آسيا تؤوي عشرات الخفافيش الممرِضة المجهولة على الأرجح
دورية Nature
2022-05-21 06:22
بقلم: سمريتي مالاباتي
يشيرُ تحليلٌ جيني إلى أنّه توجد على الأرجح عشراتُ الأنواع غير المعروفةِ من خفافيش حدوة الفرس Rhinolophidae في جنوب شرق آسيا، وتُعدّ هذه الخفافيشُ مستودعًا لعديدٍ من الفيروسات حيوانية المنشأ؛ أي التي تنتقلُ من الحيوانات إلى البشر، بما في ذلك الفيروسات وثيقة القرابة بتلك المسببة لـ«المتلازمة التنفسية الحادةِ الوخيمةِ»، و«كوفيد-19». لذا، قد يساعد التعرُّف بدقة على أنواع الخفافيش في تحديدِ البؤر الجغرافية المعرَّضة بدرجة كبيرة لاندلاع الأمراض حيوانية المنشأ فيها، على حد قول شي جينجلي، وهي عالمةُ فيروساتٍ من معهد ووهان لعلم الفيروسات في الصين، والتي أردفتْ تعقيبًا على ذلك: "من المهم إجراء دراسة كهذه التي نجريها".
نُشِرَتْ نتائج هذه الدراسة في دورية «فرونتيرز إن إيكولوجي آند إيفولوشين» Frontiers in Ecology and Evolution في التاسع والعشرين من مارس الماضي.
وفي هذا السياق، تقول أليس هيوز، وهي عالمةُ متخصِّصة في الحفاظ على التنوُّع البيولوجي من جامعة هونج كونج، شاركتْ في وضع الدراسة، إنّ تصنيف أنواع الخفافيش غير المعروفة تصنيفًا أفضل يمكن أن يدعمَ أيضًا البحثَ عن أصول «سارس-كوف-2» SARS-CoV-2، بتضييق نطاقِ أماكن البحث عن الخفافيش التي قد تؤوي فيروسات وثيقة القرابة لهذا المُمْرِض. وقد عُثِرَ على أوثق الفيروسات قرابة لـ«لسارس-كوف-2» في خفافيش حدوة الفرس الوسطي Rhinolophus affinis في مقاطعة يونان، جنوب غرب الصين2، وفي ثلاثةِ أنواع من خفافيش حدوة الفرس في لاوس3.
أنواع غامضة
أرادت هيوز التعرٌّف بشكل أفضل إلى تنوُّع الخفافيش جنوب شرق آسيا، وأن تجد طرقًا معياريّةً لتصنيفها. من هنا، أسَرَتْ هي وفريقها البحثي خفافيشَ من جنوب الصين، وجنوب شرق آسيا، بين عامي 2015 و2020. وأجروا قياساتٍ والتقطوا صورًا لأجنحة الخفافيش وزوائدها الأنفية الشبيهة بأوراق الأشجار، وهي، على حد وصف هيوز "مجموعةٌ غريبة من الأنسجة حول أنوفها". وسجّلوا نداءاتها التي تستعملها لتحديد الموقع بالصدى. كما جمعوا أجزاء صغيرةً من الأنسجة من أجنحة الخفافيش لاستخراج البيانات الجينية لهذه الحيوانات.
ولوضع خريطة لتنوّع الخفافيش الجيني، استعان الفريق بتسلسل الحمض النووي الميتوكوندري من 205 من الخفافيش التي أسروها، و655 تسلسلًا آخر من قواعد بياناتٍ الحمض النووي على الإنترنت. وهي بيانات مثَّلت إجمالًا 11 نوعًا من خفافيش حدوة الفرس. وكقاعدة عامة، كلما زاد الاختلاف بين جينومي اثنين من الخفافيش، زاد احتمال أن يكون الحيوانان من مجموعتين مختلفتين جينيًا، ومن ثمّ، من نوعين مختلفين.
ووجد الباحثون على امتداد العينات التي جمعوها أن كلًا من الأنواع الأحد عشر ربما كان ينقسم في الواقع إلى أنواع متعددةً، وربما تَضَمَّنَ عشرات الأنواع الخفية. والأنواع الخفية أو "الغامضة" هي حيواناتٌ يبدو أنها تنتمي إلى النوع نفسه، ولكنها في الواقع مختلفةٌ جينيًا. على سبيل المثال، يشير التنوع الجيني لخفاش حدوة الفرس الصيني الأصهب Rhinolophus sinicus إلى أن مجموعته قد تكون مُؤلَّفةً من ستة أنواعٍ منفصلةٍ. وإجمالًا، قدَّر الفريق أن نحو 40% من الأنواع في آسيا لم تُوصَّف رسميًا.
بخصوص ذلك، تقول نانسي سيمونز، وهي أمينةٌ في المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي بمدينة نيويورك: "إنّه لرقمٌ كفيلٌ بأن يدفعنا إلى التفكير في خطورة الموقف، لكنه لا يُشكِّل مفاجأة مهولة". وأضافت قائلة إن خفافيش حدوة الفرس تُشكِّل مجموعةٌ معقدةٌ، وأنه لم يتوافر سوى عيناتٍ محدودةٍ من هذه الحيوانات.
ومع ذلك، فإن الاعتماد على الحمض النووي الميتوكوندري قد يعني أن عدد الأنواع الخفيّة مغالى فيه. وترى سيمونز أن السبب في ذلك أن الحمض النووي الميتوكوندري لا يورَثُ إلا من الأم، لذلك قد يفتقر إلى معلومات جينية مهمة. إلا أن سيمونز تستدرك قائلة إنّ الدراسة يمكن أن تُسفِر عن عددٍ كبيرٍ من الأبحاث لتحديد الأنواع الجديدةٍ من الخفافيش في المنطقة.
أدلةٌ أخرى
أيضًا يقول تشارلز فرانسيس، وهو عالم بيولوجيا من منظمة «خدمة الحياة البرية الكندية» Canadian Wildlife Service، التابعة لمنظمة «البيئة والتغيّر المُناخي في كندا» Environment and Climate Change Canada، في أوتاوا، والذي يدرس الخفافيش في المنطقة، إنّ هذه النتائج تؤكّدُ نتائج أبحاث جينيةً أخرى تُشير إلى وجود عديدٍ من الأنواع الخفيّة جنوب شرق آسيا، لكنه يفيد بأنّ التقديرات تستندُ إلى عددٍ صغيرٍ من العيِّنات.
استخدم فريق هيوز بيانات مورفولوجية وصوتية لإجراء دراسة أكثر تفصيلًا، تناولت 190 من الخفافيش الموجودة جنوب الصين وفيتنام، ووجدوا أنّ الدراسة تدعم اكتشافَهم لوجود عديد من الأنواع التي لم يجر التعرُّف عليها في تلك المناطق. وتقول سيمونز إنّ الدراسة تدعم بقوة "استخدام خيوط متعددةٍ من الأدلة عند توصيف الأنواعِ".
وصرَّحت هيوز بأن فريقها اكتشفَ أيضًا أن سديلة الأنسجة الموجودة فوق فتحات أنف الخفافيش مباشرةً، والتي يُطلَقُ عليها اسم السرج، يمكن استخدامها لتصنيف الأنواع دون الحاجة إلى بياناتٍ جينيةٍ. من هنا، يقول جابور جوربا، وهو عالم متخصّص في التصنيف الأحيائي من المتحف المجري للتاريخ الطبيعي في بودابست، إن هذا يعني أنّه يمكن تصنيف الأنواع الخفيّة دون إجراء دراساتٍ مورفولوجيةٍ تستخدم أساليب جائرة أو تحليلات حمض نووي باهظة الثمن.