي يهدف إلى تخليص الشخص من مرضه أو تخفيف حدته أو تخفيف آلامه، ولكن الفقه يميل إلى اعتبار الممارسات التي ترمي إلى الكشف عن أسباب المرض أو الوقاية منه وكل نشاط أو وسيلة تتصل بالعمل الطبي كاستخدام الكهرباء والاشعة من الاعمال الطبية، ويعرف العمل الطبي من قبل البعض بانه كل نشاط يرد على جسم الانسان او نفسه ويتفق في طبيعته وكيفيته مع الاصول العلمية والقواعد المتعارف عليها نظريا وعمليا في علم الطب ويقوم به طبيب مصرح له قانونا به، بقصد الكشف عن المرض وتشخيصه وعلاجه، لتحقيق الشفاء او تخفيف الام المرض او الحد منها او منع المرض، او يهدف الى المحافظة على صحة الافراد، او تحقيق مصلحة اجتماعية بشرط توافر رضاء من يجري عليه هذا العمل، وعرفه البعض الاخر على انه كل نشاط يتفق في كيفيته وظروف مباشرته مع القواعد المقررة في علم الطب ويتجه في ذاته وفق المجرى العادي للامور الى شفاء المريض [1].
اما من الناحية التشريعية فلم تتطرق اغلب التشريعات للتعريف بالعمل الطبي كالتشريع الفرنسي حيث ان قانون الصحة العامة الصادر في 24 ديسمبر 1945 والمعدل بالقانون الصادر في اكتوبر 1953 شمل العمل الطبي مرحلتي الفحص والتشخيص وان كان لم ينص صراحة على ذلك.
اما التشريع المصري فهو ايضا لم يورد تعريفا او مفهوما للعمل الطبي وان كان قد اشار اليه ضمنيا في سياق النص الخاص بشروط مزاولة العمل الطبي وهذا ما نصت عليه المادة الاولى من القانون رقم 415 لسنة 1954 المعدل في شأن مزاولة مهنة الطب، والذي يشمل التشخيص والعلاج العادي والجراحة ووصف الادوية او أي عمل طبي اخر [2].
اما التشريع العراقي فهو الاخر لم يشأ ان يورد تعريفا او مفهوما محددا للعمل الطبي شانه في ذلك شان المشرع الفرنسي والمصري انما اورد الاستراتيجية التي يسعى اليها العمل الطبي في العراق والتي اشار اليها قانون وزارة الصحة رقم 10 لسنة 1983 والتي تشمل العناية بخدمات الرعاية الصحية والوقائية والعلاجية ومكافحة الامراض الانتقالية والسيطرة عليها ومراقبتها والعناية بالصحة النفسية والعقلية للمواطن، وكذلك ما اوردته المادة الثالثة من قانون نقابة الاطباء رقم 81 لسنة 1984 والتي نصت على انه: لايجوز للطبيب ممارسة المهنة في العراق الا بعد انتمائه الى النقابة وحصوله على شهادة التسجيل واجازة ممارسة المهنة. وهو بهذا لا يجيز للطبيب ممارسة مهنة الطب الا بعد ان يستوفي كافة الشروط ومنها التسجيل في النقابة واجازته وما يستتبع ذلك من استيفائه لشروط منحه الشهادة الاكاديمية وفترة التدريب والاقامة [3].
المطلب الثاني
الاساس القانوني لإباحة العمل الطبي
نبين في هذا المطلب الاساس القانوني لاباحة العمل الطبي [4] حيث سنقسم هذا المطلب الى ثلاثة فروع نتناول في الاول رضا المريض اما الفرع الثاني فسنخصصه لموضوع انتفاء القصد الجنائي اما الفرع الثالث فسيكون حول الترخيص القانوني لممارسة المهنة وعلى النحو الاتي:
الفرع الاول
رضا المريض
استقر الرأي الغالب في الفقه وبعض التشريعات على ضرورة حصول الطبيب على رضاء المريض قبل البدء في مباشرة العلاج، وتزداد أهمية هذا الشرط كلما ازدادت خطورة العمل الطبي الذي يراد إجرائه، وخاصة في حالة العمليات الجراحية الدقيقة او المستحدثة كزراعة الاعضاء والانسجة ومبرر هذا الشرط هو صيانة حق المريض في سلامة جسمه واحترام حريته الشخصية فالبعض قد يفضل الموت على العيش بعاهة أو إعاقة دائمة، فالقانون يرخص للطبيب علاج المرضى ولكنه لا يخوله إخضاعهم للعلاج رغما ً عن إرادتهم، فإذا رفض المريض أو من يمثله شرعا ً تدخل الطبيب فلا يجوز له أن يقوم بأي من الأعمال الطبية، وإلا تقررت مسؤوليته وفقا للقواعد العامة [5]، وذهب بعض الفقه الى ان رضا المريض سبب لإباحة ما يقوم به الطبيب من اعمال طبية وجراحية بل هي سبب لإباحة مثل هذه العمليات حتى ولو كان مرتكبها غير طبيب وان لم يكن متوافر لديه قصد العلاج فيكفي ان يكون القصد من اجراء العملية الجراحية تحقيق غاية مشروعة وان يتوافر رضا المريض.
ولقد تعرض هذا الرأي للنقد الشديد من ناحية ان الحق في سلامة الجسم ليس حقا خالصا للمريض ولكنه ذو طبيعة اجتماعية فالرضا ينصرف الى الجانب الفردي دون الاجتماعي، ولذا يبقى حق المجتمع في الدفاع عن هذا الجانب قائما ويظل فعل الاعتداء خاضعا للتجريم، ومن ناحية اخرى فان الرضا كأصل عام لا تأثير له في توافر اركان الجريمة وبصفة خاصة حين يكون محل الرضا حقوقا لايجوز التصرف فيها كحق الانسان في سلامة جسده [6].
وعلى العموم فان الرضا ليس سبب اباحة وانه يعد عنصرا يقوم عليه السبب لاباحته وبذلك تكون له اهمية قانونية باعتباره يساهم في بنيان الاباحة فالأعمال الطبية لا يبيحها رضا المريض لكن هذا الرضا شرط الى جانب الشروط الاخرى لاغنى عنه لقيام الاباحة [7].
الفرع الثاني
انتفاء القصد الجنائي
يذهب جانب من الفقه الى القول بان الاصل في عدم مسؤولية الاطباء هو انتفاء القصد الجنائي لدى الطبيب لقيام جريمة الجرح او الضرب لأنه لا ينوي من عمله الاضرار بالمريض بل يقصد شفائه، وقد تعرض هذا الرأي للنقد [8] لأنه يخلط بين عناصر القصد والباعث والباعث كأصل عام ليس ركنا من اركان الجريمة ولا عنصرا من عناصرها فقد يكون الباعث شريفا ومع ذلك يتوافر القصد الجرمي، وان كان الباعث يدخل استثناء في تحديد القصد الجرمي في الجرائم التي يتطلب فيها القانون صورة من صور القصد الخاص [9] فالقصد الجنائي في جرائم الاعتداء على سلامة الجسم هو قصد عام يتوافر قانونا بمجرد العلم بان من شان الفعل المساس بسلامة الجسم واتجاه الارادة الى هذا الفعل والطبيب توافر لديه هذا القصد بعنصريه.
والنقد اعلاه هو محل اعتبار اذ ان انتفاء القصد الجنائي واعتباره كأساس لمشروعية العمل الطبي فانه يؤدي الى نفس النتيجة التي يؤدي اليها رضا المريض وهي امكانية قيام اشخاص ليسوا بأطباء بمزاولة العمل الطبي بحجة انتفاء قصد ايذاء المريض وهذا ما يتعارض مع النظام القانوني الذي وضعه المشرع لتنظيم مهنة الطب لحماية الصحة العامة.
الفرع الثالث
الترخيص القانوني
يجب الحصول على ترخيص بمزاولة مهنة التطبيب من السلطات المختصة وفقا ً للقوانين واللوائح المنظمة لهذا الأمر بعد ان يحصل الشخص على المؤهل العلمي الذي يمكنه من مزاولة مهنة الطب [10].
وبذلك لا تعدو الشهادة العلمية أن تكون الأساس الذي يستند إليه الشخص الذي يرغب في الحصول على الترخيص المذكور.
وقد يكون هذا الترخيص عاما بحيث يشمل جميع انواع العلاج المعتمدة. وقد يكون خاصا ً بمزاولة أعمال معينة من التطبيب، وتختلف التشريعات في أصول وإجراءات منح الترخيص بمزاولة مهنة الطب، ولكنها تكاد تجمع على ضرورة توافر ثلاثة شروط لمنح هذا الترخيص وهي الجنسية والحصول على المؤهل العلمي والقيد في سجل نقابة الاطباء [11]، وقد ذهب بعض الفقه الى ان اساس الاباحة للعمل الطبي هو الاجازة العلمية التي على اساسها يمنح الطبيب الترخيص بمزاولة المهنة مستندا في ذلك الى ان الترخيص بمزاولة مهنة الطب لا تتطلب سوى الاجازة العلمية [12].
وبراينا ان اساس الاباحة يرجع الى ان الطبيب يستعمل حقا مخولا له بموجب القانون يتمثل في الرخصة بمزاولة مهنة الطب.
وعلة ترخيص القانون بمزاولة الاعمال الطبية هي انعدام الضرر الاجتماعي الذي ينجم عن العمل الطبي ويبرر تدخل الدولة بتجريمه لكونه يمس ماديات الجسم ولا يتعارض مع هدف القاعدة القانونية في حماية مصلحة او حق، بل ان هذا الترخيص يستهدف المحافظة على الجسم ومصلحته على ان يسير على نحو طبيعي اذ ان هذه الاعمال وان مست مادة الجسم فذلك من اجل صيانته وليس لايذائه او اهدار مصلحته ومن ثم لاتعتبر من قبيل الاعتداء على الحق في سلامة الجسم وذلك بصرف النظر عن النتيجة التي يسفر عنها العلاج طالما ان الطبيب قد التزم الاصول العلمية والفنية عند قيامه بعمله ووجه هذه الاصول الى غرض علاج المريض وشفائه [13].
المطلب الثالث
شروط العمل الطبي
نخصص هذا المطلب لبيان شروط العمل الطبي اذ سنقسم هذا المطلب الى ثلاثة فروع نتناول في الاول موضوع صفة الطبيب ويكون الفرع الثاني لموضوع رضا المريض اما الفرع الثالث فسيخصص لبحث موضوع قصد العلاج اما الفرع الرابع فسيكون حول بيان موضوع مراعاة الاصول العلمية لممارسة العمل الطبي، وعلى النحو الاتي:
الفرع الاول
صفة الطبيب
أن الشخص الذي يمارس العمل الطبي يجب أن يكون طبيبا ًحاصلا ً على شهادة معترف بها في البلد الذي يروم فيه ممارسة العمل الطبي [14]، ولذلك تحصر قوانين الصحة العامة في عدة دول ممارسة العمل الطبي بالأشخاص الحائزين على شهادة أو إجازة علمية معترف بها، والحاصلين على ترخيص قانوني بمزاولة المهنة الطبية [15].
وبالتالي يسال جنائيا عما يحدثه في المريض من جراح على اساس العمد ولا يؤثر على تلك المسؤولية ان يكون هذا التدخل قد حقق الغرض الذي قصده بشفاء المريض او لم يتحقق ولا يعفى من العقاب الا عند قيام حالة الضرورة بشروطها القانونية وحتى يستطيع من يحمل صفة الطبيب ان يمارس عمله لابد له من ان يحصل على ترخيص قانوني اذ انه شرط اساسي لإباحة الاعمال الطبية حتى ولو كان من اجراها حاصلا على المؤهل العلمي الذي يعده لممارسة العمل الطبي [16].
الفرع الثاني
رضا المريض
يجب على الطبيب ان يحصل على رضى المريض بالعلاج فالقانون يخول الطبيب علاج المريض رغما عنه فهو ليس اساس الاباحة ولكنه شرط لتدخل الطبيب والأصل أن يحصل الطبيب على رضاء المريض قبل إجراء العلاج ولا فرق بعد ذلك في طريقة صدور هذا الرضا، الذي قد يكون صريحا ً أو ضمنيا ً:
فالرضى الصريح: وهو كل فعل إيجابي يقوم به المريض ويفهم منه قبوله بالعلاج، وقد يكون هذا الفعل بالقول أو الكتابة أو الإشارة المفهومة.
اما الرضى الضمني: وقد يكون سلبيا ً بسكوت المريض واستسلامه طائعا ً لما يقوم به الطبيب، وقد يكون بفعل إيجابي، ومن الضروري أن يصدر الرضا من المريض وهو على علم تام بنوع ونتائج ومخاطر العمل الطبي المراد إجرائه او من يمثله وكان المريض في حالة خطرة وهنا لا مسؤولية على الطبيب الذي يباشر عمله استنادا الى حالة الضرورة [17].
ويرد على الأصل السابق بعض الاستثناءات منها:
أً_ حالة الضرورة الماسة: يجوز للطبيب أن يفترض الرضاء إذا كان المريض في وضع لا يمكنه من التعبير عن إرادته كأن يكون فاقدا ً للوعي، وفي غياب من يمثله، ولم يكن في ظروفه ما يحمل على الاعتقاد برفضه للعمل الطبي، فيعد فعله مبررا ً وإن خالف العامة التي تتطلب رضاء المريض، ويستند هذا الافتراض إلى أن الرغبة في التخلص من المرض أمر طبيعي عند كل شخص.
ب- صدور الرضاء من شخص غير المريض: حيث يجوز للطبيب عندما يعجز المريض عن إبداء رأيه أو عندما يكون قاصرا ً أن يأخذ الإذن ممن ينوب عن المريض قانونا ً بحسب الترتيب الشرعي للولاية على النفس كالولي أو من يتولى الرقابة عليه، ولا يعتد في هذا الصدد برضا الزوج عندما تكون الزوجة قادرة على التعبير لأن الرضاء حق شخصي للمريض دون غيره.
ج- تدخل الطبيب دون رضاء المريض: يجوز أن يتدخل الطبيب رغم معارضة المريض ولا يكون عمله مبررا ً استنادا ً إلى إجازة القانون أو استعمال حق، بل على أساس أداء الواجب أي تنفيذ أمر شرعي صادر عن السلطة كما يحدث في حالات التطعيم الإجباري وانتشار الأوبئة والأمراض المعدية [18].
الفرع الثالث
قصد العلاج
يجب أن تكون الأعمال الطبية التي يباشرها الطبيب هادفة إلى شفاء المريض أو تخفيف آلامه، ويكفي مجرد القصد ولو لم يتحقق بعدها شفاء المريض بالفعل، ولا يكون فعل الطبيب مبررا ً وتقوم مسؤوليته إذا كانت الأعمال التي يمارسها لهدف غير العلاج كإجراء تجربة علمية أو الانتقام أو لتخليص الشخص من الخدمة العسكرية مثلا ً [19]، ويذهب بعض الفقه إلى أن هذا الشرط ذو طبيعة شخصية، لأنه يقوم على باعث معين لدى الطبيب.
والطبيب يتمتع باباحة اعمال مهنته وما قد يسفر عنه مزاولتها من وقائع يجرمها قانون العقوبات يجب ان يستهدف الغاية التي حددها القانون لحقه وهي قصد العلاج [20]
الفرع الرابع
مراعاة الاصول العلمية لممارسة العمل الطبي
إن إباحة عمل الطبيب مشروطة بأن يكون ما يجريه مطابقا ً للأصول العلمية المقررة في مهنة الطب، فإذا فرط في إتباع هذه الأصول أو خالفها حقت عليه المسؤولية الجنائية ويجب عليه ان يتبع اصول المهنة والتي هي تلك الحقائق الثابتة والقواعد المتعارف عليها علميا ً ونظريا ً بين أهل العلم من الأطباء بحيث لا يتسامحون مع من يجهلها أو يتخطاها، ولا يعني ذلك أن الطبيب ملزم بتطبيق رأي أغلب الأطباء، فإذا استخدم وسيلة طبية لم يثبت خطرها علميا ً وكانت محل خلاف بين مؤيد ومعارض لها، فلا يعد مخالفا ً للأصول الطبية طالما كان مقتنعا ًبجدواها وكان هدفه شفاء المريض لا مجرد تجربتها. كما لا يعتبر فشل العلاج قرينة قطعية على خطأ الطبيب لأن عمله هو التزام بعناية وليس التزام بغاية فالطبيب يلتزم بالأصول الطبية ويعمل كل ما بوسعه لتحقيق شفاء المريض، ولو لم يتحقق الشفاء فعلا ً وبناءا ً عليه لا تقوم المسؤولية الجنائية للطبيب إلا إذا خالف أحد أصول الفن الطبي [21]
المبحث الثاني
المسؤولية الجنائية للطبيب عن الجرائم الواردة في قوانين مزاولة مهنة الطب
نتناول في هذا المبحث بيان اهم الجرائم الواردة في قوانين مزاولة مهنة الطب المختلفة وسنقسم هذا المبحث الى مطلبين نتناول في الاول جريمة مزاولة مهنة الطب بدون ترخيص اما المطلب الثاني فسنخصصه لبيان جريمة استعمال وسيلة دعاية لاجتذاب المرضى.
المطلب الاول
جريمة مزاولة مهنة الطب بدون ترخيص
يجب على كل من اجرى امتهن العمل الطبي ان يكون مرخصا له قانونا بمزاولة مهنة الطب والا فانه يسال جنائيا عما يحدث في المريض من جروح على اساس العمد او ما يحدث له من اضرار اخرى ولا يؤثر على تلك المسؤولية ان يكون هذا التدخل قد تم بناء على رضاء المريض نفسه ولو تحقق شفاء المريض وعلاجه [22] وبذلك فان الطبيب يسال عن ممارسته العمل الطبي دون ترخيص متى كان غير مرخص له القيام بهذا العمل وتطبيقا لذلك فقد جاء في قرار لمحكمة تمييز العراق: (بان الشخص غير المرخص له بزرق الابر اذا زرق ابرة لمريض فأودى بحياته يعاقب وفقا لما تقضي به قواعد التجريم العامة حسبما يفضي اليه فعله من نتائج باعتباره غير مرخص باجراء هذا النشاط من الانشطة الطبية) وفي قرار اخر لها بينت على: (ان الشخص الذي قام بتوليد زوجته مسببا وفاتها مرتكبا لجريمة الاسقاط بالرضا طبقا لاحكام المادة 230 من قانون العقوبات البغدادي ذلك لأنه لم يكن يحمل الصفة الطبية التي تسمح له بممارسة هذا النشاط) [23].
ويخرج من نطاق هذا التجريم اذا ما مارس الطبيب غير المرخص له بمزاولة مهنة الطب العمل في حالة الضرورة حيث لا يعد فعله مجرما استنادا الى نص المادة 63 من قانون العقوبات العراقي والتي قررت على انه: (لايسأل جزائيا من ارتكب جريمة الجأته اليها ضرورة وقاية نفسه او غيره او ماله او مال غيره من خطر جسيم محدق لم يتسبب هو فيه عمدا ولم يكن في قدرته منعه بوسيلة اخرى..). [24]
ومن خلال هذا النص نجد انه يشترط كي نكون امام حالة ضرورة وجود خطر جسيم يهدد النفس وبالتالي فانه لا مسؤولية جزائية على الطبيب اذا مارس العمل الطبي ولو كان غير مرخصا اذا كانت حالة الضرورة قائمة.
ويستند مبدا اباحة العمل الطبي الى حصول الطبيب على ترخيص لمزاولة المهنة فضلا عن قصده تحقيق شفاء المريض وليس الاضرار بصحته وعليه اذا مارس العمل الطبي شخص بدون ترخيص فانه يسال جنائيا عن فعله وكذلك من حصل على ترخيص بمزاولة المهنة ولكن بطرق غير مشروعة وذلك كون اساس اباحة عمل الطبيب في القيام بالأعمال الطبية التي يجريها على جسم المريض يكمن في الرخصة المخولة له قانونا بمزاولة مهنة الطب وفقا للشروط والاجراءات المنصوص عليها في القوانين المنظمة لمزاولة مهنة الطب [25].
وتقوم جريمة مزاولة مهنة الطب بدون ترخيص على ركنين هما الركن المادي والركن المعنوي وسوف نتناولهما على النحو الآتي:
1- الركن المادي: يتحقق هذا الركن في قيام الشخص بأحد الاعمال الطبية وهي الفحص او التشخيص او العلاج على وجه الاعتياد او الاستمرار، ونرى ان بعضا من الفقه [26] ذهب الى ان قيام الشخص بأحد الاعمال الطبية لمرة واحدة لا يكفي لقيام الركن المادي لهذه الجريمة بل يجب القيام به اكثر من مرة لتحقيق معنى الاعتياد على الفعل.
2- الركن المعنوي: يتحقق توافر هذا الركن بتوافر القصد العام الجنائي أي توافر علم الجاني ان العمل الذي قام به يعد من الاعمال الطبية في مفهوم مزاولة مهنة الطب مع اتجاه ارادته الى القيام بهذا العمل على وجه الاعتياد دون حصوله على الترخيص اللازم لمزاولة هذا العمل.
ويدخل ضمن هذه الجريمة افعال تقديم أي بيانات او مستندات مزورة او استعمال طرق احتيالية او أي وسيلة اخرى غير مشروعة والتي يترتب عليها منح هذا الطبيب ترخيصا بمزاولة مهنة الطب كتقديم الشخص شهادة مزورة تؤيد تخرجه من كلية الطب او شهادة تفيد باستيفاءه مدة التدريب الطبي لتؤهله بالتالي للحصول على الترخيص بمزاولة مهنة الطب.
ولقد نص قانون نقابة الاطباء العراقي في مادته الثالثة على انه لايجوز للطبيب ممارسة مهنة الطب في العراق الا بعد انتمائه الى النقابة وحصوله على شهادة التسجيل واجازة ممارسة المهنة، ونصت المادة 33 من القانون نفسه على انه: كل من مارس مهنة الطب او حاول ممارستها او انتحل صفة او لقب او علاقة تدل على انه مرخص بممارسة مهنة الطب من غير سابق تسجيل او اجازة بموجب احكام هذا القانون والقوانين الاخرى ولا تتوفر فيه شروط التسجيل والاجارة يعاقب بالحبس مدة لاتتجاوز ثلاث سنوات او بغرامة لاتزيد على خمسة الاف دينار او بكلتيهما [27].
المطلب الثاني
جريمة استعمال وسيلة دعاية لاجتذاب المرضى
وتتمثل اركان هذه الجريمة بالركنين المادي والمعنوي، حيث يتمثل الركن المادي بقيام الجاني مثلا بإبراز او اشهار او تعليق صور او قطع مكتوبة على جدران عيادته تبين حصوله على مؤهلات طبية او شهادات خبرة مزورة او خطابات شكر كاذبة على ما قام به من انجازات او اعمال طبية ناجحة حيث من شأن هذه الوسائل ان تجعل الناس يصدقون بنجاح ومهارة هذا الطبيب، وهذا يشبه الى حد ما افعال النصب والاحتيال التي تمارس من اجل الحصول على مال منقول مملوك لغير الجاني [28].
وبالتالي فان افعال الطبيب الخادعة هي من حملت الغير على تصديق الغير على اهمية دور هذا الطبيب في علاج مرض معين وان مهنيته عالية في علاج امراض معينة.
اما الركن المعنوي فهو يقوم على توافر العلم لدى الطبيب الجاني بان الوسائل والافعال التي يقوم بها من شأنها ان توهم الناس وتحملهم على الاعتقاد بصحة ما ينسبه هذا الطبيب الى نفسه في ممارسته للعمل الطبي.
وفي ضوء ذلك نص قانون نقابة الاطباء في المادة 22 منه على ان مثل هذه الاعمال تعتبر ممنوعة لانها مخالفة للقوانين والانظمة والتعليمات والاوامر وقواعد السلوك المهني وخاصة اجتذاب المرضى بوسائل الدعاية والترغيب
المبحث الثالث
المسؤولية الجنائية للطبيب عن الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات
بعد ما بينا اهم الجرائم التي نصت عليها قوانين مزاولة مهنة الطب نتطرق في هذا المبحث لبيان الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات والتي يمكن ارتكابها من قبل الطبيب وهذه الجرائم هي جرائم افشاء السر الطبي و جريمة تزوير الشهادات الطبية وجريمة الاجهاض وجريمة امتناع الطبيب عن تقديم المساعدة وسنقسم هذا المبحث الى اربعة مطالب نخصص لكل جريمة مطلبا وعلى النحو الاتي:
المطلب الاول
جريمة افشاء السر الطبي
يعرف بعض الفقه السر الطبي على انه: كل امر او واقعة يصل الى علم الطبيب سواء افضى به اليه المريض او الغير او علم به نتيجة الفحص او التشخيص اثناء او بمناسبة ممارسته لمهنته او بسببها وكان للمريض او لاسرته او الغير مصلحة مشروعة في كتمانه [29].
ويقصد بالتزام الطبيب بكتمانه هو ان يلوذ الطبيب بالصمت بخصوص كل ما يتعلق بهذا السر الا في الحالات التي يرخص له فيها النظام بالكشف او الافشاء.
ولكي تعد المعلومة التي تصل الى علم الطبيب من قبيل السر الطبي او المهني فلابد ان تتوافر فيها جملة من الشروط وهي:
1- ان تكون المعلومة قد وصلت الى علم الطبيب عن طريق مهنته على أي صورة من الصور كان يكون المريض او احد افراد اسرته او احد اصدقائه هو الذي كشف عنها ا وان الطبيب قد توصل اليها بنفسه عند مزاولة أي عمل من الاعمال الطبية.
2- ان تكون هناك مصلحة للمريض في بقاء الامر سرا سواء كانت هذه المصلحة مادية او ادبية.
3- ان تكون المعلومة قد اطلع عليها الطبيب اثناء او بسبب ممارسته المهنة [30].
وجريمة افشاء السر الطبي تقوم على ثلاثة اركان وهي الركن المادي وصفة الجاني والركن المعنوي وسنتطرق الى هذه الاركان وعلى النحو الآتي:
1- الركن المادي:
ويقوم هذا الركن على عنصرين هما: وجود سر معين وفعل افشاء هذا السر.
أ- وجود سر معين: وهذا يعني ان يكون هناك واقعة او امر او صفة تاخذ معنى السر ويعتبر السر موجودا اذا انحصر العلم به في اشخاص محددين ولم يشترط القانون وسيلة معينة للعلم بهذا السر الطبي كذلك لايشترط القانون ان يطلب المريض من الطبيب صراحة كتمانه للسر وكذلك لايشترط القانون ان يكون صاحب السر ذا اهلية قانونية فاذا عالج الطبيب طفلا صغيرا وافضى اليه ببعض اسراره فعلى الطبيب ان يلتزم بكتمانها ولم يشترط القانون ان يكون من افضى بالسر للطبيب هو المريض نفسه او احد افراد اسرته او اصدقائه او الغير فايا كانت وسيلة علم الطبيب بالسر فهو يلتزم الكتمان [31].
ب- فعل افشاء السر: يقصد بالإفشاء كشف السر او اطلاع الغير عليه بأية طريقة كانت مع تحديد الشخص صاحب المصلحة في كتمانه، يتحقق فعل افشاء السر عندما يقوم الطبيب باطلاع الغير على السر وتحديد الشخص الذي يتعلق به هذا السر ولا يتطلب الامر ذكر الشخص الذي يتعلق به السر انما يكفي ان يكشف عن بعض صفاته ومعالمه بحيث يمكن من خلالها معرفته وتحديده، ويتحقق فعل الافشاء ايضا سواء كان بصورة علنية او غير علنية كذلك لا يباح افشاء الاسرار ولو من طبيب الى طبيب او لزوجة المريض او اهله، ومع ذلك لايعد افشاء للسر افضاء الطبيب لاهل المريض او زوجته او احد اصدقائه بحالته اذا قدر الطبيب ان ذلك ضروري لمصلحة المريض او مفيدا في علاجه كما في حالة قيام الطبيب باخبار ولي امر المريض القاصر الذي يتعاطى المخدرات نظرا لامتناع القاصر المريض عن العلاج وهو الذي يترتب عليه حدوث اخطار جسيمة على صحته.
2- ركن الصفة (صفة الجاني – الامين على السر)
تعد جريمة افشاء السر الطبي من الجرائم التي تتطلب صفة خاصة من الجاني بمعنى ان هذه الجريمة لا يرتكبها أي شخص بل يرتكبها شخص يتصف بصفة معينة وهذه الصفة مستمدة من المهنة التي يزاولها والعبرة في اشتراط هذا الركن ان اساس الجريمة هو الاخلال بالتزام ناشيء عن المهنة وما تتطلبه من واجبات فهذه الصفة يجب توافرها وقت العلم بالسر ويعتبر الطبيب مفشيا للسر ولو تم ذلك بعد اعتزاله المهنة، ولقد نصت المادة 437 من قانون العقوبات العراقي على ان: يعاقب بالحبس مدة لاتزيد على سنتين وبغرامة...... كل من علم بحكم وظيفته او مهنته او صناعته او فنه او طبيعة عمله بسر فافشاه في غير الاحوال المصرح بها قانونا......) [32]
3- الركن المعنوي:
جريمة الافشاء من الجرائم العمدية ويعني ذلك ان الخطأ غير العمدي لا يكفي لقيامها فاذا اهمل الطبيب في المحافظة على البيانات التي دونها بشان احد مرضاه فاطلع الغير عليها فان الجريمة لا تقع وما ترتب عنه هو ان النتيجة حدثت نتيجة اهماله اذ لا يسال جنائيا من يفشي سرا نتيجة اهمال او عدم احتياط في المحافظة عليه كالطبيب الذي يكتب ورقة تتضمن بيانات واسرارا عن مريضه ويترك هذه الورقة على مكتبه اهمالا منه فيطلع عليها اخرون وان كان هذا الفعل لايرتب المسؤولية الجنائية عليه الا ان المسؤولية المدنية والتاديبية عن اهمال واخلال بواجب الوظيفة تظل قائمة [33].
والقصد الجنائي في جريمة افشاء الاسرار يقوم على عنصري العلم والارادة فيجب ان يكون الجاني عالما بان الواقعة تعتبر سرا مهنيا لا يرضى صاحبه بإفشائه [34] فاذا كان يجهل ان للواقعة صفة السر ا وان السر قد اودع لديه باعتباره صديقا فحسب او كان يعتقد ان صاحب السر راض بإفشائه فأفشاه لا تقع جريمة الافشاء لغياب ركنها المعنوي.
كما يجب ان تتجه ارادة الجاني الى فعل الافشاء والى نتيجته المتمثلة في اطلاع الغير على السر فاذا لم تتجه الارادة الى الفعل كما لو افشى السر وهو تحت تأثير مخدر في اعقاب جراحة اجريت له مثلا لا تقع بفعله الجريمة وكذلك ينتفي القصد اذا لم تتجه ارادته الى اطلاع الغير عليه كما لو نطق الطبيب بالمرض الذي اكتشفه لدى المريض اثناء تدوينه له فسمعه شخص اخر كان يمر في ذلك الوقت دون ان ينتبه له الطبيب.
الاحوال التي يجوز للطبيب فيها افشاء السر الطبي
بينت المادة 437 من قانون العقوبات العراقي [35] الاحوال التي يمكن للطبيب ان يقوم بافشاء السر الطبي الذي سبق وان استأمنه عليه المريض وهذه الاحوال هي:
1- رضا صاحب السر بالإفشاء
2- التبليغ عن الجرائم
وهنا نلاحظ ان المشرع العراقي بين في حالات معينة جواز افشاء السر الطبي المحرم افشائه في الاحوال العادية اذ ان رضا المجني عليه او المريض لا يرتب مسؤولية جنائية على الطبيب في حالة ما اذا منح المريض رضاه الى الطبيب في افشاء السر الذي اطلع عليه نتيجة الكشف عليه او فحصه، ويجب ان يصدر الرضا من صاحب السر ويجب ان يكون صحيحا وصريحا او ضمنيا.
اما موضوع الاخبار عن الجرائم فتقضي القوانين العقابية بواجب الاخبار عن الاعتداءات التي تقع على الاشخاص ويشمل بالطبع الاطباء بحكم ما يطلعون عليه اثناء قيامهم بأداء اعمال مهنتهم.
وقد جعل المشرع العراقي الاخبار عن الجرائم الزامي وهذا يستفاد من حكم المادتان 47 و 48 من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لسنة 1971 اذ نصت المادة 48 على (كل مكلف بخدمة عامة علم اثناء تأديته عمله او بسبب تأديته بوقوع جريمة او اشتبه بوقوع جريمة تحرك الدعوى فيها بلا شكوى وكل من قدم مساعدة بحكم مهنته الطبية في حالة يشتبه معها بوقوع جريمة وكل شخص كان حاضرا ارتكاب جناية عليهم ان يخبروا فورا احد ممن ذكروا في المادة 47 وهم......، فالطبيب ملزم قانونا بالتبليغ عن الجرائم التي وقعت او التي ستقع وعلم بها اثناء او بمناسبة ممارسته لمهنته وان اخلاله بهذا الالتزام يوجب مسؤوليته الجزائية، ونلاحظ ان قانون الاثبات رقم 107 لسنة 1979 في المادة 89 منه نص على انه: لا يجوز لمن علم من المحامين او الاطباء او........... عن طريق مهنته بواقعة او معلومات ان يفشيها ولو بعد انتهاء مهنته......... اذا كان ذلك يؤدي الى منع ارتكاب الجريمة).
اضافة الى ما تقدم فان اسباب الاباحة في افشاء السر وهي مقررة للمصلحة العامة كالتبليغ عن الولادات والوفيات والامراض المعدية [36] واداء الشهادة امام القضاء [37] واعمال الخبرة [38].
المطلب الثاني
جريمة تزوير الشهادات الطبية
من أهم المسئوليات التي تلقى على عاتق الطبيب هي إصدار التقارير الطبية بمختلف أنواعها وصورها وأشكالها وأغراضها، والتقرير الطبي في حقيقته بيان أو شهادة طبية بشأن وصف أو تشخيص حالة إصابة أو جرح أو مرض أو عاهة أو حمل أو وفاة، أو تقدير سن شخص أو استكشاف أثر فعل معين في جسمه، أو بيان مدى لياقته الصحية لعمل معين أو للعودة للعمل أو مدى احتياجه للنقاهة أو للامتناع عن بذل جهد معين، أو لبيان سبب مرض أو إصابة أو سبب وفاة أو تعطل عضو أو جهاز من أجهزة الجسم البشرى، أو شهادة بتمام تطعيم إنسان طعماً وقائياً ضد مرض معين أو بخلوه من مرض معد، أو بتحليل عينة مأخوذة من جسم آدمي للتشخيص الطبي المعملي... وما إلى ذلك كله، إثباتاً أو نفياً.
ونص المشرع العراقي في قانون العقوبات على تجريم تزوير الشهادات الطبية الصادرة من الطبيب وذلك في المادة 297 [39]: 1- يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين او بغرامة...... كل طبيب او قابلة اعطى على سبيل المجاملة شهادة يعلم انها غير صحيحة في احد محتوياتها بشأن حمل او ولادة او مرض او عاهة او وفاة او غير ذلك مما يتصل بمهنته فاذا كانت الشهادة قد اعدت لتقدم الى القضاء او لتبرر الاعفاء من خدمة عامة تكون العقوبة الحبس او الغرامة.....
اما الفقرة الثالثة من نفس المادة فلقد نصت على ان: يعاقب بالعقوبات ذاتها – حسب الاحوال – كل من زور او اصطنع بنفسه او بواسطة غيره شهادة من قبيل ما ذكر في الفقرة (1).
واركان جريمة التزوير في التقارير الطبية تفترض قيام الركن المادي والركن المعنوي، فالركن المادي ينصرف مدلوله في التزوير بوجه عام وتزوير التقارير الطبية بوجه خاص الى كل سلوك ايجابي او سلبي ينجم عنه تغير للحقيقة بإحدى الطرق التي نص عليها القانون في بيانات جوهرية في محرر له حجية في الاثبات مما يؤدي الى المساس بحق الغير او مصلحته المشمولة بحماية القانون وعليه فيجب ان يشترط حتى يقوم الركن المادي ان:
- تغيير الحقيقة في التقارير الطبية ويعني الكذب الذي يتمثل بالتمويه والتلبيس لا يمكن تصوره الا بابدال الحقيقة بما يغايرها في التقرير الطبي.
- استخدام طريقة من طرق التزوير التي نص عليها المشرع والمنصوص عليها في المادة 287 من قانون العقوبات.
- ان يؤدي التغيير في التقارير الطبية للمساس بحق للغير او مصلحة محمية بموجب القانون.
اما فيما يخص الركن المعنوي فجريمة التزوير من الجرائم العمدية ومن ثم يجب ان يتوافر لدى الطبيب القصد الجنائي بعنصريه العلم والارادة فيجب ان تكون ارادة الجاني قد اتجهت الى ارتكاب فعل التزوير وتعمد تغير الحقيقة فهو يعلم ان ما حرره في الوثيقة او الشهادة او ما ادلى به من بيان يخالف الحقيقة ويعلم ان فعله هذا سوف يترتب عليه جلب منفعة غير مشروعة او الحاق الضرر سواء كان حالا او مستقبلا [40].
المطلب الثالث
جريمة الاجهاض
يعرف الإجهاض على انه: تعمد إنهاء حالة الحمل بإعدام الجنين وذلك أما بإخراج الجنين من الرحم او بإعدامه داخل الرحم بأي وسيلة من الوسائل وقبل الموعد الطبيعي المقدر للولادة وبلا ضرورة وهو المؤثم قانونا [41].
ويعرفه البعض الاخر على انه: انهاء حالة الحمل قصدا قبل موعد الولادة الطبيعي [42]
وتقوم جريمة الاجهاض على ثلاثة اركان يتمثل الاول بوجود الحمل والثاني وهو الركن المادي والاخير المتمثل بالركن المعنوي وسنبين هذه الاركان وعلى النحو الآتي:
1- وجود الحمل
تفترض جريمة الاجهاض وجود الحمل كركن مفترض فيها حيث يتطلب هذا الركن وجود صفة اساسية في الشخص الذي يجري عليه هذه الافعال والوسائل المستخدمة لحدوث الاسقاط وهي ان تكون المراة حاملا بمعنى انه اذا وقع الفعل على المراة بقصد اجهاضها وهي ليست حاملا لا تقوم الجريمة [43].
والحماية المقررة التي يوفرها القانون انما هي مقررة للجنين والجنين هو الحمل الذي يبدأ بتلقيح البويضة الى ان تتم عملية الولادة الطبيعية، ولم يعتد المشرع برضى الحامل فهذا لايعفيها من المسؤولية ان هي اجهضت نفسها او رضيت بان يقوم بهذا الفعل غيرها [44].
2- الركن المادي
يقوم الركن المادي على ثلاثة عناصر وتتمثل بالآتي:
أ- فعل الاسقاط
وهو السلوك الاجرامي والذي هو عبارة عن النشاط الذي يقوم به الجاني ويكون من شأنه ان ينهي حالة الحمل قبل موعدها الطبيعي فالفعل يتحقق بكل ما من شانه ان يؤدي الى موت الجنين في رحم امه ا والى خروجه من الرحم قبل موعد الولادة الطبيعي وهذا الفعل قد يصدر من الام نفسها او من شخص اخر وقد يكون برضاها وقد لايكون برضاها وقد اعتبر المشرع العراقي قيام الطبيب باجهاض المراة سواء كان برضاها او بدون رضاها من الظروف المشددة في هذه الجريمة [45]
ب- النتيجة الجرمية
وتتمثل بخروج الجنين وقطع الصلة التي تربطه بجسم امه ويمكن ان يتخذ ذلك صورتين اما ان يموت الجنين وهو في رحم امه او يخرج فيها الجنين من رحم امه ولو كان قابلا للحياة فكلاهما يعتبر اعتداء على حياة الجنين.
جــ - العلاقة السببية
رابطة السببية هي اسناد امر الى مصدره فالاسناد يقضي نسبة الجريمة الى فاعل معين [46] وينبغي ان يكون خروج الجنين قبل ميعاد ولادته مترتبا على سلوك الجاني فاذا لم يكن مترتبا عليه فلا محل لمسالته كما لو اعتدى شخص على امراة حامل بالضرب البسيط او غيره من الاذى ثم تتسقط بعد ذلك في حفرة عميقة او تصاب في حادثة سيارة يترتب عليها اجهاضها.
3- الركن المعنوي
تعتبر جريمة الاجهاض من الجرائم العمدية لذلك يجب ان يتوافر القصد الجنائي حتى تقام المسؤولية الجنائية بحق الفاعل فلا يرتكب هذه الجريمة من تسبب بخطئه في اسقاط امراة حامل، وهذا القصد يتطلب توافر عنصري القصد وهما العلم والارادة ويجب ان يكون الطبيب (الجاني) عالما بوجود الحمل فاذا كان يجهل ان المراة التي اعطاها الدواء كانت حاملا فلا يسال عن جريمة الاجهاض فالعلم المطلوب بوجود الحمل هو العلم الذي يتوافر وقت الفعل الذي سبب الاجهاض فان لم يتوافر هذا العلم الا بعد حدوث الفعل المسبب للاجهاض فلا يعد القصد متوافرا، كما يجب ان يثبت ان الجاني قد قام بفعله عن ارادة احداث الاجهاض بحيث لو ثبت ان ارادته لم تنصرف الى ذلك فلا يسال عن الجريمة كمن يصف دواء لمراة حامل معتقدا ان هذا الدواء يساعد على نمو الجنين ولم يرد في اعتقاده انه قد يؤدي الى الاجهاض او كان الاجهاض بسبب القوة القاهرة او حالة الضرورة [47].
المطلب الرابع
جريمة امتناع الطبيب عن تقديم المساعدة
جريمة امتناع الطبيب عن تقديم المساعدة جريمة عمدية يتطلب لقيامها ان تتوافر لها اركان لتقوم وعلى النحو الاتي:
1- الركن المادي
يقوم الركن المادي لجريمة الامتناع عن تقديم المساعدة على عدة عناصر اساسية هي:
العنصر الاول: وجود شخص في خطر
المقصود بالشخص هو شخص الانسان الادمي الحي حتى ولو كان فاقد الادراك والتمييز وسواء كانت حياته نفسها في خطر او تكامله الجسدي وتبدا جريمة الامتناع عن المساعدة في حالة وجود شخص في خطر يحيق به، ولقد عبر عنه المشرع العراقي بالكارثة او الجريمة.
ولا يثير مفهوم الجريمة لبسا او غموضا اما الكارثة فيمكن القول انها تعني ان هناك وضعا خطرا قد نشا اما بفعل الطبيعة او الانسان وذا صفة عامة مثل الاحوال التي تكون بفعل الفيضانات او الزلازل او الامطار الغزيرة التي تؤدي الى حدوث اثار مدمرة او انفجارات او اصطدامات ومنها الحرائق الكبيرة[48]
وقد تردد القضاء الفرنسي في بادي ءالامر حول تحديد معيار الخطر فاشترط ان يكون الخطر حقيقيا وثابتا ثم عدل عن هذا المعيار واكتفى بافتراض وجود الخطر في احساس المريض ثم عدل عن ذلك امام الانتقادات التي وجهت الى هذا المعيار مقرا بان الخطر الذي تقوم به مسؤولية الطبيب الجنائية عن جريمة الامتناع عن تقديم المساعدة من وجهة نظر القانون هو الخطر الحال والحقيقي والثابت الذي يتطلب تدخلا مباشرا من الطبيب واشترط المشرع الفرنسي ان يكون الخطر حالا وثابتا وحقيقيا.
ونلاحظ ان لفظ الخطر اوسع من لفظ الكارثة التي جاء بها المشرع العراقي والتي جاء ذكرها في الفقرة الاولى من المادة 370، ولقد اعتبر قانون نقابة الاطباء العراقي في المادة في المادة 22 / اولا مخالفة القوانين والانظمة والتعليمات والاوامر وقواعد السلوك المهني اعمالا ممنوعة تعرض الطبيب المخالف الى العقوبات الواردة فيه او احالته الى المحاكم المختصة من قبل لجنة الانضباط اذا كون فعله جريمة وبالرجوع الى تعليمات السلوك المهني [49] نجد ان التعليمات قد اعطت للطبيب حق الخيار في تقدم خدماته لمن يريد الا في حالة الطواريء او حالة الضرورة او حالة ارتباطه بالعناية بمريض او قبوله القيام بتلك العناية ففي هذه الحالة يكون الطبيب ملزما بتقديم المساعدة وفي حالة الامتناع فانه يعرض نفسه للعقاب بتطبيق نص المادة 26 من قانون رقم 81 لسنة 1984 ونص المادة 370 من قانون العقوبات العراقي.
العنصر الثاني: امكانية تقديم المساعدة والنكول عنها ان التزام الطبيب بتقديم المساعدة واجب عليه في حالة وجود خطر الشخص في خطر ايا كان نوعه فاذا امتنع عد الطبيب في هذه الحالة مرتكبا للجريمة ويجب ان يكون الامتناع اراديا حتى ولو لم يكن الممتنع قد قصد الاضرار بالغير ولو كانت غير ذي جدوى
العنصر الثالث: ان يكون بإمكان الطبيب تقديم المساعدة بدون خطر.
يمثل هذا العنصر من عناصر الركن المادي لجريمة الامتناع عن المساعدة اهمية خاصة حيث بوجوده او انتفاءه يلتزم او لا يلتزم بتقديم المساعدة.
ووفقا لنص القانون فان الطبيب لا يلتزم بتقديم المساعدة للمريض الا اذا انتفى الخطر الواقع عليه او على غيره فلا يلزم الشخص بالقاء نفسه في الماء لانقاذ الغريق اذا كان لا يمكنه السباحة اما اذا كان ذلك في مقدوره وامتنع عد مرتكبا لجريمة الامتناع عن تقديم المساعدة.
ولكي لايكون الشخص مرتكبا لجريمة الامتناع عن المساعدة وجب عليه ان يطلب المساعدة من الغير طالما لم يكن هناك خطرا يحيق به او بغيره فغياب الخطر شرط لقيام جريمة الامتناع عن المساعدة.
2- الركن المعنوي
جريمة الامتناع عن مساعدة شخص في حالة الخطر من الجرائم العمدية التي لا يعاقب عليها القانون الا اذا وقعت عمدا وذلك بعلم المتهم بالخطر وامتناعه الارادي عن تقديم المساعدة، ولا يشترط القانون توافر قصد خاص الى جانب القصد العام وانما يكتفى فقط بعلم المتهم بالخطر وامتناعه عن تقديم المساعدة [50] وفي ضوء ذلك فانه يتطلب علم الطبيب بوجود خطر حال وحقيقي والعلم بالخطر يتم باي شكل من الاشكال فلمك يشترط القانون شكلا معينا لهذا العلم فيكفي ان يكون مصدر العلم الخبرة الفنية المستمدة من طبيعة العمل او التخصص، كذلك يجب ان تتوفر الارادة باعتبارها العنصر الثاني من عناصر القصد الجرمي وتستظهر من ظروف وملابسات كل واقعة وسلوك المتهم فالهروب والنكول عن تقديم المساعدة في حالة الخطر يعد دليلا على ارادة الطبيب في عدم المساعدة او طلب المساعدة من الغير [51].
الخاتمـــــــة
ونحن نهم بطي صفحات بحثنا لابد لنا وان نسجل بعضاً من النقاط التي عرضت علينا والتي يمكن توضيحها بالشكل التالي:
1- لاحظنا من خلال البحث ان التشريع العراقي حاله حال اغلب التشريعات لم يورد تعريفا وافيا للعمل الطبي يمكن الوقوف عليه وتحديد معالمه.
2- راينا ان الاساس القانوني لإباحة العمل الطبي يكمن في رضا المريض والذي يجب ان يكون صحيحا وساء كان ضمنيا او صريحا وكذلك انتفاء القصد الجنائي لدى الطبب ويكون قصده خالصا للعلاج فقط ويجب ان يكون مرخصا حتى يستطيع ممارسة المهنة.
3- لاحظنا ان التشريعات الخاصة بمزاولة مهنة الطب تركز على وجوب ان يحصل الطبيب على ترخيص لغرض ممارسة العمل الطبي ونحن نؤيد ذلك ونشد على التشريعات في تركيز على هذا الشأن.
4- لاحظنا انه في مجال حماية الحياة الخاصة بالمريض فانه يجب احترام حقه في الاحتفاظ باسراره وعدم افشائها مع جواز افشائها في حالات عينها المشرع ومنها حالة الضرورة.
5- واخيرا نوصي المشرع بان يقوم بإعادة النظر في قوانين مزاولة مهنة الطب لتحديث قواعدها بما يتناسب والمستجدات العلمية في هذه المجالات مع مراعاة ان تتناسب المسؤوليات المقررة على الاطباء مع الامكانيات الحالية التي وفرها التقدم العلمي في مجال الطب.