بطاريات المستقبل
يمكن أن تبقي الأجهزة الذكية مشحونة لآلاف السنين
بي بي سي عربي
2020-07-30 02:40
أصبحت وحدات تخزين الطاقة التي يمكن شحنها من الكهرباء ثم تنفد الطاقة منها ببطء على مدار اليوم، القلب النابض للأجهزة المحمولة المعاصرة.
وقد شكلت بطاريات الليثيوم أيون طفرة في حلول تخزين الطاقة والتنقل بها من مكان لآخر، ومهدت لثورة في الأجهزة الإلكترونية التي نستخدمها اليوم.
وكانت شركة "سوني" هي أول من طرح بطاريات الليثيوم أيون للاستخدام التجاري في عام 1991 عندما كانت الشركة تبحث عن حلول لإطالة عمر بطارياتها المستخدمة في كاميرات الفيديو. وتستخدم الآن بطاريات الليثيوم أيون لتوفير الطاقة للكثير من الأجهزة الإلكترونية الحديثة، من الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمول وحتى فرش الأسنان الكهربائية والمكانس الكهربائية المحمولة.
وحاز العام الماضي ثلاثة علماء كانوا وراء هذا الاختراع الثوري على جائزة نوبل للكيمياء.
ومن المتوقع أن نزداد اعتمادا على هذه البطاريات، إذ تستخدم بطاريات الليثيوم أيون في المركبات الكهربائية كبديل للوقود الأحفوري. وفي وقت زادت فيه حصة مصادر الطاقة المتجددة في إمدادات الكهرباء حول العالم، من المرجح أننا سنحتاج لإنتاج كميات هائلة من البطاريات لاختزان الطاقة الكهربائية الفائضة لتعويض نقص الطاقة في الأوقات التي لا تهب فيها الرياح أو لا تسطع فيها الشمس.
ويباع في الوقت الحالي أكثر من سبعة مليارات بطارية ليثيوم أيون حول العالم، ومن المتوقع أن يزيد هذا العدد إلى أكثر من 15 مليار بطارية بحلول 2027.
لكن بطاريات الليثيوم أيون لا تخلو من العيوب، إذ تقل قدرتها على الاحتفاظ بالطاقة وتخزينها لفترات طويلة مع تكرار الشحن، ويتدنى أداؤها عندما يكون الطقس فائق الحرارة أو فائق البرودة.
وأثيرت مخاوف أيضا حول أمان هذه البطاريات وتأثيرها على البيئة. فقد تحترق بطاريات الليثيوم أيون أو تنفجر في ظروف معينة، كما أن استخراج المعادن المستخدمة في تصنيعها قد يُسبب أضرارا جسيمة بالبيئة والمجتمعات.
وقد دفع ذلك علماء حول العالم لتطوير أنواع جديدة من البطاريات تتلافى هذه العيوب. ولجأ بعضهم لتسخير طائفة من المواد الجديدة، بدءا من الألماس ووصولا إلى نوع من الفاكهة له رائحة لا تطاق، على أمل العثور على حلول جديدة لتوفير الطاقة للأجهزة الإلكترونية مستقبلا.
وتعمل بطاريات ليثيوم أيون عن طريق السماح لأيونات الليثيوم المشحونة بنقل الكهرباء من طرف لآخر عبر محلول سائل موصل للتيار الكهربائي يعرف باسم "الكتروليت". وقد جذبت بطاريات الليثيوم أيون الأنظار إليها بسبب "كثافة الطاقة العالية"، أي الطاقة القصوى التي تحتزنها البطارية مقارنة بحجمها، وتمتاز بطاريات الليثيوم أيون بأنها ذات كثافة طاقة وفرق جهد أعلى مقارنة بالبطاريات المتوفرة في الأسواق.
وتتكون البطاريات من ثلاثة عناصر رئيسية، القطب السالب والقطب الموجب وبينهما محلول كهربائي. ويتبادل القطبان الأدوار فقد يصبح الأنود (المصعد) هو القطب الموجب والكاثود (المهبط) هو القطب السالب أثناء عملية الشحن، والعكس أثناء عملية تفريغ الشحن.
ويصنّع الكاثود في بطاريات الليثيوم أيون من أحد الأكاسيد المعدنية مع أحد المعادن. وعند الشحن، تنتقل أيونات الليثيوم والإلكترونات من الكاثود إلى الأنود، حيث تختزن في صورة طاقة كهروكيميائية، بفعل سلسلة من التفاعلات الكيميائية في المحلول الكهربائي، تحركها الطاقة الكهربائية التي تتدفق من دائرة الشحن.
وعندما تستخدم البطارية، تتدفق أيونات الليثيوم في الاتجاه المعاكس أي من الأنود إلى الكاثود عبر المحلول الكهربائي، بينما تتدفق الإلكترونات عبر الدائرة الكهربائية للجهاز الذي تمده البطارية بالطاقة.
وقد تغيرت على مدى سنوات المواد التي تصنع منها الكاثود والأنود، مما أسهم في تحسين سعة بطاريات الليثيوم أيون وكثافة الطاقة، وانخفضت تكلفة البطاريات كثيرا مقارنة بالماضي.
ويتطلع مورو باستا، عالم مواد بجامعة أوكسفورد والمشرف على المرحلة الثانية لبطاريات الليثيوم أيون في مؤسسة فاراداي، إلى تحسين كثافة الطاقة ببطاريات الليثيوم أيون وزيادة كفاءتها لتفادي انخفاضها مع تكرار الشحن.
ولهذا يركز باستا على استبدال المحلول الكهربائي السائل القابل للاشتعال في بطاريات الليثيوم أيون بمادة صلبة مصنوعة من الخزف. إذ يسهم استخدام المادة الصلبة في الحد من مخاطر اشتعال المحلول المائي في حالة حدوث ماس كهربائي، كما حدث في عام 2017، حين سحبت سامسونغ 2.5 مليون جهاز "غالاكسي نوت 7" بعد حوادث اشتعال في البطاريات.
وقد تسهم البطاريات الصلبة في درء مخاطر الاحتراق مستقبلا، إذ اكتشف أن المحلول الكهربائي المصنوع من هلام البوليمر المستخدم في معظم الأجهزة الإلكترونية المحمولة قابل للاشتعال أيضا.
وتتيح البطارية الصلبة استخدام معدن الليثوم بدلا من الغرافيت المستخدم في تصنيع الأنود، مما يسهم في زيادة كمية الطاقة التي تختزنها البطارية بشكل كبير. وسيؤثر ذلك على كفاءة السيارات الكهربائية.
إذ تحتوي كل سيارة كهربائية الآن على ما يعادل ألف بطارية من البطاريات المستخدمة في هواتف "آيفون"، وسيسهم استخدام البطاريات الصلبة في السيارات الكهربائية في إطالة الرحلات التي تقطعها هذه السيارات قبل أن ينفد الشحن.
وسيرتفع الطلب على البطاريات في السنوات المقبلة تزامنا مع التحول نحو وسائل النقل الكهربائية وتغلغل الأجهزة الإلكترونية المحمولة في جميع جوانب حياتنا، ولهذا ربما بات البحث عن بدائل لليثيوم ضروريا لتخفيف تداعياته على البيئة.
وتستحوذ منطقة "مثلث الليثيوم"، التي تتضمن أجزاء من الأرجنتين وبوليفيا وتشيلي، على أكثر من نصف الاحتياطي العالمي لهذا المعدن. لكن استخراجه من المسطحات الملحية يتطلب كميات هائلة من الماء لتنقية الأملاح الغنية بالليثيوم وترشيحها للحصول على ملح الليثيوم النقي. وفي تشيلي يستخدم مليون لتر من الماء لإنتاج 900 كليوغرام من الليثيوم.
وحذرت الهيئات البيئية في تشيلي من أن كميات المياه المستخدمة في استخراج المعادن، خاصة الليثيوم والنحاس في المنطقة، تفوق معدلات تعويضها بمياه الأمطار والجليد.
ويعمل الباحثون في معهد كارلسروه للتكنولوجيا على تطوير بطاريات باستخدام عناصر مختلفة لتصنيع الأنود، مثل الكالسيوم أو المغنسيوم. إذ يعد الكالسيوم خامس أكثر العناصر الكيميائية وفرة في القشرة الأرضية، لكن الأبحاث لتحسين أداء البطاريات باستخدام الكالسيوم لا تزال في بداياتها.
وأظهرت أبحاث استخدام المغنسيوم في البطاريات نتائج واعدة حتى الآن، لا سيما من حيث كثافة الطاقة، وثمة خطط لطرحها للاستخدام التجاري مستقبلا.
وبحث البعض عن مواد لا تحتاج لعمليات استخراج، مثل الخشب. إذ طور ليانغبينغ هو، مدير مركز ابتكار المواد بجامعة ميريلاند، مؤخرا بطارية باستخدام أجزاء مسامية من الخشب لتصنيع الأقطاب الكهربائية، التي تتفاعل فيها الأيونات المعدنية لتوليد شحنات كهربائية.
وتستند هذه البطاريات إلى أبحاث امتدت لسنوات عن قدرات الخشب على اختزان الطاقة، بما فيها بحث عن تغليف ألياف سليولوز الخشب بالقصدير. ولأن الخشب يتمتع بقدرة طبيعية على امتصاص المغذيات، فإن هذه الأقطاب الكهربائية ستختزن الأيونات المعدنية، ولن تتعرض للانتفاخ أو الانكماش كما هو حال أقطاب بطاريات الليثيوم أيون.
لكن البطاريات التي تتضمن ألياف الخشب والقصدير لا تزال قيد البحث، ويتطلع فريق ليانغبينغ إلى استخدامها لشحن أجهزة الكمبيوتر المحمول مستقبلا.
وتفقد هذه البطاريات قدرتها على الاحتفاظ بالشحنة الكهربائية بسرعة نسبيا، إذ احتفظ النموذج الأولي من هذه البطاريات بنحو 61 في المئة فقط من سعة التخزين بعد 100 دورة إعادة شحن.
وينتشر أيضا استخدام الكوبالت في البطاريات الحديثة، ويوجد في معظم البطاريات مع الليثيوم في الكاثود. ويتسبب استخراج الكوبالت في إطلاق غازات سامة تؤذي المجتمعات التي تعيش بالقرب من المناجم، بالإضافة إلى تبعاته السلبية على البيئة. وكشفت تقارير عن استخدام الأطفال كعمال في مناجم الكوبالت، خاصة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي تحتضن نصف مناجم الكوبالت في العالم.
ورفعت دعاوى قضائية ضد شركات أبل وتيسلا ومايكروسوفت مؤخرا بسبب وفيات ناتجة عن التنقيب عن الكوبالت.
وقد دفع ذلك جودي لوتكينهاوز، المهندسة الكيميائية بجامعة تكساس إيه أند إم، لتطوير بدائل لبطاريات الليثيوم أيون، باستخدام البروتينات، وهي الجزيئات المعقدة التي تنتجها وتستخدمها الكائنات الحية. إذ يصنع عادة الأنود من الغرافيت، والكاثود من الأكاسيد المعدنية التي تحتوي على عناصر مثل الكوبالت. وترى لوتكينهاوز أنه من الممكن الاستعاضة عن هذه المعادن بالمواد العضوية.
وتعالج هذه البطاريات التي تعتمد على مواد عضوية مشكلة بيئية أخرى، ففي حالة التخلص من بطاريات الليثيوم أيون في مكبات النفايات، قد تتسرب المعادن والمحاليل الكهربائية منها إلى البيئة وتسبب أضرارا مضاعفة. وتشير التقديرات إلى أن خمسة في المئة فقط من بطاريات الليثيوم أيون المستخدمة في الهواتف الذكية التي تباع سنويا يعاد تدويرها.
طاقة من الفاكهة
وتبحث مجموعة من الباحثين عن طرق جديدة لتوفير الطاقة للأجهزة المحمولة مع معالجة مشكلة النفايات الغذائية. إذ يحول فينسنت غومز، المهندس الكيميائي بجامعة سيدني وفريقه، مخلفات فاكهة الدوريان كريهة الرائحة، وفاكهة الجاك فروت (الكاكايا)، أكبر فاكهة في العالم، إلى مكثفات فائقة قادرة على شحن الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر اللوحية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة في دقائق. إذ تعد المكثفات فائقة السعة وسيلة بديلة لتخزين الطاقة.
وتصنع المكثقات الفائقة عادة من مواد باهظة كالغرافين، لكن فريق غومز يحول فضلات فاكهة الدوريان والجاك فروت إلى هلام هوائي كربوني- وهي مواد صلبة مسامية تتميز بخفتها الفائقة- يتمتع بخواص تخزين طبيعية استثنائية للطاقة.
ويسخن الفريق اللب الاسفنجي الذي لا يؤكل من تلك الفاكهة ويجففونه بالتجميد ثم يضعونه في فرن عند درجة حرارة تتجاوز 1,500 درحة مئوية، ثم يشكل الفريق المنتج الأسود الخفيف المسامي إلى أقطاب كهربائية لمكثفات فائقة منخفضة التكلفة.
ويمكن شحن المكثفات الفائقة في 30 ثانية فقط، وقد تستخدم لتوفير الطاقة لعدة أجهزة، مثل الهواتف المحمولة. ويأمل الفريق أن تستخدم هذه المكثفات الفائقة لاختزان الكهرباء المولدة من مصادر متجددة لتوفير الطاقة للمركبات والمنازل.
وقبل اكتشاف هذه الاستخدامات الجديدة لفاكهة الدوريان، تصدرت فضلات هذه الفاكهة كريهة الرائحة عناوين الأخبار، إذ يلقى أكثر من 70 في المئة من فاكهة الدوريان في النفايات. وأدت رائحة نفاياتها المنفرة إلى تعطيل إقلاع طائرة في إندونيسيا، وإخلاء مكتبة في جامعة كانبيرا العام الماضي.
وأجرى ميخائيل أستاخوف، عالم كيمياء فيزيائية بالجامعة الوطنية للعلوم والتكنولوجيا في موسكو، أبحاثا لتحويل عشبة الخنزير، وهو عشب يحتوي على عصارة سامة قد تسبب حروقا وبثورا على جلد البشر، إلى مادة خام لتصنيع المكثفات الفائقة القادرة على شحن الهاتف.
بطاريات للأبد
ويعكف باحثون آخرون على معالجة مشاكل أخرى في بطاريات الليثيوم أيون، بخلاف تبعاتها البيئية. إذ يرى توم سكوت، عالم المواد بجامعة بريستول، أن بطاريات الليثيوم أيون سيحل محلها وسائل جديدة لتخزين الطاقة في الكثير من الاستخدامات المعاصرة، وخاصة في البيئات المتطرفة، على مدى القرن القادم.
وطور سكوت وفريقه بطاريات مصنوعة من الألماس. إذ قام الفريق بتطوير ألماس اصطناعي يحتوي على النظير كربون-14 المشع، للحصول على بطاريات تستمد الطاقة من النظائر المشعة، لكي تنتج تيارا متواصلا وتدوم لآلاف السنوات.
فعندما تتحلل النظائر المشعة الموجودة داخل بلورات الألماس تطلق إلكترونات عالية الطاقة. وقد تُسخر هذه الإلكترونات المتدفقة لإنتاج تيار كهربائي. ويقول الباحثون إن النشاط الإشعاعي خارج البطارية يظل عند مستويات آمنة.
وطور الفريق نموذجا أوليا من "بطارية الألماس"، باستخدام ألماس اصطناعي، وعرّضه الباحثون للإشعاعات الناتجة عن نظير النيكل-63، حتى تتدفق الإلكترونات عبر الألماس. ويعمل الباحثون على تطوير نوع من بطاريات الألماس باستخدام نظير الكربون-14 المستخرج من كتل الغرافيت التي استخدمت في محطات الطاقة النووية.
ويأمل سكوت وزملاؤه أن توفر هذه البطاريات حلا لمشكلة النفايات النووية بعد خروج محطات الطاقة النووية من الخدمة، وذلك بتحويلها إلى بطاريات طويلة الأمد.
وبينما يضعف أداء البطاريات الكيميائية مثل بطاريات الليثيوم أيون عند درجات الحرارة المرتفعة، فإن بطاريات الألماس تعمل بكفاءة في البيئات الأكثر قسوة، حيث يصعب استبدال البطاريات المستعملة، كما في الفضاء أو في قاع المحيط أو على قمم البراكين. وقد تمثل حلا مثاليا للأقمار الصناعية وأجهزة الاستشعار الآلية، حتى لا تتوقف عن العمل.
ويقول سكوت إن هذه البطاريات صغيرة للغاية. وطور الباحثون بطاريات ألماس تولد جهدا كهربائيا قدره 1.8 فولت، مثل البطاريات الصغيرة التقليدية، وهذه البطاريات قابلة للشحن، لكن سكوت يقول إن شحنها يتطلب وضعها لبضع ساعات داخل قلب المفاعل لتصل إلى الكفاءة الأصلية.
وبفضل التيار المتواصل المتولد عن تحلل المادة المشعة، تنتج هذه البطاريات الكهرباء لآلاف السنوات، إذ يبلغ عمر النصف لعنصر الكربون (أي عندما تنخفض شدته الإشعاعية إلى النصف) 5,730 سنة.
ولن تكون هذه البطاريات باهظة الثمن أيضا، رغم أنها مصنوعة من الألماس. ويتوقع سكوت أن تنتشر بطاريات الألماس ذات العمر الطويل للغاية في منازلنا، ربما في أجهزة إنذار الحرائق أو أجهزة التحكم عن بعد أو في الأجهزة الطبية، مثل أجهزة ضبط نبضات القلب أو المساعدة السمعية خلال العقد أو العقدين القادمين.
وربما لا نحتاج لاستبدال البطاريات التالفة في جهاز إنذار الحريق في جنح الظلام مرة أخرى.