هرم التشريعات الاتحادية في العراق ودرجة إلزامها
2024-02-14 10:04
ماذا نعني بـ(التشريعات)؟ وماهي المبادئ الدستورية العامة التي تُعتمد في إصدارها؟ وماهي أنواع التشريعات التي ذكرها الدستور؟ ومن له حق إصدارها؟ وماهي درجة الإلزام في كل تشريع؟ وماذا لو تعارضت التشريعات فيما بينها؟
يُعرف التشريع بأنه (كل نص قانوني مكتوب يصدر عن السلطات التي تمتلك حق إصداره) وفي العراق تلتزم السلطات العامة في إصدار التشريعات، بحسب الدستور العراقي الدائم لسنة 2005، بأربعة مبادئ أساسية، وردت في مادتين، وهي (1. لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام "المادة 2/ أولا- أ" 2. لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية "المادة 2/ أولا- ب "3.لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور "المادة 2/ أولا- ب "4. لا يجوز سن قانون يتعارض مع هذا الدستور، ويُعد باطلاً كل نص يرد في دساتير الأقاليم أو أي نص قــانونيٍ آخــر يتعارض معه "المادة 13/ ثانيا".
كما نص الدستور العراقي الدائم على توزيع صلاحيات إصدار التشريعات بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، على النحو الآتي (1. يختص مجلس النواب... بتشريع القوانين الاتحادية "المادة 61/ أولا" 2. يتولى رئيس الجمهورية... إصدار المراسيم الجمهورية "المادة 66/ سابعا" 3.يمارس مجلس الوزراء... إصدار الأنظمة والتعليمات والقرارات بهدف تنفيذ القوانين "المادة 80/ ثالثا".
ولضمان التزام السلطات التشريعية والتنفيذية بإصدار التشريعات على وفق ما محدد لها، فقد أناط الدستور العراقي مهمة الفصل في شرعية التشريعات إلى المحكمة الاتحادية العليا "المادة 93" على وفق ما يأتي (أولا: - الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة.ثانيا: - تفسير نصوص الدستور.ثالثا: - الفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية والقرارات والأنظمة والتعليمات والإجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية...).
وهذا يعني أن الدستور العراقي الدائم، قد ذكر عدة أنواع من التشريعات، وهي (الدستور) و(القوانين) و(المراسيم الجمهورية) و(الأنظمة) و(التعليمات) و(القرارات) و(الإجراءات) ويمكن تقسيمها من حيث درجة الالتزام بها إلى الآتي:-
1. التشريع الأساسي أو الدستور: يعد أسمى القوانين وأعلاها درجة، ويقصد به مجموعة القواعد الأساسية التي تبين شكل الدولة ونظام الحكم فيها، فالدستور يبين توزيع الاختصاصات بين السلطات العامة في الدولة (السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية) وعلاقة كل من هذه السلطات بالأخرى، كما يبين ما لأفراد المجتمع من حريات عامة وحقوق تجاه الدولة.
وهناك أربعة طرق لسن الدساتير بصفة عامة: ١- أن يصدر الدستور في صورة منحة من الحاكم (الملك أو صاحب السلطان في الدولة).٢- أن يصدر الدستور في صورة عقد بين الحاكم وممثلي الشعب.٣- أن يصدر الدستور عن طريق هيئة تأسيسية منتخبة من الشعب خصيصًا لهذا الغرض. ٤- أو أن يصدر الدستور عن طريق الاستفتاء، حيث تضع السلطة التنفيذية مشروع الدستور، ثم تعرضه على الشعب للموافقة عليه. ويحتل الدستور قيمة البناء القانوني في الدولة، فهو يعلو على جميع قوانينها، وتخضع له كل سلطاتها، ولا يجوز لأي قاعدة مخالفة أحكامه.
2. التشريع العادي: وهو يلي الدستور في المرتبة، ويقصد به كل ما تصدره السلطة التشريعية في الدولة في حدود اختصاصها المبين بالدستور، ويطلق على هذا النوع من التشريع اسم "القانون" مثل قانون الأحوال الشخصية وقانون الاستثمار... إلخ.
ويصدر التشريع العادي على أربع مراحل عن طريق السلطة التشريعية:
١- اقتراح التشريع: ويتم عن طريق إعداد مشروعات قواعد قانونية وتقدميها للسلطة التشريعية لمناقشتها وإقرارها. ويستطيع رئيس الجمهورية أو مجلس الوزراء أو أحد أعضاء المجلس أن يقترح التشريع. ٢- مناقشة وإقرار مشروع القانون: حيث تتم مناقشة مشروع القانون من اللجنة البرلمانية، ويتم طرح المشروع على المجلس لمناقشته والتصويت عليه مادة مادة، ثم يؤخذ الرأي على المشروع ككل. ٣- عدم اعتراض رئيس الجمهورية: حيث يحال مشروع القانون إلى رئيس الجمهورية، حيث أن الدستور أعطاه الحق في الاعتراض على ما يسنه المجلس من قوانين. ٤- إصدار التشريع: الإصدار هو عمل يقصد به تسجيل الوجود القانوني للتشريع، فهو بمثابة شهادة ميلاد التشريع وتكون مُسندًا لتنفيذه.
3. التشريع الفرعي: وهو التشريع الذي تضعه السلطة التنفيذية بمقتضى الاختصاص المقرر لها في الدستور. وإن كان الأصل أن السلطة التنفيذية تتولى مهمة تنفيذ القوانين التي تسنها السلطة التشريعية، مثل (المراسيم الجمهورية) و(الأنظمة) و(التعليمات) و(القرارات) و(الإجراءات) ويعتبر التشريع الفرعي أدنى التشريعات درجة.
وعلى هذا الأساس فان شرعية التشريع الأدنى تعتمد على موافقتها للتشريع الأعلى، أي أن التشريع الأدنى مثل (القرارات) لا يجوز لها أن تخالف التشريع العادي مثل (القانون) والتشريع العادي (القانون) لا يجوز له أن يخالف التشريع الأسمى أي الدستور. وإذا حدث شيء من ذلك وجب تغليب حكم التشريع الأعلى.
والسؤال هنا؛ هل السلطة التنفيذية (مجلس الوزراء) مخولة بشكل مطلق في إصدار التشريعات الفرعية كالأنظمة والتعليمات والقرارات والأنظمة الداخلية أم يتطلب وجود نص في القانون، بحيث لا يجوز للسلطة التنفيذية إصدار الأنظمة أو التعليمات أو القرارات والأنظمة الداخلية دون وجود هذا النص؟
الرأي الأول: يرى هذا الاتجاه أن الدستور العراقي اعطى حق لمجلس الوزراء أن يصدر الأنظمة والتعليمات والقرارات من أجل تنفيذ القوانين حصرا، حيث نص الدستور في المادة "80/ ثالثا" على (يمارس مجلس الوزراء... إصدار الأنظمة والتعليمات والقرارات بهدف تنفيذ القوانين) وبما أن تشريع القوانين من اختصاص مجلس النواب، استنادا إلى نص البند (أولا) من المادة (٦١) فهو الذي يقدر حاجة القانون إلى إصدار نظام أو تعليم أو قرار، فإذا أراد أن يكون للقانون معين نظام أو تعليم أو قرار فانه لابد أن ينص على ذلك في القانون ذاته، وهذا يعني انه لا يجوز لمجلس الوزراء أن يصدر الأنظمة والتعليمات والقرارات دون وجود نص صريح في القانون.
وهو الاتجاه الذي سار عليه مجلس الدولة، ومن قبله مجلس شورى الدولة، ومن قبله ديوان التدوين القانوني، ومؤدى ذلك عدم جواز إصدار تعليمات أو نظام داخلي دون نص في القانون يصرح بذلك. ولكن ماذا عن القرارات التي تصدر عن مجلس الوزراء؟ وماذا عن (التوجيهات) التي تصدر عن رئيس مجلس الوزراء، وهما التشريعان الأكثر تطبيقا من غيرهما من التشريعات؟
الرأي الثاني: يرى الاتجاه الثاني أن الدستور حين نص على اختصاص السلطة التنفيذية في إصدار الأنظمة والتعليمات والقرارات اللازمة لتنفيذ القوانين، فإن الإدارة تمارس هذا الحق دون حاجة إلى نص في القانون يخولها إصدار تلك الأنظمة أو التعليمات أو القرارات. وليس للسلطة التشريعية أن تحرم السلطة التنفيذية منها، بل هناك رأي من الفقه من يذهب بأن لا فائدة من نص القانون على إصدار التشريع الفرعي طالما أن الحكومة دائمة الحق فيه استنادا إلى الدستور.
لكن هناك بعض التشريعات لم ينص عليها الدستور أو القوانين العادية، مثل ما يُعرف بـ(القرارات التشريعية) التي يصدرها مجلس النواب، ومثل ما يُعرف بـ(التوجيهات) التي يصدرها رئيس مجلس الوزراء فما هو الأساس القانوني لها؟
فيما يتعلق بالقرارات التشريعية فان مجلس النواب يرى أن من حقه إصدار هذه القرارات التشريعية، كما أنها ملزمة للحكومة بقوة الدستور. وقد أشار قانون مجلس النواب وتشكيلاته رقم (13 لسنة 2018) في المادة (17/سابعاً) منه بأن (لمجلس النواب إصدار قرارات تشريعية) وهذه الفقرة جاءت على سبيل الإطلاق، وأنها تجيز لمجلس النواب العراقي أصدر قرارات تشريعية في أي شأن كان إلا أن المحكمة الاتحادية فقد قضت بموجب قرارها المرقم(140/2018) في تاريخ 23/12/2018 ، بأن الدستور العراقي أوضح في المادة (61/أولاً) صلاحية مجلس النواب بتشريع القوانين الاتحادية ولم ينص على تخويله إصدار قرارات تشريعية عدا ما نص الدستور عليه في مواضعها على تخويله إصدار عدد من القرارات ضمن المواد الواردة في الدستور، ومنها المادة(52/ثانياً) التي أجازت الطعن في قرار مجلس النواب الخاص في صحة عضوية أعضاء المجلس أمام المحكمة الاتحادية العليا، خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدوره. وتلك الصلاحيات التي نصت عليها المادة (61) من الدستور. لذا فإن نص المادة (17/سابعاً) من القانون المذكور لا سند له من الدستور.
وأما فيما يتعلق بتوجيهات السيد رئيس مجلس الوزراء، فان المادة (15) من النظام الداخلي لمجلس الوزراء، رقم (٢) لسنة ٢٠١٩، الصادر، استناداً إلى أحكام المادة (٨٥) من الدستور. نصت على (يقوم الرئيس بتوجيه نوابه والوزراء، ومن هم بدرجة وزير ورؤساء الجهات غير المرتبطة بوزارة ومتابعة أدائهم ويتابع حسن عمل الوزارات وينسق بينها.) كما نصت المادة (33) من النظام الداخلي لمجلس الوزراء بشأن مهمات الأمانة العامة لمجلس الوزراء (تاسعا: متابعة تنفيذ البرنامج الحكومي وقرارات المجلس وتوجيهاته، وتقديم التقارير اللازمة بشأن تنفيذها).
نخلص مما تقدم:
1. إن التشريعات العراقية على ثلاثة أنواع، وهي تشريعات دستورية، وتشريعات عادية، وتشريعات فرعية؛
2. ينبغي أن يصدر التشريع الأدنى موافق للتشريع الذي هو أعلى، ولا يجوز أن يصدر أي تشريع في كل الأحوال مخالف للدستور، كونه القانون الأعلى والأسمى؛
3. إن الدستور العراقي أناطه مهمة إصدار القوانين بالسلطة التشريعية حصرا (مجلس النواب) ولم يتطرق إلى ما يعرف بـ(القرارات التشريعية).
4. إن الدستور العراقي أناطه مهمة إصدار الأنظمة والتعليمات والقرارات بالسلطة التنفيذية (مجلس الوزراء) وأناطه مهمة إصدار (المراسيم) بالسيد رئيس الجمهورية، إلا أن الدستور لم يتطرق إلى التشريعات الفرعية الأخرى، وأهمها (توجيهات) السيد رئيس مجلس الوزراء أو الأنظمة الداخلية.