أول حصاد لتلسكوب جيمس ويب الفضائي
خمس صور ملونة بالكامل وبيانات غير مسبوقة تكشف لنا أسرار الكون.. وهذه مجرد بداية!
موقع للعلم
2022-07-14 05:46
بقلم سمر أشرف
في الخامس والعشرين من ديسمبر الماضي أطلقت وكالة ناسا الفضائية تلسكوب جيمس ويب الفضائي، في حدث خطف أنظار العالم وأنفاسه، وبعد انتظار طويل وتأجيل لعدة سنوات أطلقت "ناسا" أكبر وأقوى تلسكوب فضائي تم بناؤه وتطويره على الإطلاق بتقنيات لم تكن متوافرةً من قبل، وفي الرابع والعشرين من يناير الماضي وصل التلسكوب إلى وجهته النهائية في السماء مصحوبًا بآمال وتوقعات عالية بأنه سيُحدث ثورةً في دراسة الكون، وأنه سيمكِّننا من النظر في ما حدث بعد الانفجار العظيم وتاريخ نشأة الكون.
وبتاريخ أمس "الإثنين"، 11 يوليو 2022، بزغ فجر حقبة جديدة في علم الفلك، عندما كشف الرئيس الأمريكي جو بايدن عن أولى الصور التي التقطها مرصد جيمس ويب الفضائي، فيما وُصف بأنه "أعمق صورة فلكية للكون البعيد"؛ إذ تُظهر أقدم ضوء موثق في تاريخ الكون، من أكثر من 13.5 مليار سنة ضوئية، أما اليوم "الثلاثاء"، 12 يوليو، فقد كشفت وكالة "ناسا" عن أربع صور أخرى مُذهلة ترصد الكون المبكر، وتطور المجرات والنجوم، والكواكب خارج النظام الشمسي، وتنشر مجلة "للعلم" خمس صور ملونة بالكامل وبيانات التحليل الطيفي.
الصورة الأولى.. أعمق وأدق صورة فلكية للكون البعيد
تمثل الصورة الأولى أعمق وأدق صورة بالأشعة تحت الحمراء للكون البعيد حتى الآن، وهذه الصورة لعنقود المجرات SMACS 0723 المعروفة باسم "الحقل العميق"، وهي تفيض بالتفاصيل وتُظهر آلاف المجرات، متضمنةً أضعف الأجسام التي لوحظت في الأشعة تحت الحمراء من قبل.
وتغطي هذه القطعة من الكون الشاسع رقعة من السماء بحجم حبة الرمل، وسيتم الكشف عن المزيد حول هذه المجموعة عندما يبدأ الباحثون في تحليل البيانات القادمة من التلسكوب، وتم تصوير هذا المجال أيضًا بواسطة كاميرا ميري (MIRI)، وهي كاميرا للتصوير الفلكي للأشعة تحت الحمراء المتوسطة.
عن هذه الصورة تقول جين ريجبي -عالِمة مشروع العمليات الخاص بتلسكوب جيمس ويب الفضائي- عبر البث التلفزيوني الذي أجرته ناسا وتابعته مجلة "للعلم": "إن هذه الصورة تعج بالمجرات، لا يمكننا التقاط صور فارغة، أينما ننظر ستجد مجرات في كل مكان".
الصورة الثانية.. البصمة الكيميائية لكوكب خارج المجموعة الشمسية
في الصورة الثانية، نرى التحليل الطيفي للغلاف الجوي المشبع ببخار الماء لكوكب WASP-96 b، وهو واحد من أكثر من 5000 كوكب خارجي مؤكد في مجرة درب التبانة، ويقع على بُعد حوالي 1150 سنة ضوئية ويدور حول نجم يشبه الشمس، التقط التلسكوب أدلةً على وجود سحب وضباب في الغلاف الجوي المحيط بهذا الكوكب الغازي العملاق.
وتكشف البيانات عن وجود جزيئات غازية محددة بناءً على انخفاضات طفيفة في سطوع الضوء الصادر من النجم عند مرور الكوكب من أمامه، وتمثل قدرتنا على الوصول إلى مثل هذه البيانات في وقت قصير قفزةً عملاقةً إلى الأمام في رحلة تحديد خصائص الكواكب الخارجية التي يُحتمل أن تكون صالحةً للحياة.
تقول نيكول كولون، عالِمة الفيزياء الفلكية في مركز جودارد لرحلات الفضاء التابع لناسا في ماريلاند، وخبيرة الكواكب الخارجية: لقد تمكنَّا من استخدام تلسكوبات أخرى لاستكشاف الغلاف الجوي للكواكب الخارجية في الأشعة تحت الحمراء، ولكن ليس بهذا القدر من التفاصيل.
الصورة الثالثة.. احتضار نجم
وكشفت الصورة الثالثة التي التقطها تلسكوب جيمس ويب الفضائي عن تفاصيل السديم الكوكبي الدائري الجنوبي الذي كان مخفيًّا في السابق عن علماء الفلك، والذي يبعد عنَّا بمقدار حوالي 2500 سنة ضوئية، والسُّدُم الكوكبية هي الطبقات الخارجية من الغازات والغبار المنبعثة من النجوم في المراحل الأخيرة من دورة حياتها، وتساعد مشاهدة تفاصيل المراحل المتأخرة من حياة النجم على فهم كيفية تطوُّر النجوم بشكل أفضل.
وتكشف هذه الصورة عن العديد من المجرات المخبأة بعيدًا في الخلفية المظلمة، معظم نقاط الضوء متعددة الألوان التي نراها هنا هي في الحقيقة مجرات، وليست نجومًا.
الصورة الرابعة.. خماسية ستيفان
أما الصورة الرابعة فهي صورة مذهلة؛ إذ يكشف تلسكوب جيمس ويب عن تفاصيل غير مسبوقة حول خمس مجرات متقاربة يُطلَق عليها "خماسية ستيفان"، وتقع على بُعد 290 مليون سنة ضوئية، مراقبة هذه الخماسية عن قُرب ستمكِّن العلماء من فهم عمليات الاندماج والتفاعلات بين المجرات، إذ إن اثنتين من المجرات الخمس هي في طور الاندماج، وتُظهر الصورة تفاصيلَ نادرةً حول تكوين النجوم نتيجةً لتفاعُل المجرات، كما تُظهر الصورة بالتفصيل التدفقات الخارجة التي يسببها ثقب أسود نشط بداخل إحدى هذه المجرات.
ووصفت جيوفانا جياردينو -عالِمة الفلك في وكالة الفضاء الأوروبية- صورة "خماسية ستيفان" بأنها "تكشف عن نوعٍ من الرقص الكوني المدفوع بقوة الجاذبية، وتُظهر نوع التفاعل الذي يؤدي إلى تطور المجرات".
الصورة الخامسة.. المنحدرات الكونية
تُظهر الصورة الخامسة أحد أكثر المناظر الطبيعية جمالًا التي يمكن تصويرها كجبال ووديان مليئة بالنجوم المتلألئة، وهي في الواقع حافة منطقة تَشكُّل نجوم قريبة تسمى NGC 3324 في سديم كارينا، يقع سديم كارينا على بُعد 7600 سنة ضوئية، ويُعتبر حضانةً للنجوم الناشئة.
والتُقطت هذه الصورة في ضوء الأشعة تحت الحمراء، وتكشف لأول مرة مناطق غير مرئية من قبلُ لولادة النجوم، وتُظهر الصورة قدرات كاميرات تلسكوب جيمس ويب على النظر عبر الغبار الكوني، مما يُلقي الضوء على كيفية تشكُّل النجوم، والتي كان من الصعب رصدُها فيما سبق.
في البث المباشر قالت أمبر ستراون، عالِمة الفيزياء الفلكية في مركز جودارد لرحلات الفضاء التابع لناسا في ماريلاند: "البيانات التي يوفرها التلسكوب غنية جدًّا، كل نقطة مضيئة نراها في الصورة هي في الحقيقة نجم فردي"، وتضيف: "نحن متصلون بهذا الكون بشكل كبير، شمسنا وكواكبنا وأنفسنا تشكلت من المكونات نفسها التي كوَّنت ما نراه الآن".
في نهاية البث المباشر وصف بيل نيلسون -مدير وكالة ناسا- "التلسكوب" بأنه "يمثل أفضل ما في وكالة ناسا"، مضيفًا: النجاح المذهل لفريق ويب هو انعكاسٌ لما تعمله وكالة ناسا بشكل أفضل، ونأخذ الأحلام ونحولها إلى حقيقة لصالح البشرية، لا أطيق الانتظار لرؤية الاكتشافات التي نكشف عنها؛ فهذه مجرد بداية.
ويقتبس "نيلسون" قول عالِم الفلك الشهير "كارل ساجان" قائلًا: في مكانٍ ما، هناك شيءٌ لا يصدق في انتظار أن يُعرف.