سيف الانتهاكات يقطع حبل الحقوق والحريات في السعودية
عبد الامير رويح
2016-02-15 03:56
لا تزال السلطات السعودية وعلى الرغم من التحذيرات والانتقادات الدولية تواصل انتهاكاتها المتعلقة بملف الحقوق والحريات الخاصة، ويعد سجل المملكة العربية السعودية في مجال حقوق الإنسان أحد أسوأ السجلات في العالم. وقد شهدت الفترة الاخيرة التي اعقبت تولي الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في المملكة وكما تشير بعض التقارير ازدياد تزايد الانتهاكات المرتكبة من قبل السلطات بحق الكثير من النشطاء وأصحاب الرأي المعارض، والزج بهم في السجون، وهو ما اثار مخاوف وقلق المنظمات الانسانية التي سعت ادانة مثل هكذا تصرفات، خصوصا مع غياب النظام القضائي العادل، فلاتزال السعودية تعتمد في احكامها على اراء واجتهادات وفتاوى رجال الدين المتشددين، حيث يتم تطبيق العديد من العقوبات البدنية ومنها بتر الاطراف والجلد و تطبق السعودية أيضا عقوبة الإعدام، بما في ذلك عمليات الإعدام العلنية بقطع الرأس أو الرجم أو رميا بالرصاص، وعقوبات أخرى بحق المشتبه بهم دون اتخاذ ما يكفي من الإجراءات القانونية. كما تتعرض الحكومة السعودية لانتقادات تتعلق باضطهاد الأقليات الدينية والعرقية والنساء. كما ان أفعال التعذيب وغيره من أشكال إساءة المعاملة للمعتقلين والسجناء المحكومين شائعة ومتفشية وتُرتكب بدون حساب أو عقاب بوجه عام.
موجة من الإعدامات
في هذا الشأن عاد سجل السعودية في مجال حقوق الإنسان إلى الأخبار مرة أخرى منذ يناير / كانون الثاني الماضي حينما جُلد المدون الليبرالي رائف بدوي لاتهامه بالإساءة إلى الإسلام. وفي نفس الشهر، ظهر تسجيل صادم لامرأة من بورما متهمة بالقتل وهي تصرخ: "لم أقتل" حتى لحظة قطع رأسها بالسيف في أحد الشوارع بالسعودية. وقد نفذت أحكام إعدام على أكثر من 150 شخصا حتى الآن، وهو أعلى رقم تسجله منظمات حقوق الإنسان منذ 20 عاما. وأدين هؤلاء بجرائم غير عنيفة من بينها الاتجار في المخدرات.
ويقول نشطاء حقوق الإنسان إن العديد من المحاكمات غير عادلة. ووصفت منظمة العفو الدولية أحكام الإعدام بالسعودية بأنها "موجة غير مسبوقة من الإعدامات تعد معلماً جديداً قاتماً في سجل استخدام السلطات السعودية لعقوبة الإعدام". إذا ما هي الأسباب التي تقف وراء ارتفاع أعداد هذه الإعدامات؟ يصعب الإجابة على هذا السؤال بسبب غياب الشفافية في النظام القضائي السعودي.
وقال آدم كوغل الباحث في منظمة هيومان رايتس ووتش الذي يتابع أحكام الإعدام التي تنفذها السعودية :"هناك كثير من التكهنات. لكن لا أحد يعلم الإجابة الحقيقية لأن السعوديين لم يعلنوا (الأسباب) ولن يعلنوها". وقال كوغل: "تقريبا جميع من أعدموا حوكموا بتهم القتل أو المخدرات، ومن المحتمل أن يشهد معدل الجريمة تصاعدا مع زيادة جرائم القتل وإدخال المخدرات إلى البلاد."
وهناك فكرة أخرى تتعلق بإعادة هيكلة النظام القضائي للسعودية خلال السنوات القليلة الماضية. ويقول كوغل: "ربما يكون هذا هو السبب، في ظل زيادة عدد المحاكم والقضاة، فإن النظام لديه القدرة على التعامل مع سجل متراكم من القضايا". وهناك نظرية اخرى تشير إلى أن هذه الإعدامات تأتي ضمن توجه في المنطقة بالكامل لزيادة الإعدامات، في ظل زيادة كبيرة في عقوبات الإعدام في باكستان وقرار الأردن إنهاء وقف تنفيذ أحكام الإعدام في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وأضاف كوغل: "هناك شعور بأن عدم الاستقرار على المستوى الإقليمي يشجع القادة على أن يحاولوا أن يظهروا أكثر صرامة." ومن بين الأشخاص الذي يواجهون أحكام الإعدام مسلحون ينتمون لتنظيم القاعدة ومعارضون شيعة شاركوا في احتجاجات شرقي البلاد بدأت عام 2011. واعتبر كوغل أن "أحكام الإعدام تأتي انتقاما من محتجين شيعة، بعضهم كانوا سلميين وبعضهم ربما لم يكونوا كذلك. هناك رسالة واضحة مفادها أنه إذا خرجت إلى الشوارع لتحدي آل سعود، فإنك قد تدفع الثمن في نهاية المطاف".
وتنفذ أحكام الإعدام غالبا في العلن. وتشمل الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام القتل والزنا والخيانة والشذوذ الجنسي وجرائم المخدرات والسحر والشعوذة والردة. ويقول نشطاء حقوق الإنسان إن المتهمين لا يحصلون في أغلب الأحيان على محاكمات عادلة. ولا تبلغ السلطات مسبقا عائلات السجناء بتنفيذ الإعدامات في ذويهم الذين يحكم عليهم بالإعدام.
وقال سيفاك كشيشيان، الباحث في الشؤون السعودية في منظمة العفو الدولية، إن "الإعدامات لا تمثل فقط قلقا خطيرا فيما يتعلق بحقوق الإنسان. هناك حملة ضارية وممنهجة تستهدف نشطاء حقوق الإنسان الذين يتبنون المعارضة السلمية بشكل عام من بينهم المدونون ونشطاء الانترنت". بحسب بي بي سي.
وأضاف: "إذا كنت عضوا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، فإنك تكون ملتزما بالحفاظ على أعلى المعايير في تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها." والأمر المثير للجدل هو أن السعودية أصبحت عضوا في مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في عام 2013 ولمدة ثلاث سنوات. وتشير رسائل دبلوماسية مسربة كشف النقاب عنها في وقت سابق من هذا العام إلى اتفاق بين الدبلوماسيين البريطانيين والسعوديين على دعم انتخاب كلا الطرفين للآخر في المجلس الذي يضم 47 دولة. وترفض السلطات السعودية الانتقادات الدولية بشأن سجلها في حقوق الإنسان، وتؤكد ضرورة احترام نظامها القضائي الذي يستند للشريعة الإسلامية.
السجن لمن يفكر
الى جانب ذلك أصدر القضاء السعودي حكما بالسجن أربع سنوات، بحق الكاتب زهير كتبي، ومنعه من السفر لمدة 5 سنوات ،ومن الكتابة لمدة 15 عاما، بسبب أفكاره الإصلاحية. وكان كتبي اعتقل، بعد مشاركته في مقابلة تلفزيونية تحدث فيها عن الإصلاحات الضرورية في المملكة، منها تبني النظام الملكي الدستوري ومناهضة القمع الديني والسياسي. وقضت محكمة سعودية بالسجن أربع سنوات مع وقف تنفيذ سنتين، والمنع من الكتابة 15 سنة، بحق الكاتب السعودي زهير كتبي الذي أوقف قبل أشهر لدعوته إلى إصلاحات، بحسب ما أفاد محاميه ونجله.
وغرد المحامي إبراهيم المديميغ عبر "تويتر" قائلا: "بصفتي محامي د. زهير كتبي، فقد صدر قبل قليل حكم (حكم) عليه 4 سنوات سجن ووقف تنفيذ سنـتين"، إضافة إلى "منع من الكتابة 15 عاما". كما غرمت المحكمة كتبي 100 ألف ريال سعودي (قرابة 26,67 ألف دولار أمريكي)، ومنعته من السفر خمس أعوام، بحسب ما أفاد محاميه. وأكد نجل الكاتب جميل كتبي في تغريدة على "توتير" صدور الحكم بحق والده، قائلا "لا حول ولا قوة إلا بالله.. حكم على والدي". بحسب فرانس برس.
وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أفادت في آب/أغسطس الماضي عن توقيف كتبي (62 عاما) منتصف تموز/يوليو "عقب مقابلة تلفزيونية ناقش فيها أفكاره عن الإصلاح السياسي". ونقلت عن أحد أفراد عائلته أنه احتجز "عقب ظهوره مدة ساعة في البرنامج التلفزيوني في الصميم الذي أذيع على قناة روتانا خليجية الفضائية"، مضيفا أنه "تحدث في المقابلة عما يعتبرها إصلاحات ضرورية في السعودية، منها تبني النظام الملكي الدستوري ومناهضة القمع الديني والسياسي". ولكتبي مؤلفات عدة في المجالات السياسية والدينية منها "الدفتر السياسي والديني... قراءة عصرية"، و"الستر... في الإسلام وغلو المحتسب"، وسلسلة "مقالات مكية".
اشرف القاضي مرتد
في السياق ذاته خففت محكمة أبها في جنوب غرب السعودية حكم الاعدام الذي اصدرته بحق الشاعر الفلسطيني اشرف فياض بعد ادانته بالردة. وقال المحامي عبد الرحمن اللاحم الذي استأنف حكم الاعدام في تغريدة على تويتر ان المحكمة قررت "الرجوع عن الحكم السابق القاضي بقتل المتهم بحد الردة" وحكمت عليه بالسجن 8 سنوات، وبالجلد 800 جلدة متفرقة على دفعات كل منها 50 جلدة.
واكد المحامي انه ابدى اعتراضه على الحكم الجديد مؤكدا براءة موكله وقال انه سيقدم لائحة اعتراضية عليه. وتضمن الحكم "الزام المتهم باعلان براءته مما كتب وتوبته وذلك في وسائل الاعلام الرسمية". وصدر حكم الاعدام بحق أشرف فياض في تشرين الثاني/نوفمبر بعد حكم أول صدر عن محكمة ابتدائية في 2014 بسجنه اربع سنوات وجلده 800 جلدة ورفض في الاستئناف. وقال آدم كوغل الباحث في شؤون الشرق الاوسط في منظمة هيومن رايتس ووتش ومقرها نيويورك حينها ان عضوا في مجموعة ثقافية في مدينة أبها تقدم بشكوى ضد فياض (35 عاما).
وزعم احد افراد المجموعة انه سمع فياض يقول كلاما ينم عن الكفر، فيما اتهمه رجل دين بالالحاد في مجموعة شعرية كتبها قبل عشر سنوات، بحسب كوغل. وفي المحاكمة الاولى قال شهود في المحكمة ان الرجل الذي اشتكى على فياض "يريد ان ينتقم منه". اما بالنسبة للاتهام الثاني فقد نفى فياض ان تكون مجموعته الشعرية تروج للالحاد واعتذر عن تفسيرها كذلك، ولهذه الاسباب "لم تحكم عليه المحكمة بالاعدام" في البداية، بحسب كوغل. بحسب فرانس برس.
ونفذت السعودية حكم الاعدام بحق 153 شخصا في 2015 معظمهم دينوا بتهرب المخدرات او القتل. وذكرت منظمة العفو الدولية ومقرها لندن ان عدد الاعدامات التي نفذت في السعودية في السنة الماضية هي الاعلى منذ 1995. وتعاقب السعودية التي تطبق الشريعة الاسلامية، بالاعدام جرائم الاغتصاب والقتل والردة والسطو المسلح وتجارة المخدرات والسحر.
السعودية وحقوق النساء
على صعيد متصل دافع وزير خارجية السعودية عادل الجبير عن معاملة بلاده للنساء مؤكدا تحقيق تقدم في مجال تعليم الفتيات ولكنه قال ان تمكينهن من قيادة السيارات يحتاج لبعض الوقت. وقال الجبير خلال "عندما يتعلق الامر بمسالة مثل قيادة النساء للسيارة، هذه ليست مسألة دينية، وانما مسألة اجتماعية". واضاف انه ليس من العدل التركيز على موضوع قيادة النساء، نظرا للجهود التي تبذلها المملكة في تعليم الفتيات.
وقال "انتقلنا من مرحلة لم تكن لدينا فيها مدارس للفتيات في 1960 الى التعليم الجامعي، واليوم بات 55% من طلبة الجامعات من النساء". واضاف "بعض من ابرز اطبائنا ومهندسينا ومحامينا واصحاب الاعمال هم نساء. الأمور تتقدم مثلما هي الحال في بلدان اخرى". وقارن السعودية بالولايات المتحدة وقال ان الامر استغرق مئة سنة بعد استقلال اميركا لتحصل النساء على حق التصويت، ومئة سنة اخرى لانتخاب اول امرأة رئيسة لمجلس النواب. بحسب فرانس برس.
وقال "انا لا اقول اعطونا مئتي سنة. انا اقول كونوا صبورين". واضاف "نأمل مع العالم الحديث وتكنولوجيا الاتصالات ان يتم تسريع هذه العملية، لكن الامور تأخذ وقتا. لا يمكننا أن نتوقع تسريع الأمور". ولا تزال القيود المفروضة على النساء كبيرة في السعودية حيث سمح في نهاية 2015 للنساء لاول مرة بالترشح للانتخابات البلدية. وانتقدت منظمة هيومن رايتس ووتش النظام الذكوري في السعودية الذي يحرم المرأة من استصدار جواز سفر والزواج والسفر او الالتحاق بمعاهد التعليم العالي من دون موافقة ولي امرها.