الأمريكان والتفويض باستخدام القوة العسكرية.. جدل الصقور والحمائم
د. نصر محمد علي
2015-05-07 04:16
ما ان شنت الولايات المتحدة هجماتها ضد مواقع تنظيم داعش في العراق وسوريا 2014 حتى تجدد الجدل الذي لازم كل تدخل عسكري خارج الولايات المتحدة، وهو يعكس الاستقطاب داخل الساحة الداخلية للولايات المتحدة بين المحافظين والليبراليين أي بين محور الصقور الذين يريدون إطلاق العنان للآلة العسكرية الأمريكية من دون قيود زمانكية يدعمهم في ذلك أقوى لوبي داخل الولايات المتحدة الأمريكية لوبي السلاح، المجمّع الصناعي –العسكري Military Industrial Complex، ومراكز الأبحاث المحافظة think tanks التي تمزج فلسفة الفكر بقوة السلاح، وعلى الجانب الآخر نجد المحور الجيو اقتصادي هذا المحور يدافع عنه قطاع واسع من أصحاب المصالح السياسية والمالية ويدعو إلى تحجيم المؤسسة العسكرية الراهنة والتركيز على الاستثمار في ميادين العلوم والتكنولوجيا والتجارة والتربية لمجاراة الأسواق العالمية ومنافسة ألمانيا واليابان بفاعلية.
دعاة هذا الرأي يحاجون آنفا انه إذا لم تستعيد الولايات المتحدة استقلالها الاقتصادي وقدرتها على المنافسة فان حرية تحركها العالمي وأمنها القومي ستتعرضان لأفدح الأخطار. بين هذين المحورين نشب جدال مستعر حول مقترح التفويض الذي قدمه الرئيس اوباما في 11 شباط/فبراير 2015 والذي جاء يعكس فلسفة الحزب الديمقراطي التي تنتمي إلى المدرسة الثانية (الجيو اقتصادية) وتضمن استخدام القوات المسلحة الأمريكية التي يراها "ضرورية ومناسبة" ضد تنظيم داعش والأشخاص أو القوى المرتبطة بهم. ويمكن إيجاز أهم ما تضمنه التفويض من فقرات:
1. ان التفويض لا يشتمل على استخدام القوات المسلحة الأمريكية في "عمليات قتالية هجومية برية دائمة".
2. وان التفويض سينتهي بعد ثلاث سنوات من المصادقة عليه.
3. كما سيتضمن إلغاء قرار الحرب على العراق 2002 ولكن من دون المساس بالتفويض لعام 2001.
4. كما سيقدم الرئيس تقريرا على الأقل مرة واحدة كل ستة أشهر بشأن الاجراءات المتخذة في إطار التفويض المقترح.
ويقتضي القول في هذا الخصوص ان الرئيس يمتلك صلاحيات كبيرة، بوصفه قائدا للقوات المسلحة، وكذلك فيما بتعلق بالشؤون الخارجية على الرغم من القيود الدستورية وحتى قانون صلاحيات الحرب WPR لعام 1973 كان له تأثير محدود على العمليات العسكرية الأمريكية في الخارج، فقد استخدم الرؤساء صلاحياتهم في إرسال القوات خارج البلاد 125 مرة ومن 13 حرب رئيسة خاضتها الولايات المتحدة، 5 حروب فقط تم فيها إتباع الآليات الدستورية لإعلان الحرب من قبل الكونغرس.
يريد الجمهوريون الذين ينتمون اغلبهم الى مدرسة المحافظين بكل تياراتهم الفكرية والأيديولوجية تبني نهجا أكثر تشددا والسعي لحل الأزمات الخارجية من خلال عسكرة السياسة الخارجية لذا يرى الجمهوريون ان مقترح التفويض واللغة التي جاء بها إنها سلبية بدرجة كبيرة- ويريدون إجراءات أشد ضد المتشددين وقيودا أقل على استخدام القوات القتالية الأمريكية من الواردة في الخطة، وأعرب الجمهوريون عن سعيهم من أجل تفويض "قوي وصلب" بخصوص الحملة العسكرية للرئيس باراك أوباما على تنظيم داعش فقد أعرب رئيس مجلس النواب الأمريكي الجمهوري جون بيني عن مخاوفه بشأن الطلب المقدم من الرئيس أوباما للحصول على تفويض بمحاربة "داعش"، لكونه يضع كثيرا من القيود على القادة العسكريين. وأوضح أن التفويض باستخدام القوة العسكرية "لا بد أن يعطي القادة العسكريين المرونة والصلاحيات التي يحتاجونها للنجاح ولحماية شعبنا". ويرى الجمهوريون أن أوباما وضع العديد من القيود في الخطة المقترحة، مثل التعهد بأنه لن يكون هناك تورط "طويل الأمد" لقوات برية أمريكية، كما دعم كلا من السناتور الجمهوري المتشدد جون مكين والسناتور ليندسي غراهام إزالة كل القيود على استخدام القوة.
من جانبه أكد النائب الجمهوري مايكل ماكويل Michael McCaul، رئيس لجنة الأمن الوطني في مجلس النواب انه لن يصادق على إجراء يكبل يد القائد العام للقوات المسلحة. الجمهوريين يريدون إطلاق يد الرئيس في أي انخراط عسكري في المستقبل، ولاسيما اذا تسنموا الرئاسة في انتخابات عام 2016 وهذا ما يخشاه الديمقراطيين الذين يسعون الى وضع المزيد من القيود على سلطة الرئيس لكي لا تدخل الولايات المتحدة حرب نهايتها مفتوحة مرة أخرى. الديمقراطيون قلقون من اللغة الواسعة التي جاءت بها لغة المقترح على سبيل المثال لا الحصر لم يضع قيود جغرافية على الحرب ضد تنظيم داعش الأمر الذي يعني ان الحرب قد تشن على بلدان أخرى غير العراق وسوريا كما اعترض النائب جون يارموث John Yarmuth على موضوع "العمليات القتالية هجومية برية دائمة" ضد تنظيم داعش لان ذلك قد يجعل النهاية مفتوحة.
أما السناتور ادم سجف Adam Schiff وهو من كبار الديمقراطيين في لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس النواب أراد وضع قيود اشد على استخدام القوات على الأرض وهو المفهوم الذي يولد تفسيرات مختلفة بحسب رأيه وأراد تعريف صريح للغرض الذي تستخدم فيه القوات لعمليات سواء أكان ذلك في عمليات خاصة أو قتالية أو لغرض الإنقاذ. وبنفس الاتجاه ذهب السناتور الديمقراطي البارز روبرت مينيندز Robert Menendez والذي دعا إلى وضع قيود صارمة على استخدام القوات البرية وأكد ان الديمقراطيين " غير مستعدين بمنح الرئيس تفويضاً مفتوحاً للحرب أو شيكا على بياض " ومن هنا يخشى الديمقراطيون ان يكون التفويض الذريعة التي يستند عليها المحافظين والصقور لتمرير أجندتهم في عسكرة السياسة الخارجية وتوريط الولايات المتحدة بمزيد من التدخلات العسكرية في العالم بحجة مكافحة الإرهاب ولاسيما إذا آلت الرئاسة إلى الجمهوريين في الانتخابات القادمة.
وجدير بنا ان نذكر ان نفس هذا الجدل ظهر إبان غزو العراق 2002 في عهد جورج بوش الابن عندما سعى لإيجاد تفويض لاستخدم القوة العسكرية ضد العراق و أنحسم الموقف لصالح الصقور الجمهوريين الذي منح الرئيس جورج بوش الابن التفويض بغزو العراق منفردا بعد انقسام الديمقراطيين تحت وطأة ضغط المحافظين والصقور بعد عام من هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر لكن اليوم المشهد مختلف، فالشارع الأمريكي لم يزل تحت وطأة تأثير "متلازمة العراق" فهو يرفض أي تورط عسكري في الخارج جاعلا من المشاكل الاقتصادية والاجندة الداخلية على قمة أولوياته كما بدا واضحا في انتخابات التجديد النصفي في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي للكونغرس، وفي خضم هذا الجدل سيظل مستقبل الانخراط الأمريكي في المنطقة مرهون إلى حد كبير بالكيفية التي سيوظف فيها المحورين (الصقور والحمائم) لمصادر قوتهم في الداخل الأمريكي ومن يحسم هذا الجدل هو الناخب الأمريكي في الانتخابات الرئاسية القادمة 2016.