الأطفال والحروب: هل ضاعت طفولة هذه الدول العربية؟
عبد الامير رويح
2017-01-04 07:40
الحرب والصراعات المتفاقمة في العديد من دول العالم، كانت ولا تزال سببا في تزايد معاناة الملايين من الأطفال، الذين يعيشون اليوم حالة من الخوف والتشرد والضياع، ويعد الأطفال كما تنقل بعض المصادر، الضحايا الأكثر ضعفًا في الصراعات والحروب، وهناك ما يفوق الـ 250 مليون طفل يعيشون في بلاد متأثرة بالصراع حسب تقدير اليونيسيف. كما نقلت بعض الإحصاءات السابقة إن حروب العالم قتلت مليون طفل ويتمت مثلهم، وأصابت 4.5 مليون بالإعاقة، وشردت 12 مليون وعرَّضت 10 ملايين للاكتئاب والصدمات النفسية، الجزء الأكبر من هذه الأرقام يقع في بلدان العرب والمسلمين، وكثيرًا ما يتم تجنيد الأولاد والبنات ضمن الجماعات المسلحة أو العصابات الإجرامية كمقاتلين أو كمصادر استخباراتية، ويواجهون خطر الاستغلال أو الاتجار الجنسي. ووفقًا لليونيسيف يوجد 7 ملايين طفل تركوا مدارسهم في دول الصراع.
ويركز علماء النفس والتربويون على الصدمة كأكثر الآثار السلبية للحروب انتشارًا بين الأطفال، فغالبًا ما يصاحب الصدمة خوف مزمن (فوبيا) من الأحداث والأشخاص والأشياء التي ترافق وجودها مع الحرب مثل صفارات الإنذار.. وصوت الطائرات .. الجنود.. إلخ؛ يقابلها الطفل بالبكاء أو العنف أو الغضب أو الاكتئاب الشديد. أما إذا كانت الصدمة ناجمة عن مشاهدة الطفل لحالات وفاة مروعة أو جثث مشوهة لأقارب له فإنها يمكن أن تؤثر على قدراته العقلية. وتتسبب الصدمة في معاناة الأطفال من مشكلات عصبية ونفسية ممتدة مثل الحركات اللاإرادية، وقلة الشهية للطعام، والابتعاد عن الناس، والميل للتشاؤم واليأس، وسرعة ضربات القلب في بعض المواقف.
اليمن
وفي هذا الشأن قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) إن حوالي 2.2 مليون طفل يمني يعانون من سوء التغذية الحاد ويحتاجون إلى العناية العاجلة. وأضافت المنظمة أن طفلا واحدا على الأقل يموت في اليمن كل عشر دقائق بسبب أمراض يمكن الوقاية منها مثل الإسهال وسوء التغذية. وذكرت المنظمة في تقرير أن 462 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم وهي زيادة كبيرة تصل إلى 200 بالمئة مقارنة بعام 2014 كما يعاني 1.7 مليون طفل من سوء التغذية الحاد المتوسط.
وأظهر التقرير أن أعلى معدلات سوء التغذية الحاد تظهر بين أطفال محافظات الحديدة وصعدة وتعز وحجة ولحج حيث تشكل هذه المحافظات الخمس أكبر عدد من حالات سوء التغذية الحاد الوخيم في اليمن. وقالت ميريتشل ريلانو القائمة بأعمال ممثل يونيسيف في اليمن "معدلات سوء التغذية في اليمن هي الأعلى والأكثر تصاعدا من أي وقت مضى وصحة أطفال البلد الأفقر في الشرق الأوسط لم تشهد مطلقا مثل هذه الأرقام الكارثية التي نشهدها اليوم."
وكان اليمن يعاني أزمة إنسانية حتى قبل بداية الصراع في مارس آذار 2015 بتدخل التحالف العربي بقيادة السعودية بعد سيطرة المقاتلين الحوثيين على العاصمة صنعاء بما في ذلك انتشار الجوع على نطاق واسع جراء عقود من الفقر والصراع الداخلي وانعدام الأمن الغذائي وندرة الخدمات الصحية. وقالت ريلانو "أفقدنا العنف والنزاع مكاسب كبيرة تمكن اليمن من تحقيقها خلال العقد الماضي في مجال صحة وتغذية الأطفال فقد انتشرت الأوبئة مثل الكوليرا والحصبة ونظراً لتوفر عدد قليل من المرافق الصحية العاملة زاد تفشي هذه الأمراض ليشكل عبئا كبيرا على الأطفال."
ودعت ريلانو أطراف النزاع إلى توفير سبل الوصول غير المشروط إلى الأطفال المحتاجين في مختلف أنحاء البلاد من أجل تزويدهم بالإمدادات الغذائية وعلاج الذين يعانون من سوء التغذية ودعم الخدمات الصحية. وقالت إنه لا يزال هناك نقص في التمويل إذ تحتاج يونيسيف إلى 70 مليون دولار أمريكي في عام 2017 كي تتمكن من توفير خدمات الصحة والتغذية للأمهات والأطفال في مختلف أرجاء البلاد. بحسب رويترز.
وتشير الأمم المتحدة إلى أن نصف سكان اليمن وعددهم 28 مليون نسمة يعانون من انعدام الأمن الغذائي وأن سبعة ملايين منهم لا يعرفون من أين سيحصلون على وجبتهم التالية. وأسفر الصراع الدائر منذ 20 شهرا عن مقتل أكثر من عشرة آلاف شخص وشرد ما يزيد على ثلاثة ملايين نسمة. وحذرت منظمات دولية إنسانية من تدهور الأوضاع الإنسانية والغذائية في اليمن ومن انتشار المجاعة في البلاد التي ظهرت بقوة في الأيام الأخيرة في منطقة تهامة بمحافظة الحديدة في غرب البلاد. وشن تحالف عسكري بقيادة السعودية آلاف الضربات الجوية على الحوثيين منذ أن أطاحت الجماعة بحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف بها دوليا وتوسعت في أنحاء أخرى من البلاد في مارس آذار 2015.
العراق
من جانب اخر فجدران المدرسة طليت بالدهان الجديد والفصول مكدسة لكن الأمر سيستغرق وقتا أطول لإصلاح الضرر الذي لحق بآلاف الأطفال العراقيين الذين عاشوا تحت حكم تنظيم داعش لأكثر من عامين. وعلى الرغم من أن الفصل الدراسي بدأ رسميا منذ سبتمبر أيلول لم يتسلم التلاميذ في مدينة القيارة شمال البلاد الكتب الدراسية العراقية النموذجية إلا هذا الأسبوع بعد أن كان المتشددون قد استبدلوها بكتبهم في محاولة لغسل عقول جيل من الأطفال العراقيين.
وطردت داعش من المدينة قبل ثلاثة أشهر في مراحل مبكرة من حملة استعادة السيطرة على مدينة الموصل التي تقع على بعد نحو 60 كيلومترا إلى الشمال وحاليا تتعرض لهجوم من قوات الأمن العراقية المدعومة من تحالف تقوده الولايات المتحدة. وتتلاشى دولة "الخلافة" التي أعلنتها الدولة الإسلامية لنفسها وبتلاشيها بدأت صورة أوضح في التشكل لمشروع التنظيم والندوب التي خلفها على من اضطروا للعيش تحت حكمه.
وقالت إيمان التي تبلغ من العمر ثماني سنوات وتوقفت مثل أغلب أقرانها عن حضور الفصول الدراسية بعد سيطرة داعش على المدينة "نحن سعداء بعودتنا للمدرسة... أرادونا أن نأتي لكننا لم نرغب في ذلك لأننا لا نعرف كيف ندرس بلغتهم... لغة العنف." وقال سكان محليون إن التنظيم عندما سيطر على المنطقة في صيف 2014 سمح للمدارس بالعمل كالمعتاد. لكن في وقت لاحق حظر المواد التي اعتبرها مخالفة للدين مثل الجغرافيا والتاريخ والتربية المدنية واستغلوا مدارس البنين كساحة لتجنيد الأطفال في صفوفهم.
وفي السنة الدراسية التي تلتها والتي بدأت في 2015 فرضت داعش منهجا جديدا كليا لغرس أفكارهم في عقول الأطفال. حتى مسائل الحساب كانت تشرح بعدد الأسلحة وكميات الذخيرة "رصاصة + رصاصتين = كم رصاصة؟" وفي تلك المرحلة توقف أغلب أولياء الأمور عن إرسال أطفالهم إلى المدرسة والتلاميذ الذين كانوا كبارا بما يكفي لاتخاذ قرارهم بأنفسهم تركوا المدرسة طوعا.
ونتيجة لذلك فوت أغلب الأطفال عامين دراسيين ولأن بعض المعلمين أيضا شردوا بسبب العنف فهناك معلمة واحدة لكل 80 تلميذة تقريبا في مدرسة البنات في القيارة. وقالت معلمتهن مها ناظم كاظم وهي تتجول في الفصل الذي حشرت فيه كل أربع فتيات في تختة واحدة معدة لجلوس طفلتين "لقد نسين دروسهن... والآن نحن نذكرهن... لا نريدهن أن يصبحن أميات أو جاهلات."
وقالت ناظرة المدرسة التي طلبت عدم ذكر اسمها إن شرطة الحسبة التابعة لداعش كانت تزور المدرسة بانتظام للتفتيش على الالتزام بتعليمات التنظيم الصارمة فيما يخص ملابس النساء والفتيات. وآخرون مثل فاروق محجوب وهو وكيل مدرسة ثانوية للبنين في القيارة قالوا إنهم تلقوا تهديدات بالقتل إن لم يذهبوا لعملهم في المدارس على الرغم من أن التلاميذ لم يأتوا لفصولهم في النهاية.
وقال محجوب الذي تعرضت مدرسته لضربة جوية قبل عدة أشهر "التأثير الأكبر هو على الأطفال... إنهم مادة خام لدنة يمكنك أن تغير آراءهم ومعتقداتهم بسرعة." وأضاف أن الأطفال أصبحوا يتصرفون بعدائية أكثر من ذي قبل وأن الألعاب التي يمارسونها الآن عنيفة وقدر أن الأمر لن يستغرق أقل من خمس سنوات لإصلاح هذه الأضرار حتى وإن نفذت على الفور خطة لإعادة تأهيلهم.
وهناك العشرات من التلميذات المفقودات في فصول مدرسة البنات بعد أن تم ربط أقاربهن من الرجال بداعش ولم يعد مرحب بهم في القيارة. وقال محجوب إن نحو عشرة من طلابه انضموا لصفوف المتشددين. وخلف المدرسة تقبع بقايا سيارة ملغومة لم تتم إزالتها بعد واكتست السماء بالدخان الداكن من آبار النفط التي أضرم المتشددون النار فيها مما جعل التنفس صعبا وحول لون الخراف للأسود. وفي شارع قريب وصفت مجموعة من الصبية الذين يسعلون من الدخان ما رأوه تحت حكم داعش بما يشمل جثثا لمعارضيها معلقة في الأماكن العامة كعبرة للآخرين.
وتوقف ثامر وهو صبي عمره 11 عاما عن الرقص والغناء بذات الأغاني الوطنية العراقية التي تصدح من القوافل العسكرية المارة ووصف كيف أعدم أحد أعضاء داعش المحليين ويدعى أبو سليمان بعد أن استعادت القوات العراقية المدينة. وقال ثامر بصوت عال إن مخ الرجل وقلبه خرجا من جثته "لقد انتقموا منه... كان هذا صحيحا كنا سعداء."
على صعيد متصل وفي مخيم بالقرب من الموصل علقت على الحائط صورة لطفلة عمرها ثلاثة أعوام انتزعها من على صدر أمها رجال تنظيم داعش عندما اجتاحوا بلدتها المسيحية قبل عامين وعليها نداء يائس من أبويها. وتحث العبارة المكتوبة على الملصق المعلق بمخيم النازحين أي شخص لديه معلومات عن الطفلة كريستينا عزو أبادا الاتصال بالرقم المعلن.
ولا يعرف شيء يذكر عما حدث لكريستينا منذ اختطافها لكن أسرتها تفترض أنها نقلت إلى الموصل وتدعو الله أن تعثر عليها وسط عشرات الآلاف من الفارين من المدينة الآن. ويواصل الأبوان مشاهدة التلفزيون بصفة مستمرة على قناة تتابع تقدم قوات الأمن العراقية في قتالها لاستعادة المدينة من أيدي تنظيم داعش الارهابي. وتجاور صورة كريستينا على الحائط صورة للمسيح.
وقالت الأم عايدة نوح التي تعطي الهالات السوداء حول عينيها تعبيرا مخيفا "نرجو أن تكون على قيد الحياة. ربما يأتي بها أحد ويبحث عنا ويتصل. الله أعلم." وحالة كريستينا استثنائية. فرغم أن من المعروف عن التنظيم وحشيته وخطف آلاف الرجال والنساء والأطفال من الأقلية اليزيدية فقد واجه المسيحيون إنذارا مختلفا في ظل حكم المتشددين: إما الجزية أو اعتناق الإسلام أو الموت بحد السيف. وفر أغلب المسيحيين لكن بقي حوالي 30 في مدينة قرة قوش المسيحية الواقعة على مسافة 15 كيلومترا إلى الجنوب الشرقي من الموصل ومنهم الأبوان مع كريستينا أصغر بناتهن.
وندم الأبوان على هذا القرار لكن لم يكن واضحا في البداية كيف سيعاملهم المتشددون وقالت الأم إنها تتوقع أن تستعيد قوات الأمن العراقية السيطرة على المدينة في غضون أيام. ومع ذلك فقد أرسل الاثنان أبناءهم الأربعة الأكبر إلى بر الأمان في المنطقة الكردية القريبة كإجراء احترازي. ومر 20 يوما في قرة قوش ظلت فيها كريستينا وأبواها في البيت خوفا من المتشددين ذوي الملابس السوداء الذين زاروهم وطلبوا منهم اعتناق الإسلام لكنهم قدموا لهم الطعام والماء عندما طلبوا ذلك.
وفي 22 أغسطس آب 2014 أصدر المتشددون تعليمات تقضي بأن يتجمع كل المسيحيين الباقين في مستشفى محلي لإجراء فحوص طبية وانصاعت عايدة وزوجها للتعليمات. لكن لم تجر أي فحوص وبعد فترة وجيزة أمرهم المتشددون بركوب حافلة صغيرة تنتظر في الخارج وكانت نوافذها ملطخة بالطين لمنع الركاب من رؤية ما بالخارج ومنع أي أحد من رؤية ما بداخلها.
وفتش المتشددون الذين قالت عايدة إنهم من عرب المنطقة المجموعة المكونة من حوالي 30 مسيحيا بحثا عن المتعلقات الثمينة وأخذوها ثم فصلوا أربعة أفراد عن المجموعة قبل أن يدفعوا الباقين إلى الحافلة. وجلست عايدة وكريستينا على حجرها وكانت ترضعها عندما صعد أحد المتشددين وانتزع الطفلة منها. وجرت عايدة وراء الرجل وهو ينزل من الحافلة وراحت تتوسل إليه "من يرعاها؟ هي محتاجة لي." فقال إنه ينفذ أوامر من أميره أي قائده قبل أن يختفي بها في المستشفى ويمنعها من الدخول.
وظلت الأم تتوسل وفي النهاية خرج الأمير من المستشفى وهو يحمل كريستينا وكانت تبكي. وقالت عايدة وهي تتذكر ما حدث "طلبت منه أن يعيدها لي. فلم يتكلم وأشار لي بعينيه أن أعود إلى الحافلة." وعندما اعترضت هددها المتشددون في البداية ثم اقتادوها قسرا إلى الحافلة التي انطلقت بهم إلى أرض بور على مشارف المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم وأنزلت المجموعة بالكامل هناك. وكانت تلك آخر مرة ترى فيها عايدة ابنتها. بحسب رويترز.
وفي الأيام التي تلت اختفاء كريستينا اتصل الأبوان ببعض العرب من المنطقة الذين تربطهم صلات بالتنظيم فقالوا لهما إنها تعيش مع أسرة وفي أيد أمينة. ثم انقطع الاتصال. ولم تسفر الجهود الأخرى التي بذلت لتتبع الطفلة عن نتيجة رغم أن البعض تكهن بأنها انتهى بها الحال إلى ملجأ للأيتام تابع لداعش. وليس من الواضح لماذا خطف المتشددون كريستينا التي يبلغ عمرها الآن خمس سنوات. وفي وقت سابق عادت الأسرة إلى قرة قوش للمرة الأولى منذ رحيلها عنها قبل أكثر من عامين. وفي طريق العودة توقفت السيارة وخرج منها والد كريستينا كفيف البصر وسمع صوت طفلة صغيرة وقال: "سمعت ‘بابا بابا‘. وناديت ‘كريستينا كريستينا لكنها لم ترد‘."
سوريا
الى جانب ذلك ذكرت منظمة الامم المتحدة للطفولة (ليونيسيف) ان "جميع اطفال" حلب (شمال) يعانون من الصدمة بعد ان تحملوا اسوء اعمال عنف تضرب بلادهم. وقال مدير مكتب حلب للمنظمة رادوسلاف رزيهاك "ان جميع اطفال حلب يعانون، انهم مصدومون". وقال رزيهاك الذي يعمل في اليونيسيف منذ 15 عاما "لم ارى بحياتي هذا الوضع الماساوي الذي يعانيه الاطفال في حلب". وولد عشرات الاطفال في مدينة حلب ليشهدوا على احد اعنف مراحل الحرب الدامية التي تعصف في بلادهم منذ ستة سنوات تقريبا. ويقدر رزيهاك ان نصف مليون طفل في حلب يحتاجون الى دعم نفسي واجتماعي بينهم 100 الف يحتاجون مساعدة من مختصين.
وتمكنت القوات النظامية من استعادة السيطرة على حلب التي كانت تحت سيطرة الفصائل المعارضة المسلحة منذ عام 2012. وفر ما يقدر ب120 الف شخص واقام اغلبهم بمراكز ايواء خصصتها الدولة لهم في الاحياء الغربية الخاضعة لسيطرتها. واظهرت الفحوصات النفسية والاجتماعية التي خضع لها الاطفال القادمين من الاحياء الشرقية في هذه المراكز الى انهم "يفتقدون الى غريزة الدفاع الاساسية" بحسب رزيهاك. وقال "ان بعض الأطفال الذين هم في الخامسة او السادسة من العمر ولدوا خلال الحرب، كل ما يعرفونه هو الحرب والقصف".
واشار الى انه "من الطبيعي بالنسبة لهم أن يتم قصفهم وان عليهم الهروب، فمن الطبيعي أن يكونوا جائعين وان عليهم الاختباء. سوف يعانون من هذه الصدمة لفترة طويلة جدا." وقال ان ذلك التكيف يدفع الاطفال الى الخطر فهم لم يتم تاهيلهم للاحتماء او الاختفاء اثناء القصف "فبالنسبة لهم هذا لا يشكل خطرا، انها حياتهم اليومية". كما تاثر اطفال الاحياء الغربية بشدة، في الوقت نفسه، لرؤية زملائهم في المدرسة او مدرسيهم يقتلون امامهم خلال الهجمات الصاروخية على مدارسهم. بحسب فرانس برس.
وقال رزيهاك "ان الاهل يرسلون اطفالهم مدارسهم ولا يعودون منها ، لقد أصبح المكان الاكثر امنا للاطفال هو المكان الذين يموتون فيه". ولم تمنح الحرب القدرة للاباء والامهات لرعاية أطفالهم لكونهم يعانون هم ايضا من الصدمات الخاصة بهم. واشار "من الصعب جدا القاء اللوم عليهم. انهم يعيشون في كابوس كذلك" واسفر النزاع الدامي الذي اندلع في اذار/مارس 2011 عن مقتل أكثر من 300 الف شخص كما اجبر الملايين على النزوح.
السودان
في السياق ذاته قال ممثل للأمم المتحدة إن الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال وهي واحدة من أكبر جماعات التمرد في السودان وقعت اتفاقا مع الأمم المتحدة لإنهاء استخدام الأطفال جنودا في المعارك. ويدور قتال بين الجيش السوداني والمتمردين في إقليمي كردفان والنيل الأزرق الجنوبيين منذ 2011 عندما أعلن جنوب السودان الاستقلال. وبدأ الصراع في منطقة دارفور في 2003 عندما حملت قبائل أغلبها من غير العرب السلاح ضد الحكومة التي يقودها العرب في العاصمة الخرطوم.
وانهارت محادثات تستهدف التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار في الأقاليم الثلاثة المتحاربة بموجب خارطة طريق للسلام في وقت سابق بعد أقل من أسبوع من بدايتها. ووقع مالك عقار رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال خطة عمل في احتفال في جنيف يحدد الإجراءات الكفيلة بإنهاء تجنيد الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 عاما وإطلاق سراح الموجودين حاليا في صفوف الجماعة. وقال عقار في أعقاب الاحتفال "الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال ملتزمة بشدة بحماية الأطفال في الصراع وتوقيع اليوم إنما هو استمرار لهذا الالتزام." بحسب رويترز.
ولم يقدم عقار ولا مسؤولو الأمم المتحدة الذين حضروا الحفل أرقاما بشأن عدد الأطفال الجنود المشاركين في الصراع. وجاء في بيان للأمم المتحدة أن الجماعة ستُرفع من قائمة الأطراف المتهمة بتجنيد الأطفال في تقريرها السنوي بشأن الأطفال والصراع المسلح لدى إتمام جميع الخطوات التي جرى الاتفاق عليها في خطة العمل. وقال مسؤولو الأمم المتحدة إنهم وقعوا اتفاقا مماثلا مع الخرطوم في مارس آذار 2016 ويأملوا أن يوقع المزيد من الجماعات المتمردة الكبرى الأخرى في البلاد.
بورما
من جانب اخر شهدت بورما منذ استقلالها قبل حوالى سبعة عقود سلسلة نزاعات طاولت خصوصا المناطق الحدودية في هذا البلد الفقير في جنوب شرق آسيا، لم تتوان فيها القوات البورمية والمتمردون الاتنيون على السواء عن تجنيد اطفال لاستخدامهم في القتال داخل صفوفهم. وكان سو ثت هتو ابن السادسة عشرة حينها وحيدا، ولم يكن امامه الا بضع دقائق لحسم قراره. فقد وضعه الضابط البورمي يومها امام خيارين: اما دخول السجن او الانضواء في القوات البورمية وتعزيز عديد الاطفال الجنود في البلاد. اما "جريمته" فكانت مخالفته قانونا كان يحظر حينها التجول في الشوارع بعد ساعة معينة.
اختار سو ثت هو يومها الالتحاق بالجيش الذي امضى في صفوفه عامين غيرا حياته اذ انقطع عن عائلته وتعرض للضرب من دون اي مبرر واصبح مدمنا على الكحول في سن تناهز 18 عاما. اليوم، هو واحد من 800 طفل في بورما عادوا الى الحياة المدنية منذ 2012 وفق منظمة الامم المتحدة للطفولة (يونيسف) التي ترعى برنامجا مشتركا مع الجيش الذي لا يخضع لسيطرة الحكومة المدنية الجديدة بقيادة اونغ سان سو تشي الحائزة جائزة نوبل للسلام.
وتمثل العودة الى الحياة المدنية مهمة صعبة بالنسبة لهؤلاء الشباب على رغم برامج الدراسات او المساعدة على تأسيس شركات. ويقول سو ثيت هتو إنه لا يزال مسكونا بالذكريات الاليمة للفترة التي امضاها في الجيش، وهي مؤسسة كانت تتمتع بنفوذ كبير خلال عقود من حكم المجلس العسكري السابق. ويستذكر سو ثت هتو البالغ حاليا 21 عاما ويعمل ميكانيكيا، مرحلة خدمته العسكرية قائلا إن الضابط "ابلغني بأني لن اتمكن من رؤية والدتي اذا ما اودعت السجن لأني سابقى هناك لفترة طويلة، في حين اني ساحصل على مأذونيات في حال اخترت الالتحاق بالجيش".
ولا يمكن معرفة عدد الاطفال الذين التحقوا بالجيش البورمي الذي يضم حاليا 500 الف عنصر. وبحسب الامم المتحدة، عمدت سبع مجموعات مسلحة اتنية في هذا البلد الذي يشهد منذ عقود نزاعات داخلية عدة، الى تجنيد اطفال. وكان اكثرية هؤلاء ينحدرون من عائلات ريفية فقيرة هربت من البؤس في الارياف الى رانغون او ماندالاي، اكبر مدينتين في البلاد، حيث كان ينتظرهم اشخاص منتشرون في الاماكن العامة مهمتهم اختيار المجندين بالاعتماد على وسائل عدة تشمل التهديد وتقديم المخدرات وحتى قطع الوعود بوظائف برواتب مرتفعة.
وتراجعت وتيرة التجنيد منذ 2012 عندما وافق الجيش على التوقف عن تجنيد الاطفال واطلق المئات منهم. لكن بحسب الخبراء، لا يزال الاطفال هدفا لهذه العمليات. ويوضح بيامال بيشايوونغسه من منظمة العمل الدولية في رانغون أن الجيش البورمي "يواجه صعوبة في التجنيد لذا يستمرون في استهداف الاشخاص الذين يعانون اكثر الاوضاع هشاشة". وأمضى سو ثت هتو الاشهر الاولى في معسكر للتجنيد في دانيينكونه بضاحية رانغون حيث نصحه ضباط باخفاء عمره الحقيقي والتأكيد انه في الثامنة عشرة، وهي السن القانونية الدنيا للالتحاق بالجيش.
وبقي لاربعة اشهر ونصف الشهر في هذا المعسكر حيث خضع للتدريب من دون التمكن من الاتصال بعائلته لاخطارها بمكان وجوده. بعدها تم ارساله الى منطقة قريبة من خط الجبهة مع المتمردين في ولاية كايين في جنوب البلاد. ويبدو التأثر على سو ثت هتو جليا عندما يتطرق الى مرحلة الادمان على الكحول. ويقول "كنت اتعرض للضرب عندما اقوم بأي سوء. احيانا، كانوا يضربونني بسبب خطأ بسيط. لذا بدأت بتناول الكحول".
ويضيف "في احدى المرات تعاركت مع جندي اخر عندما كنت ثملا... قام رقيب بضربي على وجهي. بما اني كنت ثملا، بصقت في وجهه. عندها قام ثلاثة او اربعة جنود بضربي، تعرضت لاصابة في الرأس بسبب ضرباتهم". وقام سو ثت هتو بالهرب مرتين لملاقاة عائلته التي كان يعتقد افرادها انه توفي بعد انقطاع اخباره لشهرين. وفي كل مرة، كان يتم توقيفه وضربه ثم اعادته الى الجيش. غير ان عودته الى العائلة شكلت محنة اضافية لهذا الشاب اذ انه قوبل بمواقف سلبية من محيطه بسبب الادمان على الكحول واضطر لتغيير عمله مرات عدة قبل الدخول في نهاية المطاف الى دير للرهبان البوذيين لمساعدته في الاقلاع عن الإدمان. بحسب فرانس برس.
ويوضح ممثل منظمة "يونيسف" في بورما برتران باينفل أن "مجتمعات عدة ترفض استقبال طفل ارتكب اعمال عنف واستخدم اسلحة ضد اشخاص اخرين". من هنا تكمن اهمية التحضير النفسي للاقارب ازاء عودة قريبهم اليافع اليهم بعد تركه الخدمة العسكرية. أما اليوم، فجل ما يريده سو ثت هتو هو "نسيان" هذه التجربة المريرة التي عاشها والتركيز على مهنته كميكانيكي للسيارات.