الابتكارات الاثنا عشر التي نحتاج إليها لإنقاذ البشرية والكوكب

شبكة النبأ

2024-05-12 05:05

بقلم: فاتسلاف سميل

لم أكن قطُّ من محبي الخيال العلمي. أنا مُشَكِكٌ بشدةٍ في أيِّ ادعاء رائع إلى درجة أنها تستحيل أن تكون صحيحةً عن اكتشافاتٍ «تفتح الباب أمام حقبةٍ جديدةٍ». لكنني كتبْتُ أيضاً بصورةٍ غزيرةٍ عن التأثيرات التحويلية للابتكارات، من الأمونيا الاصطناعية لإنتاج الأسمدة، وأجهزة أشباه الموصلات في الإلكترونيات إلى لقاح «خمسة في واحد» الذي يُحَصِّنُ ضد مجموعةٍ من الأمراض. إضافة إلى ذلك، يبدو واضحاً بالنسبة إليّ أننا بحاجةٍ إلى تطويراتٍ أساسيةٍ جديدةٍ كهذه للتعامل مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية العديدة التي نواجهها حالياً. أتطرقُ إلى تطويراتٍ ممكنةٍ في كتابي الجديد، الاختراع والابتكار: تاريخٌ موجزٌ للمُغَالاة والفشل Invention and Innovation: A brief history of hype and failure.

إن تحديد الأولويات القصوى للإنجازات العلمية الخارقة الممكنة ليس بالأمر السهل، لأسبابٍ ليس أقلها وجود مجالٍ كبيرٍ للتحسين. خذ الطاقة مثًلا. أشار بيل جيتس إلى أن: «نصف التكنولوجيا اللازمة للوصول إلى الانبعاثات الصفرية إما غيرُ موجودةٍ حتى الآن أو أنها باهظة التكلفة بالنسبة إلى الكثير من مناطق العالم». يمكنك قول الشيء نفسه عن كل فئةٍ علميةٍ وتقنيةٍ. إضافة إلى ذلك، فإنّ أي قائمةٍ بالاختراعات التي نحن أكثر حاجةً إليها من غيرها ستكون شخصيةً حتماً. فإذا كنت ترى أنّ قائمتي متحفظةٌ إلى حدٍ ما، فأنا أُقرّ بذلك: فلا وجود لسفرٍ أسرع من الضوء، ولا لتحويل الكواكب الأخرى إلى يابسة ملائمة لحياتنا. 

بدلاً من ذلك، تُغَطي قائمتي لأفضل 12 ابتكاراً، والتي سأتحدث عنها هنا، مجموعةً من القضايا التي يجب أن نعالجها بصورةٍ عاجلةٍ. تركّز على المجالات التي ستكون ذات التأثير الأكبر في رفاهيّة الإنسان والبيئة، والتي يوجد فيها حالياً معرفةٌ يمكن البناء عليها. تتضمن قائمة أمنياتي ثلاثة تغييراتٍ يمكننا جميعاً العمل عليها الآن.

طليعة لقاحٍ شاملةٌ

تواجه البشريةُ مخاطرَ الإصابة بالأمراض المعدية أكثر من أي وقتٍ مضى. يمكن أن تنشأ هذه الأمراض في الغابات الاستوائية أو في المدن الكبيرة، ثم تنتشر بسرعةٍ في معظم أنحاء العالم بواسطة السفر العالمي وتنتقل بسهولةٍ في البيئات الحضرية المكتظة. فقد أدركنا هذا بصورةٍ مؤلمةٍ على مدى الأعوام الثلاثة الماضية بسبب جائحة فيروس كورونا. كما سلّطَتْ الجائحةُ الضوءَ على أهمية اللقاحات – والحاجة الماسة إلى لقاحاتٍ أفضل.

لقد قطع التلقيح شوطاً طويلاً: إذ قضى على الجدري وساعد على السيطرة على العديد من الأمراض المعدية الأخرى، بما في ذلك شلل الأطفال والحصبة والكزاز (التيتانوس). توجد حالياً عدة أنواع من اللقاحات ونعرف كيفية استخدامها ضد مجموعةٍ من العوامل المُمرضة. ومع ذلك، عندما يظهر مرضٌ جديدٌ، يجب علينا تطوير لقاحٍ من الصفر. وهذا يستغرقُ وقتاً. شهدنا ظهور لقاحات mRNA، التي تَسْتَخْدِم المادة الجينية المعروفة بالرنا المِرْسَال messenger RNA لتطلب إلى خلايانا إنتاج بروتينٍ يُعلِّمُ أجسامنا التعرف إلى الغازي. فالسَلْسَلَةُ الجينيةُ Genetic sequencing السريعة أمرٌ حيوي لهذه التكنولوجيا. أدّى التقدم في تكنولوجيا mRNA إلى تقصير الوقت الذي يستغرقه اختراع لقاحاتٍ جديدةٍ تقصيراً كبيراً – من شهورٍ أو أعوامٍ إلى أيامٍ. لكن حتى إطلاق شركتي فايزر/بيو إن تِك لقاحَ كوفيد-19 الذي حطّم الأرقام القياسية بسرعته استغرَق تسعة أشهر. هذا وقتٌ طويلٌ يسمح لعاملٍ ممرضٍ جديدٍ شرسٍ بقتل ملايين الأشخاص.

بصورةٍ مثاليةٍ، لتقليل هذا التأخير، يجب أن تكون بين أيدينا طلائع لقاحٍ شاملةٌ جاهزةٌ للاستخدام يمكن «تنشيطها» في المختبر بواسطة عينةٍ من العامل الممرض الفيروسي أو البكتيري الجديد لتصنيع لقاحٍ آمنٍ وموثوقٍ به ويمكن إنتاجه من دون استخدام تقنياتٍ صناعيةٍ معقدةٍ غير موجودةٍ إلا في متناول شركات الأدوية الكبرى. حتى الآن، أقرب ما توصلنا إليه هو بحثٌ عن لقاحاتٍ «شاملةٍ» تغطي جميع الفيروسات في فئةٍ معينةٍ، مثل فيروسات كورونا. في نوفمبر 2022، أعلن الباحثون أنهم ابتكروا لقاحاً شاملاً للإنفلونزا يعمل على جميع الأنواع الفرعية الـ 20 المعروفة من الإنفلونزا إيه A وبي B في الفئران. لكن كيف سيبدو شكل الطلائع الشاملة وكيف يمكن تعديلها لإنتاج أي لقاحٍ مرغوبٍ فيه؟ لمّا نعلم ذلك حتى الآن.

علاجٌ لداء ألزهايمر

وافقَتْ إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (اختصاراً: الإدارة FDA) منذ إنشائها في ثلاثينات القرن العشرين على أكثر من 1800 علاجٍ لأمراض البشرية. منها أدويةٌ تعالج أو حتى تشفي مجموعةً مذهلةً من الأمراض التي قد تسبب الوفاة، بما في ذلك أنواع مختلفة من السرطان والإنتانات البكتيرية وارتفاع ضغط الدم. وأخرى صُمِّمَتْ لتخفِّفَ أعراض الحالات المزعجة غير المهددة للحياة من التهاب الجلد والشقيقة إلى متلازمة تململ الساقَين. لسوء الحظ، فإن الخرف – وداءُ ألزهايمر (تنطق ألزايمر) هو شكلُه الأكثر شيوعاً – ليس من بين الحالات التي يمكن شفاؤها. ومع تقدم السكان في العمر، فإنّه صار يمثّل للبشرية مشكلةً أكبر من أي وقتٍ مضى. ويؤثّر داء ألزهايمر حالياً في نحو 2% من سكان الولايات المتحدة، ونحو 44 مليونَ شخصٍ في معظم أنحاء العالم. يكلّف الخرفُ العالمَ حالياً نحو 1% من ناتجه المحلي الإجمالي GDP.

هناك بعض الأدوية التي تُخففُ أعراض داء ألزهايمر. على سبيل المثال، يمنع دونيبيزيل وغالانْتامِين وريفاستغمين تفكك الأسيتيل كولين، وهو مِرسالٌ كيميائي في الدماغ مهمٌ لليقظة والذاكرة والتفكير وإصدار الأحكام، أما المِيمانْتِين فينظّمُ نشاط ناقلٍ عصبي آخر يسمى الغلوتامات. ولكن هذه الأدوية غالباً ما تكون ذات تأثيراتٍ جانبيةٍ شديدةٍ. إضافةً إلى كلّ ذلك، فإنها غير قادرةٍ على إبطاء أو وقف تطور المرض.

إنّ العثور على علاجٍ شافٍ لداء ألزهايمر أمرٌ صعبٌ لأنه حالةٌ معقدةٌ وغير مفهومةً فهماً جيداً. تتراوح الفرضيات عن أسبابه من الالتهاب إلى عيوبٍ في طيّ البروتينات في الدماغ. لم توافق الإدارة FDA على أول دواءٍ يستهدف السبب الكامن المفترض – وهو أدكانيماب – حتى عام 2021. يقلّل أدكانيماب كمية لويحات بروتينٍ يُسمى بيتا أميلويد في الدماغ، لكنّه فشل في التجارب الإكلينيكيّة في إظهار أي فائدة واضحةٍ في أداء الأشخاص أو تفكيرهم أو ذاكرتهم اليومية. في العام التالي، أُعلِنَ عن ليكانمب، وهو أوّل دواءٍ لداء ألزهايمر يُدّعَى أنّه يُبطِئ التدهور المعرفي. إضافة إلى أنّ فعاليته مازالت موضع خلافٍ، فإنّ لها بعض التأثيرات الجانبية الشديدة. مهما كانتْ المعايير المُسْتَخْدَمة، لا بدّ أن يحتلّ العلاج الشافي لداء ألزهايمر مرتبةً قريبةً من أعلى التطويرات العلمية المرغوبة. قلّةٌ من التدخلات الطبية الأخرى ستجلب القدر نفسه من المساعدةِ للأفراد، والدعمِ للعائلات التي ابتُليت به، والغوثِ لأنظمة الرعاية الصحية المُنْهَكَة.

الحبوب المُثَبِتَةُ للنتروجين

مع تجاوز عدد السكان ثمانية بلايين نسمةٍ، تُسْتَخْدَمُ كمياتٌ متزايدةٌ من الأسمدة القائمة على النتروجين لزراعة النباتات لإطعامنا. في عام 2020، تلَقّتْ المحاصيلُ 113 مليون طن من هذه الأسمدة، وهذا أكثر بـ 40% ممّا تلقته عام 2000. ومع ذلك، لا يصل إلى المحاصيل إلا نحو نصف النتروجين المطبق، وذلك نتيجةَ التبخرِ، والرشح، والتعرية وتحوّلِه إلى غاز النتروجين بواسطة ميكروبات التربة – وأحياناً لا يصل إلّا أقل من 20%. فهذه الخسارة غير محبَّذة في الوقت الحالي مع ارتفاع أسعار الأسمدة. والأسوأ من ذلك أن هذا يسبب أضراراً بيئيةً جسيمةً، مثل الأمطار الحمضية، وتلوث المياه بالنترات، وتكوين «مناطق ميتة» مُسْتَنْفَدَةٍ من الأكسجين في المناطق الساحلية الضحلة.

على عكس محاصيل الحبوب الأساسية، فإن النباتات البقولية مثل البازلاء والفول تحتاج إلى القليل من أسمدة النتروجين، أو ربما لا تحتاج إليها أبداً. إذ إنّها تحصل على النتروجين مباشرةً من بكتيريا تكافليةٍ مرتبطةٍ بجذورها. كانتْ فكرةُ إعطاءِ قدرات تثبيت نتروجين مماثلةٍ للحبوب والخضروات والمحاصيل الأخرى موجودةً منذ قرنٍ من الزمن. ودافع عنها نورمان بورلوغ، الذي فاز بجائزة نوبل للسلام عام 1970 لتطويره أصناف محاصيلٍ عالية الغلّة تحتاج إلى كمياتٍ غزيرةٍ من النتروجين. في خطاب القبول الذي ألقاه، أعرب بورلوغ عن أمله في أنه بحلول تسعينات القرن العشرين، ستكون لدى البشرية «حقولٌ خضراء ونشطةٌ وعالية الغلّة من القمح والأرُزِّ والذرة والسورغم والدُّخن، تَحْصُلُ – هذه الحقول – من البكتيريا المُكَوِنَةِ للعقيدات والمثبتة للنتروجين على 100 كغ من النتروجين مجاناً لكل هكتارٍ». 

منذ ذلك الوقت، كان هناك بعض التقدم في تحديدِ الجينات المُثَبِتَةِ للنتروجين ونقلها تجريبياً إلى نباتاتٍ غير بقوليةٍ. لكن الحبوب المُثَبِتَةَ للنتروجين مازالتْ حلماً، ولا يعرف أحدٌ كم من الوقت سيستغرق الأمر ليصير واقعاً.

بناءٌ ضوئي أكثر كفاءةً

ترك التطور للنباتات طريقةً غير فعالةٍ بطبيعتها لتحويل الطاقة إلى كتلةٍ حيويةٍ. لا يمكن استخدام إلّا نصف الإشعاع الشمسي الذي يَصِلُ إلى النبات في عملية البناء الضوئي، وينخفض هذا إلى 44% بعد طرح الضوء الأخضر المنعكس، تاركاً الجزء الأزرق والأحمر من الطيف. وتزداد الخسائر في عملية تحويل هذا الضوء إلى طاقةٍ كيميائيةٍ، فلا يُحَوّلُ إلّا 4.5% من الطاقة الشمسية إلى كربوهيدرات. وهذا هو الحد الأقصى النظري. إذ تعني الإمدادات المحدودة من المياه والمغذيات أنّ البناء الضوئي يُحَوِّل عادةً أقل من 1% من الإشعاع الشمسي الواصل إلى كتلةٍ حيويةٍ. حتى التحسين البسيط نسبياً يمكن أن يُحْدِثَ فرقاً كبيراً في غلّة المحاصيل التي تعاني حالياً الركود أو لا تزداد إلا ببطءٍ.

أشارَتْ الأبحاث في العقد الماضي إلى ثلاثة مساراتٍ لتحقيق هذا الهدف. الأول هو تحسين كفاءة روبيسكو، وهو الإنزيم الذي يُسَرِّعُ عمليةَ تصنيع الكتلة الحيوية الجديدة. المسارُ الثاني هو العثور على الجينات التي تجعل الجذور أكثر كفاءةً في جَمْعِ المياه والمغذيات واستخدامُ الهندسةِ الاصطناعية لدمجها في النباتات. والثالث سيبني على اكتشاف نباتاتِ أَرُزٍ ذي غلّاتٍ أعلى وأسرع نمواً وأفضل كفاءةً في استخدام النتروجين. نحن بحاجةٍ إلى المزيد من مثل هذه التطويرات لزيادة غلّات المحاصيل زيادةً كبيرةً لنُطْعِمَ بصورةٍ كافيةٍ البشر الذين قد يزداد عددهم إلى عشرة بلايين بحلول عام 2050.

بطارياتٌ أفضل

إذا أردنا استبدال الكهرباء بقسمٍ كبيرٍ من الوقود الأحفوري، فيجب أن نجد طرقاً أفضل لتخزينها. في الوقت الحالي، تشكل الطاقة الكامنة في مشروعات ضح وتخزين الطاقة الكهرومائية أكثر من 90% من تخزين الكهرباء في معظم أنحاء العالم. ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بالنقل الكهربائي، فإن ما نحتاج إليه هو بطارياتٌ توفر المزيد من الطاقة بالنسبة إلى حجمها – المزيد من وات-ساعة لكل لتر (وات ساعيّ/لتر).

في عام 1859، اخترع غاستون بلانتي خلية الرصاص الحمضية Lead-acid cell، وكانت كثافة طاقتها نحو 60 وات ساعي/لتر. حالياً، توجد مئات الملايين من هذه البطاريات تحت أغطية السيارات التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي، وتنتج نحو 90 وات ساعي/لتر. يمكن لبطاريات النيكل-كادميوم الحديثة تخزين 150 وات ساعي/لتر. ولكن الخيار الأفضل حالياً هو بطاريات الليثيوم-أيون، التي طوِّرَتْ في ثمانينات القرن العشرين وتُسْتَخْدَمُ حالياً لتشغيل السيارات الكهربائية، والهواتف النقّالة وأجهزة الحاسوب المحمولة كذلك، وغيرها من الأجهزة الإلكترونية المحمولة الاستهلاكية. ولدى هذه البطاريات المزيد من الإمكانات. إنّ الطراز 2170 من باناسونيك هو أفضل منتجٍ تجاري من بطاريات الليثيوم-أيون من ناحية الأداء، وهو مُسْتَخْدَمٌ في ملايين السيارات الكهربائية، إذ تبلغ كثافة طاقته 755 وات ساعي/لتر. تعمل شركة أمبريوس للتكنولوجيا في كاليفورنيا على تطوير بطاريات ليثيوم يمكنها تخزين 1150 وات ساعي/لتر، ما يجعل كثافةَ طاقتها أكبر بعدة مراتٍ من أفضل بطاريات الرصاص الحمضية.

على الرغم من هذه التحسينات، مازالت كثافة طاقة البطاريات أدنى بكثيرٍ من تلك الموجودة في الوقود السائل الذي يهيمن على جميع أشكال النقل: كثافة طاقة البترول 9600 وات ساعي/لتر، وكيروسين الطيران 10300 وات ساعي/لتر، ووقود الديزل 10700 وات ساعي/لتر. إلى أي مدى يمكن أن نسارع في تضييق الفجوة؟ في الخمسين عاماً الماضية، ازدادت أعلى كثافة طاقةٍ ممكنةٍ للبطاريات التي تُصَنّعُ على نطاقٍ تجاري بمقدار خمسة أضعاف. إذا تمكنا من تحقيق هذا المعدل في الخمسين عاماً المقبلة، فسنصل إلى 3750 وات ساعي/لتر. ومن شأن ذلك أن يجعل كَهربة وسائل النقل البرية الثقيلة والنقل البحري أسهل بكثيرٍ مما هو عليه حالياً، لكنه سيظل غير كافٍ لطائرة بوينغ 787 كهربائية. نحتاج إلى بطارياتٍ فائقةٍ، وكلما أسرعنا كان ذلك أفضل.

«طلاء» ألواح كهروضوئية ذاتي التنظيف

الطاقة الشمسية هي أفضل خيارٍ لتوليد الكهرباء المتجددة. حتى إن كنْتَ لا ترى أنّ عنفات الرياح ذات منظرٍ بشعٍ، فإنها تستهلك كمياتٍ هائلةً من المواد – تصل إلى 400 طن لكل ميغاوات من السعة المركبة Installed capacity، وهذا أكبر بـ 60 ضعفاً من عنفات الغاز. وغالباً ما تتطلب أيضاً نقلاً لمسافاتٍ طويلةٍ لتوصيل الكهرباء من المناطق الريحيّة إلى المدن الكبرى. في المقابل، تَسْتَخْدِمُ الألواح الكهروضوئية Photovoltaic، التي تحول أشباهُ موصلاتها الطاقةَ الشمسية إلى كهرباء، نحو 60 طناً من المواد لكل ميغاوات من الطاقة، ويمكن تركيبها في أي مكانٍ مُشْمِسٍ. كما أن الأشكال الحديثة متينةٌ إلى حدٍّ كبيرٍ وتحافظ على أدائها لمدة عقدين على الأقل، وهذا مشابهٌ لعنفات (توربينات) الرياح.

حتى الآن، مصدر معظم الطاقة الشمسية الجديدة من منشآتٍ كبيرةٍ على أرضٍ غير مُسْتَخْدَمَةٍ. المدن مكانٌ أفضل. فهي تؤوي حالياً أكثر من نصف البشرية، وستصير موطناً لنحو 70% من البشر بحلول عام 2050، وستكون بالتأكيد أكبر مستهلكٍ للكهرباء. لذلك، من الرائع أن يكون بين أيدينا دهان ألواحٍ كهروضوئيةٍ يمكن تطبيقه مثل الطلاء تقريباً على أي سطحٍ حضري، متصلٌ بمحولاتٍ كهربائيةٍ Inverter موجودةٍ في كل مبنى وتُغذي الشبكات المحلية. بالطبع، سيكون مفيداً لو كان هذا الدهان ذاتي التنظيف أيضاً.

أحرزنا بعض التقدم في تصنيع هذه الأسطح. يمكن الآن تصنيع الخلايا الشمسية من البلاستيك، وتوجد نوافذ شمسيةٌ مولدةٌ للكهرباء في السوق. إضافةً إلى ذلك، تنتج شركة بيلكنتون لصناعة الزجاجِ نوافذ ذاتية التنظيف، إذ تتفاعلُ طبقاتها المُحَفَزَةُ بالضوء والمُحِبَة للماء مع ضوء الشمس لتفكك الأوساخ العضوية وتزيلها. ستكون الخطوة التالية هي جعل هذه المواد منخفضة التكلفة وقابلةً للتكيّف. بعد ذلك، يمكننا تثبيتها على نطاقٍ لا يحدده إلا مساحة جدراننا ونوافذنا.

بلاستيكٌ أكثر صداقةً للبيئة

يقترب الإنتاج العالمي من البلاستيك من 400 مليون طن كل عامٍ. وفي الوقت نفسه، فإن جهودنا للحد من تأثيراته البيئية الضارة هزيلةٌ. على سبيل المثال، تتضاءلُ فائدة حظر أكياس التسوق التي تُسْتَخْدَمُ مرةً واحدةً أمام زيادة استهلاك المواد البلاستيكية الأخرى التي تُسْتَخْدَمُ مرةً واحدةً، مثل العبوات والعلب البلاستيكية الموجودة في كل مكانٍ والمُسْتَخْدَمَةِ في تغليف المواد الغذائية. وفي الوقت نفسه، لا يُعاد تدوير أو حرق إلا نسبةٍ صغيرةٍ من كامل البلاستيك الذي نتخلص منه. في البلدان ذات الدخل المرتفع، ينتهي الأمر بمعظمه في مدفن النفايات. أمّا في البلدان منخفضة الدخل، لا سيما في آسيا، فيدخل الكثير منه إلى المحيط، حيث تتراكم المواد البلاستيكية الكبيرة والصغيرة في المياه السطحية وحتى في أعمق الخنادق.

هناك بدائل متاحةٌ قابلةٌ للتحلل، وهي مشتقةٌ من المحاصيل أو تنتجها الكائنات الحية الدقيقة. ومع ذلك، لا تُسْتَخْدَمُ على نطاقٍ واسعٍ، إذ إنّها تمثل أقل من 1% من كامل الإنتاج. إلى جانب ذلك، يؤدي البلاستيك العديد من الوظائف المختلفة التي نحتاج إليها لابتكار مجموعةٍ متنوعةٍ من البدائل الصديقة للبيئة الرخيصةِ والقوية. لا يجب أن تكون بدائلُه مصنوعةً من مركباتٍ مشتقةٍ من المحاصيل لكيلا تنافس إنتاج الغذاء، بل أن تُصْنَعَ من النفايات العضوية والمِكروبات Microbe والمواد غير العضوية المتاحةِ بيسرٍ. إنّ هذا لتحدٍ هائلٌ – ومردوده هائلٌ بالقدر نفسه.

خرسانةٌ مسلحةٌ من دون إسمنت أو فولاذ

المادة المهيمنة في الحضارة الحديثة هي الخرسانة المُسَلَحة. وهي تتألف من خليطٍ من الإسمنت والماء والركام مقوى بقضبانٍ فولاذيةٍ. يُصْنَعُ الإسمنت من الحجر الجيري والأصداف والطبشور إضافةً إلى الطفل الصفحي Shale والصلصال Clay والأردواز Slate والخبث Slag من أفران الصهر Blast furnace والرمل وخام الحديد. يتجاوز الإنتاج العالمي للإسمنت حالياً 4 بلايين طنٍ كل عامٍ، وهذه العملية التي تستهلك الكثير من الطاقة مسؤولةٌ عن نحو 8% من انبعاثات الكربون العالمية. يُخْلَطُ الإسمنت بالماء والركام – ومعظمه من الرمل – لإنتاج 14 بليون طنٍ من الخرسانة، وهذا يؤدي إلى نضوب رمال الأنهار والشواطئ – أمّا رمال الصحراء فبديلٌ سيئ لأن حبيباتها مستديرةٌ بسبب تعرية الرياح لها ما يجعلُها ناعمةً جداً.

يمكن تصنيع الخرسانة من دون الإسمنت باستبدال الرماد المتطاير Fly ash أو خبث فرن الصهر Blast furnace slag، لكن إمدادات هذه المواد محدودةٌ وستستمر بالانخفاض أكثر مع انخفاض حَرْقِ الفحم واعتماد تقنيات صهر الحديد الجديدة. في عام 2021، أعلن باحثون يابانيون أنهم وجدوا طريقةً لصنع الخرسانة من دون إسمنت بربط جزيئات الرمل مباشرةً (بما في ذلك رمال الصحارى) باستخدام تفاعلٍ بسيطٍ في الكحول مع مُحَفِزٍ. أمّا الجهود المبذولة من أجل أن يُسْتَبْدَلَ بالفولاذ في الخرسانة المسلحة بديلٌ أكثر صداقةً للبيئة؛ فهي أكثر تطوراً. بنى مهندسون ألمان أول مبنى في العالم مصنوعٍ من الخرسانة المُسلحة بألياف الكربون. لكنّه كان مجرد مشروعٍ تجريبي، وكانت تكلفة الخرسانة الكربونية أكبر بنحو 20 مرةً من تكلفة المنتج القياسي. في المستقبل، سيكون معظم الطلب على الخرسانة من البلدان منخفضة الدخل، لذلك نحن بحاجةٍ إلى الجمع بين التقنيتين في مادةٍ أرخص من الخرسانة المسلحة الحالية ثم إلى زيادة الإنتاج إلى مستوى عالمي.

مظلة كوكبيّة

العنصر الأخير في قائمتي عبارةٌ عن شيءٍ لا يمكننا التنبؤ بتأثيراته إلى حدٍ ما. إنها فكرةٌ مثيرةٌ للجدل، لكن إذا فشلنا في إحراز تقدمٍ أفضل في التحكم في انبعاثات غازات الدفيئة Greenhouse gas، فقد نضطر إلى اللجوء إلى حجب بعض الإشعاعات القادمة من الشمس. سيُمَثِّلُ تحقيقُ ذلك في الفضاء باستخدام درعٍ أو مظلةٍ عملاقةٍ خياراً أخفّ وطأةً من حقن الهباء الجوي المُمْتَصِّ للإشعاع في الاستراتوسفير. وكانت فكرة الدرع الشمسية موجودةً منذ عقود، لكنها لا تزال أبعد من قدرتنا على تحويلها إلى واقعٍ ملموسٍ.

قد يتطلب تشكيل مظلّةٍ شمسيةٍ قادرةٍ على حجب 1 إلى 2% من ضوء الشمس نشرَ بلايين المراكب الشراعية الصغيرة الخفيفة المُسْتقلة أو بناء حاجزٍ ضخمٍ قد يكون على شكل قرصٍ أو عدسةٍ خفيفةٍ جداً أو شبكةٍ سلكيةٍ رفيعةٍ. يجب وضع الحاجز على بُعْدِ نحو 1.5 مليون كم، في النقطة بين الشمس والأرض التي تلغي فيها جاذبيةُ كل واحدةٍ جاذبيةَ الأخرى لكي نتمكن من إبقاء الجسم في موضعه.

هناك مشكلتان كبيرتان في هذه الخطّة. أولاً، إنّها تنطوي على إطلاق معداتٍ تزن نحو 10 ملايين طن إلى الفضاء. حتى بافتراضاتٍ متفائلةٍ، فإن ذلك سيكلّف عدة تريليوناتٍ من الدولارات. ثانياً، حتى ولو كان ذلك ممكناً من الناحية التقنية، سيتطلب المشروع إجماعاً عالمياً مُلْزِماً وإطاراً قانونياً قبل المضي به قدماً. سيزداد احتمال الوصول إلى مثل هذه الاتفاقية إذا كان التصميم قابلاً للتعديل ويمكن التحكم فيه. ومع ذلك، يبدو احتمال إنجاز هذا الابتكار في وقتٍ قريبٍ أقل من العناصر الأخرى في قائمة أمنياتي.

أكبر وأفضل

لا نحتاج بالضرورة إلى ابتكاراتٍ جديدةٍ لإجراء تحسيناتٍ كبيرةٍ للبشرية والكوكب. يمكن أن تتحقق بعض المكاسب السريعة من أمرٍ نجيد فعله، إن فعلناه بصورةٍ أفضل وعلى نطاقاتٍ أكبر. هنا ثلاثة أشياء يمكننا فعلها الآن، وستكون ذات تأثيراتٍ هائلةٍ.

القضاء على عوز المُغَذيات الدقيقة

نحو ربع سكان العالم مصابون بفقر الدم بسبب عوز الحديد الغذائي. في معظم بلدان إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، يبلغ انتشار العوز ما بين 40 و50%. نحو 250 مليون شخصٍ ليس لديهم ما يكفي من فيتامين إيه A، مما قد يؤدي إلى العمى وضعف المناعة. ويعاني عوزَ اليود نحو بليوني شخصٍ. وعوزه يرفع معدل وفيات الرضع ويمكن أن يؤدي إلى التَقَزُّم والدُراقٌ. ويؤثر عوز الزنك، الذي يسبب آفات الجلد وتساقط الشعر، في 17% على الأقل من سكان العالم. ومع ذلك، فإن تدابير مثل توفيرِ مكملات الفيتامينات والمعادن، وتدعيمِ الزيوتِ والدهون بفيتامين إيه، والدقيقِ بالحديد، والملحِ باليود غيرُ مكلفةٍ وعاليةُ الفعالية. ربما يكون القضاء على عوز المغذيات الدقيقة هو التطور الأكثر فائدةً الذي يمكننا تحقيقه على الفور: التلقيح في مرحلة الطفولة هو الوحيد الذي يحقق عائداً أكبر بالنسبة إلى الاستثمار المتواضع نسبياً.

تثبيتُ نوافذ أفضل

إنّ تخفيض الطلب على الطاقة أفضلُ طريقةٍ لتقليل بصمة البشرية الكربونية من دون أي اختراعاتٍ جديدةٍ. إحدى الطرق الجليّة لتحقيق ذلك هي تخفيض الكمية التي نهدرها. في البلدان ذات الدخل المرتفع، تشكل المباني ما بين 35 و40% من إجمالي الطلب على الطاقة – والنوافذ هي أقل عناصرها كفاءةً. فالضياع الحراري في الزجاج المزدوج أقل بنسبة 50% من الزجاج الأحادي، ويقلّلُ الزجاج الثلاثي الضياع بنسبة 50% أخرى. تقلّلُ طلاءاتٌ خاصةٌ على الزجاج وملءُ الفراغات بين الألواح بالأرغون Argon العازلِ الخسارةَ الإجمالية بنحو 85% مقارنةً بالزجاج أحادي اللوح. إن تبديل النوافذ ليس رخيصاً، لكن يمكن تطبيق هذا الإصلاح التقني على بلايين النوافذ في معظم أنحاء العالم. وسيكون أيضاً ذا فوائد لعقودٍ طويلةٍ: إذ عادةً ما يكون عمر المباني أطول من السيارات (عمرها نحو 12 عاماً) والعمليات الصناعية (عادةً من 20 إلى 30 عاماً). إنّها لفرصةٌ هائلةٌ لتقليل استهلاك الطاقة وتوفير المال وإزالة الكربون في الوقت نفسه.

تعظيم عملية إعادة التدوير

نحن نستخدم كمياتٍ هائلةً من الطاقة والمواد الخام لإنتاج مجموعةٍ متزايدةٍ من العناصر، لكننا ما زلنا نعيد تدوير جزءٍ بسيط مما هو مربحٌ – وحتى أقل من ذلك مما هو مرغوبٌ فيه حين تُؤخذُ جميع التكاليف البيئية في الاعتبار. معدلات إعادة تدوير البلاستيك منخفضةٌ بصورةٍ خاصةٍ – 9% فقط – ينتهي المطاف بنصفه في مدفن النفايات. ويُعادُ تدوير أقل من 20% من النفايات الإلكترونية، مع أنّ ما تحتوي عليه من ذهبٍ وفضةٍ ونحاسٍ ومعادن أرضيةٍ نادرةٍ أكثر مما تحتوي عليه أي خامة معدنيةٍ معروفةٍ. لا يُعادُ تدوير إلا نحو 60% من الورق. على الصعيد العالمي، يُعاد تدوير نحو ثلاثة أرباع الألمنيوم، لكن المعدلات الوطنية يمكن أن تكون أقل بكثيرٍ: إذ تبلغ 50% في الولايات المتحدة. إن فوائد إعادة التدوير معروفةٌ بصورةٍ واسعةٍ، والحلول التقنية متاحةٌ والفرص كثيرةٌ. ليس لنا عذر. يجب أن ننجز ما هو أفضل.

* المصدر: مجلة العلوم

https://oloom.aspdkw.com/

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي