القانون الدولي اللاإنساني
احمد طلال عبد الحميد البدري
2023-11-08 08:14
يعد القانون الدولي الانساني او ما يعرف بـ (قانون الحرب) او (قانون النزاعات المسلحة) احد فروع القانون الدولي العام وهو يستند بالاساس الى قواعد الحرب العرفية قبل تدوينها بموجب اتفاقات دولية، وابرز قاعدة فيه هي قاعدة (التفرقة) الملازمة للحروب منذ الازل والتي تعني التمييز بين المقاتل حامل السلاح وبين المدني الذي لايحمل السلاح او المقاتل الذي ترك سلاحه.
لذا فان القانون الدولي الانساني بمفهومه المعاصر وبعد التجربة المريرة في فضائع الحرب العالمية الثانية يتمحور حول نوعين من القواعد القانونية الدولية الملزمة، الاولى تتعلق بالقواعد التي تهدف الى الحد من اثار النزاع المسلح دون الخوض باسباب وجهة بدأ النزاع، والمجموعة الثانية من القواعد تهدف الى حماية الاشخاص الذين لايشتركون في الحرب او توقفوا عن المشاركة فيها او المتواجدين في مناطق النزاع المسلح دون ان يحملوا السلاح او المساهمة باعمال عدائية، كما تهدف الى الحد وتقييد اساليب الحرب المستخدمة وفقاً لما يعرف بقواعد الحرب التي تستمد مصدرها من الاتفاقيات الدولية وابرزها اتفاقيات جنيف الاربعه لعام 1949 التي مدت نطاق الحماية حتى للمتلكات الثقافية اثناء النزاع المسلح، وسمي هذا القانون بالقانون الدولي الانساني لان قواعده تهدف الى توفير الحد الادنى او المقبول من الحماية للسمة الانسانية للمجتمع البشري والتخفيف من معاناة المدنيين الذين يكونون بالغالب ضحايا هذه النزاعات وتقديم المعونات الطبية والغذائية لهم، وما شهدناه في الحرب التي شنها الكيان الصهيوني على قطاع غزة المحتل يشكل خرق صارخ لهذه القواعد من ذات الدول التي ساهمت في وضعها ونقصد بذلك المجتمع الغربي والدول المنتصرة بعد الحرب العالمية الثانية، مما يدلل على ازدواجية معايير التطبيق وفشل المجتمع الدولي ومؤسساته في تطبيق قواعد هذا القانون، وسنركز في هذا المقال على ابرز القواعد التي تعرضت للخرق وكما يأتي:
استهداف المدنيين
خرق مبدأ الحماية : حيث تم استهداف المدنيين العزل في قطاع غزة والطواقم الطبية العاملة وكذلك العاملين في مجال الاغاثة والمستشفيات ومخازن الاغذية وتعرضهم الى قصف شديد غير مبرر سبب معاناة كبيرة، حيث بلغ عدد الشهداء (8) ثمانية الالاف شهيد بضمنهم (3) ثلاثة الالاف من الاطفال، حيث يعتبر القانون الدولي استهداف المدنيين من جرائم الحرب، وتم على اساس ذلك محاكمة كبار القادة العسكريين الالمان في محكمتي ( طوكيو) و( نورنبرغ) عن جرائم الحرب والابادة الجماعية.
تدمير سبل بقاء المدنيين على قيد الحياة: حيث تم تدمير المنازل واتلاف مخازن الاغذية والمحاصيل ومصادر المياه والطاقة والماشية وتجويع المدنيين.
خرق مبدأ حق المرضى والجرحى في الحصول على الرعاية الطبية: من قبل طرفي النزاع، حيث تم قصف المستشفيات المأهولة بالمرضى والمصابين وقطع الاتصالات ومصادر الطاقه واستهداف الاطقم الطبية ومنع دخول الادوية والاسعافات الاولية في قطاع غزة المحاصر.
خرق مبدأ استخدام الاسلحة الفتاكه : يحظر القانون الدولي الانساني اطراف النزاع المسلح اللجوء الى التكتيكات والاسلحة التي من شأنها احداث معاناة واضرار لامبرر لها، حيث ترتب على استخدام القوة المفرطه والاسلحة الفتاكة تدمير البنى التحتية للمدنيين في قطاع غزة واحداث معاناة للمدنيين لامبرر لها بعد فشل الكيان الصهيوني في ادارة النزاع المسلح وفق قواعد الحرب.
خرق مبدأ حضر استهداف الاشخاص غير القادرين على القتال: حيث تم استهداف المقاتلين الجرحى والاجهاز عليهم وقتل الاسرى والتنكيل بهم من خلال اعمال جيش الدفاع الاسرائيلي الانتقامية ضد مقاتلي حماس.
شن الحرب بدون تخويل من مجلس الامن: يمنع القانون الدولي الانساني وميثاق الامم المتحدة لعام 1945 من شن الحروب وارود استثنائين على هذا المبدأ الاول جواز ذلك للدفاع عن النفس ضد اي هجوم مسلح، او بتخويل صادر من مجلس الامن في الامم المتحدة، وفي حرب طوفان الاقصى لايمكن للكيان الصهيوني المحتل تبرير شن الحرب تحت ذريعه الدفاع عن النفس، امام حق الشعب الفلسطيني المحتله اراضية والذي يملك حق المقاومة وتحرير اراضيه المحتلة وتقرير مصيره، فالمحتل غاصب لارض الغير ولاتعد اعمال المقاومة اعمال عدوانية على الدولة المحتلة، كما ان الدولة المحتلة لم تقم بواجباتها تجاه سكان الدولة المحتلة والتفرقه بين المقاومين والمدنيين العزل.
خرق مبدأ الضرورة العسكرية: وهذا المبدأ يستوجب الاستخدام المحدود للقوة العسكرية لتحقيق الغرض من النزاع المسلح لضمان الحد الادنى من الضحايا وعدم تدمير الموارد والممتلكات الخاصة والثقافية بغض النظر عن مشروعية النزاع او الطرف الذي بدأ فيه.
خرق مبدأ الحماية: حيث فشل المجتمع الدولي والمنظمات الدولية في تحقيق مبدأ الحماية في النزاع المسلح في الدائر في قطاع غزة، بعد ان اخذ على عاتقه بعد اهوال الحرب العالمية الثانية وفضائعها بعدم تكرار الابادات الجماعية والفضائع الانسانية والتجويع والتهجير القسري اثناء الحروب، وفي حال فشل الدول المعنية بتحقيق هذه الحماية، فعلى المجتمع الدولي والدول الاوسع نطاقاً التدخل لمنع جرائم الابادة والفضائع الجماعية، وقد اثبت الواقع فشل وتواطىء المجتمع الدولي في تحقيق هذا المبدأ وتعرض المدنيين في غزه لابادة جماعية، رغم تعهد رؤساء الدول والحكومات بتحقيق هذا المبدأ في مؤتمر القمة العالمي عام 2005.
تم خرق قواعد اتفاقية لاهاي الدولية لحماية الممتلكات الثقافية في النزاع المسلح لعام 1954 حيث تم تدمير الكثير من دور العبادة والمناطق الاثرية التي تحفظ الهوية الثقافية لسكان هذه المنطقه.
تم خرق اتفاقية حضر وتقييد الاسلحة التقليدية المفرطه التي تسبب الضرر وعشوائية الاثر لعام 1980 حيث لم يتم الاكتفاء بذلك وانما تم استخدام اسلحة غير تقليدية كالفسفور الابيض المحرم دولياً والقنابل الارتجاجية والفراغية الاكثر فتكاً.
اخفاق المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي من التحرك لتطبيق نظام روما الاساسي بشأن محاكمة مجرمي الحرب والتي اشأت بموجب المادة (1) منه والتي تمارس اختصاصاتها على الاشخاص مرتكبي الجرائم الاكثر خطورة، رغم تمتع المحكمة المذكورة بشخصية قانونية دولية اللازمة لممارسة اختصاصاتها وتحقيق مقاصدها، وباالرغم من كون اختصاصاتها محدودة على الدول الاطراف في النظام، الا ان ذلك لايمنع من محاسبة مرتكبي الجرائم المنصوص عليها في هذا النظام وهي جرائم الابادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب والعدوان المنصوص عليها في المواد (6) و(7) و(8) من النظام الاساسي، وهذا يقتضي قيام الدول الاطراف في الاتفاقية التي تملك حدودا على تماس مع النزاع المسلح التحرك لتفعيل اختصاص المكمة المذكورة استناداً للمادة (14) من النظام التي اجازت للدولة الطرف في الاتفاقية ان تحيل للمدعي العام في المحكمة اي حالة يبدو فيها جريمه او اكثر من جرائم من الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة، ولم نلاحظ مثل هذا التحرك الا من قبل الجانب المصري حيث تم دعوة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ( كريم خان) لزيارة معبر رفح الحدودي واطلع على الاجراءات المضادة من الجانب الاسرائيلي لمنع وصول المساعدات والاغاثات للمدنيين في غزة وهذه تعد احد جرائم الابادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية، اذ للمدعي العام مباشرة التحقيقات من تلقاء نفسه وفقاً للمعلومات التي ترد اليه والتي تتعلق بوقوع احد الجرائم المنصوص عليها في نظام روما الاساسي.
ما تقدم جزء من الخروقات التي لحقت بقواعد القانون الدولي الانساني الذي يطبق بصورة انتقائية في المنازعات المسلحة كانما وضع لحماية المدنيين في الدول الغربية فقط مما يؤشر فشل النظام الدولي في تحقيق الحماية والسلام والحد من اثر المنازعات المسلحة ويحق لنا ان نقول انه القانون الدولي الانتقائي واللا انساني …ومن الله التوفيق.
.....................................................................................................
* الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.