الإصلاح التشريعي للدور الرقابي لمجلس النواب
في دستور العراق لسنة 2005
مؤتمر الإصلاح التشريعي
2018-05-07 05:50
بحث مقدم الى مؤتمر (الاصلاح التشريعي طريق نحو الحكومة الرشيدة ومكافحة الفساد) الذي اقامته مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام وجامعة الكوفة/كلية القانون 25-26 نيسان 2018
تقــدم به: الدكتور أحمد علي عبود الخفاجي/كلية الكفيل الجامعة /النجف الأشرف
Abstract
The oversight function of the House of Representatives represents the most important aspect of its activity in the State. This function may be more important than the process of legislating the laws, by monitoring the government through means of monitoring such as questions and questioning, withdrawing confidence from the ministry and presenting a general subject for discussion and forcing it to justify its actions before the House of Representatives. In fact constitutes a fundamental guarantee of the rights and freedoms of individuals.
Texts alone are not enough to achieve the effectiveness of parliamentary oversight. Rather, the texts must be applied on the ground, in accordance with the principle of legality. This application would confer upon the State legal status and achieve the rule of law. Parliamentary control and mechanisms of practice vary according to the political systems. The forms of parliamentary oversight and their impact on the state system are evident through their practical application.
This is what led to the imbalance in the balance between the legislative and executive branches in favor of the latter. We note the weakness and decline of the legislative and supervisory role of the parliament and the interference of the executive branch in the legislative sphere in the form of In addition to its executive function, the legislative function in a wide range, whether by participating in the effective process of passing laws. The parliament's effectiveness has greatly reduced the effectiveness of its oversight role and has suffered from shortcomings and regression in the systems This censorship is no longer a reality and is generally affected, and there is no meaning and resonance as was the practice in traditional democracies.
Hence the need for legislative reform of the oversight role of the House of Representatives, and to strive to make this function more effective and have a great impact in achieving balance between the two authorities and achieve ministerial stability. Thus, the oversight role of the House of Representatives is the real weapon that is denounced by the executive authority to reduce its deviation when exercising its powers Constitutionally prescribed.
المقـــدمة
لا تقتصر اختصاصات البرلمان على سن القوانين واعتماد الموازنة، وإنما تمتد اختصاصاته إلى مدى أبعد، فهو يحاسب السلطة التنفيذية على جميع تصرفاتها، ويراقب جميع أعمالها، وعن طريق هذه الرقابة يستطيع البرلمان التعرف على طريقة سير جهازي السلطة التنفيذية (رئاسة الدولة والوزارة) وكيفية أدائها للأعمال المختلفة، فالبرلمان لا يتسقط الأخطاء لأعضاء السلطة التنفيذية ويحاسبهم عليها، وإنما يقوم بإرشادهم ويسدي النصح إليهم حتى يتجنبوا مواطن الزلل، ويبلغهم رغبات المواطنين حتى يعملوا من جانبهم على تحقيق تلك الرغبات.
والمقصود بالوظيفة الرقابية للبرلمان هي تلك الوظيفة التي تتعلق بقيام البرلمان بتمحيص وتدقيق أعمال الحكومة وبيان نقاط الضعف والقوة فيها لأجل مسألة الجهات المقصرة ودعم الجهات المقصرة ودعم الجهات النشطة واتخاذ التدابير اللازمة في سبيل التطبيق السليم لبرامج الحكومة وأعمالها.
وتعدّ الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة جوهر الأنظمة الديمقراطية، وهي الحد الفاصل بين الأنظمة الديمقراطية والأنظمة الاستبدادية أو الشمولية، لأنَّ الرقابة البرلمانية في مجملها هي تفعيل الرقابة الشعبية والرأي العام وللصالح العام حتى لا تكون الدولة حكراً على الحكومة أو النظام السياسي القائم، وإذا كانت السلطة التنفيذية أصبحت تهيمن على البرلمان في اختصاصه التشريعي، وصارت هي صاحبة المبادرة في تقديم مشروعات القوانين إليه، فضلاً عن بروز دور خلاق لسلطتها اللائحية، فإنَّ الاختصاص الرقابي للبرلمان يجب أن تبرز أهميته لضبط نشاط الحكومة، بالنصح حيناً وبالمحاسبة أحياناً، ضماناً لعدم استبدادها بالسلطة. ومن الملاحظ أن الرقابة البرلمانية تجد في النظام البرلماني أساسها ومستقرها.
وبرأينا فإنَّ النصوص لا تكفي وحدها لتحقيق فعالية الرقابة البرلمانية، بل يجب أن تطبق النصوص على أرض الواقع، وفقاً لمبدأ المشروعية، وهذا التطبيق من شأنه أن يضفي على الدولة صفة القانونية ويحقق سيادة القانون، والرقابة البرلمانية وآليات ممارستها تختلف باختلاف الأنظمة السياسية، وتتضح صور الرقابة البرلمانية ومدى تأثيرها في منظومة الدولة من خلال تطبيقها العملي.
وما نشاهده في الواقع العملي من اختلاف وفجوة كبيرة عن الإطار النظري الذي يبنى عليه النظام البرلماني، وهذا ما أدى في الأنظمة البرلمانية المعاصرة بحدوث ظاهرة اختلال في التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لصالح الأخيرة، والملاحظ ضعف وتراجع الدور التشريعي والرقابي للبرلمان وتدخل السلطة التنفيذية في المجال التشريعي بشكل كبير إذ تمارس إلى جانب وظيفتها التنفيذية الوظيفة التشريعية في نطاق واسع سواء كانت عن طريق المشاركة في عملية إصدار القوانين بشكل فعال أم عن طريق إصدار اللوائح والأنظمة في الظروف العادية والاستثنائية واللوائح التفويضية والتي لها قوة القانون، وساهم فقد البرلمان فعالية دوره الرقابي إلى درجة كبيرة وأصبح يعاني من قصور وتراجع في الأنظمة المعاصرة، ولم تعد هذه الرقابة حقيقة ومتأثرة بوجه عام، ولم يبق معنى وصدى كما كان الحال عملياً في الأنظمة الديمقراطية التقليدية، بمعنى آخر لم يعد البرلمان قادراً على سحب الثقة من الحكومة إلا نادراً.
من هنا ظهرت الحاجة إلى الإصلاح التشريعي للدور الرقابي لمجلس النواب، والسعي لجعل هذه الوظيفة أكثر فعالية ويكون لها الأثر الكبير في تحقيق التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وتحقيق الاستقرار الوزاري، وبذلك يكون الدور الرقابي لمجلس النواب السلاح الحقيقي الذي يشهره بوجه السلطة التنفيذية للحد من انحرافها في ممارسة اختصاصاتها المنصوص عليها دستورياً.
ولكي يقوم البرلمان بعملية الرقابة لابد من تقرير الوسائل التي توصله إلى أداء هذه المهمة على نحوٍ سليم، وعادة ما تتكفل الدساتير ببيان تلك الوسائل التي تكون تحت تصرف البرلمان، وقد يلجأ البرلمان بصدد تصرف معين إلى استعمال هذه الوسائل جميعها، وقد يقتصر على استعمال أحدها. فالمسألة ترجع إلى تقدير البرلمان لظروف الحال واختيار الوسيلة المناسبة لمعرفة حقيقة التصرف ومعالجة الموقف (1)، ومن أهم تلك الوسائل هي السؤال، وطرح موضوع عام للمناقشة والتحقيق البرلماني والاستجواب والاتهام الجنائي(2).
وتنطوي تلك الوسائل الرقابية التي يمتلكها مجلس النواب تحت عنوانين هما المساءلة السياسية والمساءلة الجنائية، وللوقوف على آلية استعمال مجلس النواب لتلك الوسائل في الرقابة على أداء السلطة التنفيذية، قسمنا هذه الدراسة على المبحثين الآتيين:
المبحث الأول: دور مجلس النواب في المساءلة السياسية لأعضاء السلطة التنفيذية.
المبحث الثاني: دور مجلس النواب في المساءلة الجنائية لأعضاء السلطة التنفيذية.
المبحث الأول
دور مجلس النواب في المساءلة السياسية لأعضاء السلطة التنفيذية
ذهبت دساتير الأنظمة البرلمانية إلى حق البرلمان وحده من دون غيره في مساءلة أعضاء السلطة التنفيذية سياسياً، وذلك لعدم موافقته على سياسة أي منهم(3)، وهذا ما يُصطلح عليه بالرقابة السياسية للبرلمان على أداء السلطة التنفيذية.
وتلك الرقابة يمارسها البرلمان على وفق أحكام الدستور، على الأعمال التي يأتيها رجال السلطة، ولا يمكن تكييفها بمقتضى نصوص القوانين على أنها أخطاء قانونية أو جرائم، ويُقصد بها الأعمال التي تنشأ عن السياسة العامة للدولة والتي يتبين أنها لا تتفق ومصالح الدولة(4).
وعادةً ما يكون النطاق الشخصي لتلك الممارسة البرلمانية هي الوزارة، نظراً لكون رئيس الدولة غير مسؤول سياسياً أمام البرلمان، غير أن اتجاه بعض الأنظمة الدستورية نحو شمول رئيس الدولة بتلك الرقابة، جعل هذا النطاق يتسع ليشمله، وعليه يشمل البحث هنا دور البرلمان في مساءلة كل من رئيس الدولة والوزارة برئيسها وأعضائها. وذلك في المطلبين الآتيين:
المطلب الأول: دور مجلس النواب في مساءلة رئيس الدولة.
المطلب الثاني: دور مجلس النواب في مساءلة رئيس مجلس الوزراء والوزراء.
المطلب الأول
دور مجلس النواب في مساءلة رئيس الجمهورية في الدستور العراقي
اختط الدستور العراقي لعام 2005 لنفسه اتجاهاً يقضي بمنح مجلس النواب سلطة مساءلة رئيس الجمهورية ومن ثمّ جواز عزله(5).
ومن هذا المنطلق أجاز الدستور في المادة (138/ثانياً/ج) لمجلس النواب إقالة أي عضو من أعضاء مجلس الرئاسة بأغلبية ثلاثة أرباع أعضائه بسبب عدم الكفاءة أو النزاهة، وبالعودة إلى الفقرة (أولاً) من المادة نفسها التي أشارت إلى حلول تعبير (مجلس الرئاسة) محل تعبير (رئيس الجمهورية) بعد دورة واحدة لاحقة لنفاذ هذا الدستور، فإن الفقرة (ثانياً/ب) من المادة نفسها أشارت إلى سريان الأحكام الخاصة بإقالة رئيس الجمهورية الواردة في هذا الدستور على رئيس وأعضاء مجلس الرئاسة. وبذلك نجد أن المشرع الدستوري العراقي قد حدد لمجلس النواب الحالات التي تسمح له بتحريك المسؤولية السياسية في مواجهة رئيس الجمهورية، وهي حالتي عدم الكفاءة والنزاهة هذا من جانب، ومن جانب آخر اشترط على مجلس النواب أن يكون عزل أو إقالة رئيس الجمهورية بأغلبية خاصة هي أغلبية ثلاث أرباع عدد أعضائه.
فيما أجازت المادة (138/ثانياً/ب) من الدستور لمجلس النواب تفعيل الأحكام الخاصة بإقالة رئيس الجمهورية الواردة في هذا الدستور على رئيس وأعضاء هيأة الرئاسة(6)، وبما أن مجلس أو هيأة الرئاسة تحل محل رئيس الجمهورية خلال الدورة البرلمانية الأولى الممتدة من (2006-2010)، فإنَّ لمجس النواب إقالة نواب رئيس الجمهورية (أعضاء مجلس الرئاسة) على وفق أحكام المادة (138/ثانياً/ج) من الدستور انطلاقاً من أن رئيس وأعضاء مجلس الرئاسة وحدةً واحدة يمثلون رئاسة الجمهورية، فضلاً عن ذلك فقد أكدَّ النظام الداخلي لمجلس النواب على تولي المجلس مساءلة أعضاء مجلس الرئاسة(7).
ولكن بانتهاء الدورة البرلمانية الأولى، أصبح لمجلس النواب إعمال المادة (138/ثانياً/ج) من الدستور في مواجهة رئيس الجمهورية من دون نوابه.
ويلاحظ أنَّ النظام الداخلي لمجلس النواب لعام 2006 لم يكتفِ بالتأكيد على حق مجلس النواب بمساءلة رئيس الجمهورية فقط، بل منح المجلس حق استعمال بعض الأدوات الرقابية في مواجهته، وهي السؤال والتحقيق، وذلك للرقابة على أدائه، فالسؤال من الوسائل الرقابية التي يمكن أن تؤدي بصورة غير مباشرة إلى إثارة مجلس النواب للمسؤولية السياسية لرئيس الجمهورية وذلك من خلال توفيرها للمعلومات التي تؤكد توافر الحالات التي تسوّغ للمجلس مساءلة رئيس الجمهورية.
وقد فرض النظام الداخلي لمجلس النواب عدداً من الضوابط أو الشروط التي يجب على عضو المجلس مراعاتها عند استعماله للسؤال في مواجهة رئيس الجمهورية، منها أن يكون السؤال خطياً وليس شفوياً، ويدخل ضمن اختصاصات رئيس الجمهورية مع إعلام هيأة رئاسة المجلس بذلك(8).
كما أجاز النظام الداخلي لمجلس النواب إجراء التحقيق مع أعضاء مجلس الرئاسة، (رئيس الجمهورية)، بشأن أي واقعة يرى المجلس بأن لها علاقة بحقوق المواطنين أو المصلحة العامة(9).
المطلب الثاني
دور مجلس النواب في المساءلة السياسية لرئيس مجلس الوزراء والوزراء في الدستور العراقي
عالج المشرع الدستوري العراقي دور مجلس النواب في مساءلة رئيس مجلس الوزراء والوزراء، فقد أكدَّ في المادة (61/ثانياً) من الدستور على الدور الرقابي للمجلس عندما نصًّ على اختصاصات مجلس النواب وجعل من بينها الرقابة على أداء السلطة التنفيذية، ثم بيّن في الفقرتين (سابعاً وثامناً) من المادة نفسها الأدوات الرقابية التي لمجلس النواب استعمالها لتفعيل دوره الرقابي، وللبحث في استعمال مجلس النواب لتلك الأدوات الرقابية في مواجهة رئيس مجلس الوزراء والوزراء، والآثار المترتبة على تلك العملية الرقابية، سيتم تناولهما تباعاً في الفرعين الآتيتين:
الفرع الأول: وسائل تحريك المسؤولية السياسية.
الفرع الثاني: الآثار المترتبة على تقرير المسؤولية السياسية.
الفرع الأول
وسائل تحريك المسؤولية السياسية
أولاً. السؤال:
طبقاً لقواعد النظام البرلماني، فإنَّ لأعضاء مجلس النواب توجيه أسئلة لرئيس مجلس الوزراء والوزراء عن حقيقة أمر معين خاص بأعمال الحكومة كلها أو بأعمال وزارة محددة(10)، وذلك بعدّ السؤال إحدى وسائل متابعة النشاط الحكومي(11).
ومن هذا المنطلق أجاز الدستور في المادة (61/سابعاً/أ) لعضو مجلس النواب أن يوجه إلى رئيس مجلس الوزراء والوزراء أسئلة في أي موضوع يدخل في اختصاصهم، ولكل منهم الإجابة عن أسئلة الأعضاء وللسائل وحده حق التعقيب على الإجابة.
ويستفاد منه أن لأعضاء المجلس ممارسة هذا الحق بشكل فردي، أي لا يجوز أن تتقدم به مجموعة نيابية، كما لا يجوز أن تمارسه أيضاً إحدى لجان المجلس(12).
ثم جاء الفصل العاشر من النظام الداخلي لمجلس النواب لعام 2006، منظماً في بعض مواده القواعد الإجرائية المتعلقة بالسؤال، من جانب أو من جانب آخر مضيفاً نواب رئيس مجلس الوزراء إلى قائمة أعضاء السلطة التنفيذية المنصوص عليها في المادة (61/سابعاً/أ) آنفة الذكر، والتي يحق لأعضاء المجلس توجيه أسئلة إليهم(13).
ويلاحظ أنَّ النظام الداخلي في المادة (50) قرّر أن الأسئلة التي يوجهها أعضاء المجلس لأعضاء السلطة التنفيذية هي أسئلة خطية، في حين أن تعبير (الأسئلة) الوارد في طي المادة (61/سابعاً/أ) من الدستور جاء مطلقاً ليشمل الأسئلة الشفوية والخطية.
ثانياً. طرح موضوع عام للمناقشة:
أفادت المادة (61/سابعاً/ب) من الدستور العراقي أن لخمسة وعشرين عضواً في الأقل من أعضاء مجلس النواب طرح موضوع عام للمناقشة لاستيضاح سياسة وأداء مجلس الوزراء أو إحدى الوزارات على أن يحدد رئيس مجلس الوزراء أو الوزراء موعداً للحضور أمام مجلس النواب للمناقشة.
وأكدَّ النظام الداخلي لمجلس النواب على حكم هذه المادة(14)، فضلا عن تأكيده على حق لجان المجلس الدائمة وبموافقة أغلبية أعضائها دعوة أي وزير أو من هو بدرجته أو وكلاء الوزراء أو أصحاب الدرجات الخاصة للاستيضاح(15).
ثالثاً. التحقيق البرلماني:
لم يعالج الدستور العراقي موضوع التحقيق بوصفه إحدى وسائل مراقبة أعمال السلطة التنفيذية(16)، غير أن النظام الداخلي لمجلس النواب تدارك هذا النقص الدستوري وأكد على حق المجلس في تشكيل لجان فرعية ومؤقتة وتحقيقية بحسب مقتضيات العمل والموضوعات المعروضة عليه(17)، وتشكل اللجان المؤقتة والتحقيقية يكون بموافقة أغلبية عدد الأعضاء الحاضرين في المجلس بناءً على اقتراح من هيأة الرئاسة أو من خمسين عضواً من الأعضاء(18)، أما اللجان الفرعية فتؤلف من اللجان الدائمة.
ولتلك اللجان إجراء التحقيق مع أعضاء مجلس الوزراء بمن فيهم رئيس مجلس الوزراء(19).
وتتمتع لجان التحقيق البرلمانية بصلاحية تقصي الحقائق فيما معروض عليها من قضايا، ولها في سبيل انجاز مهامها دعوة أي شخص لسماع أقواله على وفق الطرق الأصولية ولها حق الاطلاع على كل ما له علاقة بالقضية موضوع التحقيق من دون المساس بالقضايا المعروضة أمام القضاء، ولها الاستعانة بالخبراء إذ يتم تحديد أجورهم بالاتفاق مع هيأة الرئاسة(20).
وعندما تنهي اللجنة المهام الموكلة إليها تقوم برفع تقريرها وتوصياتها إلى هيأة الرئاسة لعرضها على المجلس لاتخاذ ما تراه مناسباً(21).
ويلاحظ كثيراً ما يؤلف مجلس النواب لجان فرعية تحقيقية مؤقتة ليقف بنفسه على حقيقة ما معروض عليه من قضايا، ولكن لا توجد في الحقيقة نتائج ملموسة لعمل تلك اللجان بسبب سيطرة المصالح الحزبية والتوافقات السياسية على الحياة النيابية في العراق، ومن أمثلة اللجان الفرعية، هي اللجنة الفرعية التي ألفتها لجنة الأمن والدفاع النيابية للكشف عن أسباب الخرق الأمني الذي وقع في مجلس النواب(22)، وكذلك اللجنة الفرعية التي شكلتها لجنة النفط والطاقة النيابية للتحقيق في قضية تفجير أنابيب النفط في البصرة(23).
ومثال اللجان التحقيقية المؤقتة التي شكلها المجلس، هي اللجنة التحقيقية التي ألفتها رئاسة المجلس للتحقيق في أحداث اقتحام متظاهرين لمجلس محافظة ديالى في 15/12/2011 على أثر إعلان مجلس المحافظة ديالى إقليماً إدارياً واقتصادياً في 12/12/2012(24).
رابعاً. الاستجواب:
يعدّ الاستجواب أخطر حقوق مجلس النواب في علاقته بالحكومة(25)، لكونه يتضمن محاسبة رئيس مجلس الوزراء عن تصرف معين يتعلق بالسياسة العامة(26)، أو محاسبة وزير عن شأن من الشؤون التي تدخل في اختصاصه(27).
وقد تبناه المشرع الدستوري العراقي في المادة (61/سابعاً/ج) من الدستور، كما جاء النظام الداخلي في عددٍ من المواد مؤكداً على حكم المادة أعلاه(28)، ومبيناً جملة من الأمور التي يجب على أعضائه الالتزام بها عند ممارستهم لحق استعمال وسيلة الاستجواب، ومن بينها(29):
1- يقدم العضو طالب الاستجواب طلبه كتابةً إلى رئيس المجلس مشفوعاً بموافقة خمسة وعشرين عضواً على الأقل.
2- بيان موضوع الاستجواب، والوقائع والنقاط الرئيسة التي سيتناولها الاستجواب والأسباب التي يستند إليها مقدم الاستجواب، ووجه المخالفة الذي ينسبه إلى مَن وجه إليه الاستجواب.
3- لا يجوز أن يتضمن طلب الاستجواب أموراً مخالفة للدستور أو القانون أو عبارات غير لائقة أو متعلقاً بأمور شخصية للمستجوب.
4- لا يجوز تقديم طلب الاستجواب في موضوع سبق للمجلس أنْ فصل فيه ما لم تطرأ وقائع جديدة تسوغ ذلك.
ومن تطبيقات الاستجواب في العراق، استجواب مجلس النواب لعدد من الوزراء في عام 2018 وهي استجواب وزير الكهرباء (السيد قاسم الفهداوي) وكان طالب الاستجواب النائبين رزاق محيبس السعداوي وحنان الفتلاوي، واستجواب وزير الاتصالات (السيد حسن الراشد) وكان طالب الاستجواب النائب هدى سجاد، كما شهد العام 2017 استجواب وزير التجارة وكالةً (السيد سلمان الجميلي) وكان طالب الاستجواب النائب عالية نصيف، واستجواب رئيس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات (السيد سربست مصطفى رشيد) وكان طالب الاستجواب النائب ماجدة التميمي، واستجواب وزيرة الصحة (السيدة عديلة حمود) وكان طالب الاستجواب النائب عواد العوادي، واستجواب رئيس هيأة الإعلام والاتصالات (السيد صفاء الدين ربيع) وكان طالب الاستجواب النائب حنان الفتلاوي، وفي عام 2016 تم استجواب وزير الدفاع (السيد خالد العبيدي) وكان طالب الاستجواب النائب عالية نصيف واستجواب وزير المالية (السيد هوشيار زيباري) وكان طالب الاستجواب النائب هيثم الجبوري(30).
ومن الملاحظ أنَّ معظم الاستجوابات لم تسفر عن نتائج ملموسة توازي حجم ما تم كشفه أثناء عملية الاستجواب من فساد وهدر للمال العام، وذلك بسبب تغليب المصالح الحزبية على المصالح العليا للبلاد باستثناء استجواب وزيري الدفاع والمالية وتمَّ على إثره سحب الثقة من هذين الوزيرين.
الفرع الثاني
الآثار المترتبة على تقرير المسؤولية السياسية
إنَّ إحدى النتائج المهمة المترتبة على قيام مجلس النواب العراقي بالمضي في إجراءات المساءلة السياسية من خلال استعمال أداة الاستجواب إلى نهايتها هي احتمال الوصول إلى مرحلة سحب الثقة بالوزير أو برئيس مجلس الوزراء، وهو ما أوضحته المادة (61/ثامناً) من الدستور العراقي لعام 2005(31).
فضلاً عن تأكيد النظام الداخلي لمجلس النواب العراقي لعام 2006 على النصوص الدستورية المذكورة(32)، نلاحظ أن المشرع الدستوري العراقي قد رتب على استعمال أعضاء المجلس لأداة الاستجواب على وفق أحكام الفقرة (ج) من المادة (61/سابعاً) من الدستور أثراً يتمثل في احتمال سحب أو طرح الثقة بمن وجّه إليه الاستجواب، غير أنه فرض عدداً من الشروط يجب مراعاتها لإحداث ذلك الأثر، ومنها:
أولاً. تحقق نصاب معين لتقديم اقتراح سحب الثقة:
مؤدى هذا النصاب، أن يتقدم عدد معين من أعضاء مجلس النواب بطلب سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء أو أحد الوزراء(33).
إذ أكدت الفقرتان (أ) و(ب/2) من المادة (61/ثامناً) من الدستور على أن النصاب المطلوب لتقديم طلب سحب الثقة من أحد الوزراء هو خمسون عضواً، أي أن يكون الطلب موقعاً من خمسين عضواً، وهذا ما أكدَّ عليه النظام الداخلي لمجلس النواب.
أما النصاب المطلوب لتقديم طلب سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء فهو خمس (1/5) عدد أعضاء المجلس، أي أن يكون طلب سحب الثقة موقعاً من (65) عضواً.
ثانياً. أجل التصويت:
إنَّ تصويت مجلس النواب على طلب سحب الثقة لا يتم فور تقديم الطلب، بل لابد من مرور مدّة زمنية قبل عرض الطلب على المجلس للتصويت عليه(34).
وقد حدّد الدستور تلك المدة بسبعة أيام في الأقل من تاريخ تقديم الطلب سواء كان الطلب يخص سحب الثقة من وزير ما أو من رئيس مجلس الوزراء هذا ما أفادت به المادة (61/ثامناً) من الدستور.
غير أنه بإمكان مجلس النواب أن يطول هذا الأجل أكثر من سبعة أيام، طالما أن الدستور عدّ هذا الأجل هو الحد الأدنى للمدة الزمنية الممتدة بين تقديم الطلب والتصويت عليه.
ثالثاً. الأغلبية المطلوبة للموافقة على قرار سحب الثقة:
لقد ميّز الدستور العراقي بين الأغلبية المطلوبة للموافقة على قرار سحب الثقة من وزير ما وبين الأغلبية المطلوبة للموافقة على قرار سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء.
فالمادة (61/ثامناً/أ) من الدستور أكدت على أن الأغلبية المطلوبة للتصويت على قرار سحب الثقة من أحد الوزراء هي الأغلبية المطلقة دونما تحديد هل هي الأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين أم الأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس؟
إلاّ أنَّ المحكمة الاتحادية العليا قد فسرت عبارة (الأغلبية المطلقة) أن المقصود بها هي الأغلبية المطلقة لعدد الأعضاء الحاضرين في الجلسة بعد تحقق النصاب القانوني للانعقاد(35).
أما الأغلبية المطلوبة لسحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء، فإنَّ المشرع الدستوري اتجه نحو التشديد عندما اشترط أن تكون تلك الأغلبية هي الأغلبية المطلقة لعدد أعضاء مجلس النواب على وفق ما نصت عليه الفقرة (ب/3) من المادة (61/ثامناً).
المبحث الثاني
دور مجلس النواب في المسؤولية الجنائية لأعضاء السلطة التنفيذية
تحرص دساتير الدول وهي بصدد تنظيم القواعد الخاصة بالمسؤولية الجنائية(36) لأعضاء السلطة التنفيذية، على ضمان دور البرلمان في توجيه الاتهام إليهم. ومن ثَمَّ محاكمتهم.
ويعدّ هذا الدور من أهم وأبرز المظاهر التي يباشرها البرلمان في ميدان السلطة التنفيذية(37).
وينهض البرلمان لممارسة هذا الدور إذا ارتكب أعضاء السلطة التنفيذية عملاً أو جرماً منصوصاً عليه في الدستور أو قانون العقوبات أو غيره من قوانين الدولة، ومن نافلة القول إن هذه المسؤولية الجنائية هي مسؤولية فردية إذ أن العقوبة شخصية(38).
ويلاحظ أن أغلب هذه الدساتير تجعل من اتهام رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء صلاحية حصرية للبرلمان يمارسها من دون مشاركة من هيأة أخرى، بل ذهب بعضها إلى جعل إجراء التحقيق في تلك الاتهامات من اختصاص البرلمان أيضاً، أما سلطة البرلمان في محاكمة رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء فنجده تارة يمارسها بمفرده وتارةً أخرى يضطلع بها إلى جانب جهاتٍ أخرى على نحو مهيمن على تلك الجهة أو مساوٍ لها.
ولغرض البحث في هذا الدور الذي يمارسه مجلس النواب سنقسم هذا المبحث على المطلبين الآتيين:
المطلب الأول: دور مجلس النواب في اتهام رئيس الدولة ومحاكمته.
المطلب الثاني: دور مجلس النواب في اتهام رئيس مجلس الوزراء والوزراء ومحاكمتهم.
المطلب الأول
دور مجلس النواب في اتهام رئيس الجمهورية ومحاكمته في الدستور العراقي
يقوم مجلس النواب في دستور العراق لعام 2005، بدور رئيس في مساءلة رئيس الجمهورية جنائياً، إذ أشارت المادة (61/سادساً) من الدستور إلى اختصاصات مجلس النواب: أ- مساءلة رئيس الجمهورية بناءً على طلب مسبب بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء مجلس النواب. ب- إعفاء رئيس الجمهورية، بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء مجلس النواب بعد إدانته من المحكمة الاتحادية العليا، في إحدى الحالات الآتية: 1- الحنث في اليمين الدستورية
2- انتهاك الدستور 3- الخيانة العظمى.
وأكدَّ النظام الداخلي لمجلس النواب لعام 2006 على حكم المادة (61/سادساً) من الدستور(39)، ولبيان الدور الذي يمارسه مجلس النواب في اتهام رئيس الجمهورية ومحاكمته، سنبحثه في الفرعين الآتيتين:
الفرع الأول: استقلال مجلس النواب في اتهام رئيس الجمهورية.
الفرع الثاني: مساهمة مجلس النواب في محاكمة رئيس الجمهورية.
الفرع الأول
استقلال مجلس النواب في اتهام رئيس الجمهورية
اتجهت إرادة المشرع الدستوري العراقي، نحو منح مجلس النواب صلاحية توجيه الاتهام إلى رئيس الجمهورية حصرياً، أي ليس لغير مجلس النواب توجيه الاتهام.
غير أن تلك الصلاحية الحصرية مقيدة بعددٍ من الشروط الشكلية والموضوعية، وهذا ما سنبينه أدناه:
أولاً. الشروط الشكلية: حدد الدستور في المادة (61/سادساً) الشروط الشكلية التي يجب على مجلس النواب مراعاتها عند توجيه الاتهام لرئيس الجمهورية، وهي كالآتي:
1- تحقق نصاب معين لتقديم الاقتراح بتوجيه الاتهام(40)، وهو الأغلبية المطلقة لعدد أعضاء مجلس النواب.
2- صدور قرار بتوجيه الاتهام بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء مجلس النواب، فعلى الرغم من أن المادة (61/سادساً) من الدستور لم تتضمن الإشارة إلى أن التصويت بالموافقة يكون بالأغلبية المطلقة لعدد الأعضاء، غير أن الاقتراح بتوجيه الاتهام إذا كان يحظى ابتداءً بدعم الأغلبية المطلقة لعدد الأعضاء فمن الأولى أنه سيحظى عند التصويت بالموافقة بالأغلبية المطلقة لعدد الأعضاء على الأقل.
3- يجب أن يكون القرار بتوجيه الاتهام مسبباً، إذ أن التسبيب يتطلب ذكر المسوغات القانونية والواقعية التي دفعت الأعضاء إلى تقديم الاقتراح، فالتسبيب يعد ضمانة لسلامة الإجراءات المتعلقة بتوجيه الاتهام، وسبب ذلك كونه يضمن أولاً التروي في إصدار القرار، وثانياً التعرف على الأسباب القانونية والواقعية التي دعت إلى إصداره(41).
ثانياً. الشروط الموضوعية: هي الحالات التي تبيح لمجلس النواب توجيه الاتهام بارتكابها إلى رئيس الجمهورية، أي الأعمال التي تصدر عنه وتوجب اتهامه، وقد عالجها المشرع الدستوري في المادة (61/سادساً/ب) آنفة الذكر، وهي: الحنث في اليمين الدستورية وانتهاك الدستور والخيانة العظمى.
ولكن المشرع الدستوري لم يبين أو يحدد مضمون تلك الحالات الثلاث أو الأفعال التي تؤدي إلى توجيه الاتهام بارتكابها(42)، وسنتناول مضمون تلك الحالات تباعاً:
1- الحنث في اليمين الدستورية:
يُقصد بالحنث نقض العهد المؤكد في اليمين والمأخوذ على رئيس الجمهورية، ومحتوى هذا العهد ورد في صيغة اليمين الدستورية التي يؤديها رئيس الجمهورية أمام مجلس النواب حسبما أكدت عليه المادة (71) من الدستور(43).
وبعد تأدية رئيس الجمهورية لليمين المنصوص عليه في المادة (50) من الدستور يتوجب عليه الالتزام بمضامينها، ولا ينقض العهد الذي قطعه على نفسه، وبخلاف ذلك أي إذا أخل بالتزاماته الدستورية يعد مرتكبا للحنث في اليمين الدستورية(44)، وعندها يكون لأعضاء مجلس النواب تفعيل المادة (61/سادساً/أ) من الدستور، والتقدم باقتراح توجيه الاتهام له.
2- انتهاك الدستور:
إنَّ انتهاك الدستور يعني أي عمل يصدر عن رئيس الجمهورية ويعدّ خرقاً للأحكام الواردة في وثيقة الدستور(45)، وتتمثل بالآتي(46):
- مخالفة نص من نصوص الدستور.
- وقف العمل كلياً أو جزئياً بأحكام الدستور.
- تغيير الدستور جزئياً، بتعديل نصوصه، أو كلياً وبإلغائه وإنهاء وجوده، من دون إتباع الإجراءات والشكليات الرسمية واجبة التطبيق.
3- الخيانة العظمى:
تتحقق الخيانة العظمى(47) إذا ارتكب رئيس الدولة أحد الأفعال الآتية(48):
- عرقلة عمل المؤسسات الدستورية بوسائل غير مشروعة ومنها الحل غير المشروع للبرلمان.
- المساس بالشخصية الداخلية للدولة، وتتمثل في تغيير شكل نظام الحكم، وترجيح سلطة على السلطات الأخرى.
- المساس بالشخصية الخارجية للدولة، ويتمثل في المساس باستقلال الدولة ووحدتها وسلامة أراضيها.
الفرع الثاني
مساهمة مجلس النواب في محاكمة رئيس الجمهورية
أشارت المادة (61/سادساً/ب) من الدستور إلى مساهمة مجلس النواب في محاكمة رئيس الجمهورية، وذلك عندما منحته سلطة الحكم على رئيس الجمهورية في حالة إدانته من المحكمة الاتحادية العليا(49)، تلك العقوبة هي الإعفاء أو العزل، واشترط الدستور لصدور قرار الإعفاء الأغلبية المطلقة لعدد أعضاء مجلس النواب.
لكن ماذا لو لم يحصل قرار الإعفاء على الأغلبية المطلوبة على الرغم من صدور قرار الإدانة من المحكمة المختصة (المحكمة الاتحادية العليا)؟
في هذه الحالة سيكون مجلس النواب أولاً، معطلاً لأحكام السلطة القضائية لكون أحكامها ستكون معلقة على موافقة مجلس النواب.
وثانياً: معطلاً أيضاً لحكم المادة (94) من الدستور القاضي بإلزامية أحكام المحكمة الاتحادية العليا اتجاه جميع السلطات(50).
وثالثاً: مهدراً لمبدأ الفصل ما بين السلطات الذي أكد الدستور العراقي في المادة (47) على كونه المبدأ الذي يحكم العلاقة بين السلطات الاتحادية التشريعية والتنفيذية والقضائية(51)، ولكن في حدود نص المادة (61/سادساً) من الدستور لا يتصور عدم حصول قرار الإدانة الصادر عن المحكمة الاتحادية العليا على موافقة مجلس النواب بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، طالما أن القرار الصادر بتوجيه الاتهام قد صدر ابتداءً بذات الأغلبية وهي الأغلبية المطلقة لعدد أعضائه.
ولكن للحيلولة من دون توجيه الاتهامات للمجلس بكونه معطلاً لعمل إحدى السلطات العامة، ولدفع التعارض الحاصل بين حكم المادتين (61/سادساً/ب) و(94) من الدستور ينبغي على المشرع الدستوري إعادة صياغة الفقرة (ب) من المادة (61/سادساً) من الدستور.
المطلب الثاني
دور مجلس النواب في اتهام رئيس مجلس الوزراء والوزراء ومحاكمتهم في الدستور العراقي
لقد خلا الدستور العراقي لعام 2005 من نصوصٍ تعالج دور مجلس النواب في مساءلة رئيس مجلس الوزراء والوزراء جنائياً على النحو الذي لحظناه في معالجته لدور مجلس النواب في مساءلة رئيس الجمهورية جنائياً.
فالمشرع الدستوري حدد فقط الجهة المختصة في الفصل في الاتهامات الموجهة لرئيس مجلس الوزراء والوزراء وهي المحكمة الاتحادية العليا حسب نص المادة (93/سادساً) من الدستور، من دون أن يحدد الجهة المختصة بتوجيه الاتهام، والقواعد الإجرائية لتوجيه الاتهام، والأسباب الموجبة للاتهام والمحاكمة، والعقوبة واجبة التطبيق(52).
لذا ينبغي تعديل المادة (61) من الدستور - المتعلقة باختصاصات مجلس النواب - وذلك بإضافة فِقرة جديدة تعالج موضوع مساءلة رئيس مجلس الوزراء والوزراء.
الخــــاتمة
وفي ختام هذه الدراسة نود أن نذكر أهم الاستنتاجات والتوصيات التي توصلت إليها هذه الدراسة، وهي كالآتي:
أولاً. الاستنتاجات:
1- تظهر الرقابة عادةً في النظم الدستورية للدول التي تأخذ بالنظام النيابي البرلماني، ذلك أن هذا النظام قائم على مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث المعروفة وهي التشريعية والتنفيذية والقضائية، لكن هذا الفصل لا يعني إقامة سياج مادي يفصل فصلاً تاماً بين سلطات الحكم، ويحول من دون مباشرة كل منها لوظيفتها بحجة المساس بالأخرى، ومن ثم فإنًّ مقتضى مبدأ الفصل بين السلطات أن يكون بين السلطات الثلاث تعاون، وأن يكون لكل منها رقابة على الأخرى في نطاق اختصاصاتها، بحيث يكون نظام الحكم قائماً على أساس أن السلطة تحد السلطة. ومع هذا يجب أن نسلم بحقيقة أن موضوع الرقابة ليس حكراً على نظام الحكم بعينه، فهي وإنْ كانت تتبدى بشكل أوضح في النظام البرلماني، إلاّ أن هذا لا يعني عدم وجود أية مظاهر لهذه الرقابة في نظام الحكم الأخرى.
2- تتسم أهداف الرقابة البرلمانية أحياناً بالتكامل وأحياناً أخرى بالتضارب، ويرجع ذلك إلى تعدد القائمتين بالرقابة وتباين أهدافهم وانتماءاتهم السياسية، وفي هذا الشأن نشير إلى أن رغبة أعضاء البرلمان في إعمال الدستور وتنقية القوانين لمسايرة التطور، هي أهداف تسير جنباً إلى جنب مع هدف مراقبة الإنفاق، كما أن تأثير أهداف الرقابة البرلمانية على السلطة التنفيذية، تختلف حسب شدة هذا الهدف وطموحات القائم به، فالرغبة في مجرد الاستعلام عن أمر محدد، يعدّ هدفاً متواضعاً مقارنة بهدفي إسقاط الحكومة أو محاسبة الإنفاق.
3- ليس المقصود من الرقابة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في الأنظمة البرلمانية أن تقف كل من هاتين السلطتين أمام الأخرى موقف الخصومة، بل أن الهدف منها هو تحقيق التعاون والتوازن بينهما بما يكفل تطبيق السليم لقواعد القانون الدستوري.
4- تعدّ الرقابة البرلمانية وسيلة تكشف عن المخالفات الدستورية والقانونية التي تنتج عن ممارسة الحكومة لأعمالها، عن طريق الأدوات الرقابية المقررة للبرلمان.
5- إنَّ الرقابة التي يمارسها مجلس النواب على أعمال السلطة التنفيذية تستند إلى أساس أن مجلس النواب يمثل إرادة الشعب ويعبر عن طموحاته وآماله التي يريد أن يتم تحقيقها عن طريق نوابه الذين أنتخبهم بإرادته الحرة، فطالما كان الشعب هو مصدر السلطات فإن البرلمان هو النائب عن الشعب في هذه المهمة.
6- تتجلى مظاهر البرلمان على الحكومة (السلطة التنفيذية) في النظام البرلماني من خلال الوسائل والإجراءات التي يملكها أعضاء البرلمان تجاه الحكومة، والتي تتمثل في حق توجيه الأسئلة إلى الحكومة بمختلف أعضائها، والحق في تقديم اقتراح بالتأجيل بهدف مناقشة أمر محدد ذي أهمية عامة وعاجلة، وأيضاً حق في تشكيل لجان التحقيق بهدف تقصي الحقائق عن وضع معين في أجهزة السلطة التنفيذية، وأخيراً الحق في حجب الثقة من الوزارة أو أحد الوزراء وهو ما يعرف بالمسؤولية الوزارية السياسية، ومن خلال دراستنا ظهر لنا أن هناك فجوة كبيرة بين الجانب النظري وما يحدث في الواقع العملي، وسبب لا يتوقف على مقدار وحجم الوسائل الرقابية المقررة بقدر ما يتوقف على كيفية أداء هذه الوسائل، وهذا ما أدى إلى اختلال التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لصالح هذه الأخيرة.
ثانياً. التوصيات:
1- إعادة معالجة البند (ب) من المادة (61/سادساً) من الدستور كي تكون محاكمة رئيس الجمهورية من جهة يراعى في تأليفها الجانبان السياسي والقضائي وعلى وجه المناصفة، فيكون تأليفها مثلاً من (8) أعضاء نصفهم من قضاة المحكمة الاتحادية العليا ومحكمة التمييز الاتحادية، والنصف الآخر من أعضاء مجلس الاتحاد، من دون مجلس النواب، انطلاقاً من أن الأخير مختص بموجب البند (أ) من المادة (61/سادساً) من الدستور بتوجيه الاتهام إلى رئيس الجمهورية، وذلك لكون النص الحالي للبند (ب) من المادة ذاتها يتعارض مع حكم المادة (94) من الدستور.
لذا ينبغي أن يكون نص الفقرة سادساً من المادة (61) من الدستور على الوجه الآتي:
((أ- مساءلة رئيس الجمهورية بناءً على طلبٍ مسبب، بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء مجلس النواب في إحدى الحالات الآتية:
1. الحنث في اليمين الدستورية.
2. انتهاك الدستور.
3. الخيانة العظمى.
ب- تكون محاكمة رئيس الجمهورية أمام محكمة خاصة تتألف من ستة عشر عضواً، ثمانية من أعضاء مجلس الاتحاد على أن يكون نصفهم على الأقل ممن لهم خبرة في ممارسة القضاء أو من المختصين في الفقه الدستوري، وثمانية آخرين من قضاة المحكمة الاتحادية العليا ومحكمة التمييز الاتحادية، ويتولى رئاسة المحكمة أكبر الأعضاء سناً.
ج- يحدد شروط تطبيق هذه المادة بقانون يسن بأغلبية ثلثي عدد أعضاء كل من المجلسين)).
2- توفير رقابة فعالة على ممارسة السلطات الاستثنائية للحكومة لحماية حقوق وحريات الأفراد، والاستفادة من الرقابة القضائية قدر الإمكان في مواجهة أي تعسف من جانب الإدارة وإجبارها على احترام الحدود الواردة في الدستور والقانون توخي مصلحة العامة فيما يصدره من لوائح وتصرفات.
3- ضرورة وضع ضبط خاصة في القوانين واللوائح الداخلية للبرلمانات على تسهيل تقلد عضوية البرلمان لأصحاب الخبرات الفنية ممن يعرف بـ (التكنوقراط) في تخصصات مختلفة، لمساعدة البرلمان في سد الثغرات التشريعية والرقابية التي يعاني منها، وضرورة الاستفادة من وسائل الاتصال الحديثة لخدمة مراقبة سير العمل في المؤسسات الحكومية، والارتقاء بمستوى أعضاء البرلمان من خلال تزويدهم بالمعلومات الحديثة، وارتباطهم بمراكز بحثية وعلمية حول كيفية أداء عملهم البرلماني في الجانب الرقابي والتشريعي أيضاً، وكيفية استقصاء المعلومات والبيانات وكيفية استخدامها كوسيلة رقابية فعالة ذات تأثير على الحكومة.
4- ضرورة إنشاء مراكز بحثية خاصة بالعمل البرلماني أو مساندة هيئات خاصة مستقلة بذلك وتدعيمها وتطوير أعمالها لما له من دور كبير في دفع النشاط الرقابي للبرلمان إلى مستوى أفضل عن طريق تزويد النواب بالمعلومات والاستفادة من الدراسات والبحوث المقدمة حول العمل البرلماني والتوصيات المطروحة باتجاه تقوية دور البرلمان في المجال الرقابي.
5- ضرورة النهوض بمنظمات المجتمع المدني وتدعيمها، لتهيئة الرأي العام حول كل ما تقوم به الحكومة والرقابة على أعمالها بالصورة المنظمة من خلال وسائل الاتصال الحديثة المرئية والمسموعة.
6- تفعيل كافة وسائل الرقابة البرلمانية على الحكومة بشكل يتلاءم مع الدور المتزايد الذي تمارسه الحكومة في الأنظمة الدستورية المعاصرة، والتوسع في مجالات استخدامها ضمن إطار التعاون بين الحكومة والبرلمان والشفافية في إعلان نتائج اللجان التحقيقية أمام الرأي العام.
7- نشر الوعي وثقافة قانونية سليمة للناخبين بوصفهم أصحاب الحق باختيار هؤلاء الذين يصلحون بحق في ممارسة الوظيفة التشريعية والرقابية للبرلمان سواء بسبب خبرتهم وتخصصهم في هذه المجالات أم بسبب تجربتهم في أعمال السلطة التنفيذية وفهم كيفية ممارستها. ويفضل في هذا السياق التركيز على التخصصات المتنوعة بما يساهم ذلك في فهم متكامل لكافة القضايا.