الاتجار بالبشر.. جريمة استغلال تجرد العالم من انسانيته

مروة الاسدي

2015-09-09 12:09

بات الاتجار بالبشر يشكل ابرز الآفات التي يتعرض لها العالم بشكل عام والبلدان النامية بشكل خاص في الآونة الأخيرة بأشكالها كافة، ويصنف في المرتبة الثالثة بعد تجارة المخدرات والسلاح، من حيث المردودات المالية التي تحققها، فكأننا نشهد عودة ظاهرة العبودية ولكنها تتخذ صوراً وأشكالاً مختلفة، من خلال استعباد بعض الإفراد أو استعمالهم واستغلالهم بشتى الطرق، وهذا يعد شكلا من أشكال الرق وانتهاكاً لحقوق الإنسان ومختلف القيم الإنسانية والسماوية، لان الله عز وجل كرم الإنسان بوصفه أثمن ما في الوجود كما قال في كتابه الكريم (ولقد كرمنا بني ادم) حيث خلقه الله حرا ولكن بعض المجرمين محو أدميته وجعلوه سلعة تباع وتشترى.

ويقسم الباحثون الاتجار بالبشر إلى ثلاثة أنواع هي الاتجار لأغراض السخرة، والاتجار للاستغلال الجنسي، والاتجار بالأعضاء البشرية، ويشمل الرجال والنساء والأطفال الذين يقعون ضحية الخطف، والقسر، والخداع أو الإكراه، أو الاستدراج لممارسة أشكال مهينة من الأعمال لمصلحة المتاجرين بهم، ويتعرضون لمختلف أشكال الإساءة الجسدية والنفسية.

فالرجال يعملون بالإجبار(العمل ألقسري) في ظروف غير إنسانية ولا تعطى لهم حقوقهم، وأما النساء فيعملن عادةً في الخدمة المنزلية أو الاستغلال الجنسي وخدعة الزواج، وبالنسبة للأطفال يتم استخدامهم ألقسري كمتسولين أو باعة جوّالين، أو بيعهم تحت مسمى التبني، بالإضافة إلى تجنيدهم في صفوف المقاتلين في التنظيمات الإرهابية والإجرامية.

فأصبح الاتجار بالبشر من أخطر الجرائم بحق الأفراد والمجتمعات، ويواجه ضحاياه أقصى أنواع العنف الذي يتراوح بين التعرض لهجمات الكلاب والخنق والاغتصاب وصولا إلى رمي الجرحى في المياه وتركهم لمواجهة مصيرهم المأساوي فضلا عن مشاكل صحية حادة وذلك بغض النظر عن المجال الذي ينتهي بهم الأمر للعمل فيه وفق ما توصل إليه باحثون في دراسة متخصصة.

ونظرا لتفاقم هذه الظاهرة في الآونة الأخيرة فلا بد من السعي لمعالجتها على كافة المستويات فلم تعد محلية الطابع وإنما أصبحت دولية تستدعي تضافر الجهود كافة لمواجهتها والحد منها، وقد رصدت (شبكة النبأ المعلوماتية) بعض الأخبار والدراسات نستعرض أبرزها في التقرير أدناه.

ضحايا الاتجار بالبشر

في السياق ذاته أجرى الباحثون في أكبر دراسة على الإطلاق عن صحة ضحايا الاتجار بالبشر مقابلات مع أكثر من 1100 رجل وامرأة وطفل في جنوب شرق آسيا أجبروا على العمل في 15 قطاعا على الأقل بينها العمل في المصانع وخدمة المنازل والدعارة والصيد، وقالت كاثي زيمرمان وهي إحدى الباحثين في مقابلة مع رويترز "على الرغم من أننا جميعا نسمع عن أهوال تهريب البشر لكن عندما تصلك نتائج احصائية مماثلة كهذه فهي تنبئك بأن هذه الكوابيس ليست حالات منعزلة وليست بالضرورة أسوأ القصص التي رويت على سمعك". بحسب رويترز.

وتناولت معظم الدراسات السابقة صحة النساء اللاتي تم بيعهن للعمل في تجارة الجنس، ووجدت الدراسة أنهن وقعن ضحايا الاتجار بالبشر وأجبرن على العمل في المصانع والخدمة في المنازل أو تم بيعهن كزوجات واجهن مشاكل نفسية أسوأ بكثير من أولئك اللاتي عملن في تجارة الجنس.

في حين أن الرجال الذين كانوا ضحايا الاتجار بالبشر وخدموا في مجال الصيد عملوا أطول فترات على الإطلاق بلغت نحو 19 ساعة يوميا طوال أيام الأسبوع وأمضوا في المتوسط 16 شهرا في البحر، وأبلغ أحد الرجال الباحثين في الدراسة أنه بقي في عرض البحر نحو عشر سنوات في حين أبلغهم آخرون انهم شاهدوا قباطنة السفن التي عملوا عليها وهم يلقون بالصيادين الجرحى في عرض البحر للتخلص من عبئهم.

وقالت زيمرمان "كانت عمليات قتل بالتأكيد على مرأى من شهود"، وأوردت الدراسة أن النساء اللاتي تم بيعهن كزوجات هن من واجهن أبشع أشكال العنف، وقالت زيمرمان "الدراسة تظهر لنا بوضوح جلي أن الاتجار بالبشر لا يتعلق فقط بتجارة الجنس بل ايضا باستغلال الضحايا في عدد كبير من القطاعات التي يستفيد منها على الارجح الكثير منا".

وكشف نصف من أجريت معهم مقابلات أنهم تعرضوا لسوء معاملة جسدية أو جنسية كما واجه الكثير منهم عنفا مفرطا إذ تعرضوا لهجمات من الكلاب الشرسة أو السكاكين وفي بعض الأحيان تعرضوا للحرق أو محاولة الخنق، وأشار 70 في المئة من الرجال والنساء ونحو 35 في المئة من الأطفال إلى أنهم لم يتمتعوا بأي قدر من الحرية على الإطلاق.

الهند

حين سعى الشاب الوسيم لخطب ودها لم تصدق سونيترا أن الحظ ابتسم لها وهي التي ولدت لأسرة تعيش في فقر مدقع بمنطقة سونداربانس بجنوب الهند التي هي واحدة من اكثر مناطق العالم تأثرا بالتغير المناخي، لم يكن لدى الشابة الهزيلة البالغة من العمر 18 عاما أمل يذكر فقد دمر الفيضان في العام السابق منزلها ليترك أسرتها في مواجهة ضائقة مالية طاحنة. بحسب رويترز.

كان كل ما تحتاجه بداية جديدة وبدا عرض الزواج من عريس من خارج البلدة مثاليا، قبل بالزواج منها دون أن تدفع أسرتها مهرا وسرعان ما فر الحبيبان، لكن بعد زواجهما بقليل وفي زيارة الى حيدر اباد حبسها زوجها في شقة استعدادا لتسليمها لتجار جنس قادمين من دبي، اتضح بسرعة أن الزواج كان خدعة.

قالت الفتاة باكية على خيانة "زوجها" الذي كانت تعتقد أنه موظف بشركة تأمين في باريبور وهي بلدة على بعد نحو 30 كيلومترا من كولكاتا "فقدت ماء وجهي بعد أن هربت من أسرتي ووثقت في هذا الرجل"، وسونيترا واحدة من اكثر من خمسة آلاف تظهر السجلات الجنائية أنهم اختفوا عام 2012 من ولاية البنغال الغربية.

وتعتبر جزر سونداربانس التي تكسوها الغابات نقطة ساخنة للإتجار بالشر على نحو متزايد بسبب تأثيرات التغير المناخي مثل الأعاصير وارتفاع مستويات البحر وخسارة الأرض نتيجة التعرية والمياه المالحة وهو ما يؤدي لتفاقم الفقر وتدهور ظروف المعيشة والمزيد من اليأس، وتظهر بيانات المكتب الوطني لسجلات الجريمة لولاية البنغال الغربية زيادة بنسبة 600 في المئة في البلاغات عن "مختفين" بين عامي 2002 و2013.

وفي عام 2002 اختفى 831 شخصا وبحلول عام 2013 بلغ العدد 4573، وعلى مدار عشر سنوات تم الإبلاغ عن اختفاء 30690 بالغا وطفلا وهو رقم تعتبر منظمات محلية غير حكومية تعمل مع ضحايا الإتجار بالبشر أنه أقل من الواقع بكثير، ويقول سوبهانكار جولدار الذي يدير جمعية للرعاية الاجتماعية "الكثير من الآباء خاصة آباء الشابات لا يبلغون الشرطة، يخشون بشدة من وصمة العار او يعتبرونه أمر واقع"، وجمعية هالدارتشوك تشيتنا منظمة غير حكومية مقرها في كاكدويب تقول إنها أنقذت اكثر من 100 طفل من ضحايا الإتجار بالبشر بمساعدة الشرطة منذ عام 2007.

ويضيف أن الخطة كلاسيكية متكررة.. تقع شابات في براثن شبان زائرين "من خلال وعود بالزواج تأخذ طابعا رسميا عن طريق الأسرة، متى يتم الزواج ينتقلون الى كالكوتا او اي مدينة أخرى يزعم الرجل أن عمله فيها"، ويقول جولدار إنه فيما بعد تجبر الفتاة على العمل بالدعارة وقد يعود "الزوج" لاستهداف منطقة أخرى في سونداربانس او حتى يعود الى القرية نفسها ويلقي باللوم على الفتاة بدعوى أنها هربت وهو ما يصمها ويلحق العار بأسرتها وبالتالي لا يبلغ الأهل الشرطة.

وتقر سونيترا بأن أبويها ارتابا في خطيبها "لأن هذا الرجل لم يطلب مهرا، " لكنها تعترف بأن صديقة لها تزوجت مثلها من شخص من خارج البلدة قبل بضعة أعوام وأنها كانت "تحسدها"، وتقول "كنت أظن أن هذا لا يمكن أن يحدث لي أبدا، وحين بدا أنني يمكن أن أذهب أنا الأخرى الى المدينة وأعيش في سعادة لم أتردد".

وتضيف أن خطيبها كان يعاملها دائما جيدا، وتشير الى أن الضغوط المتزايدة على أسرتها لعبت أيضا دورا في حرصها على الزواج منه وتقول "الفقر وضربات الطبيعة المتواصلة كانت أكثر مما يحتمل"، ويقول جولدار إن تجار البشر يزدادون براعة في أساليب استغلال نقاط الضعف في شعب حذر بطبيعته الى حد كبير، وأضاف "فيما مضى كانوا مجرد تجار وكانت النساء يتجنبنهم... الآن يستعين التجار بشبان يتميزون بالوسامة من المنطقة نفسها لهم مصداقية وفرص أفضل للزواج رسميا من الفتاة".

فيما تحاول السلطات الهندية التصدي لازدهار ظاهرة بيع الأطفال تحت مسمى التبني، من خلال إصلاح نظام التبني القانوني، في الوقت الذي تسجل البلاد 15 حالة خطف لطفل في الساعة الواحدة على الاقل، ففي الآونة الأخيرة، بيع طفل بمبلغ ثمانية ألاف دولار في وكالة "فاستراك انترناشونال" في ضواحي نيودلهي، دون ان يوجه لاهله اي سؤال. بحسب فرانس برس.

وعند دفع المبلغ، أصبح الطفل مباشرة في عهدة المشترين، بحسب الشرطة التي دهمت مقرات هذه الوكالة، ويقول ديبندرا باتهاك المسؤول الرفيع في شرطة نيودلهي لوكالة فرانس برس ان الحصول على طفل بات امرا سهلا جدا في الهند، فالسجلات التي ضبطها عناصره تشير الى بيع 23 طفلا في بضعة اشهر، وان 76 عملية اخرى كانت قيد التنفيذ.

وتشمل هذه العمليات اطفالا يخطفون من المستشفيات بالتعاون مع اطباء وممرضين، وتسجل في الهند سنويا مئة الف حالة خطف لاطفال، اي ما يعادل 15 حالة خطف كل ساعة، بحسب الارقام الرسمية التي تعتبرها بعض المنظمات غير الحكومية اقل من الواقع، واذا كان التبني يعتمد في جزء منه على اطفال تخلى عنهم والدوهم لعدم القدرة على اعالتهم، الا ان جزءا آخر من هذه التجارة بات يقوم على الاطفال المسروقين من المستشفيات والمحطات في المدن الكبرى.

ويقول الخبراء ان الراغبين بالتبني يلجأون الى هذا السوق غير الشرعي لان التبني القانوني يتطلب الكثير من الاجراءات المعقدة في بلد معروف بالبيروقراطية الثقيلة، وتعمل في الهند وكالات عدة تعنى بشؤون التبني ويقدر عددها بنحو مئة، لكن البعض يفضلون عدم الانتظار للحصول على طفل في الوقت الذي يمكن فيه ان يحصلوا على طفل مباشرة فور دفع المال، بحسب لورين كامبوس نائبة مدير وكالة بالنا، احدى اعرق وكالات تبني الاطفال في دلهي، والتي تدير ايضا دارا للأيتام.

وتقول "يرى المجرمون انهم قادرون على استغلال مشاعر الناس، ولديهم متواطئون معهم في المؤسسات" المعنية، مشيرة الى انها لاحظت انخفاضا في اعداد الاطفال الذين يصلون الى مؤسستها للعناية بهم، وتسجل في الهند اعداد مرتفعة للاطفال المتروكين او الايتام، رغم عدم وجود احصاءات رسمية.

لكن عدد حالات التبني بلغ اربعة الاف فقط في العام الماضي مقارنة مع ستة الاف في العام 2012، وتقول مانيكا غاندي وزيرة المرأة والاطفال انها تنوي وضع اسس جديدة لنظام التبني واطلاقه مجددا، بحيث لا تطول مدة الحصول على طفل لمن يرغبون ذلك بوسائل قانونية، واعداد قاعدة بيانات على المستوى الوطني لتسهيل هذه العمليات مع الزام كل وكالات التبني بالمشاركة فيها.

وتضيف "في حال بسطنا اجراءات التبني، سيكف الناس عن خطف الاطفال"، ويرحب الناشط الحقوقي بهوان ريبهو بهذا التوجه الحكومي، ويؤكد ان التعقيد الحالي في نظام التبني يشجع وكالات التبني الفاسدة على خطف الاطفال والاتجار بهم، ويقول "الناس يخافون من انتظار المسار القانوني للتبني".

ويضيف هذا الناشط الذي يعمل في منظمة "حركة انقاذ الطفولة" ان العملية التي نفذتها السلطات في دلهي لم تكشف سوى غيض من فيض ما يجري، وفي هذه العملية، ادعى شرطي وشرطية متخفيان انها زوجان يرغبان في التبني، وقد عرض عليهما طفل في الثانية من العمر، ويروي احد جيران هذه المنطمة التي اقفلتها السلطات لمراسل فرانس برس "كنت ارى حشودا من الازواج من كل الاعمار يصطحبون اطفالا، وحين اسأل ماذا يجري يقولون لي انها منظمة غير حكومية".

جنوب شرق اسيا

1100 دولار هو الثمن الذي طلب من سليم تسديده للفرار من بورما غير ان المهربين الذين تفككت شبكاتهم بسبب السياسة التايلاندية الجديدة حيالهم تخلوا عن المركب وركابه وعن تجارة كانت مربحة للغاية حتى الان، ويعتمد مهربو المهاجرين غير الشرعيين في جنوب شرق اسيا وسيلة جديدة تقضي بمطالبة الركاب بتسديد المبالغ المطلوبة منهم عند الوصول وغالبا ما تكون قبلتهم ماليزيا التي يامل معظم افراد اقلية الروهينغا المسلمة المضطهدة في بورما في اللجوء اليها وايجاد عمل فيها. بحسب فرانس برس.

وباتت شبكات المهربين الناشطة منذ سنوات تمتد الان من غرب بورما مرورا بعرض سواحل بنغلادش وحتى شواطئ جنوب تايلاند، وفي تايلاند يجني المهربون ثمار الرحلات اذ تقول مجموعات مدافعة عن حقوق الانسان انه بعد الوصول الى جنوب تايلاند يتم احتجاز المهاجرين غير الشرعيين في مخيمات اقيمت في وسط الادغال بانتظار ان تقوم عائلاتهم او اصدقائهم بتسديد الفي او ثلاثة الاف دولار لقاء اطلاق سراحهم، واحيانا يباع بعضهم الى مزارع او مصانع في ماليزيا.

ويشكل مركب على متنه 400 مهاجر بعضهم طلب الهجرة بنفسه وبعضهم الاخر تم خطفه ما مجموعه 800 الف دولار بحسب منظمة "فريلاند" غير الحكومية التي تساعد الشرطة التايلاندية على التحقيق في هذا الاتجار بالبشر، وحين غادر سليم ورفاقه في الرحلة بورما، لم يكن بوسعهم ان يعلموا بان تايلاند ستعمد الى تفكيك المخيمات الكثيرة التي اقيمت في جنوب البلاد ما سيقطع عليهم الطرق التي كان المهاجرون يسلكونها حتى ذلك الحين.

وقال الرجل الثلاثيني لوكالة فرانس برس متحدثا من مركب تائه في البحر على مقربة من السواحل التايلاندية "لم ادفع شيئا بعد... نريد الذهاب الى ماليزيا"، وعلى المركب التائه في البحر منذ اكثر من شهرين حوالى 300 طفل وامراة ورجل من اقلية الروهينغا، ونزولا عند ضغوط شديدة يمارسها عليها الغربيون والمنظمات غير الحكومية من اجل معالجة مسالة الاتجار بالبشر، اطلقت تايلاند في مطلع ايار/مايو حملة في قلب الادغال في مناطقها الجنوبية ضد هذه المخيمات التي يستخدمها المهربون لعبور المهاجرين غير الشرعيين.

وفي سياق هذه الحملة تم اكتشاف عدد من المقابر الجماعية، وادت السياسة التايلاندية الجديدة الى فرار المهربين تاركين مئات المهاجرين لمصيرهم في البحر او في مخيماتهم في الادغال، واصدرت تايلاند في هذا السياق اكثر من ستين مذكرة توقيف منذ مطلع ايار/مايو وعمدت الى نقل اكثر من خمسين شرطي كما ان القضاء يبحث عن نائب عن ولاية ساتون يدعى باجوبان اونغاشوتيفان يعرف بلقب "كو تونغ" او "الشقيق الاكبر تونغ".

واوضح رجل اعمال من المنطقة لوكالة فرانس برس طالبا عدم كشف اسمه ان النائب المطلوب "كان يراقب كل الصفقات" مضيفا "لست ادري ان كان ضالعا في انشطة التهريب ام لا، لكن ان كان شخصا يقوم باعمال غير قانونية، فلا بد ان يعرف ذلك"، وقال ماثيو سميث من منظمة "فورتيفاي" غير الحكومية ان "معظم المهربين من بورما وماليزيا يؤكدون ان قادة الشبكات التايلانديين يحصلون على حصة الاسد من هذه التجارة".

وعلى ضوء المبالغ الطائلة المترتبة عن هذه الانشطة والتي بلغت حوالى 250 مليون دولار منذ 2012 بحسب ماثيو سميث، فهذا يعني ان البعض حقق ثروات وان الكثيرين تقاضوا عمولات، وطاولت الحملة التايلاندية الشبكة على جميع مستوياتها، ففي 8 ايار/مايو في منطقة كوكس بازار حيث يعيش حوالى 300 الف لاجئ من الروهينغا، قتل ثلاثة مهربين في تبادل اطلاق نار مع الشرطة وبينهم دولو حسين الذي يشتبه بانه هرب اكثر من الف مهاجر من بنغلادش كما تم توقيف 16 مهرب.

وقال طفيل احمد الشرطي في ولاية كوكس بازار ان هؤلاء المهربين "كانوا بحارة وصيادي سمك في ما مضى، لكن ازدهار الانشطة المرتبطة بالهجرة غير الشرعية جعلت منهم متاجرين بالبشر"، كما انضم العديد من الروهينغا الى شبكات تهريب المهاجرين، دفعهم الى ذلك الياس والفقر والجشع، لكن انور حسين (25 عاما) المقيم في مخيم كوتابالونغ للمهاجرين في بنغلادش يقول "كيف لنا ان نلومهم؟ الوظائف نادرة... ولا افق امامنا يسمح لنا باختيار الخير بدل الشر".

تفكيك شبكة إجرامية

في حين تمكنت الشرطة الأوروبية "يوروبول" من تفكيك شبكة إجرامية تضم 77 شخصا، غالبيتهم من دول أوروبا الشرقية، مختصة في تهريب المهاجرين من كوسوفو إلى دول الاتحاد الأوروبي، عملية كبيرة لشرطة الاتحاد الأوروبي شارك فيها نحو 400 ضابط، تمكنت من تفكيك عصابة كبيرة لتهريب المهاجرين من كوسوفو عبر حدود الاتحاد الأوروبي الجنوبية الشرقية. بحسب فرانس برس.

وقالت الشرطة الأوروبية (يوروبول) في بيان إنه تم القبض على 77 شخصا يشتبه بانتمائهم لعصابة تهريب المهاجرين، وقد نفذت العملية في الوقت الذي يتزايد فيه القلق في جميع أنحاء أوروبا من تزايد أعداد المهاجرين الذين يصلون إلى الحدود الجنوبية والشرقية في أوروبا وكثير منهم فروا من الفقر والصراع في منطقة الشرق الأوسط، غالبية المهربين من دول أوروبا الشرقية.

وقالت "يوروبول" إن المهاجرين من كوسوفو وهو إقليم سابق في صربيا فيه أغلبية ألبانية يتعين عليهم دفع حوالي 2800 يورو لكل شخص أو 7000 يورو للأسرة بأكملها مقابل القيام بالرحلة من كوسوفو إلى فرنسا، وقالت الوكالة التي تتخذ من لاهاي مقرا لها إن الشبكة الإجرامية جندت المهاجرين في كوسوفو الذين سافروا بعد ذلك من تلقاء أنفسهم لصربيا المجاورة والتقوا بالمهربين الذين هربوهم على الحدود المجرية إلى الاتحاد الأوروبي.

واعتقل ما مجموعه 46 شخصا يوم الثلاثاء في ألمانيا والنمسا وجمهورية التشيك وفرنسا والمجر وكوسوفو وسلوفاكيا. وصادرت السلطات مركبات ووثائق سفر مزورة وأكثر من 52 ألف يورو نقدا، وألقي القبض على 31 عضوا آخرين من نفس الشبكة في مداهمات سابقة، وكان معظم المشتبه بهم الذين اعتقلوا من كوسوفو وجمهورية التشيك وسلوفاكيا وصربيا والبوسنة ومقدونيا.

تايلاند والصين

من جهتها قالت الشرطة التايلاندية إنها ألقت القبض على خمسة أشخاص بتهمة الاتجار في البشر وإرسال نساء تايلانديات إلى الصين لاستعبادهن جنسيا ويعتقد أنهم جزء من عصابة تهرب النساء أيضا إلى ماليزيا وسنغافورة، تأتي الاعتقالات بعد أسبوع من قرار الولايات المتحدة الإبقاء على تايلاند ضمن قائمة لأسوأ مراكز الاتجار بالبشر بالعالم، وقالت الحكومة التايلاندية إنها تأمل في أن ترفع واشنطن اسمها من القائمة السوداء بعد حملة نفذتها. بحسب رويترز.

وقال سوميوت بومبانموانج قائد شرطة تايلاند للصحفيين "تايلاند عازمة على مواجهة الاتجار بالبشر والقضاء عليه"، واتهمت تايلاند في يوليو تموز 72 شخصا بينهم 15 مسؤولا بوجود صلات تربطهم بالاتجار بالبشر بعدما وصفته الشرطة التايلاندية بأنه أكبر تحقيق على الإطلاق في هذه الجريمة.

وقال سوميوت إن السلطات الصينية تعاونت مع سلطات تايلاند في القضية الأخيرة بعد أن فرت امرأة تايلاندية من خاطفيها في إقليم تشونغتشينغ الصيني، وقالت المرأة للشرطة الصينية إنها أجبرت هي وثلاث نساء أخريات على ممارسة الجنس مع رجال بعد جذبهن للمجيء إلى الصين على وعد بالحصول على وظائف كمضيفات عبر موقع إلكتروني، وقال سوميوت إن شرطة تايلاند اعتقلت أربع نساء ورجلا وأصدرت مذكرات اعتقال بحق أربعة من المشتبه بهم الآخرين، وقالت الشرطة التايلاندية إن السلطات الصينية ألقت القبض على صينيين يشتبه بأنهما جزء من عصابة الاتجار بالبشر.

كمبوديا

من جانبهم يقول الكمبوديون إنه عندما يصل مهربو البشر إلى قرية فإنهم يجلبون معهم عاصفة ودموعا في تجربة تقول آيا التي بيعت للعبودية وهي في سن السادسة عشر إنها لن تنساها ابدا، وقصتها هي محور فيلم "ذا ستورم ميكرز" وهو وثائقي من إخراج المخرج الفرنسي الكمبودي جيوم سوون الذي أمضى ثلاثة أعوام يصور ضحايا الاتجار بالبشر والمهربين في البلد الفقير بجنوب شرق آسيا. بحسب رويترز.

ويقدم الفيلم تصويرا تقشعر له الأبدان للعالم السفلي للاتجار بالبشر ويصور حياة نساء مثل آيا التي عادت من حياة العبودية بالخارج إلى جانب النساء اللواتي يكن على استعداد للرحيل عن البلاد على أمل أن يجنين ما يكفي من المال لإعالة أسرهن، كما يصور الفيلم مهربا يزعم أنه باع أكثر من 500 فتاة كمبودية بعضهن في سن الرابعة عشرة دون أن تعتقله الشرطة.

وقال سوون (32 عاما) لمؤسسة تومسون رويترز "قصة آيا هي مثال قوي يوضح كل الأسباب التي يتحول بها الكمبوديون إلى ضحايا للاتجار بالبشر"، ويعيش قرابة 20 في المئة من الكمبوديين الآن تحت خط الفقر وتفتقر البلاد لشبكة رعاية اجتماعية لدعم الأسر الفقيرة كما أن مؤسساتها لا تزال تصارع للتعافي من الدمار الذي خلفه نظام الدكتاتور بول بوت في أواخر السبعينيات.

وعادت آيا وهي الآن في العشرينات من عمرها مؤخرا إلى إقليم باتامبانج في شمال غرب كمبوديا بعد أن جرى تهريبها إلى ماليزيا للعمل خادمة، وبسبب إعاقة والديها عرض مهرب على الأسرة أن يهرب آيا واعدا بأنها ستتمكن من العمل في وظيفة آمنة في ماليزيا وستتمكن من إرسال النقود لهم، لكن مخدومها كان يسئ معاملتها لذا فقد هربت لكنها تعرضت للاغتصاب في تلك الليلة وحملت نتيجة الاغتصاب.

وتقول أمها في الفيلم عن الطفل "في بعض الأحيان أتمنى لو تبيعه"، وتشعر الأم بالكراهية تجاه الطفل الذي تعتبره فما آخر ينبغي إطعامه، وتقول آيا "كان لابد أن أموت هناك"، وعلاقتها بطفلها مضطربة بسبب العنف الذي تعرضت له، وتقول إنها تضرب الطفل عندما تفكر في والده وما فعله معها.

وبسبب الفقر المدقع ولا سيما في المناطق الفقيرة يضطر عشرات الالاف كل عام للعمل في تايلاند وماليزيا وتايوان والشرق الأوسط يجتذبهم وعد العمل في وظائف مربحة، ويقول المهرب بو هوي في الفيلم "استهدف أكثر الناس فقرا.. هؤلاء يسهل غوايتهم وتجنيدهم، معظمهم لا يستطيع القراءة وليس لديه ما يخسره. حتى المصانع لا تريدهم. لا أحد يريدهم سواي".

إدارة أوباما تواجه انتقادات

وعلى صعيد اخر انتقد عدد من الساسة الأمريكيين إدارة الرئيس باراك أوباما بشدة بسبب تقرير عالمي سنوي عن الاتجار في البشر ردا على مقال لرويترز يسرد كيف خفف دبلوماسيون أمريكيون كبار تصنيف أكثر من عشر بلدان ذات اهمية استراتيجية للولايات المتحدة. بحسب رويترز.

ووصف السناتور الديمقراطي بوب منينديز ما جاء في المقال بأنه "مزعج وغير مقبول إذا كان صحيحا" وكتب في حسابه على تويتر "علينا أن نسبر غور هذا" في جلسة استماع بمجلس الشيوخ من المقرر أن تعقد يوم الخميس لمراجعة تقرير الإتجار في الأشخاص لعام 2015 .

وأظهر فحص أجرته رويترز استند إلى مقابلات مع أكثر من عشرة أشخاص في واشنطن وعواصم أخرى أن دبلوماسيين كبارا فرضوا رأيهم مرارا على المكتب الذي انشأته وزارة الخارجية لاجراء تقييم مستقل للجهود العالمية لمحاربة الإتجار في البشر وضغطوا على المكتب لتحسين التقييمات الخاصة بأربعة عشر بلدا في تقرير هذا العام.

وقالت المصادر إن من بين الدول التي حصلت على تصنيفات أعلى من التصنيفات التي أوصى بها مكتب مراقبة ومحاربة الإتجار بالأشخاص ماليزيا وكوبا والصين والهند واوزبكستان والمكسيك، وقال السناتور الأمريكي ماركو روديو وهو أيضا يطمح لأن يكون مرشحا جمهوريا للرئاسة "إنه لأمر مخز أن يسمح الرئيس أوباما لحفنة من المرتزقة السياسيين بأن يغيروا تقرير الإدارة عن الإتجار بالبشر لصالح منتهكين دائمين مثل كوبا وماليزيا" واصفا ذلك بأنه "سابقة خطيرة".

وروديو ومنينديز عضوان في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ التي ستستجوب هذا الأسبوع سارة سيوول التي تشرف على مكتب مكافحة تهريب البشر بصفتها وكيلة وزير الخارجية الأمريكي لأمن المدنيين والديمقراطية وحقوق الإنسان، وألقى جيب بوش حاكم فلوريدا السابق -وهو طامح آخر لأن يكون مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة- بثقله، وقال "يجب أن يشعر أوباما ووزارة الخارجية بالخزي بسبب تحايلهم السياسي المحض بقضايا الإتجار في البشر في كوبا".

وقالت المصادر إن محللين في مكتب محاربة الإتجار بالبشر لم يوافقوا المكاتب الدبلوماسية الأمريكية بشان تصنيف 17 بلدا في التقرير الذي نشر في 27 يوليو تموز، وطبقا للمصادر فإن المحللين وهم متخصصون في تقييم جهود محاربة الرق الحديث -مثل الإتجار غير المشروع في البشر لعمالة السخرة أو الدعارة- لم ينتصروا إلا في ثلاثة فقط من تلك الخلافات وهو أسوأ معدل منذ إنشاء المكتب قبل 15 عاما.

وجرى تحسين ترتيب كوبا وماليزيا وأوزبكستان رغم اعتراضات المكتب. وقد يمهد تحسين ترتيب ماليزيا الطريق الي اتفاق طموح اقترحته الولايات المتحدة لإقامة منطقة للتجارة الحرة مع الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا و11 بلدا آخر، ويشير عدد التوصيات المرفوضة إلى درجة لم يشهدها المكتب من قبل لتدخل دبلوماسيين أمريكيين في تقرير يمكن ان يؤدي إلى فرض عقوبات، وعبرت جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان وبعض المسؤولين السابقين بوزارة الخارجية عن قلقهم من أن مثل هذه التدخلات تقوض مصداقية التقرير السنوي.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي