الاستراتيجيات الامريكية في الشرق الأوسط

د. باسم علي خريسان

2017-08-21 05:45

بقلم: جورج فريدمن/ Geopolitical Futures
ترجمة: د. باسم علي خريسان/مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية

 

إندفعت الإستراتيجية الأمريكية بقوة في العراق قبل 2007 نحو معارضة المطالب الشيعية والسنية بالسلطة، حيث سعت الولايات المتحدة الأمريكية نحو تأسيس حكومة في بغداد تكون بعيدة عن التأثيرات الخارجية وذات طابع علماني مرتبطة بقوة بها، وبالفعل تم تأسيس الحكومة العراقية ولكنها لم تكن فاعلة –حيث كانت مدعومة من إيران التي استطاعت التوغل عميقاً فيها والمسألة الأكثر أهمية أن هذه الحكومة لم تحصل أبدا على دعم واسع النطاق من خارج التحالف الذي دعمها. حيث كانت القوى الأكثر تأثيرا في العراق جزءاً لا يتجزأ من المجتمع الشيعي والسني وكلاهما حصل على الدعم من خارج العراق، فالمملكة العربية السعودية دعمت السنة وإيران دعمت الشيعة.

إن ما تريد الولايات المتحدة الأمريكية إنشاءه يختلف كثيرا عن الواقع على الأرض، حيث اعتبرت الولايات المتحدة الدعم الإيراني للشيعة تهديداً كبيراً لها، لذلك سعت نحو تأسيس قوة توازن الوجود الإيراني من خلال الوصول إلى تفاهم مالي وسياسي مع القيادة السنية وبصرف النظر عن ما يوفره ذلك لها من فرصة للخروج بصورة أفضل، فإن ذلك لم يحل مشكلة الإستراتيجية الأمريكية في التعامل مع بروز الدولة الاسلامية (داعش) كمدافع عن جزء من العرب السنة وتعامل مع الحكومة العراقية التي أصبحت أسيرة لإيران، في هذا الوضع وجدت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها عاجزة عن صياغة العراق الذي تريده، ولمواجهة ذلك وجدت الولايات المتحدة نفسها أمام ثلاثة خيارات إستراتيجية وهي:-

الخيار الأول: بعد خمسة عشر سنة من القتال غير المجدي، عليها القبول بالهزيمة في منطقة الشرق الأوسط والإنسحاب منه وأن تسمح للمنطقة أن تتطور كما تريد، الفائدة المرجوة من هذه الإستراتيجية هي القبول بالواقع ونتائج الخمسة عشر سنة الماضية وبذلك يتم إيقاف نهجاً فعالا، لكن العيب في هذه الإستراتيجية أنها تقبل بتطور المنطقة وعندها سوف تواجه الولايات المتحدة الأمريكية زيادة في قوة العالم السني وقوة إيران الشيعية، بعد الشعور بالإرتياح يأتي الصداع الذي لا يطاق.

الخيار الثاني: إستخدام الولايات المتحدة قواتها لسحق الدولة الإسلامية (داعش) وعزل إيران، لكن المشكلة أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تمتلك القوة العسكرية الكافية للقيام بحرب متزامنة تمتد من البحر الأبيض المتوسط إلى إيران وأيضا أفغانستان. وزير الدفاع الأمريكي الأسبق دونالد رامسفيلد قال: "بداية الحرب العراقية، أنت تقاتل بالجيش الذي لديك. إذا الجيش كان غير كافي، سوف تخسر، أو على الأكثر تواجه الجمود الذي لا نهاية له". الهدف من هذه الإستراتيجية أن يكون الصدام ليس مجرد قتال المنظمات السنية والشيعية الموجودة حالياً، ولكن الهدف تدمير إرادة العالمين العربي والفارسي لخلق منظمات جديدة من الرماد القديم. لا يمكن للولايات المتحدة القتال في الخارج دون تحالف مع قوات أخرى، بُعدها عن ساحة الحرب في أوراسية يعني الحاجة للحصول على الدعم من قوات أخرى كون الدعم اللوجستي يعتبر أمرا ضرورياً، هذا هو السبب في أن هناك نقاشا يدعو للتحالف مع روسيا، لكن روسيا ليست لها نفس المصالح الأمريكية في إيران، وهي لا تنظر إلى نفس النتيجة.

الخيار الثالث: يرتكز على حقيقتين: الأولى، إمتلاك الولايات المتحدة الأمريكية على قوات محدودة مع ممانعة أو معارضة الحلفاء لا يساهم في كسب الحرب. ثانياً، العالم الإسلامي منقسم بعمق على طول الخطوط الدينية والأثنية، حيث التمزق بين الشيعة والسنة، والتمزق بين العرب وغير العرب، بعبارة أخرى، الإسلام ليس من نسيج واحد وهذه الإنقسامات هي نقطة ضعفه. الإستراتيجية الثالثة تتطلب التحالف مع أحد الأطراف وسعي لهزيمة الطرف الآخر، منذ بداية التاريخ الأمريكي استخدمت الولايات المتحدة سياسة تفريق العالم من أجل الوصول إلى ما تريده، ففي الثورة الأمريكية استخدمت التوتر بين بريطانيا وفرنسا من أجل الدفع بالفرنسيين للتدخل. نفس الشيء في الحرب العالمية الثانية، حيث المواجهة بين المانيا والإتحاد السوفيتي، فازت الولايات المتحدة بالحرب عن طريق تزويد السوفيت بالدعم والقيام بالوساطة من أجل الحد من نزيف الجيش الألماني وفتحت بذلك الباب للإجتياح الأمريكي –البريطاني إلى أوروبا.

مالم تمتلك قوة حاسمة ومؤثرة يكون لديك فقط خيارات خفض المواجهة، كون الزيادة الكبيرة في القوات تؤدي إلى رفع التكلفة وزيادة الوقت.

الخيار الثالث، هو دائما إستراتيجية مؤلمة. كانت الولايات المتحدة تطلب من الملكيين المساعدة من أجل عزل البريطانيين في معركة (يوركتاون)(2) ، على طريقة التعامل مع الشيطان، تحالفت الولايات المتحدة مع القاتل والظالم (الإتحاد السوفيتي) من أجل هزيمة القاتل والظالم وكانت هذه أيضا صفقة مع الشيطان، كل من جورج واشنطن وفرانكلين روزفلت قدم بكل سرور هذه الصفقات، الكل يعرف الحقيقة حول الإستراتيجية: ما يأتي بعد الحرب يأتي بعد الحرب. في الوقت الراهن الهدف هو الوصول منتصراً في نهاية الحرب.

في حالة الشرق الأوسط أود الإشارة إلى إفتقار الولايات المتحدة الأمريكية إلى القوات او حتى تصور إستراتيجي لمواجهة البروز السني او الإيراني، إيران بلد يبلغ نحو 80 مليون نسمة له دفاعات طبيعية من الغرب الجبال الوعرة ومن الشرق الصحارى القاسية، في هذه النقطة القول المطروح على الولايات المتحدة الأمريكية إستخدام قواتها الجوية كونها أقل تكلفة، وأنا أرى غير ذلك كون دور القوة الجوية تقديم المساعدة للقوات على الأرض وهي بذلك لا يمكنها أن تكون بديل عن القوات الموجودة في المعركة.

الفكرة أن الولايات المتحدة سوف تشن في وقت واحد عدة حروب في سوريا والعراق وإيران وأفغانستان وتخرج منتصرة هو ضرب من الخيال. ما هو ليس بالخيال هو الحقيقة ان العالم الإسلامي من الناحيتين الإستراتيجية والتكتيكية على حد سواء منقسم بشكل عميق، يجب على الولايات المتحدة أن تقرر من هو العدو. (الجميع) هذه إجابة مرضية عاطفيا للبعض، لكنها سوف تؤدي إلى الهزيمة، ولا يمكن للولايات المتحدة أن تحارب الجميع من البحر المتوسط إلى (هندو كوش)(3).

يمكن تنفيذ الغارات وغيرها من العمليات، ولكن لا يمكن الفوز، لوضع إستراتيجية فعالة، يجب على الولايات المتحدة الأمريكية العودة إلى الأسس الإستراتيجية للجمهورية، والتي تقوم على الرغبة بالتحالف مع أي عدو لهزيمة الآخر، يجب أن يكون الهدف، تحالف مع العدو الأضعف، أو العدو مع مصالح أخرى، حتى لا تقود حرب واحدة مباشرة نحو حرب أخرى، في هذه اللحظة، السنة هم أضعف من الإيرانيين، ولكن هنالك الكثير من السنة ينتشرون على مساحة واسعة من الأرض وهم أكثر نشاطاً من إيران، حاليا إيران أكثر قوة، لكنني أرى أن السنة أكثر خطورة، لذلك أنا ممن يدعو إلى التقارب مع الإيرانيين، ليس لأنهم أكثر ودا (ولا لأنهم كانوا ستالين أو لويس السادس عشر) ولكن لأنهم الخيار المناسب.

يكره الإيرانيون السنة ويخافونهم، سوف يكونون مستعدين لأي فرصة من أجل سحق السنة، الإيرانيون أيضا ساخرون مثل جورج واشنطن، لكن التحالف مع السنة ضد الشيعة أيضا يمكن القيام به، السنة يحتقرون الإيرانيين ويتمنون سحقهم، ويمكن أن يتخلى السنة عن الإرهاب، هنالك مناقشات بأن نكون على كلا الجانبين في أفغانستان. أنا أرى ما لا يمكن دعمه هي الصراعات المتزامنة مع السنة والشيعة والعرب والفرس. وما تعلمناه في العراق أننا لن نفوز بهذا الصراع، تطبيق الفشل في العراق على نطاق أوسع بكثير لا معنى له، تقسيم الأعداء مبدأ أساسي في الإستراتيجية، حيث توحيدهم لا معنى له، لذلك شن الحرب في وقت واحد على السنة والشيعة يعتبر أمراً غير عقلاني، ببساطة الإنسحاب من المنطقة يحمل معه أخطارا كبيرة.

وأخيرا أراد جورج واشنطن هزيمة بريطانيا وأراد روزفلت هزيمة هتلر، بدون فرنسا او السوفيت هذه الحروب تكون خاسرة، في النهاية (ال بوربون) والشيوعيين تم تدميرهم، جورج واشنطن وروزفلت لم يتعجلوا، هناك دائماً وقت للفائز للوصول إلى النهاية التي يريدها وليس هنالك وقت للخاسر أبداً.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2017 Ⓒ
http://mcsr.net

.........................................................
المصدر: https://geopoliticalfutures.com
(1) George Friedman جورج فريدمن (68 سنة) هو عالم سياسة وكاتب من الولايات المتحدة الأمريكية، ولد في بودابست، وهو عضوٌ في الحزب الجمهوري.
(2) معركة يوركتاون أو حصار يوركتاون عام 1781م كانت إحدى المعارك الحاسمة في حرب الأستقلال الأمريكية، حيث حاصرت القوات الأمريكية الجيش الإنكليزي بقيادة الجنرال تشارلز كورن واليس في يوركتاون. وأنضمت إليها الإمدادات الفرنسية البرية والبحرية التي وصلت لمساعدة الأمريكيين ضد الإنكليز، فأحكموا الحصار مما أضطر (كورنولس) للتسليم. وكانت كارثة كبيرة على الإنكليز، حيث أضطرت الحكومة البريطانية إثر هذه المعركة بقبول المفاوضة مع الولايات والاعتراف بها.
(3) هي سلسلة جبال في أفغانستان وشمال غرب باكستان. تعتبر سلسلة جبال هندوكوش الأمتداد الغربي الأقصى لجبال بامير وكاراكورام والهيمالايا. يبلغ أرتفاع جبال هندوكوش 7960 م عن سطح البحر عند أعلى قمة والتي تسمى تيريش مير. تتميز جبال هندوكوش بأنها جبال قاحلة لكن ينبع منها عدة أنهار مثل نهر كابل وهيرمند وهندوكوش أصل الكلمة هم الكوش الكوشان kush المتاخمين للهند والكوش هم من حضارة السلالة الأولى من جبال الهملايا ولهم بلاد واسعه تمتد من جبال نهر سيحون أمودریا إلى جبال الهملايا في الجنوب وهندوكوش أي بلاد الكوش الهندية وهم الكوش الكوشان kush.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي