حقوق البحرين.. بين قمع الطغاة والصمت الدولي

عبد الامير رويح

2016-07-19 07:02

ماتزال السّلطات البحرينية وعلى الرغم من الانتقادات المتواصلة تواصل حملتها القمعية ضد ابناء الشعب البحريني، حيث اكدت بعض التقارير ان انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين بلغت مستويات خطيرة و غير مسبوقة، فقد سعت السلطات البحرينية وبدعم مباشر من انظمة خليجية الى فرض قيود وقوانين مشددة للحد من حرية التعبير وتكوين الجمعيات، هذا بالإضافة الى استمر وتفشي التعذيب والمحاكمات الجائرة وغير النزيهة ضد المعارضين السياسيين والنشطاء ورجال الدين الذين انتقدوا الحكومة من خلال وسائل الإعلام الاجتماعية أو في التجمعات العامة.

وقد اعتمد مجلس الشورى في وقت سابق تعديلات على المادة 364 من "قانون العقوبات" والتي من شأنها أن تزيد عقوبة "من أهان بإحدى الطرق العلنية المجلس الوطني أو غيره من الهيئات النظامية أو الجيش أو المحاكم أو السلطات أو المصالح العامة" لتصبح السجن لمدة سنتين، وتزيد العقوبة القصوى على التشجيع العلني على "تشويه السمعة" إلى السجن ثلاث سنوات، أو لمدة أطول لتهمة "القذف" في وسائل الإعلام الاجتماعي. كما أقر مجلس الوزراء لوائح من شأنها أن تفرض عقوبات على المنافذ الإعلامية التي "تنشر معلومات كاذبة أو ضارة من شأنها تلحق الضرر بالعلاقات الخارجية".

كما سعت السلطات البحرينية الى اعتماد قرار إسقاط جنسية وأجبرت بعضهم على الرحيل عن البلاد. الامر الذي اثار قلق ومخاوف العديد من المنظمات الانسانية، التي طالبت المجتمع الدولي باتخاذ خطوات جادة من اجل ايقاف هذه الانتهاكات والممارسات القمعية التي تعد خرقاً واضحاً لقواعد القانون الدولي وانتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان الأساسية، كما انها تهدد امن واستقرار البحرين والمنطقة بشكل عام خصوصا بعد ان سعت السلطات الى استهداف بعض الرموز والزعماء والشخصيات المهمة. وبحسب بعض التقارير فقد صدرت خلال الأعوام الماضية أحكام بإسقاط الجنسية عن 261 شخصا على الأقل، بينهم مؤخرا أبرز مرجع شيعي في البلاد الشيخ عيسى قاسم. هذا بالإضافة الى تزايد معدلات قرارات المنع من السفر جواً وبراً لعدد من المواطنين رغم عدم استدعائهم من أي جهة قضائية.

قيود وقرارات

وفي هذا الشأن قال محمد التاجر إن السلطات منعته من مغادرة البحرين متعللة بصدور قرار من جهة أمنية وإنه استفسر من الجهات المعنية بجوازات السفر والتحقيقات لكن قيل له إن السلطات لم تصدر قرارا يقضي بمنعه من السفر. ولم يندهش التاجر المحامي البالغ من العمر 50 عاما الذي كان يعتزم القيام بزيارة قصيرة للسعودية. فقد انضم بذلك إلى قائمة متزايدة من المواطنين الممنوعين من السفر في إطار ما تصفه جماعات حقوقية بمحاولة لسحق المعارضة.

وقال التاجر إن البعض اكتشف الأمر عندما توجه إلى المطار في الشهر الماضي للسفر إلى جنيف لحضور اجتماع لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الانسان. وتم إخطار آخرين بالأمر عندما حاولوا عبور جسر الملك فهد إلى السعودية في وقت سابق. وقال التاجر الذي شارك في الدفاع عن شخصيات معروفة من الناشطين في المعارضة البحرينية "أتكلم عن 17 شخصا بينهم أناس ليس لهم علاقة بقضايا حقوق انسان أو أناس معروفين." وتقول منظمة العفو الدولية إن 19 شخصا على الأقل من بينهم أطباء ومحامون وأساتذة جامعيون وصحفيون منعوا من السفر للخارج خلال الشهر الماضي.

وكانت حكومة البحرين ذات القيادة السنية والمشكلة في الأساس من أفراد الأسرة الحاكمة قد اهتزت بفعل مطالبة المعارضة بإصلاحات كبرى من بينها تشكيل الحكومة من خلال برلمان منتخب وبفعل أزمة مالية عميقة دفعتها لخفض الدعم وزيادة أسعار السلع الأساسية. وتجيء الحملة على المعارضة أيضا في أعقاب أزمة دبلوماسية متصاعدة بين السعودية الداعم الرئيسي للبحرين وايران الشيعية. واتسع نطاق الخلاف بعد إعدام رجل دين شيعي بارز في يناير كانون الثاني واحراق بعثات دبلوماسية سعودية الأمر الذي دفع الرياض والمنامة إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران.

ولم يكن لدى السلطات البحرينية تعليق على الفور على حظر السفر بصفة عامة أو على وضع التاجر. وتقول الحكومة إنها لا تتساهل مع انتهاكات حقوق الانسان وإنها خصصت جهات لتلقي الشكاوى. وقالت المؤسسة الوطنية لحقوق الانسان في البحرين إنها تشعر بالقلق لتزايد عدد حالات المنع من السفر وطالبت بوقفها. وقالت في بيان "تنوه المؤسسة الوطنية على أن قرار المنع من السفر دون أمر قضائي يعطل الحق الدستوري في حرية التنقل والسفر مما يتعارض مع التزامات المملكة بالاتفاقات الدولية والاقليمية المتعلقة بحقوق الانسان."

وفسرت البحرين الحملة على المعارضة في الأسابيع الأخيرة بأنها "تصحيح" للحوار السياسي. ومنذ يونيو حزيران حظرت السلطات البحرينية جمعية الوفاق وهي جماعة المعارضة الشيعية الرئيسية في البلاد وسحبت الجنسية من آية الله عيسى قاسم أحد كبار رجال الدين الشيعي وأعادت القبض على نبيل رجب الحقوقي المعروف بسبب تغريداته المناهضة للحكومة. كما قضت محكمة بتشديد حكم السجن على الشيخ علي سلمان زعيم جمعية الوفاق لأكثر من مثليه.

وقال مركز البحرين لحقوق الانسان في الرابع من يوليو تموز إنه سجل 14 حالة على الأقل لدعاة حقوقيين وناشطين في المجتمع المدني منعوا من السفر خلال شهر يونيو حزيران. وقالت منظمة العفو الدولية إنها سجلت 21 حالة منذ عام 2015 منها 19 حالة في الشهر الماضي وحده. وقال ارييل بلوتكن مسؤول البحرين في المنظمة "إن منع مدافعين عن حقوق الانسان وصحفيين وسجناء ضمير سابقين من مغادرة بلادهم هو مجرد أسلوب واحد في قائمة طويلة من الأساليب القمعية التي استخدمتها السلطات البحرينية لمعاقبة منتقديها وتكميم أفواههم في الأسابيع الأخيرة." وأضاف "لقد دخلت البحرين مرحلة جديدة مزعجة بدرجة شديدة في قمع حقوق الانسان وبث الخوف في المجتمع المدني." بحسب رويترز.

ومن الشخصيات الأخرى التي منعت من السفر شرف الموسوي رئيس فرع منظمة الشفافية الدولية في البحرين ورولا الصفار رئيسة جمعية التمريض البحرينية وكذلك طه الدرازي جراح المخ والأعصاب وزوجته. وفي السابع من يوليو تموز الجاري منع الصحفي والناشط البحريني أحمد رضي من الصعود إلى طائرة متوجهة من المنامة إلى سلطنة عمان وذلك دون أي إخطار سابق بصدور قرار بمنعه من السفر. وقال رضي في تغريدة على تويتر "على رغم عدم وجود اسمي بقوائم الممنوعين بمواقع الحكومة الالكترونية وحيازتي شهادة حسن سلوك من التحقيقات إلا أنني ممنوع من السفر." وقال التاجر إن من المعتاد في البحرين معاقبة الناس بإجراءات مثل المنع من السفر دون صدور أمر رسمي من أي جهة. وأضاف "لا تستغرب. تحدث في البحرين أمور لا يمكن تفسيرها. في البحرين كل شيء ممكن خصوصا ضد الأشخاص الذين تنظر لهم الحكومة بعدم ارتياح."

السجن واسقاط الجنسية

الى جانب ذلك اصدر القضاء البحريني احكاما بالسجن تراوح بين ثلاثة اعوام و15 عاما، واسقاط الجنسية عن خمسة شيعة متهمين بصلاتهم مع تنظيمات "ارهابية"، بحسب ما افادت مصادر قضائية. واعلن رئيس نيابة الجرائم الارهابية المحامي العام احمد الحمادي ان المحكمة الكبرى الجنائية الرابعة اصدرت حكما بسجن ثلاثة اشخاص 15 عاما لكل منهم واسقاط جنسيتهم، بتهمة "الانضمام الى جماعة ارهابية على خلاف احكام القانون" تعرف باسم "سرايا المختار".

وتشمل التهم بحق هؤلاء "حيازة وإحراز واستعمال مفرقعات وأسلحة بغير ترخيص تنفيذاً لغرض إرهابي ومحاولة إحداث تفجير تنفيذاً لغرض إرهابي وجمع أموال لجماعة إرهابية تنفيذاً لغرض إرهابي". وحوكم احد المتهمين غيابيا لوجوده في العراق، بحسب المصدر نفسه. وفي قضية اخرى، اعلن الحمادي ان المحكمة قضت باسقاط الجنسية عن شخصين وسجن احدهما عشرة اعوام والثاني ثلاثة، متهمين بالمشاركة "في اعمال جماعة ارهابية والتفجير والحرق تنفيذا لغرض ارهابي". وينتمي المتهمان الى حركة الوفاق الاسلامية الشيعية المعارضة.

وكثف القضاء البحريني في الاسابيع الماضية اجراءاته بحق متهمين بتنفيذ اعتداءات "ارهابية" استهدفت بمعظمها الشرطة، خصوصا لجهة اصدار احكام بالسجن لمدد متفاوتة، وقرارات باسقاط الجنسية عن المتهمين. ويرجح ان معظم هذه القضايا مرتبطة بالاضطرابات التي شهدتها البحرين منذ العام 2011، تاريخ اندلاع احتجاجات مناهضة للحكم قادتها المعارضة الشيعية، للمطالبة بملكية دستورية واصلاحات سياسية. بحسب فرانس برس.

وبحسب مركز البحرين لحقوق الانسان، صدرت خلال الاعوام الماضية احكام باسقاط الجنسية عن 261 شخصا على الاقل، بينهم مؤخرا ابرز مرجع شيعي في البلاد الشيخ عيسى قاسم. وتراجعت وتيرة الاضطرابات بشكل كبير، الا ان بعض المناطق ذات الغالبية الشيعية تشهد احيانا مواجهات بين محتجين وقوات الامن.

نبيل رجب

في السياق ذاته رفضت محكمة بحرينية طلب الافراج بكفالة عن الناشط نبيل رجب مع بدء محاكمته بتهم اهانة مؤسسة تابعة للدولة والاساءة الى السعودية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بحسب ما افادت منظمة حقوقية. وكانت السلطات اعادت توقيف رجب بعد اقل من عام على الافراج عنه لاسباب انسانية، في سياق سلسلة من الاجراءات المشددة بحق المعارضين اثارت انتقادات من الامم المتحدة وواشنطن.

واوضح مركز البحرين لحقوق الانسان الذي يرأسه رجب، ان الاخير مثل امام المحكمة بتهم اشاعة اخبار كاذبة واهانة دولة مجاورة واهانة مؤسسة تابعة للدولة (في اشارة الى وزارة الداخلية). واشار المركز الى ان الاتهامات تعود الى تغريدات نشرها رجب العام الماضي عبر حسابه على موقع "تويتر"، تحدث فيها عن تعذيب في سجن جو بالبحرين، وانتقد عمليات التحالف العربي الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين وحلفائهم في اليمن.

وفي نهاية حزيران/يونيو، نقل رجب (51 عاما) الى المستشفى لبعض الوقت بسبب مشاكل في القلب، وافادت محاميته عن تدهور حاله الصحية. الا ان المحكمة رفضت الافراج عنه، وأمرت باستمرار توقيفه خلال المحاكمة التي حددت جلستها المقبلة في الثاني من آب/اغسطس. واوقف رجب مرارا على خلفية مشاركته او دعوته الى التظاهر ضد الحكم في البحرين، في سياق الاحتجاجات التي اندلعت في البلاد منذ العام 2011 للمطالبة بملكية دستورية واصلاحات سياسية، وقادتها المعارضة الشيعية. وسبق لرجب ان امضى عامين في السجن لادانته بالمشاركة في تظاهرات غير مرخصة.

وقبل ساعات من جلسة نظر قضية رجب أصدرت 26 جماعة حقوقية بيانا مشتركا. وقالت الجماعات التي تشمل هيومن رايتس فيرست وأطباء من أجل حقوق الإنسان في بيانها "نذكر الحكومة البحرينية بتعهدها بالحفاظ على الحق في حرية التعبير." وأضافوا "نجدد الدعوات المتكررة من مسؤولي الأمم المتحدة وغيرهم في المجتمع الدولي لإطلاق سراح رجب على الفور." من جانب اخر دعا البرلمان الأوروبي ومنظمة العفو الدولية السلطات البحرينية الى الافراج عن الناشط المعارض المدافع عن حقوق الإنسان نبيل رجب، وعبرا عن استنكارهما لحملة القمع ضد حرية التعبير في هاذ البلد. بحسب رويترز.

ودعت منظمة العفو الدولية في بيان المنامة الى "اسقاط كل التهم" الموجهة ضد رجب. وابدت المنظمة الحقوقية احتجاجها على "المحاكمة المهزلة" للناشط الذي قالت انه قد يواجه عقوبة بالسجن تصل الى 13 عاما بسبب نشره رسائل او اعادة نشره تغريدات عام 2015. وقال فيليب لوثر مدير منظمة العفو الدولية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا "يتعين على السلطات التخلي عن هذه الاتهامات السخيفة واطلاق سراح نبيل رجب وغيره من سجناء الرأي". واضاف ان على الحكومة البحرينية "أن تقبل بحق الجميع في البحرين بالتعبير السلمي عن الرأي، بما في ذلك من خلال شبكات التواصل الاجتماعي".

دعوة للتحرك

على صعيد متصل حث سبعة أعضاء بمجلس الشيوخ الأمريكي وزير الخارجية جون كيري على الضغط على حكومة البحرين كي تبذل المزيد لدعم الإصلاحات السياسية والاجتماعية فيما يزيد من مشاعر القلق في واشنطن في الآونة الأخيرة بشأن سجل البحرين في حقوق الإنسان. وقال الأعضاء في رسالة لكيري إنه ينبغي للولايات المتحدة الاستعداد لدراسة "عواقب ملموسة" منها إعادة النظر في مبيعات الأسلحة إذا استمرت حملة السلطات ضد المعارضة.

وقال الأعضاء وهم ستة من الديمقراطيين وجمهوري واحد "تقاعس البحرين عن التجاوب مع الشكاوى المشروعة لمواطنيها سبب توترا في النسيج الاجتماعي للبلاد وشجع أطرافا من الخارج على استغلال تدهور الوضع." وأضافوا "نعتقد أن الحملة الصارمة التي تشنها الحكومة على المعارضة السياسية تقوض استقرار البلاد وتصب في صالح إيران" وقالوا إنهم يشعرون "بقلق عميق". وقال جون كيربي المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إنه على دراية بالتقارير عن الرسالة لكن لم يطلع عليها.

وعند سؤاله هل يمكن استخدام الأسلحة التي تقدمها واشنطن للبحرين ضد المعارضة قال كيربي "لدينا دائما مخاوف بشأن الاستخدام النهائي للمواد المدرجة في برنامج مبيعات الأسلحة الخارجية." وتعرضت البحرين التي تستضيف الأسطول الأمريكي الخامس لانتقادات من الولايات المتحدة والأمم المتحدة عندما جردت أكبر رجل دين شيعي بها من الجنسية وبعد قرارها تعليق أنشطة جمعية الوفاق الشيعية وهي جماعة المعارضة الرئيسية بالبلاد. وذكر تقرير أعدته وزارة الخارجية الأمريكية أن جهود البحرين للمصالحة الوطنية بعدما سحقت احتجاجات الشوارع في 2011 قد توقفت وأنها لم تنفذ توصيات بحماية حرية التعبير ومنها المعارضة السلمية. بحسب رويترز.

وكانت متحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية قالت قبل عدة أيام إنها قلقة بسبب اعتزام البحرين محاكمة ناشط لنشره تغريدات تنتقد نظام السجون في المملكة ومشاركة البلاد في الحرب اليمنية. وتزعم كتابة الرسالة السناتور الديمقراطي كريس ميرفي ووقعها أيضا السناتور الجمهوري ماركو روبيو والأعضاء باتريك ليهي ورون ويدن وبوب كيسي وكريس كونز وتيم كين.

من جانبها قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن الولايات المتحدة تشعر بالقلق من اعتزام البحرين محاكمة ناشط بسبب تغريدات على تويتر تندد بنظام السجون في البلاد ومشاركتها في الحرب الدائرة باليمن. وقالت إليزابيث ترودو المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية خلال مؤتمر صحفي بواشنطن "نحن قلقون لأن نبيل رجب سيحاكم بسبب سلسلة تغريدات نشرها العام الماضي." وأضافت "الولايات المتحدة تؤمن بضرورة عدم ملاحقة أي شخص قضائيا أو سجنه لمشاركته في تعبير سلمي أو تجمع سلمي.. حتى إذا اعتبر مثيرا للجدل."

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي