نحو قانون انتخابي جديد
الإصلاح في مجال القانون الدستوري
مؤتمر الإصلاح التشريعي
2018-07-03 07:06
ا.م.د. اسعد كاظم شبيب-جامعة الكوفة/كلية العلوم السياسية
بحث مقدم الى مؤتمر (الاصلاح التشريعي طريق نحو الحكومة الرشيدة ومكافحة الفساد) الذي اقامته مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام وجامعة الكوفة/كلية القانون 25-26 نيسان 2018
المقدمة:
هناك مسائل عديدة ادامت واقع الازمة السياسية في العراق وتداعياتها على كل المستويات كاستشراء الفساد بكل انواعه، وتقاسم المناصب بين الكتل السياسية، ومن تلك المسائل التأسيسية اقرار نظم انتخابية لتنظيم الحياة السياسية لعراق بعد سقوط النظام الاستبدادي، لم تكن النتائج السياسية لهذه النظم الانتخابية منسجمة في الاعم الاغلب وحجم التحديات التي تواجه البلد، بل افرزت مساوى جسيمة ظلت مرهونة بهيمنة الكتل السياسية والمكوناتية ذاتها على بنية الدولة العراقية ونظامها السياسي ومقدراتها الاقتصادية، واتجهت التكتلات المذكورة بالعملية السياسية الناشئة من التحول نحو الديمقراطية الى بروز نمط الاوليغارشية والنفعية السياسية في ادارة مؤسسات الدولة عبر استرزاق المال السياسي واستغلاله في العمل السياسي غير المشروع، في عملية محاصصاتية شملت حتى المستقلة منها دستورياً الى جانب تقاسم الرئاسات الثلاث، وتوزيع المناصب السيادية والوزارية والادارية، اذ لا معارضة سلمية في البلد وانما الكل يحكم ويستحصل على ثروات الحكم، الى جانب خطر تعرّض الدولة العراقية الى تفتيت هويتها الوطنية في ظل رعب الارهاب، وارتفاع وتيرة الصراعات الاقليمية والموقف الكتلوي النفعي الارتباطي منه.
كل هذه المسائل شكلت ازمة حادة في النظام السياسي والاقتصادي للدولة العراقية، ناجمة من مسائل متعددة وشائكة، وما يهم دراستنا منها النظم الانتخابية كآلية افرازية للسلطة المشرعة باعتبارها السلطة التي تختار رؤساء السلطات الثلاث وتمنحهم الثقة، وامام تعثر هذه السلطات في القيام بمسؤولياتها القانونية، أصيبت الدولة العراقية بالترهل الاداري، والاضمحلال في تطبيق القانون، ونقص في الخدمات، وغياب الرقابة البرلمانية الفعلية على الحكومات، والعوز الواضح في تقنين القوانين التي تصب في مصلحة تكوين الدولة، اذ ان اغلب التشريعات المقترحة وحتى الناجزة منها توضع وفق سياقات المصالح الكتلوية والطائفية، وعلى صعيد انتخابات مجالس المحافظات تسبب قانون الانتخاب في تشكيل حكومات محلية قلقة اختير محافظها ورئيس المجلس واللجان عبر التقاسم المحاصصاتي، وفي احيانٍ اخر بالمال السياسي، ويمكن ان تنهار هذه المناصب ايضا بانسحاب عضو واحد او عضوين من أي تكتل ما.
من هنا تكمن ضرورة الحاجة الى اصلاح النظام الانتخابي المعمول به في العراق عبر التحول من عائلة التمثيل النسبي الى عائلة التمثيل الاغلبي، حيث يصنف (نظام سانت لاغو المعدل) وان شوهت قواعده كنظام على عائلة التمثيل النسبي الذي اقره مجلس النواب في 4/تشرين الثاني/2013 والذي اجريت بموجبه اخر انتخابات برلمانية عام2014 وهيمنت بموجبة الكتل والوجوه الفاسدة ذاتها على مقدرات العملية السياسية في العراق، بينما ينتمي نظام الانتخاب الفردي الى عائلة التمثيل الاغلبي وما بين العائلتين الانتخابيتين تقترح بعض القوى والنواب، النظام الانتخابي المختلط.
اهمية هذه الدارسة تكمن في الخوض بعملية التحول والتعديل من نظام انتخابي الى اخر عبر اصلاح النظام الانتخابي من اجل استدامة العملية الانتخابية لان النظام الانتخابي يعد عند علماء السياسة الابن الشرعي للنظام السياسي ووريثه القانوني الوحيد الذي يرفده بالنخب السياسية وانه مرآة النظام يتبعه كظلة ولا يتمرد عليه(1). وعليه يأتي النظام الانتخابي في مقدمة المسائل المهمة لحالة الدولة العراقية التي ينبغي مراجعة واصلاح قوانينها الناظمة كون ان النظام الانتخابي الساري (سانت لاغو المعدل) يعد مشكل اساسي وحجر عثرة باتجاه أي تقدم اصلاحي للعملية السياسية، وابقاء هذا العماد المنظم للديمقراطية في العراق على ما يحمل من خلل لا يستجيب لمعالجة المشاكل والمفاسد، يؤدي مرة بعد اخرى الى صعود ذات الوجوه والكتل السياسية التقليدية على مقاليد السلطة.
وفي ضوء ما تقدم نحاول في هذه الدراسة بحث الاشكاليات الاتية:
1. هل للقواعد في نظم الانتخابات المحلية والبرلمانية المعمول بها علاقة بأزمات العراق؟ أي هل اثرت القواعد القانونية المشرعة في اطار قوانين الانتخاب في مداورة الاحزاب والكتل السياسية على العملية السياسية في العراق؟
2. هل للمناخ السياسي الذي تجري فيه الانتخابات، وطبيعة خارطة العراق السياسية والمكوناتية اثر في اقرار نظم انتخابية تصنف على عائلة التمثيل النسبي بما فيها نظام سانت لاغو؟
3. لماذا لا تفكر الكتل السياسية جديا نظراً للحالة الضاغطة والازمات السياسية في البلد بما فيها شيوع الفساد وذيوع عرف المحاصصة بالانتقال من عائلة التمثيل النسبي الى عائلة اخرى كالتمثيل الاغلبي بما فيه تشريع قانون يقوم على الانتخاب على اساس الفردي؟
4. هل البديل الانتخابي الأغلبي على اساس فردي الذي تعرضه الدراسة حلاً واقعياً في بلد مثل العراق يعيش بعد نظام الحزب الواحد، تعددية مفرطة قومية ودينية (اقليات) فضلاً عن الحزبية؟، ام خيار الجمع ما بين النظامين (النسبي والاغلبي) كنظام مختلط الحل الامثل مثلما يقترح بعض المسؤولين والقوى السياسية.
ومن خلال متن هذه الدراسة نحاول الاجابة على هذه الاشكاليات من خلال عرض فرضية تنطوي على الاتي: في حالة اشتداد الازمات السياسية بما فيها شيوع الفساد المالي والاداري بفعل هيمنة الاحزاب والكتل السياسية في العراق وما تثيره من تداعيات على تراجع استقرار وبناء الدولة، وتوقف تطور مجتمعها، تدعوا النخب الوطنية بكل طاقاتها الى التفكير بطريقة جديدة من النظم الانتخابية، اذ من ضرورات الاصلاح السياسي في العراق كدولة تقر دستورياً بالتداول السلمي للسلطة عن طريق الانتخابات، تشريع نظام انتخابي بديل يحد من هيمنة الكتل السياسية وتفكير قادتها اتجاه الدولة.
اما عن عائلة هذا النظام الانتخابي المفترض ان يغير من خارطة العمل السياسي في العراق هل النظام الانتخابي المختلط؟ ام النظام الاغلبي على اساس فردي؟ هذا ما سنبينه من خلال محاور الدراسة الاتية، وفي ضوء استعمالنا للمناهج العلمية: النظمي، والمقارن، والتحليلي:
اولاً: السياق العام للنظام الانتخابي الحالي
ثانياً: مشاريع الانظمة الانتخابية المقترحة
ثالثاً: مزايا النظام الانتخابي الفردي
رابعاً: اشكاليات في نظام الانتخاب على اساس فردي
اولاً: السياق العام للنظام الانتخابي الحالي
اعتمد العراق في اخر انتخابات برلمانية في الثلاثين من نيسان عام 2014نظام التمثيل النسبي بطريقة سانت لاغو المعدل وهو نسخة معدلة من قانون سانت لاغو المشار اليه في ما مضى من الدراسة، يرتكز الانتخاب وفق طريقة سانت لاغو المعدل على وسائل عدة في عملية اجراء الانتخابات البرلمانية منها ان الاحزاب والكتل السياسية والافراد تخوض الانتخابات على اساس الكتلة أي ان الاحزاب والكتل السياسية تدخل الاستحقاق الانتخابي بقائمة انتخابية مفتوحة: "يكون الترشيح بطريقة القائمة المفتوحة ولا يقل عدد المرشحين فيها عن ثلاثة ويحق للناخب التصويت للقائمة او أحد المرشحين فيها ويجوز الترشيح الفردي"(2). وتقسم الاصوات الانتخابية على الاعداد الفردية فبعد ان اعتمد قانون سانت لاغو الاعداد الفردية (1، 3، 5، 7...) في انتخابات مجالس المحافظات عدل الى الاعداد الفردية الاتية: (1،6، 3، 5، 7، 9...)(3) على مستوى انتخاب مجلس النواب، أي بدل العدد الفردي(1) تقسم الاصوات على(1،6) ثم الاعداد الفردية التي تليه وهو ما لم يستخدم في أي برلمان من برلمانات العالم حتى سمي بـ(سانت لاغو على الطريقة العراقية) الذي خالف حتى الطريقة العالمية التي تقسم الاصوات على1.4. والشكل الآتي يوضح لنا اليه توزيع الاصوات وفق طريقة سانت لاغو المعدل(4):
{img_2}
أما كيفية توزيع المقاعد داخل كل كتلة او اتلاف.. فيعاد تسلسلات المرشحين وفق ما حصلوا من اصوات الاعلى فالأقل فالأقل وهكذا، وفي حالة تساوي اصوات المرشحين للمقعد الاخير يتم اللجوء للقرعة(5). على ان يراعى ايضا في ذلك ضمان حصول المرأة على (25%) على الاقل من عدد المقاعد(6).
والاشكال هنا، لماذا تم الاتفاق بين الكتل الكبيرة في البرلمان على العدد 1.6 عند قسمة الأصوات للقوائم بدلا من العدد1، أو أي رقم آخر؟. هناك عدد من الحسابات احداهما تقول كلما كبر العدد المقسوم عليه عن العدد 1 فستكون خسائر القوائم الصغيرة اكبر والسبب في ذلك ان أصوات القوائم الصغيرة والتي من المؤمل ان تحصل على مقعد واحد فقط ستصغر بنسبة العدد الأول أي1.4 أو 1.6 وستقل فرص منافستها أمام الكتل الكبيرة(7). اذ اعتماد قانون (سانت لاغو) الأصلي وغير المعدل بقسمة نواتج التصويت على الأعداد الفردية(1، 3، 5، 7،... الخ) بدلاً من استبدال القانون الأصلي بقانون معدل، لإعاقة الأحزاب الصغيرة في الحصول على مقعد. بمعنى إن صيغة (سانت لاغو) من دون تعديل أو تعقيد هي في مصلحة الأحزاب الصغيرة(8).
وكذلك ينص قانون سانت لاغو المعدل على خوض الانتخابات بدائرة انتخابية واحدة لكل محافظة مثلاً مدينة بغداد تعد دائرة انتخابية واحدة والبصرة دائرة انتخابية واحدة والانبار دائرة انتخابية واحدة.. وهكذا مثلما نص الفصل الرابع (الدوائر الانتخابية)(9): "يتكون مجلس النواب من(328) ثلاثمائة وثمانية وعشرون مقعداً يتم توزيع(320) ثلاثمائة وعشرون مقعدا على المحافظات وفقا لحدودها الادارية وفقاً للجدول المرفق بالقانون وتكون(8) ثمانية مقاعد منها حصة(كوتا) للمكونات". وحول اشكالية قضايا الفصل في عدد المقاعد يشير بعض الباحثين الى مرجعية حسم الخلاف على النحو الاتي: تقسيم الدوائر الانتخابية وتوزيع المقاعد النيابية في هذا النظام والانظمة الانتخابية المشار اليها تخضع الى رقابة الهيئة القضائية الانتخابية، المشكلة من ثلاثة قضاة من محكمة التمييز ومن اختصاصها ايضا النظر في القرارات المحالة اليها من مجلس المفوضين أو المقدمة من قبل المتضررين من قرارات المجلس مباشرة الى الهيئة القضائية(10)، كما نص القانون على عدم جوز استئناف قرارات المجلس النهائية الا امام الهيئة القضائية للانتخابات، وخلال مدة لا تتجاوز العشرة ايام من تاريخ احالة الطعن من قبل مجلس المفوضين(11).
في حين قانون الانتخابات رقم(16)لسنة 2005 ترك مسالة تحديد عدد المقاعد المخصصة في المحافظة طبقاً لانتخابات الجمعية الوطنية ولم يقدم أي طعن الى الهيئة القضائية الانتخابية على الاجراءات المتخذة من قبل المفوضية في انتخابات15/كانون الاول/2005وذلك لان المعيار المعتمد من قبلها اقترب من المساواة الحسابية بينها(12). اما في الانتخابات الثانية فان القرار الصادر عن مجلس النواب بالرقم(24) لسنة 2009 والمتضمن المذكرة التفسيرية للقانون رقم(26)لسنة 2009 المعدل لقانون الانتخابات قد حدد الجدول في الملحق بالقرار توزيع المقاعد النيابية لكل محافظة وكذلك في الجدول الملحق بالقانون رقم(45) لسنة 2014وبالتالي لم يصدر أي قرار من قبل المفوضية بهذا الخصوص، حتى يدخل في رقابة الهيئة القضائية الانتخابية، لذا فامر تقسيم الدوائر يحال الى المحكمة الاتحادية العليا على اعتبار لها الحق في بسط رقابتها(13).
من الاشكاليات الاخرى التي اعترت النظام الانتخابي الاخير انه يودي الى هدر اموال كبيرة واستعمال المال الانتخابي غير المشروع وذلك لان الاحزاب الحركات السياسية تحتاج اموال كبيرة حتى تغطي المساحة الجغرافية (المحافظة كدائرة انتخابية واحدة) بصورة كاملة، وهذا يحتاج الى الاموال كما ذكرنا، وعليه تقوم الاحزاب بتغطية حملتها الانتخابية اما بسرقة الاموال من المواقع السياسية والوزارية التي تشغلها او بالدعم من الخارج. كما ادى هذا النوع من النظم الجهل التام بالمرشح لان الناخب ينتخب المرشح وهو من منطقة ثانية او هو ساكن في خارج العراق، وهذا ما يشعر به المواطنين من خلال القول: بان مرشحي الكتل السياسية لا يعرفون الناس الا في فترة الانتخاب. واذا كان هناك معرفة فهي تودي الى تشويه عمل النائب ومجلس النواب اذ ان هذا النوع من النظم التي تحول وظيفة النائب الفائز(اعضاء مجلس النواب) من وظيفة تشريعية رقابية الى وظيفة وساطات وتمرير الصفقات كما ان النظام الانتخابي وفق طريقة سانت لاغو يجعل النائب مدين لحزبه او زعيمه السياسي في الوصول للبرلمان، لذا فأنه غير مكترث بمصالح ناخبيه الوطنية ولا حتى بمشاعرهم، في حين ان ضمانات جعل النائب مسؤول امام ناخبيه لا تقف على حدود طرق الترشيح وآليات الانتخاب وتوزيع المقاعد بل تتعداها الى نزاهة العملية الانتخابية سواء داخل مفوضية الانتخابات او ما تعلق منها بممارسات الفرقاء السياسيين، ومسائل الدعاية الانتخابية، وشراء الاصوات والتزوير والتلاعب بالعد والفرز وغيرها هذه كلها مجتمعة تتضمن عناصر تتكاتف مع بعضها لتصب في نظام انتخابي يجعل هم المرشح مصالح الشعب لا الحزب(14).
وزاد تطبيق نظام سانت لاغو بالطريقة العراقية ايضا من التعددية الحزبية بصورة اقرب ما تكون الى التشرذم غير واضحة البرامج، يغلب عليها ــ التعددية الحزبية ــ النفعية السياسية والتوجه المصلحي والولاء الخارجي على حساب المصلحة العامة، مما تكون عديمة الجدوى ولها تأثيرها السلبي على عمل المجالس النيابية وقلة فاعلية ادائها، وتفاقم هذا الامر عندما تجاهل القانون وضع نسبة محددة تكون معياراً قانونياً لاستبعاد الكيانات التي لم تحصل عليها من التنافس على مقاعد الدائرة الانتخابية(15). تكاد كل هذه المساوئ ان تجعل النظام السياسي بعد عام2003 يصل الى مرحلة الفشل في التقدم نحو بناء الدولة المواطناتية الديمقراطية، وفي هذا السياق عبر احد الباحثين في علم الاجتماع السياسي عن ذلك قائلاً: "مضت الانتخابات في اجواء محتدمة، بميلين متناحرين، هما تعمق خطوط الانقسام المذهبية ــ الاثنية، وتمزق الكتل المذهبية او الاثنية داخليا،ً في مفارقة جلية، يرجع هذا الى اضطراب آليات بناء الامة، هذا المحرك الأرأس للنزاع. ينبغي هنا التنبه الى ان ثلاثية الشيعة، السنة، الاكراد، قد تحولت، من حيث هي مقولات تحليلية، الى قول مبتذل، مكرور، وممل"(16). وفي ضوء هذا الواقع المأزوم تتحمل النخب الوطنية مسؤولية الضغط على مجلس النواب من اجل اصدار قانون عصري لانتخاب مجلس نواب ومجالس المحافظات ينسجم مع المرحلة بكل ما فيها من ازمات سياسية واقتصادية وضرروه الاصلاح، اذ ان من اولى اوليات الاصلاح لبلد يعيش تعثر في ديمقراطيته وازمة في نظامه السياسي القائم على التداول السلمي للسلطة هو تقديم قانون موضوعي لنظام انتخابي ينسجم وحجم الازمة السياسية التي يشهدها البلد ويضع حداً لتداعياتها على الاستقرار السياسي والاصلاح المالي والاقتصادي والاداري.
ثانياً: مشاريع الانظمة الانتخابية المقترحة
هناك روى سياسية وقانونية كثيرة توكد على ضرورة اصلاح النظام الانتخابي(سانت لاغو المعدل) الذي اجريت بموجبة اخر انتخابات برلمانية من خلال اقرار قانون انتخابي بديل لقانون سانت لاغو الساري كحاجة وطنية ملحة لبناء الدولة العراقية واصلاح مؤسساتها المنهكة عبر سوء الادارة والفساد المالي الذي مارسته الكتل السياسية المتنفذة، تنطلق هذه الروى والمقترحات من منطلقات سياسية وحزبية احيانا ومن منطلقات قانونية ووطنية في حينا اخر، حيث ان اغلب المنطلقات السياسية والحزبية ناجمة عن مصلحة حزبية لهذا الحزب او التكتل او ذاك لأسباب كثيرة منها الحرص على ايجاد النظام الانتخابي ليجري بموجبة الاستحقاق الانتخابي الوطني والمحلي المقبل عام2018 ينسجم (النظام الانتخابي) مع تسيدها للسلطة وضمان استمرار نفوذها.
هناك ضبابية كبيرة وحديث متواصل في اروقة البرلمان وعلى وسائل الاعلام وصل الى حد الجدل عن ضرورة ايجاد نظام انتخابي مغاير لقانون سانت لاغو المعدل كما ذكرنا ولعل من ابرز المسودات لنظم انتخابية بديلة لنظام سانت لاغو المنشورة على المواقع الالكترونية: المشروع المقدم من رئاسة الجمهورية في20/ شباط/2017 الذي اعتمد في قواعده على النظام المختلط(17)، مع أنه يوجد نوعان من النظم المختلطة، الأول هو نظام تناسب العضوية المختلط (MMP)، والثاني هو النظام المتوازي (Parallel) او الجمع ما بين نظام التمثيل الاغلبية ونظام التمثيل النسبي(18)، أي ان نظام الانتخاب المختلط وفق النوع الثاني يقوم على أساس الاستفادة من ميزات كل من نظم الأغلبية (أو النظم الأخرى) ونظم التمثيل النسبي. وعليه، يتركب النظام المختلط من نظامين انتخابيين مختلفين عن بعضهما البعض ويعملان بشكل متوازي. ويتم الاقتراع بموجب النظامين من قبل نفس الناخبين حيث تجتمع نتائج النظامين لانتخاب الممثلين في الهيئة التي يتم انتخابها، ويستخدم في ظل النظام المختلط أحد نظم الأغلبية، والذي عادةً ما يقوم استناداً إلى دوائر انتخابية أحادية التمثيل، بالإضافة إلى نظام القائمة النسبية(19).
ويتبع هذا الاسلوب الانتخابي في المانيا الاتحادية حيث يتم انتخاب نصف النواب عن طريق نظام الاغلبية وبدور واحد في المناطق الانتخابية الصغيرة، ويتم انتخاب النصف الاخر من النواب باتباع التمثيل النسبي على مستوى الولاية، وكل ناخب يمتلك بطاقتين انتخابيتين يستخدم الاولى للإداء بصوته في منطقته الانتخابية الصغيرة لاختيار المرشح الذي يريده، اما البطاقة الثانية فيستعملها لإعطاء صوته الى القائمة الانتخابية التي يفضلها وعلى مستوى الولاية(20). ومن التجارب الدولية في التحول للنظام المختلط ايطاليا عندما أدى نظام التمثيل الحزبي في إيطاليا إلى نوع من الكارثة السياسية بحيث أدى إلى أن لا تستمر أي حكومة إيطالية في الحكم لأكثر من عامين في حدها الأقصى بينما كان عمر بعض الحكومات لا يتجاوز الأشهر، وفي عام 2005 تم تعديل النظام الانتخابي في إيطاليا ليتحول إلى نظام خليط بين التمثيل النسبي ونظام الصوت الواحد حيث يتم انتخاب75% من مقاعد البرلمان عبر التصويت المباشر ضمن نظام الصوت الواحد في دوائر ضيقة دائرة لكل مقعد برلماني بالإضافة إلى25% من المقاعد تحسب على أساس القائمة الحزبية(21). لكن هناك مسائل مهمة تقوي من عمل البرلمان معمولاً بها في عدد من الدول كألمانيا وتركيا قد لا ترتضيها الاحزاب والكتل السياسية لا سيما الصغيرة منها في العراق وبعض الدول العربية التي تشهد حراك ديمقراطيا خاصةً تلك المتعددة حزبيا ودينياً، ففي المانيا، لا يمكن لأي حزب ان يدخل "البُوندستار" "السلطة التشريعية" دون الحصول على5% من عموم الأصوات. أما في تركيا التي عرفت بالتشرذم الحزبي منذ عام 1961 ولغاية 1982، كل حزب فيها بعد التاريخ الاخير، ضرورة ان يحصد حصة لا تقل عن10% لضمان حق التمثيل في البرلمان(22).
يعتمد المشروع المقدم من رئاسة الجمهورية العراق على النظام المختلط كما ذكرنا، وينص على جوانب الأكثر أهمية وهي المتعلقة بقواعد النظام الانتخابي، وآلية تقسيم الدوائر الانتخابية، وصيغة توزيع المقاعد ايضا على توزيع نصف مقاعد الدائرة الانتخابية على جميع المرشحين في القوائم كلها بناء على عدد اصواتهم، ويعد الفائز الاول من يحصل على اعلى الاصوات ضمن الدائرة الواحدة، أما نصف المقاعد المتبقية، فتوزع على القوائم حسب المجموع الكلي للأصوات التي حصلت عليها كل قائمة، في الدائرة الانتخابية الواحدة وفقا لنظام سانت المعدل لكن بالقسمة هذه المرة على(1,5، ثم الاعداد الفردية الاخرى 3، 5، 7، 9، الخ)، ويعاد ترتيب تسلسل مرشحيها استناداً على عدد الاصوات التي حصل عليها كل منهم، ويكون الفائز الاول من يحصل على اعلى الاصوات، وهكذا بالنسبة لبقية المرشحين(23). فيما نص مشروع القانون على ان تُوزع الدوائر الانتخابية على أساس دائرة انتخابية لكل محافظة(24)، وفي السياق ذاته قدم النائب المستقل عبد الهادي الحكيم المنضوي ضمن كتلة المجلس الاسلامي الاعلى مقترح قانون انتخابي يتوقع برلمانيين عن المجلس الاعلى ان يحظى بمقبولية في مجلس النواب حيث اكد مقترح الحكيم نقاط اساسية يقترب عدد منها مع ما جاء في مشروع رئاسة الجمهورية: تجري الانتخابات وفق النظام الانتخابي المختلط بين النظام الفردي، والقائمة النسبية المفتوحة، ويصوت مجلس النواب على الخيارات المطروحة لنسبة كل من النظامين(الفردي، والقائمة النسبية) من عدد المقاعد المخصصة للدوائر الانتخابية، قبل، أو أثناء التصويت على القانون، لاختيار أفضل النسب بين النظامين من الخيارات المطروحة، مراعيا في التصويت تحقيق ما يلي: زيادة إقبال الناخبين على مراكز الاقتراع، والعدالة، ويضمن مصداقية تمثيل المرشحين الفائزين لقناعات الناخبين، وإزالة حالة الإحباط لدى المواطنين من نوابهم، وما يترتب عليه من كسب رضا المواطنين بأداء مجلس النواب(25).
المقترح الانتخابي عد ايضا المحافظة الواحدة دائرة انتخابية واحدة، واختلف مع مشروع رئاسة الجمهورية بعد بغداد تقسم الى دائرتين انتخابيتين هما دائرة الكرخ ودائرة الرصافة.ويعاد، بعد الفرز، ترتيب تسلسل المرشحين جميعهم، تأسيساً على عدد الأصوات التي حصل عليها كل منهم، ويكون الفائز الأول مَنْ حصل على أعلى الأصوات الصحيحة ضمن الدائرة الانتخابية الواحدة، وهكذا، حتى تكتمل النسبة التي أقرها مجلس النواب للترشيح الفردي(26). أما المقاعد المتبقية في الدائرة الانتخابية، فتحسب للقوائم الانتخابية وفق نظام القائمة النسبية المفتوحة، فكل قائمة تحصل على مقاعد في الدائرة الانتخابية المحددة بنسبة عدد الأصوات التي حصلت عليها من مجموع عدد المقترعين في هذه الدائرة الانتخابية الى عدد المقاعد المخصصة لتلك الدائرة الانتخابية، بعد حذف عدد الأصوات التي حصل عليها المرشح الفائز في القائمة من أصوات قائمته، كي لا يعاد احتساب أصواته مرتين(27).
ووجهت الى مقترح النظام الانتخابي المختلط نقد يتمثل بالاتي: إنّ آلية العمل بالنظام المختلط ليست بالأمر اليسير في وضع العراق الحالي، من جهة عدم توفر بيانات دقيقة للسكان تخدم في تقسيم الدوائر الانتخابية الى مستوى أدنى من المحافظة بما يحفظ وزن الصوت الانتخابي من ناحية تساوي عدد الناخبين في كل دائرة أو وجود فروقات بنسبة ضئيلة مقبولة ضمن المعايير الدولية للانتخابات، وعدم وجود حدود ادارية رسمية دقيقة وواضحة يمكن أن تُحدِدْ تلك الدوائر، فضلاً عن ضيق الوقت لإعداد الاستعدادات وتنفيذ الاجراءات بعد توفر البيانات، وهي التي تستند اليها أغلب فقرات الجدول الزمني للانتخابات وفي مقدمتها تسجيل الناخبين، لذا فإن استخدام هذا النظام حاليا يعدّ صعب التطبيق إن لم يكن مستحيلاً(28). من جانب ثاني قال عضو مجلس النواب عمار الشبلي في جلسة نقاشية: "مشروع قانون الانتخابات الذي قدمه رئيس الجمهورية كان يراد منه ان يحاكي مطالب الجماهير بان يكون الوصول الى قبة البرلمان ضمن معيار ثابت هو صوت المنطقة الانتخابية لكنه للأسف لم يأت متكاملا منصفا ويبدو ان الذين شاركوا في كتابة هذا المشروع ارادوه نقيضا لا يلتقي مع القانون النافذ الا باعتماده في مرحلته الثانية على قانون سانت لاغو"(29). وان هذا النوع من النظم يسمى المزدوج اي انه يزاوج بين الصوت الوطني والصوت المناطقي للدوائر ففي مرحلته الاولى يعتبر النصف الحاصل على اعلى الاصوات وفي جميع الدوائر هو الاحق بالحصول على مقعد برلماني ثم يبدا النصف الثاني للتنافس القوائم في كل دائرة وحسب قانون سانت لاغو والمعيار الذي غاب عن مقدم المقترح ان هذا النوع من القوانين اي المزدوج لا يسن اعتباطا دون وضع معيار آخر لتحقيق العدالة كما تحقق العدل في المرحلتين وهذا المعيار في هولندا هو ان تحصل القائمة على اكثر من ستة مقاعد ليتسنى لها دخول المنافسة والا ستهدر اصواتها(30).
في حين وصف نديم الجابري هذا المشروع قائلاً: عند مراجعة مشروع قانون انتخابات مجلس النواب المقدم من رئاسة الجمهورية تبين ما يلي: تبدو المسوغات السياسية واضحة على ملامح ونصوص المشروع. لذلك افتقر لصفة العمومية التي تقتضيها صياغة القوانين، الامر الذي يجعله مطابقا لمصالح القوى السياسية النافذة، وان المشروع لم يراع متطلبات الاصلاح التي تنشدها الجماهير المنتفضة(31). في اشاره الى حركة الاحتجاجات (المدنية ــ الصدرية) التي تشهدها كل يوم جمعة ساحة التحرير في بغداد وعدد من المحافظات منذ اكثر من عامين.
من جانبه حزب الفضيلة اقترح لقانون الانتخاب البديل ان يبقى الترشيح ضمن قوائم، واعتبار المحافظة الواحدة دائرة واحدة ثم تترتب اصوات المرشحين في كل قائمة تنازلياً وتمنح المقاعد للأعلى اصواتاً في مجموع المرشحين بغض النظر عن القوائم(32). وبهذه الالية يرى الحزب امكانية تحجم هيمنة الكتل وتسلط رؤساء الكتل السياسية ولا يستطيع رئيس الكتل الكبيرة ان يصعد على اصوات قليلة(33). اما إبقاء نظام القوائم والدائرة الواحدة لكل محافظة وعدم العمل بنظام الانتخاب الفردي المباشر من المواطنين وتعّدد الدوائر الانتخابية في كل محافظة بحسب عدد المقاعد المخصصة لها فهو لدفع الإشكال الذي يرد على نظام الانتخاب الفردي لأنه يؤدي الى فوضى واسعة في عدد المرشحين حيث سنجد في كل حي من احياء المدينة عشرات المرشحين حيث يأمل الكل بالفوز وفق النظام الفردي وهذا يربك عمل المفوضية والمواطنين الناخبين، ويمكن أن يصار لاحقا الى الترشيح الفردي وإلغاء القوائم والعمل على تقسيم المحافظة الواحدة الى عدة دوائر انتخابية بعدد المقاعد المخصصة لها، عندما يرتقي الوعي السياسي لدى المجتمع انتخاباً وترشيحاً(34).
كما رفض الحزب على لسان القيادي فيه النائب عمار طعمة مقترح بتغيير تقسيم الاصوات وفق طريقة سانت لاغو المعدل من(1,6) الى(1,7) للأسباب التالية(35): سيزيد هذا التعديل من هيمنة رؤساء القوائم والكتل على المرشحين ويحتكر قراراتهم و يوجه اراداتهم بالاتجاه الذي يرتضونه وهو ما يعني ركود المشهد السياسي وجموده على نفس الكيانات والوجوه السياسية. ولا يحقق الإنصاف في توزيع المقاعد، اذ انه يؤدي الى وصول مرشح حاصل على مئات الاصوات ويحرم مرشح آخر من قائمة أخرى حاصل على آلاف الاصوات. ووفق هذا النظام سيكون حظوظ الكيانات الصغيرة في الحصول على مقاعد فيه صعوبة جدا وقد تقل حظوظها في مجالس المحافظات بعد ان وضع موطئ قدم فيها. كما يتعارض مع مبدأ دستوري واضح نص على الانتخاب المباشر للمرشحين, وهذه الصيغة المطروحة(سانت لاغو المعدل) قد تؤدي وبنسبة عالية لفوز مرشحين لم يرغب الناخب بفوزهم بل رغب رئيس القائمة بفوزهم من خلال ضمه لهم في قائمته.
في حين اقترح فائق الشيخ علي النائب عن التيار المدني بتعديل المادة(14) فقط من نظام سانت لاغو المعدل لا الى تغييرة عبر ارجع نسبة التقسيم الاصوات التي حصل عليها الكيان السياسي من (1,6, 3، 5، 7، 9) الى (1، 3، 5، 7، 9) وبعدد المقاعد المخصصة للدائرة الانتخابية لكل محافظة لان سانت لاغو المعدل أضر بالقوائم الصغيرة(36). أي الرجوع الى قانون نظام سانت لاغو قبل التعديل والذي اجريت بموجبه انتخابات مجالس المحافظات في 20 نيسان عام 2013.
وعرض التيار الصدري مع تصاعد حركة الاحتجاجات الشعبية ضد الفساد الاداري والمالي في البلد اكثر من مقترح قانون للنظام انتخابي، فقد طرح اول مرة بوثيقة صادرة من قبل زعيمة مقترح انتخابي غامض ومتداخل اهم ما جاء فيه: توزيع المقاعد بالشكل التالي: 50% على الصعيد الوطني أي العراق دائرة انتخابية واحدة و50% على صعيد المحافظات، وعند احتساب الاصوات يتم اعتماد طريقة سانت لاغو غير المعدل للقائمة الوطنية، وطريقة اعلى الاصوات بالنسبة لقائمة المحافظة(37). ثم عرض مقترح انتخابي اكثر نضوجاً ويقترب الى حداً كبير من النظام الانتخابي على اساسي فردي، وترادف بعض مواده ما جاء في مرسوم انتخاب مجلس النواب العراقي رقم(6) لسنة1952. ويتمثل المقترح الانتخابي الثاني للتيار الصدري بالنقاط الاتية: تتوزع المقاعد المخصصة لكل محافظة على اساس الاقضية وحسب الكثافة السكانية لكل قضاء وفقا لإحصائيات وبيانات وزارة التخطيط(38). وجاء في مرسوم انتخاب مجلس النواب العراقي رقم(6)لسنة1952 كل قضاء لا يقل عدد الذكور المسجلين فيه عن خمسة عشر الفا ولا يزيد عن سبعين الفا يعتبر منطقة انتخابية واحدة مع مراعاة حسابات تتعلق بسكان كل قضاء وعدد الناخبين: اذا كان عدد الذكور المسجلين في القضاء يقل عن خمسة عشر الفا يضم الى قضاء يجاوره، فتكون منهما منطقة انتخابية تحتوي عدد من الذكور المسجلين لا يقل عن سبعين الفا، وكذلك يجوز ضمنه الى قسم من قضاء مجاور لهذا الغرض بشرط ان يكون عدد الذكور المسجلين الباقين في القضاء المجاور لا يقل عن عشرين الفا، واذا كان عدد الذكور المسجلين اكثر من سبعين الفا في القضاء او في القسم الباقي بعد اقتطاع قسم منه لغرض تطبيق الفقرة الثانية من هذه المادة يقسم الى منطقتين انتخابيتين او اكثر تحتوي كل منهما على عدد من الذكور المسجلين لا يقل عن عشرين الفا ولا يزيد على سبعين الفا. وتضم البوادي الى الاقضية المجاورة لها بقرار من وزير الداخلية، واذا كان عدد الذكور المسجلين في منطقة انتخابية لا يزيد على ثلاثين الفا ينتخب عنها نائب واحد واذا كان يزيد(39)
وجاء في المقترح الانتخابي للتيار الصدري بان يكون الترشيح بطريقة القائمة المفتوحة واختيار احد المرشحين فيها ويجوز الترشيح الفردي(40). وتختلف طريقة توزيع المقاعد في مقترح الانتخاب الذي قدمه التيار الصدري عن مرسوم انتخاب مجلس النواب العراقي رقم(6) لسنة 1925 وكذلك عن طريقة توزيع المقاعد في نظام الاغلبية ذو الدوائر المتعددة، اذ نص على ان توزيع المقاعد في الدائرة الانتخابية تتم وفق اليه يعاد فيها ترتيب تسلسل المرشحين جميعهم في القوائم كلها ترتيبا على عدد الاصوات في جميع القوائم في الدائرة الانتخابية الواحدة بصرف النظر عن القائمة وهكذا بالنسبة لبقية المرشحين(41). والملاحظ ايضا على هذا المقترح الذي جعل اختيار المرشح على اساس الاقضية لكل محافظة من محافظات العراق للعضوية في مجلس النواب واللجان المشكلة، بانه قد يوجه لا سيما في هذه المادة مسالة خطيرة لم تحسم الى اليوم تتمثل بترسيم الحدود الادارية وتابعية الاقضية لهذه المحافظة او تلك. اذ العراق في انتخابات عام1953كان موزع الى ما يعرف بنظام الولايات حيث ولاية الموصل، وولاية بغداد، وولاية البصرة، اما العراق المعاصر فقد قسم اداريا الى18محافظة، وهناك خلاف شديد بين هذه المحافظات حول الحدود الادارية.
من جانب ثاني يرى خبراء ان الانظمة الانتخابية القائمة على اساس الاغلبية او الاقضية الدوائر المتعددة قد تعزز من ارادة الناخبين لان المرشحين سوف يكونوا قريبين من جمهور الناخبين ومعروفين لديه على مستوى القضاء لو حسمت مسالة النزاع حول الاقضية بين المحافظات. اذ يجعل البرلمانيين الفائزين من هذه الاقضية يسهل عليهم التواصل مع جمهورهم وناخبيهم وتلبية احتياجاته. كما يساهم في دفع الأحزاب والكتل السياسية الى ترشيح أناس أكفاء ذو مقبولية وسمعه طيبه على مستوى القضاء. وغير مكلف في النواحي المالية سوف تكون الحملة الانتخابية للمرشح على مستوى القضاء مما يقلل من الملصقات الإعلامية لكل المرشحين والأحزاب ويقلل من التشويش على إرادة الناخب. ويجعل قرب المرشح ومعرفته من الناخبين مسبقا سوف تساعد الناخب في الاختيار واتخاذ القرار بشكل صحيح وبالتالي الوصول إلى نتائج انتخابات واعية وصحيحة تسهم في تقدم العملية السياسية. فضلاً عن انجاز في سرعة إعلان النتائج، وتقليل من عمليات التزوير في الانتخابات(42).
يرى خبراء في النظم الانتخابية والقانون الدستوري بان افضل نظام انتخابي بديل للأنظمة الانتخابية المجربة في العراق يتمثل بنمط نظام الاغلبية(43) على اساس فردي، وهو نظام مطبق في اغلب دول العالم كبريطانيا وامريكا وفرنسا وصولاً الى ايران والاردن وكان معمولاً به في مرسوم انتخاب النواب العراقي رقم(6)لسنة1952. ويقصد به ان يكون الانتخاب على اساس الافراد، من سمات قانون الانتخاب على اساس فردي ايضاً انه يقوم على اساس دوائر انتخابية متعددة وعن كل دائرة انتخابية يفوز مرشح واحد فقط، مثلا محافظة بغداد تقسم مثلاً الى(60) دائرة انتخابية، وعن كل دائرة يفوز مرشح(44). على ان يسن في القانون بعد جواز ترشيح شخص نفسه في دائرتين انتخابيتين: "لا يجوز لشخص ان يرشح نفسه في منطقتين انتخابيتين"(45). وعليه يكون للناس الناس الساكنين في المناطق يكون المرشحين منها والقرار الفصل للناخب من تلك المنطقة وهذا يقنن ايضا من خلال القانون أي ان المرشح يشترط فيه السكن في المنطقة في فترة لا تقل عن خمسة سنوات.
وفي هذا الصدد ادلى سياسيون رايهم في نظام الانتخاب على اساس فردي: ان القانون الامثل والاكثر عدالة هو تقسيم العراق الى دوائر متعددة ولكل دائرة نائب واحد ومن يحصد اعلى الاصوات هو الفائز وهذا القانون عادل وسهل واقل كلفة والمرشح الفائز اهلته الاصوات التي حصل عليها وليس منة من زعيم القائمة او الكتلة ومن انتخبه عارف بقدراته ونزاهته لأنه بالضرورة سوف يكون المرشح من ابناء الدائرة وهو مسؤول امامهم اخلاقياً وغيرها من المميزات(46). كما ان الافضلية في ترجيح مثل هذا المقترح تعود الى اسباب مهمة ايضا منها: ان الانظمة الهجينة التي تجمع بين نظامين ـــ في الاغلب تولد ميتة ـــ فضلا عن ان هذا النظام يسمح للناخب ان يضع في بطاقته اسما واحدا من بين عدة مرشحين، كما ان هذا النظام يجعل من الانتخاب ممارسة تبنى على الثقة والمعرفة الانسانية، دون ان تجعل منه صراع بين احزاب ومذاهب، كما انه يجعل من العملية الانتخابية منافسة على الطريقة الرومانية بين اشخاص تؤهلهم للنصر كفاءتهم بعيداً عن الاعتبارات المناطقية والطائفية(47).
يقسم نظام الاغلبية على اساس فردي الى قسمين:
أ. نظام الاغلبية ذو الدور الواحد:
الفائز هو الذي يحصل على اعلى عدد من الأصوات (الاغلبية البسيطة او الاغلبية النسبية)، وفي هذا النظام يمكن ان يفوز احد المرشحين دون ان يحصل على اغلبية اصوات الناخبين، وهذا النظام معمول به في العديد من الدول منها الدول الانجلو ــ امريكية الست وغالبا ما يودي الى نتائج مثيرة مدهشة، ويساهم في فترة سياسية مستقرة وفعالة حيث الحزب المنتصر في الانتخابات هو الذي يكون مهيمنا على السلطة التنفيذية وكذلك المقاعد البرلمانية(48)، فعلى سبيل المثال الانتخابات الاخيرة في بريطانيا فعندما اعلنت نتائج تلك الانتخابات بشكل رسمي يوم 8 أيار2015، حصد فيها حزب المحافظين بزعامة ديفد كاميرون331 مقعدا من أصل650 في البرلمان البريطاني، وحل حزب العمال بزعامة إد ميليباند في المرتبة الثانية بـ232 مقعدا. نتائج الانتخابات المذكورة دفعت إد ميليباند إلى تقديم استقالته من رئاسة حزب العمال، مقرا بالمسؤولية الكاملة عن هزيمة حزبه أمام الخصم التقليدي حزب المحافظين(49). وللتقريب نفترض وجود خمسة مرشحين مستقلين او حزبيين في دائرة انتخابية واحدة فان النتيجة تكون فوز المرشح(أ) اذا حصل على الاغلبية البسيطة كما مبين في الاتي(50): المرشح أ=30,000، المرشح ب=25،000، المرشح ج=20،000، المرشح د=15،000، المرشح هـ=10،000، فيكون مجموع المصوتين=100,000وهكذا يكون الفوز لمرشحي باقي الدوائر الانتخابية وبالتالي الحزب الذي حصل على اغلبية بسيطة من مجموع كل الدوائر الانتخابية يعد الحزب الفائز في الانتخابات.
ب. نظام الاغلبية ذو الدورين:
هو ان يحصل المرشح على الاغلبية المطلقة من الاصوات أي اكثر من نصف الأصوات 50+1% فاذا لم يحصل على50% فاكثر، تعاد الانتخابات بين اعلى اثنين من المرشحين، والذي يفوز بالثانية هو الفائز. وهذا النظام معمول به في ايران، وفرنسا وله اثار مختلفة فهو يؤدي الى تفضيل احزاب الوسط ويلزم الاحزاب الاخرى على تكوين تكتلات فيما بينها للدخول في الدورة الثانية من الانتخابات(51). ومثال على ذلك الانتخابات الفرنسية التي جرت في23نيسان2017 حيث لم يحصل أي مرشح، بالأغلبية المطلقة، وتنافس المرشح المستقل إيمانويل ماكرون ومرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان في الدورة الثانية الحاسمة للانتخابات الرئاسية بفرنسا، إثر فوزهما في الدور الأول: ماكرون23.87% ولوبان21.43% والذي فاز في7حزيران المرشح ايمانويل ماكرون بالدورة الثانية(52).
وفي الحالة العراقية يقترب من نظام الاغلبية ذو الدورين مرسوم انتخاب مجلس النواب العراقي رقم (6) لسنة 1952 لكنه اشترط اذا لم يحصل المرشح على 40% من الاصوات الصحيحة فتعاد الانتخابات في الدائرة الانتخابية خلال مدة (7ايام): "ان يكون نائبا المرشح الذي نال العدد الاكبر من اراء الناخبين الذين ابدوا اراءهم بشرط ان لا يقل هذا العدد عن اربعين بالمائة من الاراء الصحيحة فاذا لم يحصل احد المرشحين في المرة الاولى على هذا العدد من الاراء يعاد الانتخاب في المنطقة الانتخابي خلال مدة سبعة ايام بين المرشحين الذين حصلوا على ما لا يقل عن عشرة بالمائة من اراء الناخبين الذين ابدوا اراءهم، وفي المرة الثانية يكون نائبا المرشح الذي يحصل على العدد الاكبر من الاراء الصحيحة"(53). واذا حصل اثنان فاكثر من المرشحين على النصاب وكانت الاصوات متساوية اقترعت الهيئة التفتيشية بينهم وكانت الاولوية لمن تعينه القرعة(54).
السؤال هنا اذا افترضنا ان النظام الانتخابي القائم على الاغلبية واساس فردي افضل من غيره للوضع العراقي أي الانماط من هذا النظام اصح للعراق؟، يرجح خبراء في النظم الانتخابية بان النظام الانتخابي على اساس فردي وفق الطريقة رقم (ب) وهو اكثر جدوى وانسجاما للعراق في ازمته السياسية التي يمر بها من قانون سانت لاغو المعدل(55). لكن هناك من يقول ان النظام الانتخابي الفردي ذو الدورتين ينسجم مع النظام الرئاسي لقلة المرشحين المتنافسين. ويثقل نظام ذو الدورتين كاهل الإدارة الانتخابية، فضلاً عن تحمل الدولة أعباء العملية الانتخابية وتكلفتها المادية والتأخير في اعلان النتائج.
ثالثاً: مزايا النظام الانتخابي الفردي:
اتفق الخبراء في الانظمة الانتخابية على ان كل الانظمة الانتخابية لا تخلو من مساوى واشكاليات لكن هناك من تختفي اشكالياتها في ضوء تقدم مزاياها، وهذا راجع الى طبيعة كل بلد الحزبية والسياسية والدينية، واذا كانت مزايا النظام الانتخابي تعلو على اشكالياته فانه قد يكون الاصلح للبلد من غيره من الانظمة، وتتمتا لما تقدمنا به من بحث مزايا الانظمة الانتخابية المقترحة وعيوبها، نشير الى اهم مزايا النظام الاغلبي على اساس فردي بالنقاط الاتية:
1. بسيط ودقيق وسريع في احتساب اصوات المواطنين في حين ان الاصوات التي حصل عليها المرشح غير الفائز في نظام سانت لاغو المعدل تذهب الى الكتل الفائزة. اذ في النظام الانتخابي الفردي يعلن المرشح الفائز بعد ساعة من انتهاء الانتخابات لا سيما في ظل التطور في علم الحساب الالكتروني اذ يعطي ارحية كبيرة وعملية نزيهة في مجال عد الاصوات المنتخبين، مع ضرورة مراعاة المطابقة ما بين عدد الاصوات الكلية المؤشرة في السجل الانتخابي وعدد الاصوات في الصناديق الانتخابية لكل دائرة انتخابية وهذا ما كان معمولا به في مرسوم انتخاب مجلس النواب رقم(6)لعام1952 بعد الانتهاء من العملية الانتخابية يفتح الصندوق بحضور اللجنة الانتخابية بمرأى من الحاضرين ويتم تعداد الاصوات الانتخابية الملقاة في الصندوق ويسجل ذلك في الضبط فاذا وجد ان مجموع عدد الناخبين الذين ابدوا اراءهم يطابق مجموع عدد الاوراق الانتخابية الملقاة في صندوق الانتخاب يزيد على مجموع عدد الناخبين الذين ابدوا اراءهم بنسبة تزيد على الخمسة بالمائة يثبت ذلك في سجل الضبط ويعرض الامر على الحاكم فيقرر ابطال الانتخاب واعادة أجرائه حسب احكام هذا المرسوم في يوم اخر يعينه ويرسل نسخة من قراره الى كل من رئيس محكمة الاستئناف ورئيس الهيئة التفتيشية واذا كان عدد الاوراق الانتخابية الزائدة خمسة بالمائة او اقل فيدعو رئيس اللجنة الانتخابية احد الحاضرين لرفع عدد من الاوراق الانتخابية بمقدار الاوراق الزائدة ثم يباشر بعملية التصنيف(56).
2. يؤدي الى استقرار الحكومة وتكوين برلمان فعال لأنه قد يقلل من هيمنة الاحزاب الكبيرة والمتحاصصة فيما بينها ويجعل النواب مرتبطين بالناس وليس برؤساء الاحزاب بفعل المعرفة التي تربط المرشح الفائز بالناس من ابناء مدينته الى جانب افرزه الى حزب يشكل الحكومة واحزاب في المعارضة، لان انظمة التمثيل الأغلبي يمنح الناخبين فرصة حقيقة لتغيير أصحاب السلطة في كل موعد انتخابي، إن كانوا غير راضين عن اداء الاغلبية المتخلية وهو أمر بالغ الاهمية اذا ما قورن بالأنظمة النسبية ومنها طريقة سانت لاغو التي عادة ما تؤدي نتائج انتخاباتها الى تغيير جزئي في ترتيب الاحزاب وطبيعة التحالفات بينها(57).
3. الناخب يستطيع ان يدلي بصوته عن معرفة تامة واكيدة بجميع المرشحين في حين الانتخاب في قانون سانت لاغو المعدل يكون ليس على اساس المعرفة بالمرشح وانما على اساس الولاء او القرابة من رئيس الكتلة والحزب. مع ضرورة ان ينص القانون على منع ابناء المسؤولين على قيد الخدمة المدنية والعسكرية من الترشيح لان ذلك مضاد ضروري قد يمنع من استغلال المنصب والجاه في العملية الانتخابية ويكون التنافس مهني عادلا فيما بين جميع المرشحين: "لا يكون نائبا: من كان اقرباء الملك الى الدرجة الرابعة"(58). ولا يسوغ ايضا للمتصرفين او القائمقامين او مدراء النواحي او الحكام او رؤساء التسوية او مديري الشرطة او العسكريين ان يرشحوا انفسهم للنيابة من المنطقة الانتخابية التي يقومون بوظائفهم فيها(59). وعلى صعيد الناخبين يرى خبراء في شؤون الانتخابات ان الغاء ما يعرف بالتصويت الخاص لأبناء القوات المسلحة المنصوص عليه في قوانين الانتخاب ومنها سانت لاغو المعدل(60). اذ قد يجعلهم عرضة للتحيز الحزبي والولاء الثانوي وقد يشكل اشتراكهم ايضا بالانتخابات تهديداً للأمن القومي للبلاد. من هنا يقول رئيس المفوضية السابق عادل اللامي: ان اشتراك ابناء القوات المسلحة في الانتخابات يودي الى كشف بيانات القوات المسلحة بالعدد والرتب والاسماء حيث يفترض ان تكون هذه البيانات بمنتهى السرية ايضا قد تشكل مراكز اقتراع العسكريين اهداف سهلة للإرهاب كاحتمال وارد في بلد مثل العراق(61). وقد يتم وبفرص احتمالات قوية ان تقوم عدد من قيادات هذه القوات التي اصلا لم يتم اختيارها على اساس المهنية فقط بل على اساس الولاءات الحزبية (حالة قوات الدمج كمثال واقعي) بالتأثير على ارادة الجنود والمنتسبين للتصويت لصالح جهة معينة، اضافة الى تهديد السلم الأهلي حين يصوت مثلا 60 او 70% من المصوتين الفعليين لصالح كيان سياسي معين ما يحدث احباطاً لدى شرائح اجتماعية كبيرة تدين بالولاء او الايمان لأحزاب اخرى حيث ستفقد ثقتها بالقوات المسلحة كونها المؤسسة الاولى المسؤولة عن حماية الدستور والمجتمع ككل(62). دستورياً منع الترشيح فقط عن القوات المسلحة العراقية وافرادها، وبضمنهم العسكريون العاملون في وزارة الدفاع أو اية دوائر أو منظمات تابعة لها، الترشيح في انتخابات لإشغال مراكز سياسية، ولا يجوز لهم القيام بحملات انتخابية لصالح مرشحين فيها لكن الدستور نص على حق ابناء القوات الامنية بالتصويت في الانتخابات(63). وهناك عدت دول لا تسمح دستورياً وقانونياً بتصويت العسكريين مثل دول أمريكا اللاتينية القلقة نسبياً كالارجنتين والبرازيل والأكوادور، وايضاً الكونغ، وإندونيسيا، وتركيا، ولبنان، ومصر قبل قرار المحكمة الدستورية الاخير، وغيرها من الدول(64).
4. تقليص تأثير الاحزاب السياسية ولجم سطوتها المالية والعسكرية على اراء الناخبين وتوجهاتهم لان المرشح سواء كان مستقلاً او حزبياً في ظل نظام الدوائر الانتخابية المتعددة يرتكز على كفاءته ونزاهته، من هنا سوف تحرص الاحزاب على ان تدعم المرشح التكنوقراط في خوض الانتخابات البرلمانية وحتى المحلية، وقد تعيد هيكلة نفسها من جديد وتحاول ان تبعد العناصر الانتهازية والفاسدة منها وهي مسالة تتوقف ايضا على مدى تقييم ومحاسبة الناس المعنوي للأحزاب السياسية، خصوصاً اذا ما كان هناك فرض للضوابط الجزائية من قانون الاحزاب السياسية رقم(36) لسنة 2015 ايضا بصورة صحيحة وحرفية على كل الاحزاب والكيانات السياسية(65). الى جانب تفعيل دور هيئة النزاهة ومؤسسات الرقابة.
5. يخفف هذا النظام من اجواء التوتر الطائفي والعرقي التي تبرز عادةً قبل الانتخابات وبالتالي ينهي الصراعات الاهلية ويحد من ارتكان الاطراف السياسية على الدعم الاقليمي. لكون الانتخاب يتم هذه المرة وفق الدوائر المتعددة، وعلى اساس فردي أي ان للكفاءة والبرنامج والروى السياسية وليس على اساس الدعم الخارجي واللعب على العواطف الدينية والطائفية. الا ان هناك من يشكل بالقول بان نظام الانتخاب الفردي انه انتخاب أشخاص وليس انتخاب أفكار برامج، فنجد المنتخب يتأثر بشعبية المرشح وشخصيته، نسبه ومستواه الثقافي، فالتنافس على حد تعبير رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق (Herriot Edouard): "الانتخاب الفردي بأنه انتخاب مصارعين"(66).
6. هذا النظام سيقضي على المال السياسي المسروق بالآليات النفوذ الوزاري والاداري والصفقات ما بين النائب والحكومة التي تطبخ بينهما اذ ان المال السياسي يكون هنا وسيلة غير مشروعة لكسب اصوات للناخبين وبالتالي فان تكوين المجلس النيابي بهذه الصورة تصبح اشبه ما يكون بأعضاء غرف التجارة، حيث تبدأ المقايضات والمساومات مع الحكومة لتمرير مشاريع قوانين مقابل صفقات تحاك وراء الستار بين النائب والحكومة او بين نواب الكتل المكوناتية انفسهم، وهذا يوثر ايضا على استقلال مجلس النواب(67).
7. لا يحتاج المرشح في ظل هذا النظام الى اموال طائلة للدعاية الانتخابية لان المرشح يخوض الانتخابات في دائرته او منطقته، في حين ان خوض الانتخابات في ظل الدائرة الواحدة تحتاج الى اموال طائلة للدعاية الانتخابية، لانخفاض كلفة الدعاية الانتخابية بالنسبة للمرشح لصغر الدائرة الانتخابية وعليه يضع هذا النظام حدا للمال السياسي، ويؤدي الى تقليل فرص التأثير المالي الخارجي عليه(68).
8. ان الانتخاب على اساس فردي على يحد من تأثير الحزبين والمكونات التي تتحاصص وتتقاتل الاحزاب والكيانات السياسية على ترشيحهم في هيأت المفوضية(69). وقد شرع اعضاء الكيانات السياسية في قانون المفوضية ما ينسجم وطموحهم هذا: "يراعى في تشكيل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بما يحقق التوازن في تمثيل مكونات الشعب العراقي وفقا ًللأنظمة والتعليمات"(70). من هنا سيقلل النظام الفردي من حالات الفساد والتأثير في عمل مفوضية الانتخابات وللأسباب الاتية: "ان نتائج الانتخابات ستظهر في نفس اليوم بسبب صغر القائمة وسهولة فرز الاصوات وبالتالي فان عملية فرز الاصوات التي تستغرق نحو شهر في ظل القانون الحالي لن يكون لها حاجة وضرورة بعد الان، كما ان التقاتل على مفوضية الانتخابات من قبل الجميع ستنتهي فلن تستطيع المفوضية ان كان فيها فاسدين التأثير في نتائج الانتخابات وبالتالي ستصبح المفوضية مؤسسة مهنية يشغل مناصبها فقط المهنيون والمختصون بالشأن الانتخابي وهذا مفقود في ظل القانون الحالي"(71). ورغم هذا التفاؤل الذي يطرحه الباحث اثير ادريس في امكانية ان يحقق النظام الفردي تحول اساسي باستقلالية المفوضية بمجلس مفوضيها المكوناتي والحزبي الى مجلس يشغله المهنيون والمختصون لكون التشريع التحاصصي المكوناتي ايضا طفى على كل القوانين ومن ضمنها قانون المفوضية. ولعل هذه المهمة من اولى الاولويات المناطة بإفرازات النظام الانتخابي المفترض، اذ تعيد المجالس النيابية المقبلة النظر في كل التشريعات ومن ضمنها القانون المذكور.
9. على المستوى ضبط التعددية الحزبية في بلد مثل العراق يعاني من غياب ثقافة التعددية الحزبية وضعف في تطبيق الضوابط القانونية الى جانب غياب ثقافة الهوية الوطنية الجامعة والولاءات الخارجية، من الممكن ان يودي اقرار قانون الانتخاب الفردي الى تقليص العدد الكبير من الاحزاب والجماعات العاملة في العراق، اذ يعزو خبير الاحزاب موريس دفرجيه في كتابه(الاحزاب السياسية) الى ان تطبيق نظام الانتخاب الفردي يودي الى ظهور الثنائية الحزبية كما حدث في بريطانيا(72). ادى الى تقلص وجود الاحزاب فيها الى حزبين رئيسين هما حزب العمال وحزب المحافظين. لكن في الوقت ذاته ترفض الاحزاب الصغيرة في بلد مثل العراق متعدد الطوائف والاحزاب نظام الانتخاب الفردي لأنه لا يودي الى تمثيلها تمثيلاً مؤثراً في البرلمان وانه يكون على حساب وجودها من هنا تؤيد هذه الاحزاب اعتماد نظام التمثيل النسبي. اذ من المؤاخذ على هذا النظام انه يسمح فقط للحزب الذي يحصل على العدد الاكبر من الاصوات الناخبة في الحصول على التمثيل البرلماني فالحزب الذي يحصل على نسبة 50،01% من الاصوات يحصل على الكل بينما الحزب المنافس الذي يحصل على نسبة 49،99% لا يحصل على أي شيء(73). كما ان هناك من يقول من الاحزاب والكتل السياسية رداً على رفض نظام الانتخاب الفردي والدوائر المتعددة ان هذا النظام يساعد في صعود الحزب او التكتل الجماهيري(أ) عندما يوصي الناخبين الموالين له بدعم مرشح(س) في الدائرة الانتخابية(1) ومرشح(ص) في الدائرة الانتخابية(2) وهكذا في كل المحافظات العراقية. لكن هذا الاشكال يمكن معالجته من خلال تصاعد وعي الناخب في ضوء المؤشرات السلبية على عمل قيادات الاحزاب واعضاء ونواب الكتل السياسية وزرائها منذ عام2003والى يومنا هذا مما قد يجعل الناخب يرتكن الى الشخصية المرشحة المتسمة بالكفاءة والنزهة والوطنية. وهناك اشكاليات اخرى سنتناولها بالتحليل في المحور الاتي.
رابعاً: اشكاليات في نظام الانتخابي الاغلبي على اساس فردي
هناك اشكاليات قد تعتري تطبيق النظام الانتخابي الفردي لا سيما في البلدان التي تعاني من تشرذم ديني وتستفحل بها المكوناتية السياسية، وتغيب فيها قيم المساواة وتتقدم فيها القيم الأبوية والعشائرية كتلك المتعلقة بمسميات الجنس ونزعة العشيرة والدين، على حساب التمثيل السياسي الشفاف القائم على اساس الهوية الوطنية الشاملة، وقد حرصنا ان نرد على هذه الاشكاليات بالآتي:
1. مسالة تمثيل النساء في البرلمان ومجالس المحافظات
من الاشكاليات التي تثار ضد نظام الانتخاب على اساس فردي مسالة تمثيل النساء في الانتخابات الوطنية والمحلية، فالنظام الفردي كما نوهنا يعتمد الانتخاب على اساس الدوائر المتعددة والترشيح الفردي، وهذا مما يقلل حظوظ المراة، لكون الانتخاب في ضوء هذا النظام تتجه صوب الافراد مباشرة وعادتا ما تتجه اصوات الناخبين في الدوائر المتعددة لا سيما في المناطق الريفية والمجتمعات المحافظة صوب الرجل. أي ان المزاج الانتخابي للناخب العراقي سيفضل نوعية معينة من المرشحين، حيث الثقافة الأبوية السائدة في المجتمعات العربية والعراق جزء منه تكشف بشكل أكثر وضوحا إذا ما نظرنا إلى سلوك التيارات والأحزاب السياسية في مجملها حيث قد يقل دعم تلك الأحزاب المرشحات من النساء على المقاعد الفردية ما يجعل تلك المقاعد مقاعد للرجال بنسبة100% حتى وإن نافست عليهن النساء(74). وهذا ما يشكل عقبة أساسية في وجه المرشحات من النساء حيث لا يميل المزاج العام لدعم النساء، وضمن دستوريا حق تمثيل النساء العراقيات في قوانين الانتخابات من خلال تحقيق نسبة لا تقل عن الربع من عدد أعضاء مجلس النواب البلغ(328) نائباً، أي بنسبة مقعد واحد لكل مائة الف نسمة من نفوس العراق(75). أي تحقيق نسبة لا تقل فيها تمثيل المرأة عن25% في أي انتخابات برلمانية ومحلية(76). وفي ضوء ما نص عليه الدستور اشارة قوانين الانتخاب بعد عام2003 بطرقها المختلفة الانتخاب بالمثيل النسبي منها او نظام سانت لاغو، بجعل هناك قاعدة في الترشيح تضمن للنساء الوصول الى مجالس المحافظات في انتخابات عام2013 مثالاً لتحقيق الكوتا النسائية: تكون امرأة في نهاية كل ثلاثة فائزين بغض النظر عن الفائزين من الرجال(77). وفي نظام سان لاغو الذي اجرت بموجبه الانتخابات النيابية عام2014 فقد نص: يجب ان لا يقل عدد النساء المرشحات عن25% في القائمة وان لا تقل نسبة تمثيل النساء في المجلس عن25%(78). واشترط القانون على الكيانات السياسية عند تقديم القائمة ان يراعى تسلسل النساء بنسبة امرأة بعد كل ثلاثة رجال(79). بمعنى ان من بين ثلاثة رجال تفوز امراة حتى لو لم تحصل على العتبة الانتخابية وهو ما يعرف بنظام الكوتا كحالة استثنائية لتمكينها من المشاركة في المجالس النيابية والمحلية.
هذه الإشكالية (تمثيل النساء) يرى المدافعين عن النظام الانتخابي على اساس فردي من الممكن معالجتها بسهولة التزاماً باحترام الاعتبارات القانونية والدستورية منها ما نص عليه الدستور العراقي تكون مسالة تمثيل النساء في النظام الفردي من تحديد حصة تمثيل النساء من المقاعد في كل محافظة، وجعل تنافس المرشحات من النساء بدائرة واحدة فقط بدل الدوائر المتعددة، فمثلا اذا كان عدد نواب بغداد مثلا60 نائب اي ان للنساء15 مقعد منها ولحل مسالة تمثيل المرأة بجعل النساء تتنافس ضمن حدود المحافظة التي ستعتبر دائرة انتخابية واحدة(فقط للنساء) وستفوز النساء الحاصلة على اعلى15 نسبة تصويت، وهنا سيتبقى45 مقعداً، وعدد الدوائر لذلك ستصبح45 دائرة، وبهذا تحل مسالة تمثيل النساء(80).
2. التصويت خارج العراق
عمدت العديد من الديمقراطيات إلى تقديم خيار التصويت الخارجي لمواطنيها المقيمين في الخارج واستجابة للنتائج المتحققة من دفع عجلة التحول الديمقراطي وسرعة تنامي العولمة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في جميع أنحاء العالم، فإن عدداً متزايداً من البلدان الأقل نمواً أخذت، اليوم أيضاً، في السعي لإتاحة التصويت الخارجي لمواطنيها المتواجدين هناك لأسباب مختلفة، بهدف السماح لإدراج هؤلاء الناس في العمليات الانتخابية والسياسية في داخل البلاد(81). تماشياً مع هذا المبدئ، وانسجاماً مع اشارة المصدر الدستوري العراقي لعام 2005 في حق العراقيين في الانتخاب(82). الذين يمتلكون الجنسية العراقية، والإقامة(المؤقتة او الدائمة)، ومسجلة اسماءهم في سجل الناخبين، وعليه من حقهم الدستوري هذا الخيار في كل الاستحقاقات الانتخابية الوطنية(مجلس النواب)، وقد حرصت كل القوانين الانتخابية السابقة ان تنظم هذا الحق، فلو اخذنا قانون الانتخاب وفق طريقة سانت لاغو رقم(45) لسنة2013 نجده ينص كمصدر قانوني أيضا على حق التصويت لعراقي الخارج كل حسب محافظته العراقية التي هاجر منها: "يصوت المهجرون وفق احدث احصائية رسمية تزود بها المفوضية من وزارتي الهجرة والمهجرين والتجارة بموجبها يحق للمهجر التصويت في المكان الذي يقيم فيه ويصوت لدائرته الاصلية التي هجر منها"(83). اين الاشكال اذن في عملية التصويت الخارجي؟ القوانين الانتخابية لمجالس النواب السابقة سواء التي تنص على التمثيل النسبي او طريقة الانتخاب وفق طريقة سانت لاغو تقوم على اساس كل محافظة عراقية هي دائرة انتخابية باستثناء اول انتخابات وطنية لانتخاب الجمعية العامة جعلت العراق دائرة انتخابية واحدة، في حين ان النظام الانتخابي المقترح الذي يقوم على التمثيل الاغلبي على اساس فردي يرتكز على اساس توزيع كل محافظة الى عدة دوائر حسب النسب السكانية لكل محافظة كما اشرنا في قواعد توزيع المقاعد الانتخابية في الانتخاب الفردي. أي ان الاعتبارات اللوجستية والفنية تكون اصعب ظل النظام الانتخابي المقترح من سابقيه. الحل باعتبار كل محافظة صادر منها جواز السفر للعراقي خارج العراق دائرته الانتخابية (باعتبارها دائرة انتخابية واحدة) وسيصوت فيها لمن يرغب في محافظته، على ان تجرى انتخابات الخارج قبل اسبوع من الانتخابات العامة لغرض فرز النتائج واعلانها بنفس يوم اعلان نتائج الانتخابات العامة(84). لكن تبقى هناك مشاكل اجرائية على مستوى المساواة في المنافسة الانتخابية، والشفافية في عملية التصويت، والكشف عن عمليات التزوير، وتسوية المنازعات في حالة الطعن في نتائج الانتخابات للمنتخبين في الخارج التي تجري على أرض أجنبية، خارج إقليم الولاية القضائية(85). بالإضافة مسائل اخرى تتعلق بتكلفه المالية الباهظة للتصويت الخارج وقد يصحبه شبهات فساد من قبل المفوضية كجهة اجرائية ومشرفة كما كشف ملف الاستجواب النيابي لرئيس مجلس المفوضين، من خلال الايفادات واستئجار البنايات الفخمة لمكاتب المفوضية في الخارج وغيرها، عموما فقد قدرت جهات دولية الكلفة المالية في التصويت الخارجي للعراق حسب الانتخابات النيابية في (كانون الثاني/2005) بلغت من 300 الى 400 دولار امريكي للفرد الواحد، وبتكلفة اجمالية تصل الى اكثر من 92 مليون دولار امريكي(86). ربما تمثل هذا التكلفة المالية اذا كانت دقيقة الاغلى، والاعلى تكلفة في تصويت الخارجي على مستوى العالم.
3. يقصي تمثيل المواطنين(الاقليات) في البرلمان ومجالس المحافظات
في المضمار الديمقراطي يعد كل الناس متساوون في الحقوق والحريات، فلا يقف الدين او القومية او أي أيقونة فقهية او عرقية حاجزا امامهم، ومن تلك الحقوق حق الانتخاب تصويتاً وترشيحاً، وقد ضمن الدستور العراقي وقوانين الانتخابات حق تمثيل العراقيين جميعاً في المشاركة بالشؤون العامة والتمتع بالحقوق السياسية بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح(87). كما ان قوانين الانتخابات قد نظمت ذلك، واعدت حساباً جرائياً لمسالة التمثيل وحصد الاصوات، فبقانون انتخاب مجلس النواب في العام2014 وفق طريقة سانت لاغو قسمت المقاعد النيابية بالشكل الاتي: يتكون مجلس النواب من(328) مقعدا يتم توزيع(320) مقعدا بين المحافظات وفقا لحدودها الادارية، والجدول المرفق بالقانون، وتكون(8) مقاعد منها حصة(كوتا) للمكونات: (5) للمسيحين، و(1) للصابئة المندائين في بغداد، و(1) الايزديين، و(1) للشبك في الموصل(88). جعل القانون المقاعد الانتخابية المخصصة من كوتا المسيحيين والصابئي والمندائي ـــ العراق ـــ دائرة انتخابية واحدة(89). بدل كل محافظة دائرة انتخابية واحدة، اذن فالمتغير في حالة تشريع قانون يتضمن الانتخاب الاغلبي على اساس فردي يكون توزيع المقاعد فيه على اساس الدوائر المتعددة لكل محافظة، وعليه هناك تخوف من عدم تمثيل المجموعات الدينية، نظرا لانتشارهم على عموم العراق بأعداد سكانية قد لا تمنحهم قد الحصول على مقاعد انتخابية، فما الحل اذن، يقول المدافعون النظام الانتخابي على اساس فدري ان تمثيل تلك المجموعات الدينية تكون سهلة ومستساغة حيث يعتبر العراق دائرة انتخابية واحدة لغرض الحفاظ على اصوات ابناء المجموعات الدينية اينما كانوا في العراق وخارجه ايضا وتستقطع مقاعدهم من العدد الكلي لعدد مقاعد مجلس النواب قبل توزيع الدوائر الانتخابية(90). وفي التجربة الانتخابية العراقية السابقة التي اقامت على اساس الانتخاب الفردي وزع قانون الانتخاب رقم(6)لسنة1952 مقاعد المجموعة المسيحية على النحو الاتي: قضاء مركز لواء بغداد(2)، وقضاء مركز لواء البصرة(1)، وقضاء مركز الموصل(3)، وأعتبر القانون هذه الاقضية ايضاً منطقة انتخابية واحدة(91).
4.صعود العشائر
من الاشكاليات الاخرى التي تثار ضد النظام الاغلبي على اساس فردي انه يودي الى هيمنة العشائر خاصةً المدعومة سياسياً على مقاعد البرلمان والمجالس المحلية من خلال سيطرة العشائر على الاقضية والنواحي او الدوائر الانتخابية لكل محافظة بالمفهوم القاعدي الانتخابي وفي اغلب المحافظات العراقية، على اعتبار ان النظام المجتمعي العربي ومنه العراق لا يزال ترتكز فيه حاكمية العشيرة واعرافها البوية والعصبوية. يرد المدافعون عن النظام الاغلبي على اساس فردي من خلال النقاط الاتية: ان العشائر في العراق في السنوات الاخيرة تحولت من الحياة الريفية الى حياة المدينة وانتقل افرادها الى مراكز المدن والى محافظات اخرى وهذا لا يعني زوال النزعة القبلية والثأرية في التفكير اذ الكلام هنا عن كثافة العشائر السكانية، وفي ضوء هذه المعطيات ان العشائر ليس بالحجم الكبير جدا، كما ان التقسيم القواعدي للمقاعد الانتخابية في ظل النظام الانتخابي الفردي لا يسمح بسطوة العشيرة على الدائرة الانتخابية في اي محافظة ما لان الدوائر المتعددة لن تكون صغيرة جداً فقد يصل عدد السكان في كل دائرة انتخابية الى نحو100الف ناخب ولا يتصور ان تكون هناك عشيرة مسيطرة الى هذا الحد في أي منطقة جغرافية من مناطق العراق الا في حالات محدودة، من جانب ثاني ان المرشحين من العشيرة نفسها سيساهمون في الرد التخوف لانهم سيشتتون اصوات العشيرة الواحدة(92). اما في حالة وجود تأثير وكثافة سكانية كبيرة لعشيرة ما في منطقة ما من المحافظة(أ) او المحافظة(ب) يسمح لها بنيل اصوات الناخبين، وهو احتمال وارد جداً في ضوء تركيبة العراق القبلية في اغلب محافظاته فان هذا لا يكون مؤثراً بالمحصلة الجمالية على مستوى القرار البرلماني(93). من هنا يرى فريق اخر بين الرافضين والمدافعين من تشريع قانون انتخابي يأخذ بالانتخاب الاغلبي على اساس فردي امكانية ان يكون ملائماً لكن بعد التثقيف اولاً ونشر الثقافة المدنية بين العشائر، وتقديم الحجج التي توكد على اهمية اختيار المرشح الكفوء والنزيه على أي عرف اخر ومنها اعراف العشيرة.
5. المناطقية:
في سياق مقارب للإشكالية السابقة يرى النقاد للنظام الاغلبي على اساس فردي يجعل النائب اسير دائرته الانتخابية وممثلاً لها وليس للامة او الشعب، ومن ثم تتراجع اعتبارات المصلحة العامة في عمله، كما انه يودي الى ضعف في مستوى الكفاءات في المجالس النيابية لاعتبارات تمركز للمناطقية والعرقية في هذا النظام على حساب المهنية(94). يرد المدافعون عنه بان المرشح الفائز وان كان يمثل كل الشعب في السلطة المشرعة في المحصلة الوطنية، لكن هناك ضرورة اخرى يفترض ان يكون هناك تمثيل حقيقي لكل الاقضية، ومركز المدن لكل محافظة من محافظات البلد من خلال المعرفة القريبة بالمرشح، وان يمثلهم في المجلس النيابي ويلبي طموحاتهم وبما وعدهم به في حملته وبرنامجه الانتخابية وبالتالي يكون هناك تمثيل حقيقي للناس وهذا لا يكون الا في النظام الانتخابي الذي يأخذ بالدوائر المتعددة، كما ان العمل السياسي في الانظمة البرلمانية يتطلب تشكيل التحالفات من قبل المرشحين الفائزون للعمل المشترك داخل قبة البرلمان، اما اذا كان التمثيل على مستوى انتخابات مجالس المحافظات فان اشكالية المناطقية تنتهي بصورة شبة كاملة.
6. تشتت الاصوات وعدم امكانية تشكيل كتلة كبيرة
الاشكالية الاكثر تعقيداً تكمن في عدم امكانية تشكيل كتلة كبيرة في بلد مثل العراق متعدد اثنينا وعرقيا وطائفياً الى حد التقسيم سكانياً وجغرافياً، ونظامه السياسي جمهوري نيابي(95). وعليه يتطلب مشاركة التعددية المذكورة في اختيار الرئاسات الثلاث داخل قبة البرلمان حتى تنال الثقة(96). وهنا تكمن مشكلة العودة مرة اخرى الى نظام التحاصص السياسي والحزبي بين هذه المكونات على حساب المصلحة العامة وبناء الدولة مواطناتياً، يرد المدافعون عن النظام الاغلبي على اساس فردي ان من مزاياه يودي الى ترشيد التعددية الحزبية، وعلى هذا الاساس فمن الممكن في المستقبل ان يودي الى نتائج انتخابية وطنية قائمة على اساس المواطنة، وينتج في الوقت نفسه بعد كل دورة انتخابية تكتلان سياسيان متعددان عرقياً ودينياً وحزبياً ومستقلين، الفائز الذي يملك الاغلبية المطلقة يحكم، والخاسر في المعارضة البرلمانية. اضافة الى عوامل اخرى قد تساعد في انهاء التحاصص السياسي ولادة احزاب سياسية تقوم على اساس المواطنة الشاملة تمتد من الشمال الى الجنوب والعكس صحيح كتلك الموجودة في عدد من البلدان المستقرة.
الخاتمة:
في ختام هذه الدراسة حول اصلاح النظام الانتخابي في العراق وايجاد قانون انتخابي جديد، نضع بين يدي القراء والمهتمين بمستقبل الدولة العراقية وترصين نضامها السياسي باتجاه الديمقراطية، مجموعة من الاستنتاجات والتوصيات عبر النقطتين الاتيتين:
اولاً: الاستنتاجات
1. ان الصلة الوثيقة بين النظام السياسي وقواعد النظام الانتخابي، عبرت عنها بصورة جلية نظم الانتخاب المجربة على الحالة العراقية، فأفرزت لنا مداورة كتلوية تضاف الى تحاصص مكوناتي اعتمد بعد التغيير على المحاصصة السياسية في تقاسم السلطة، وهذا الافراز لا يعود الى النظام الانتخابي بحد ذاته، وانما من انتج هذه النظم الانتخابية وهي الكتل السياسية الممثلة في السلطة المشرعة لأنها اقرت قواعد انتخابية تضمن استمرار بقاءها في السلطة بعد كل دورة انتخابية.
2. شهد العراق بعد التغيير من النظام الاستبدادي عام2003 نظم انتخابية تراوحت بين المقبولية الجزئية في القواعد وبين التشويش في السياق العام.
3. اعتمد العراق في نظامه الانتخابي في اول انتخابات برلمانية مباشرة على نظام التمثيل النسبي بعد ان وضع بموجبه العراق دائرة انتخابية واحدة، وفق امر سلطة الائتلاف رقم(96) لسنة 2004 وتم بموجبه انتخاب اعضاء الجمعية العامة في كانون الثاني عام2005 التي كان من المفترض ان تؤسس لحياة ديمقراطية عبر كتابة الدستور الدائم للعراق.
4. عندما الغي امر سلطة الائتلاف رقم(96) بتشريع قانون انتخاب مجلس النواب رقم(16) لسنة2005 اعتمد ايضا في نظامه الانتخابي على عائلة التمثيل النسبي لكن جعل كل محافظة دائرة انتخابية بدل الدائرة الانتخابية الواحدة واخذ بنظام القائمة المغلقة في التصويت، وهو بذلك انتج اصطفاف سياسي يخلو من المهنية الوطنية ويسوده تقاسم طائفي ـــ عرقي، وفسح المجال امام الهدر المالي والفساد الإداري التي انتجتها انتخابات الجمعية العامة، وزاد في شرخ الازمة السياسية تعديل القانون المذكور بقانون انتخابي رقم(26) لسنة 2009 حيث حملت قواعد هذا التعديل الانتخابي سيطرة الكتل التقليدية على مجلس النواب، بعض ناتج من الطبيعة السياسية والدينية وحسن توظيفها واخرى عبر تخصيص نسبة(5%)من المقاعد كمقاعد تعويضية توزع على القوائم بنسبة المقاعد التي حصلت عليها، كما منح المقاعد الشاغرة للقوائم الفائزة التي حصلت على عدد من المقاعد بنسبة المقاعد التي حصلت عليها، وهو ما اثار اعتراضات حسمتها اخيرا المحكمة الدستورية العليا عبر قرارها بعدم دستورية ترحيل صوت الناخب من المرشح الى مرشح اخر لم ينتخبه اصلاً، وهكذا وصف القانون الانتخابي الاول بانه افضل من الثاني في قوة التمثيل الصوت الانتخابي والقانون الثاني افضل من القانون الثالث، لكن القوانين الثلاث انتجت لنا ضعفاً في الاداء الحكومي وبرلمان مشتت تسودهما الفساد والعمل المحاصصاتي وصل حتى تشريع القوانين.
5. مع الاستحقاق الثاني للانتخابات المحلية في 20 نيسان 2013 برزت هناك رغبة كبيرة بتغيير طريقة الانتخاب من الانتخاب وفق الطريقة التمثيل النسبي ومن تقسيم الاصوات لاستخراج المعدل الوطني الى تقسيم الاصوات الصحيحة وفق طريقة سانت لاغو(7,5,3،1...)، وهو ما عد انتصار لصالح المستقلين والكتل الصغيرة، لكن مع قرب الانتخابات الوطنية البرلمانية حرصت الكتل السياسية الى عدم مغادرة امتيازات السلطة وقد نجحت في مبتغاها عبر تشريع ما عرف بقانون سانت لاغو المعدل رقم(45) لسنة2013 او وعرف بالطريق العراقية اخذ بتقسيم الاصوات الصحيحة على (1،6، 3، 5، 7...) بموجبه اعادة الكرة المحاصصاتية مرة اخرى بتقسيم الرئاسات الثلاث بعد سنوات من عرف المحاصصة الفاشلة الموطرة بحكومات الوحدة الوطنية برئاسة نوري المالكي، وفي ظل هذه الدوامة من زياد نسب الفساد وفق الاحصائيات الامية والفشل الامني خاصة بعد سقوط مدن غرب العراق بيد تنظيم داعش الارهابي، وتأكل السيادة وظهور حالة الولاء للخارج، تبرز الحاجة الى نظام انتخابي جديد يكون عادلاً ومرننا وتقضي مخرجاته على الفساد المتولد من هيمنة الكتل السياسية التقليدية على مقدرات البلد ومؤسساته وتجاهل طموحات شعبه في النمو والاستقرار والخدمات وتحقيق دولة الرفاهية.
6. في حالة استمرار العجز السياسي ومداورة ذات الوجوه والتكتلات السياسية النفعية سواء بنظام سانت لاغو او ما يقاربه من الانظمة الانتخابية قد يصار الى عزوف شعبي كبير في مشاركة العراقيين غير المنتمين حزبياً في الانتخابات الوطنية والمحلية، وهو ما يوشر الى فقدان الثقة الشعبية بالنظام السياسي العراقي الجديد وفشله في معالجة قضايا المجتمع الملحة.
ثانياً: التوصيات
1. في ضوء ما تقدم نوصي صانع القرار السياسي والتشريعي بالإسراع في تشريع قانون عصري جديد للانتخابات المحلية والوطنية ليكون منسجما مع متطلبات المرحلة السياسية وازماتها المتشعبة.
2. ان مسالة تغيير النظام الانتخابي تعد من المسائل الشبه طبيعة في الانظمة السياسية التي تشهد تحولا نحو الديمقراطية، من هنا نوصي المشرعين بضرورة ايجاد البدائل للنظام الانتخابي الحالي والتحول من عائلة الانتخاب على اساس التمثيل النسبي الى انظمة اكثر عملية للحالة العراقية ولعل افضل هذه النظم ما يعرف بعائلة التمثيل الاغلبي على اساس الانتخاب الفردي، مع الضرورة التثقيف والوعي الانتخابي من خلال التأكيد على انتخاب المؤهل من حيث الكفاءة والنزاهة والاخلاص للبلد بعيداً عن خاصية الانتماء الديني، والعرقي، والتكتل الحزبي، والعشيرة والجنس، والا قد لا يأتي أي نظام انتخابي بديل بثمار التغيير المرتجى.
3. نوصي المشرع العراقي الى اعتماد نظام الانتخاب الفردي، اذا لم يكن في الانتخابات الوطنية فعلى الاقل كمرحلة تجريبية في الانتخابات المحلية لانه النظام الاصلح في ظل المشاكل التي يعاني منها العراق من فساد مالي واداري ومحاصصة طائفية وسياسية، وغياب للهوية الوطنية العراقية، اذ الانتخاب على اساس فردي يرشد من الفوضوية الحزبية ويجعلها تتجه من التعددية المتشرذمة الى التعددية العقلانية، والى الثنائية الحزبية، ويقوي من صعود كفة المستقلين ايضا، كما ان الانتخاب الفردي يجعل المرشح الأكفأ والافضل هو الجدر بالفوز مما يخلق سلطة تشريعية منضبطة ومعززة لقيم المواطنة وحكومة وطنية عاملة وقوية، لان ارادة الناخب في ظل هذا النظام تكون فعالة عبر معرفته التامة بالمرشح لارتكاز هذا النظام على اساس الدوائر المتعددة على مستوى المحافظة الواحدة.
4. الاستفادة من التجارب العالمية التي اخذت بالنظام الانتخابي على اساس فردي، ومنها التجربة البرلمانية في المملكة المتحدة البريطانية، والرئاسية كالولايات المتحدة الامريكية، وفرنسا، وايران وغيرها من التجارب كتلك التي تشهدها بلدان عربية كالأردن والكويت على مستوى الانتخابات التشريعية، او حتى بالرجوع الى الانتخاب الفردي او الاقضية في العهد الملكي الصادر بموجب مرسوم انتخاب مجلس النواب العراقي رقم(6) لعام1952.
5. نوصي المشرع العراقي بالابتعاد عن الانظمة الهجينة والمجربة سواء في الحالة العراقية المعاصرة، اما في حالات اخرى كتلك التي تدعوا الى استمرار الانتخابات وفق طريقة سانت لاغو مع التعديلات فأنها قد تزيد الطين بله او الدعوات التي تنادي بالنظام المختلط مع ما انه قد يكون افضل الى حدا ما من سابقاته من الانظمة الانتخابية، ونتضامن في سياق ذلك مع كل الدعوات الوطنية الداعية الى تشريع قانون انتخابي ينقل الدولة العراقية بكل مشاكلها وازماتها وحالات الفساد التي تشهدها الى مصاف الدول المستقرة ذات حكومة اتحادية قوية وفاعلة وبرلمان منسجم ولا يخضع للرغبات الكتلوية والانصياعات الخارجية ولعل اصلح هذه النظم الانتخابية للحالة العراقية الحالية هو النظام الانتخابي الاغلبي على اساس فردي كما نوهنا.
6. لاجل ابعاد المفوضية العليا كجهة اجرائية عن التسيس المكوناتي والكتلوي ضرورة تعديل قانونها رقم(11) لسنة2007 بما يجعلها بعيدة عن ما اقرته الكتل السياسية فيه ما يعرف بالتوازن السياسي أي تقاسم مجلس المفوضين فيما بينهم وهو ما يجعل المفوضية عرضه للتدخلات السياسية والحزبية ويصبح عملها عرضه للشكوك وفاقد للشفافية والحيادية، والحل التعديل القانوني باتجاه ان يكون الاختيار للاعضاء مجلس المفوضين ورئيسه من النخب الوطنية المستقلة النزيهة او عبر اختيار قضاة لمجلس المفوضين.