أزمة اللاجئين.. لماذا تربح داعش وتخسر اوروبا؟

عبد الامير رويح

2015-12-15 11:45

يرى العديد من المراقبين ان الصراعات المستمرة وحالة عدم الاستقرار الامني والسياسي التى تشهدها منطقة الشرق الاوسط والهجمات الارهابية الاخيرة، التي تبناها تنظيم داعش الارهابي في بعض الدول، قد اسهمت وبشكل واضح في تفاقم معاناة النازحين والمهاجرين والاقليات المسلمة، في العديد من الدول الغربية خصوصا بعد ان سعت بعض الجهات والاحزاب اليمينية المتشددة الى الاستفادة من ملف الارهاب من اجل اثارة الرأي العام ضد المهاجرين والاجانب، حيث شهدت الفترة الاخيرة تصاعد التطرف والعنف ضد المهاجرين، يضاف الى ذلك الاجراءات والقوانين الصارمة التي اتخذتها بعض الحكومات للحد من تزايد اعداد المهاجرين، وهو ما اثار قلق بعض المؤسسات والمنظمات العاملة في المجال الإنساني التي انتقدت بعض تلك الاعمال والاجراءات المخالفة لكل القيم والاعراف الدولية والانسانية.

وعدد النازحين واللاجئين في العالم بلغ 60 مليون كما أعلنت عن ذلك المفوضية الأممية العليا للاجئين في تقريرها السنوي لعام 2014، وهو ما يعتبرته "زيادة مذهلة" بعد أن كان 51,2 مليونا في العام السابق. وذكرت المفوضية بأن عددهم قبل عشر سنوات كان 37,5 مليونا. وأضافت أن الزيادة في أعدادهم منذ 2013 هي الأعلى التي تحصل في سنة واحدة. وفي 2014، أصبح 42,500 شخص يوميا لاجئين أو نازحين أو طالبي لجوء، كما جاء في التقرير.

وقال المفوض الأعلى للاجئين أنطونيو غوتيريس للصحفيين "لم نعد قادرين على إعادة لم الشمل"، مشيرا إلى عجز الوكالات الإنسانية. وأضاف "ليست لدينا الإمكانيات والموارد لمساعدة جميع ضحايا النزاعات". وسجل هذا الارتفاع الكبير منذ 2011 مع اندلاع النزاع السوري الذي بات يتسبب في أكبر عملية تهجير ونزوح للسكان في العالم.

وأحصت المفوضية العليا للاجئين في السنوات الخمس الأخيرة اندلاع أو معاودة 14 نزاعا على الأقل وهي ثلاثة في الشرق الأوسط (سوريا والعراق واليمن) وثمانية في أفريقيا (ليبيا ومالي وجنوب السودان وشمال نيجيريا وساحل العاج وجمهورية أفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديموقراطية إضافة إلى بوروندي وواحد في أوروبا (أوكرانيا)، وثلاثة في آسيا (قرغيزستان وعدد من مناطق بورما وباكستان). وفي 2014 وحده، تمكن 126800 لاجئ فقط من العودة إلى مناطقهم، وهو أدنى عدد خلال 31 عاما. ويشكل الأطفال أكثر من نصف اللاجئين.

اغلاق الحدود

في هذا الشأن قال المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنطونيو جوتيريس إن رفض دول دخول اللاجئين السوريين لأنهم مسلمون يوفر دعما لتنظيم داعش وجماعات متطرفة أخرى. وقال في مؤتمر صحفي "عندما يقول الناس إنهم لا يستطيعون استقبال اللاجئين السوريين لأنهم مسلمون.. فإن من يقولون ذلك يدعمون المنظمات الإرهابية ويتيحون لها أن تكون أكثر فاعلية في تجنيد الناس".

وقالت مصادر بأجهزة مخابرات وبالشرطة إن واحدا على الأقل من منفذي هجمات باريس جاء عبر البلقان إلى غرب أوروبا متظاهرا بأنه لاجئ سوري. لكن قبل هجمات باريس كانت دول أوروبية كثيرة تتحدث بالفعل عن إغلاق حدودها أمام اللاجئين - أو تقوم بذلك بالفعل - بسبب الأعداد الهائلة. وجاء جانب كبير من الحديث الذي يربط بين اللاجئين وأعمال العنف من الولايات المتحدة حيث شبه بن كارسون الذي يسعى للفوز بترشيح الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة 2016 اللاجئين السوريين "بكلب مسعور يجري في أنحاء الحي" وقال إن السماح بدخولهم سيضع الأمريكيين في خطر.

واقترح المرشح المنافس دونالد ترامب إغلاق المساجد لمنع المسلمين في الولايات المتحدة من أن يصبحوا متطرفين. وبعد هجمات باريس قالت ولايات تكساس وأركنسو وألاباما وميشيجن إنها ستغلق أبوابها في وجه اللاجئين السوريين وصوت أعضاء مجلس النواب الامريكي بأغلبية ساحقة لصالح تعليق برنامج الرئيس باراك أوباما لقبول عشرة آلاف لاجئ سوري وتشديد عملية الفحص التي يخضعون لها.

وقال جوتيريس وهو رئيس وزراء سابق للبرتغال إنه متعاطف مع دافع الحكومات للاعتماد على استراتيجيات مكافحة الإرهاب لكن سيكون دربا من الوهم الاعتقاد بأن مكافحة الإرهاب والعمل العسكري وحدهما سيحلان المشكلة. وقال جوتيريس خلال إطلاق مناشدة إنسانية قياسية للأمم المتحدة لجمع 20.1 مليار دولار مساعدات انسانية لعام 2016 "جزء أساسي من هذا هو إقناع المجندين المحتملين في منظمات إرهابية بأن هذا ليس الطريق السليم للتعبير عن غضبهم أو مخاوفهم أو وجهات نظرهم الخاصة." بحسب رويترز.

وقال إن هجمات في أوروبا قد تكون مرتبطة بشخص أو اثنين دخلا مع التدفق الهائل للاجئين لكنها في جوهرها مشكلة نمت في الداخل ولن يحلها إغلاق الحدود. وأضاف "كلما زاد ما يقال أو يتم من الأعمال العدائية للاجئين السوريين لأنهم مسلمون زادت الفرص (للدولة الاسلامية) والجماعات الأخرى لتجنيد أشخاص داخل حدود دول أوروبية لعمل الأشياء القذرة التي نشاهدها الآن."

شجب واستنكار

في السياق ذاته شجب بعض المسلمين في باكستان دعوة دونالد ترامب المرشح الرئاسي الجمهوري المحتمل بفرض حظر على دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة واتهموه بالتعصب الديني وإذكاء العنف. وسرعان ما أثار تصريح ترامب "عن منع هجرة المسلمين" انتقادات حادة من اتجاهات مختلفة في الداخل منها البيت البيض وبعض منافسيه الساعين للفوز بترشح الحزب الجمهوري لخوض انتخابات الرئاسة في 2016.

وفي تعقيبه على حادث إطلاق زوجين مسلمين النار في كاليفورنيا بعد أن قال مكتب التحقيقات الاتحادي إن لهما داوفع متطرفة دعا ترامب إلى فرض حظر كامل على دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة "وحتى يتمكن ممثلو البلاد من فهم ما يجري." وقالت أسماء جاهانجير وهي واحدة من أبرز محاميات باكستان في قضايا حقوق الإنسان "هذا تصريح في غاية الغرابة ولا أريد حتى ان أعلق عليه." واستطردت "هذا أسوأ نوع من التعصب الديني المخلوط بالجهل. أتصور أن شخصا يطمح إلى أن يكون رئيسا للولايات المتحدة ليس بحاجة إلى التنافس مع ملا جاهل اجرامي النزعة في باكستان يشجب الناس الذين يدينون بدين آخر... ورغم أننا لسنا متقدمين مثل الولايات المتحدة لم ننتخب قط اناسا من هذا النوع لتسلم السلطة في باكستان."

وقال طاهر أشرفي رئيس مجلس العلماء وهو أعلى مجلس لرجال الدين في باكستان إن تصريحات ترامب تشجع العنف. وقال "إذا قال زعيم مسلم إن هناك حربا بين المسيحيين والمسلمين ندينه فلماذا لا ندين أمريكيا إذا قال نفس الشيء؟" وأضاف أن تنظيم "داعش مشكلة في سوريا لا مشكلة في الدين. إذا حللت القضية السورية ستحل 75 في المئة من مشكلة داعش."

وقال المتحدث باسم الخارجية الإندونيسية ارماناتا نصير إن حكومته لا تعلق على الحملات الانتخابية لدول أخرى وأضاف أن بلاده أوضحت موقفها من الإرهاب. وقال "بوصفنا دولة بها أكبر عدد من المسلمين في العالم تؤكد إندونيسيا أن تعاليم الإسلام تحض على السلام والتسامح. الأعمال الإرهابية ليست لها أي علاقة بأي دين أو دولة أو عرق."

وقال دين شمس الدين رئيس الجمعية المحمدية ثاني أكبر منظمة إسلامية في إندونيسيا إن تصريحات ترامب مزحة. وأضاف "إنه لأمر مثير للضحك أن هناك شخصا في عصر العولمة ضيق الأفق لدرجة منع بعض الناس من دخول أمريكا." وأدلى ترامب بتصريحاته أمام حشد في ساوث كارولاينا وقال "ليس لدينا خيار" محذرا من هجمات على غرار هجمات 11 سبتمبر إذا لم يتم اتخاذ إجراءات صارمة. بحسب رويترز.

وطالب الملياردير قطب العقارات والذي غالبا ما يستخدم لغة عرقية بالمنع الكامل للمسلمين من دخول الولايات المتحدة إلى أن يتخذ الكونجرس إجراء بشأن هذه المسألة. وتأتي تصريحات ترامب بعد المذبحة التي وقعت في سان برناردينو بكاليفورنيا وقام بها زوجان مسلمان. وكان الزوج سيد رضوان فاروق قد ولد في الولايات المتحدة. أما الزوجة تشفين مالك فولدت في باكستان ثم انتقلت إلى الولايات المتحدة قادمة من المملكة العربية السعودية. وقال مكتب التحقيقات الاتحادي إن الاثنين كانا متطرفين.

وقت طويل

من جانب اخر قال مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين أنطونيو جوتيريس إن العالم انتظر وقتا أطول من اللازم كي يرد على أزمة اللاجئين التي نجمت عن الحروب في سوريا ومناطق أخرى على الرغم من أن الدول الغنية فهمت الآن على ما يبدو حجم المشكلة. وقال جوتيريس "للأسف لا يلاحظ الأغنياء وجود الفقراء إلا بعد أن يدخل الفقراء باحات الأغنياء. "لم يكن هناك إدراك في العالم المتقدم لمدى خطورة هذه الأزمة إلا بعد أن شهدنا دخول هذه الحركة الضخمة أوروبا. "لو كان لدينا في الماضي دعم ضخم أكبر لتلك الدول في العالم النامي التي تستقبلهم وتحميهم لما حدث هذا."

وأثار الوصول المفاجيء لعشرات الآلاف من اللاجئين من سوريا والعراق وأفغانستان ومناطق أخرى إلى أوروبا بعد أن تخلى كثيرون منهم عن مخيمات اللاجئين في تركيا أو الأردن أو لبنان خلافا حادا بين دول الاتحاد الأوروبي بشأن كيفية استيعابهم. وفي حين أظهرت حكومات مثل ألمانيا ترحيبا أكبر فقد قاومت دول أوروبا الشرقية خططا لتخصيص حصص لتوزيع اللاجئين. بحسب رويترز.

ويناضل لبنان وتركيا والأردن منذ سنوات لاستيعاب ملايين النازحين من الحرب الأهلية الدائرة في سوريا. وقال جوتيريس إن‭ ‬"اللاجئين يعيشون على نحو أسوأ وأسوأ. "فلا يسمح لهم بالعمل والأغلبية الساحقة منهم تعيش تحت خط الفقر. من الصعب بشكل أكبر أن يكون لديهم أمل في المستقبل. "بدون سلام في سوريا وبدون دعم كبير للدول المجاورة ..‭ ‬نغامر بحدوث نزوح ضخم" للاجئين من تركيا والأردن ولبنان. وشكك أيضا في بعض التقديرات بما في ذلك تقديرات المجر بأن معظم من وصلوا إلى أعتاب أوروبا من البلقان مهاجرون اقتصاديون وليسوا لاجئين يستحقون الحماية. وقال إن معظمهم لاجئون حقيقيون.

علاج نفسي

من جانب اخر اضطرت أزمة اللاجئين في أوروبا الأطباء إلى تطوير وسائل علاج نفسي جديدة تتجاوز العلاج التقليدي وذلك لمساعدة ضحايا الصدمات المتعددة مثل الاغتصاب والحرب والتعذيب. فمن بين مئات الآلاف الهاربين من سوريا وأفغانستان وغيرها من البلاد التي تشهد حروبا من المرجح أن تعاني أعداد ليست بالقليلة من أمراض نفسية من بينها إضطرابات مركبة لما بعد الصدمات وفقا لدراسات نشرت في دوريات علمية مرموقة.

ويعاني المصابون بهذا المرض من تكرار عودة الذكريات المؤلمة ونوبات الذعر وقد يصيبهم بالأرق والاضطرابات العاطفية ويقلل من قدرتهم على الاستقرار في موطن جديد. ويقول إخصائيون إن استخدام الوسائل العلاجية المتعارف عليها لضحايا الصدمة الواحدة في ظروف مستقرة مثل الجنود العائدين أو الناجين من حوادث السيارات لن يعالج أزمة الصحة النفسية لدى المهاجرين بنفس الفاعلية. ولذلك بدأ الأطباء النفسيون في أوروبا تطوير مهاراتهم على وسائل علاجية نفسية جديدة نسبيا تركز على المهاجرين.

والطبيبة النفسية الايطالية أوريليا باربيري واحدة من عدد قليل من الخبراء المتطوعين على الخطوط الأمامية في أوروبا. وتعمل باربيري مع منظمة أطباء بلا حدود الخيرية في مخيمات مؤقتة لاستقبال اللاجئين في صقلية وتقدم ما تصفه بإسعافات نفسية للمهاجرين الوافدين بعد أن أمضوا شهورا أو سنوات في الهروب عبر الصحراء أو عن طريق ليبيا ثم عبور البحر. وقالت "في كثير من الأحيان يقولون إنهم تعرضوا للسجن والضرب طوال اليوم أو إطلاق النار عليهم أو للحرق بالمياه المغلية. لقد عوملوا معاملة الحيوانات."

يوضح بحث نشر في دورية نيتشر سايكايتري في نوفمبر تشرين الثاني أنه تم تشخيص حالات نحو نصف 23 لاجئا فحصهم أطباء في درسدن بألمانيا بانهم يعانون من إضطرابات ما بعد الصدمة. وفي اقليم راجوزا بصقلية تقول منظمة أطباء بلا حدود إن الفحص أظهر أن نحو 40 في المئة ممن يعانون من آثار نفسية كانوا مصابين بهذا المرض.

وقالت باربيري إنهم يعانون من نوبات الذكريات المرعبة ويحسبون أنهم مصابون بالجنون. وأضافت "ما أرجو أن أفعله أولا هو الاستماع إليهم. فعندما يشعرون أنهم في مكان محصن يمكن أن يبدأوا الحديث عن الصدمة التي عاشوها." ويقول خبراء في مؤسسة هيلين بامبر الخيرية البريطانية التي تدعم الناجين من انتهاكات حقوق الانسان إن بعض اللاجئين يفقدون القدرة على الثقة بالآخرين أو تكوين علاقات إيجابية.

ويقول مينا فاضل أخصائي الصحة النفسية للاجئين بجامعة أكسفورد إن هذا يجعل العلاج أكثر صعوبة وفي الوقت نفسه أكثر أهمية إذا كان للاجئين أن تتاح لهم فرصة الحياة الجديدة ولبلادهم المضيفة أن تنجح في دمجهم فيها. وذكر مقال نشر في دورية لانسيت عام 2005 لاستعراض 20 دراسة تبحث في الامراض النفسية بين 7000 لاجيء أعيد توطينهم في دول غربية أن احتمال الإصابة بأعراض ما بعد الصدمة يزيد بينهم عشرات المرات تقريبا عن المعدل المعتاد بين عموم السكان. وخلصت الدراسة إلى أن "عشرات الآلاف من اللاجئين واللاجئين السابقين الذي أعيد توطينهم في دول غربية مصابون على الأرجح باضطرابات ما بعد الصدمة."

ورغم أن اللجوء ليس ظاهرة جديدة فلم يحدث سوى في العقد الأخير أن طور الأطباء النفسيون وسائل لمعالجتهم على وجه التحديد لعوامل منها أن الاستجابة الدولية تركز على احتياجاتهم من المأكل والملبس والمأوى. بحسب رويترز.

وتقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن عدد النازحين في مختلف أنحاء العالم بلغ 59.5 مليون شخص في نهاية عام 2014 بالمقارنة مع 51.2 مليون عام 2013. ولا تتوقع الأمم المتحدة أن يخف سيل اللاجئين الوافدين إلى أوروبا وتقول إن المعدل الحالي الذي يبلغ نحو 8000 لاجيء يوميا ربما يتضح أنه "قمة جبل الجليد".

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي