قراءة في سياسة "الصبر الاستراتيجي" للولايات المتحدة الامريكي
باسم حسين الزيدي
2015-02-10 01:53
عند الحديث عن الثوابت الاساسية التي تحرك السياسية الخارجية للولايات المتحدة الامريكية، والتي تأتي في مقدمتها "المصالح الحيوية" و"الامن القومي"، فإن الخلاف يكاد يكون منعدم حول "الاستراتيجية" المتبعة بين الجمهوريين والديمقراطيين، بينما يدور معظم الخلاف والصراع حول "التكتيك" الذي ينهجه او يؤسس له كل رئيس (مع فريق عمله الخاص) قادم للولايات المتحدة الامريكية، ومن هنا كان الخلاف (على اشده) بين الجمهوريين (الذين شكلوا المعارضة) والديمقراطيين (الحزب الذي ينتمي اليه الرئيس الامريكي الحالي)، حول سياسة "الصبر الاستراتيجي" التي يحاول ان يؤسس لها الرئيس "اوباما" وادارته (وبالأخص وزير الخارجية "جون كيري" و"سوزان رايس" مستشارة الامن القومي)، منذ توليه للرئاسة.
وقد اثيرت، قبل ايام، ضجه كبيرة عندما اعلن اوباما، (للمرة الثانية)، (من خلال مذكرة مؤلفة من 29 صفحة) استراتيجية الامن القومي للولايات المتحدة الامريكية، والتي وصفتها "سوزان رايس"، "القواعد الجديدة كليا"، وبالأخص من لدن المعارضين لهذه الاستراتيجية او "التكتيك"، باعتبارها سياسية لا تؤدي إلا الى "اطالة امد الفشل"، على حد قول السيناتور الجمهوري "ليندسي غراهام"، الذي شكك في ان "تكون سياسة الصبر الاستراتيجي للرئيس اوباما قد اخافت تنظيم الدولة الاسلامية والملالي الايرانيين او فلاديمير بوتين، من وجهة نظرهم، كلما تحلى اوباما بالصبر، ازدادوا قوة"، وتضمنت الوثيقة الجديدة الكثير من التحديات والمخاطر التي تواجه الولايات المتحدة، كما ذكر سبل مواجهتها من مفهوم "الصبر الاستراتيجي" والصبر والمثابرة في العمل.
واعتمدت هذه الاستراتيجية على العديد من العوامل، ربما كان ابرزها، القيادة من موقع القوة، وهي لا تتعارض مع مصطلح "القيادة من الخلف"، التي اشار اليها اوباما في السابق، فلا فرق بالنسبة له ان تكون القيادة من الامام او من الخلف ما دمت انت القائد، فالقيادة من موقع القوة تتشكل من خلال تكوين "التحالفات الدولية" لمواجهة التهديدات العالمية او الكبرى، بدلا من الذهاب بعيدا الى صراعات "فردية" و"مباشرة" قد تستنزف قدرات الولايات المتحدة الامريكية (وهو ما يوضح الفرق الكبير بين التكتيك الذي اعتمده الرئيس السابق جورج بوش في ادخال الولايات المتحدة بحروب مباشرة في افغانستان والعراق، والتكتيك الحالي للرئيس اوباما)، وهذا لا يعني، (بالمطلق)، انسحاب الولايات المتحدة عن قيادة العالم او التخلي عن "عقيدة المسؤولية" التي تعتبر من ثوابتها الاستراتيجية، بل "استخدام قدراتنا الفريدة وانشاء تحالفات متنوعة ومساعدة شركائنا"، كما عبرت عنه مستشارة الامن القومي، او كما عبر عنه الرئيس الامريكي بالقول "إن الولايات المتحدة تقود من موقع القوة ولكن هذا لا يعني أنه يمكننا أو ينبغي علينا محاولة إملاء مسار كل الأحداث التي تتكشف في جميع أنحاء العالم"، وبهذا يمكن المحافظة على موارد الولايات المتحدة (التي غالبا ما اشار اليها الرئيس الامريكي ووزير خارجيته بانها موارد لها حدود ولا يمكن استنزافها او الاعتماد عليها في حل جميع القضايا).
وكانت مسألة تكوين التحالفات، بدلا من القيام بعمل منفرد، في صلب سياسية "الصبر الاستراتيجي" للرئيس الامريكي، وهو ما شهدناه في ليبيا وسوريا والعراق، و"التحالفات المنوعة" التي اشار اليها التقرير، لا تعني بالضرورة اقامتها مع الاصدقاء او الشركاء التقليديين للولايات المتحدة الأمريكية، خصوصا في منطقة الشرق الاوسط، فحتى بين الاخيرة واعدائها هناك مصالح مشتركة (ضمن المجال الحيوي الذي يخدم الطرفين) يمكن استخدامها لتحقيق النجاحات التي تصب في مصلحة الولايات المتحدة في النهاية، بغض النظر عن اصل العداء، وهو امر مهم اعتمد عليه الرئيس الامريكي ووزير خارجيته في ادارة اغلب القضايا والتحديات التي واجهتهم (التعامل مع ايران في العديد من القضايا التي تخص العراق وسوريا، التعاون مع روسيا بشأن الملف السوري، استمرار عملها ضد القاعدة في اليمن رغم التحولات السياسية...الخ)، ويبدو ان هذا الامر هو ما اثار حفيظة شركائها التقليديين (السعودية، اسرائيل).
اما التوسع الاقتصادي القاري، فقد جاء في ذات الوقت الذي عمل فيه الرئيس الامريكي على تطبيق افكاره السياسية واداره الازمات الكبرى من مبدأ "اضعاف الجميع"، كانت المثابرة والعمل الدؤوب بالتوسع الاقتصادي واقامة شراكات اقتصادية مهمة تتجه نحو القارات، (افريقيا، اسيا) او الدول الكبرى، وحقق من خلالها اقامة العديد من الشراكات، ربما كان آخرها من خلال زيارته الاخيرة الى الهند، وهو امر ازعج الكثير من الدول التي اعتبرت هذا التوجه تدخلا في مجالاتها الاقتصادية الحيوية، وبالتالي فان الكثير من التداعيات والصراع الاقتصادي القاري حدث بين الخصوم، وانعكست اثارة على نمو الاقتصاد العالم، مع حدوث بعض المؤشرات المريبة خلال السنتين الماضيتين.