تداعيات وآثار عقوبة "اسقاط الجنسية" في البحرين

جميل عودة ابراهيم

2016-07-05 09:32

تشهد دول الخليج العربية، ومنها البحرين ظاهرة إسقاط الجنسية عن بعض مواطنيها، لأسباب سياسية وأمنية ومذهبية. ففي الآونة الأخيرة أسقطت البحرين جنسيتها عن العشرات من مواطنيها؛ كان آخرها قرار إسقاط الجنسية عن رجل الديني البحريني آية الله الشيخ عيسى قاسم، أكبر المرجعيات الدينية للطائفة الشيعية في البحرين؛ كإجراء يهدف -بحسب مصادر حكومية-إلى "الحفاظ على الأمن والاستقرار ومكافحة المخاطر والتهديدات الإرهابية." بينما تتهم المعارضة البحرينية السلطات "باستخدام إسقاط الجنسية عقوبة على ممارسة العمل السياسي المطالب بالتحول الديمقراطي في البحرين".

ماذا يعني إسقاط الجنسية من الناحية القانونية؟ وهل يحق للدولة إسقاط جنسيتها عن مواطنيها؟ وما هي الآثار الفردية والجماعية التي تترتب على هذا الإجراء؟ وكيف يفهم المدافعون عن حقوق الإنسان عقوبة إسقاط الجنسية عن المواطنين، وكيف يتعاملون معه؟

يفقد الشخص الطبيعي جنسيته، لأسباب إرادية أو لا إرادية. والفقدان الإرادي للجنسية هو زوال الجنسية عن الشخص بفعل إرادته، مثل أن يكتسب جنسية دولة أخرى، فيطلب بمحض إرادته إسقاط جنسيته الأولى، منعا من ازدواج الجنسية، أي أن اكتساب الجنسية الجديدة يكون سببا في فقدان الجنسية القديمة. فعلى سبيل المثال- ذهب المشرع في القانون العراقي الجديد النافذ إلى اختزال حالات الفقدان الإرادي بحالة واحدة، وهي تنازل المواطن العراقي عن جنسيته العراقية، إذا اكتسب جنسية أجنبية. وهذا ما أكدته المادة (10/1) التي نصت على (يحتفظ العراقي الذي يكتسب جنسية أجنبية بجنسيته العراقية ما لم يعلن تحريريا عن تخليه عن الجنسية العراقية).

بينما يقصد بالفقدان اللاإرادي للجنسية هو زوال الجنسية عن حياة الشخص بفعل خارج عن إرادته، وفي أكثر الأحيان يأتي الفقدان في هذا الوضع بإجراء إداري يفضي إلى تجريد الشخص من جنسيته لأسباب سياسية في الغالب.

ويأتي الفقدان اللاإرادي بطريقتين هما السحب والإسقاط:

1- السحب: وهو إجراء إداري في أكثر الأحيان إذ تتخذه السلطة التنفيذية المختصة في الدولة بشؤون الجنسية وهو يقضي بتجريد شخص أو مجموعة أشخاص من جنسيتهم الوطنية لقيامهم بعمل يعبر عن ضعف الولاء، وهو إجراء يوجه للوطنيين الأصليين والطارئين على رأي بعضهم، في حين يذهب بعضهم إلى قصر هذا الإجراء على الوطنيين الطارئين، وتأتي النصوص التشريعية الخاصة بالسحب على حالات محددة على سبيل الحصر لا المثال نظرا للخطورة التي ينطوي عليها السحب إذ يفضي إلى إخراج الشخص من جنسية الدولة قسراً.

2- الإسقاط: وهو إجراء إداري يتخذ من جانب السلطة التنفيذية المختصة في الدولة بشؤون الجنسية وفي مواجهة أشخاص تقدر الدولة أنهم ليسوا جديرين بحمل جنسيتها ونجد في أكثر الأحيان أن هذا الإجراء تحكمي تمليه اعتبارات سياسية ويوجه في الأكثر اتجاه المواطنين الأصليين والطارئين. وتستعمله السلطة المختصة بشؤون الجنسية حسب الموقف السياسي للدولة اتجاه بعض الأشخاص بدون أن تكون هناك نصوص تشريعية واضحة؛ فالإسقاط إجراء لا يستند على نصوص تشريعية محددة مسبقا على سبيل الحصر كما في السحب، إنما يستند على قرارات إدارية تمليها اعتبارات سياسية آنية وتتغير حالات الإسقاط حسب الموقف السياسي للأشخاص.

وتترتب على فقدان الجنسية بشكل لا إرادي، سواء بالسحب أو الإسقاط، آثار فردية وجماعية منها أن فاقد الجنسية يُعامل معاملة الأجنبي على مستوى الحقوق المدنية والسياسية وانتقاله وحركته عبر الحدود الدولية. وإذا كان يملك عقاراً قبل الفقدان وأصبح أجنبياً بعد ذلك عليه بيعه رضاءً أو قضاءً، وإذا كان موظفاً يتم إنهاء خدماته لأنه فقد شرط من شروطها وهو حمل جنسية الدولة، وإذا كان متقاعدا يوقف صرف مستحقاته التقاعدية وكل تلك التبعات المترتبة على فقدان الجنسية تأتي بعد ترقين قيده في سجل الأحوال المدنية وسحب وثيقة الجنسية، ولا يجوز لفاقد الجنسية بعد ذلك أيضا ممارسة المهن او الأعمال إلا بعد اخذ موافقة السلطات المختصة في الدولة.

وفي أكثر الأحيان يتأثر الأولاد غير البالغين، إذا كانوا يقيمون مع الأب بإسقاط جنسية أبيهم. أما بالنسبة للأولاد البالغين فلا تأثير لفقدان الأب لجنسيته على جنسيتهم فهم يستقلون بأمر جنسيتهم لامتلاكهم إرادة مستقلة عن إرادة الأب وأهلية تمكنهم من التصرف المستقل. أما ما يتعلق بالزوجة فبحسب القوانين الحديثة فلا تفقد جنسيتها بالتبعية إنما يتوقف فقدانها لجنسيتها على إرادتها فان أرادت البقاء عليها تحتفظ بها، وإذا أرادت التخلي عنها والدخول في جنسية زوجها فيقع بأثر ذلك الفقدان.

الواقع أن إسقاط دولة ما جنسيتها عن مواطنيها الأصليين أو المتجنسين يعد من القضايا السياسية والاجتماعية الحساسة جدا، تقول عنها منظمة العفو الدولية بأنها «مخيفة وتقشعرُّ لها الأبدان» وبالتالي، لا تلجأ إليها الدول إلا في الحالات القصوى لما لها من آثار نفسية واجتماعية ليس على الذين أسقطت جنسيتهم وحسب بل على أقرباءهم وأصدقائهم وعلى المجتمع بأسره. وفي العادة تلجأ الدول إلى إسقاط جنسيتها عن الذين اكتسبوها عن طريق الإقامة أو بقرار خاص من الدولة ولا يحق لأي حكومة أن تسقطها عن مواطنيها الأصليين، سواء ولدوا على أرضها أو خارج أرضها.

انطلاقا من ذلك، يعتبر إسقاط الجنسية عن المواطنين البحرانيين خرقاً واضحاً لقواعد القانون الدولي وانتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان الأساسية، فالبحرين اعتمدت العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في 2006، بحكم القانون رقم 56 للعام 2006، وهذا العهد يفصل التزامات الدولة بمواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وتنص المادة 15 من الإعلان العالمي على أن «(1) لكل فرد حق التمتع بجنسية ما. (2) لا يجوز حرمان شخص من جنسيته تعسفاً أو إنكار حقه في تغييرها».

وهذا يعني أن الخطوة التي أقدمت عليها السّلطات البحرينية هذا الأسبوع بسحب جنسية عالم الدّين الشّيعي الأبرز في البلاد، الشّيخ عيسى قاسم، على خلفية أنه كان يخدم مصالح أجنبية، تشكل استفزازًا خطيرًا. ومن المؤكد أنّها ستشعل التّوترات الطّائفية في المنطقة وستدفع باتجاه إثارة الاحتجاجات في الدّاخل. ويبدو أيضًا أنّها تشير إلى نهاية سنوات من خطوات غير كاملة من قبل أسرة آل خليفة السّنية باتجاه بناء مجتمع أكثر حرية، تكون فيه الأغلبية الشّيعية من السّكان، مُمَثلة على نحو أكثر عدلًا وتتمتع بالمزيد من الفرص الاقتصادية.

وفي هذا الإطار، انتقد مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، قرار السلطات البحرينية بإسقاط الجنسية عن الزعيم الديني الشيخ عيسى أحمد قاسم، ووصفته بأنه "غير مبرر" وفقا للقانون الدولي. وقالت المتحدثة باسم المكتب رافينا شامداساني، إن "قرار البحرين إسقاط الجنسية عن الزعيم الروحي للأغلبية الشيعية في البلاد آية الله عيسى أحمد قاسم غير مبرر وفقا للقانون الدولي"

وأيضا، قال براين دولي، مدير برنامج المدافعين عن حقوق الإنسان في منظمة هيومن رايتس فيرست في مقال له نشرته صحيفة الهافينغتون بوست إن "سحب جنسية الشّيخ عيسى قاسم قد تسبب بأكبر احتجاجات شهدتها البحرين منذ سنوات، وإنه تسبب كذلك باعتصامات واسعة النّطاق خارج منزله" مشيرًا إلى أن الحكومة البحرينية تنتهج "سياسة محفوفة بالمخاطر، من المُرَجح أن تؤدي المزيد من انعدام الاستقرار وإلى جولة جديدة من الاحتجاجات الواسعة النّطاق".

ولفت دولي إلى أن "هذا يشكل الهجوم الأكثر شراسة على المجتمع المدني والمعارضة السّلمية في البحرين منذ حملة القمع العنيفة والواسعة النّطاق في العام 2011. لا يستطيع الحلفاء الأقوياء للبحرين في لندن وواشنطن التّأكيد أنّها تسير في الاتجاه الصّحيح، أو التّلويح بالإصلاحات الرّمزية كدليل على التّقدم". وقال دولي إن "الحكومات الدكتاتورية تميل إلى اكتساب السّيطرة الكاملة، حتى لو وصل بها الأمر إلى إلحاق الأذى بنفسها".

منظمة هيومن ووتش اعتبرت سحب الجنسية عن آية الله "شيخ قاسم" سيدخل البحرين في أيام سوداء، وإن قرار حكومة البحرين بسحب الجنسية عن آية الله الشيخ "عيسى قاسم" يأخذ البلاد لأيام سوداء حالكة منذ حملة العام 2011 ضد الشعب البحريني، وقالت المنظمة في بيان، انه “يجب أن تقابل هذه الإجراءات بعواقب وخيمة، وليس مجرد التعبير عن القلق".

يتضح مما تقدم أن قرار السلطات البحرينية بإسقاط الجنسية عن عدد كبير من البحرينيين المعارضين لها يعد بمثابة عقوبة جماعية للناشطين في مجال حقوق الإنسان والسياسيين، وتميزا على أساس المذهب، وتعسفا غير مبرر ضد الأغلبية السكانية، وهو سيؤدي حتما إلى إغلاق باب الحوار بين الحكومة والمعارضة إلى الابد.

وبالتالي، فان المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية بمعنية أكثر من غيرها في الوقوف إلى جانب المواطنين البحرينيين الذين سٌلبت جنسيتهم على خلفيات سياسية أو مذهبية من خلال الآتي:

- تقييم الكيفية التي نفذ بها النّظام البحريني إصلاحات حقوق الإنسان والحكومة الشاملة في السّنوات الخمس الأخيرة، فالواضح أن السلطات البحرينية ليست جادة في وضع حد للانتهاكات التي تتعرض لها الغالبية السياسية البحرينية.

- مطالبة الدول المنتجة للأسلحة بفرض الحظر عن مبيعات الأسلحة إلى الجيش البحريني وقواها الأمنية لتجنب المزيد من عمليات القمع التي تمارسها السلطات البحرينية بحق المعارضة البحرينية.

- مطالبة القضاء البحريني أن يكون طرفا محايدا في الأزمة بين الحكومة والمعارضة في البحرين.

...................................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

هـ/7712421188+964
http://ademrights.org
ademrights@gmail.com

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي