السلطة التشريعية ووظائفها وطرق اختيار أعضائها
من نظر السيد مرتضى الشيرازي
جميل عودة ابراهيم
2023-03-01 05:55
تنقسم سلطة الدولة على ثلاث سلطات هي السلطات (التشريعية والتنفيذية والقضائية) والسلطة التشريعية هي السلطة العليا في هرم السلطات الثلاثة. ولها أسماء متعددة أهمها: البرلمان، الجمعية الوطنية، مجلس الأمة، مجلس الشعب، مجلس النواب، والكونجرس...الخ. وتتألف السلطة التشريعية في الدول الدستورية من مجموعة من الأفراد، يُطلق عليهم نوابا وممثلين. ويجري انتخابهم أعضاء في السلطة التشريعية عن طريق الشعب في عملية انتخاب أو اقتراع عام سري ومباشر، باستخدام الأساليب الديمقراطية.
تتكون السلطة التشريعية من مجلس واحد في بعض الدول، يُسمى (نظام المجلس الفردي) وقد تتكون من مجلسين في دولٍ أخرى، ويُسمى (نظام المجلسين). وهي تختص بمجموعة من الوظائف الأساسية على وفق مبدأ الفصل بين السلطات، منها الوظيفة التشريعية، والوظيفة الرقابية، والوظيفة المالية، إلى جانب مجموعة أخرى من الاختصاصات، التي تختلف من دستور إلى دستور مثل زيادة الضرائب، والمصادقة على ميزانية الدولة، والمصادقة على الاتفاقيات الدولية والخارجية...الخ.
والسؤال هنا كيف فهم المسلمون و(الدول الإسلامية) السلطة التشريعية؟ وماهي وظائف السلطة التشريعية في النظام الإسلامي؟ وماهي الآليات اللازمة لاختيار أعضاء السلطة التشريعية؟ وما هو دور المجتمع الإسلامي أو شعوب الدولة الإسلامية في اختيار أعضاء هذه السلطة؟
لا شك أن المجتمعات البشرية الصغيرة منها والكبيرة، بحاجة إلى سلطة، تتولى إدارة تلك المجتمعات، وتنظيم شؤونها، وحل مشكلاتها. ولأن إدارة الدولة وتنظيم شؤونها في الأغلب تحتاج إلى إدارات متعددة، تختص كل إدارة بمجال معين من مجالات إدارة الدولة، فقد جرى توزيع السلطة على الأقل على ثلاث سلطات متخصصة. سلطة مختصة بالتشريع والرقابة، وتُعرف بـ(السلطة التشريعية) وسلطة مختصة بالتنفيذ والمحاسبة، وتُعرف بـ(السلطة التنفيذية) وسلطة مختصة بالفصل بين المتنازعين، أفرادا وجماعات، وتُعرف بـ(السلطة القضائية).
وهناك مبدأ دستوري عام تنص عليه عموم الدساتير الحديثة وهو أن (الشعب مصدر السلطات) وتضع تفاصيل للكيفية التي يمارس الشعب هذه السلطة، إما بشكل مباشر وإما غير مباشر من خلال مؤسسات تشريعية يجري انتخاب أعضائها بشكل مباشر وفق قوانين محددة وواضحة.
هذا المبدأ؛ نص عليه الدستور العراقي النافذ (2005) مع بعض التفاصيل للكيفية التي يمارس بها، حيث نصت المادة (5) من الدستور على أن (السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها، يمارسها بالاقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته الدستورية) وقد بينت المحكمة الاتحادية العليا في قرار لها، أن الشعب مصدر السلطات، وأن أعضاء مجلس النواب هم الممثلون لذلك الـــــــــشعب، ومن خلال مجلس النواب تبنى المؤسسات الدستورية.
يرى النظام الإسلامي أن السلطة في جميع أبعادها (التشريعية والتنفيذية والقضائية) نشأت من اللَّه، ومن ثمّ انتقلت إلى الأنبياء وأوصيائهم، ثمّ الصالحين والعلماء في الأمم. حيث تستمد السلطات الثلاث وغيرها من السلطات الفرعية شرعية وجوده ومشروعية نشاطها من الله عز وجل وحده، كونه هو الحاكم الحقيقي في هذا الوجود، فهو الذي شرّع القوانين، وهو الذي يمنح الشرعية للسلطات كلها طبقا للشرائط والأوامر.
وهذا المفهوم يمكن الاستدلال عليه من خلال مجموعة من الآيات القرآنية. مثال ذلك، قوله تعالى (وَمَنْ لَّمْ يَحكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُوْلئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ)، وقوله (وَمَنْ لَّمْ يَحكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُوْلئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، وقوله (وَمَنْ لَّمْ يَحكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُوْلئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ).
والمستفاد من هذه الآيات هو أنّ الحاكمية ونفوذ الحكم والأمر في عالم الوجود، وفي عالم الشريعة مختصّ في ذات اللَّه المقدّسة. والحاكمية بمعنى التشريع، وهكذا القضاء والحكومة بمعنى التنفيذ كلّها تنشأ منه تعالى، ومن يرغب في التصدّي لبعض هذه الأمور فلابدّ أن يكون ذلك بإذنه وأمره سبحانه. وقد خاطب اللَّه عزّ وجلّ النبي داود عليه السلام وهو ملك لأحد أوسع الحكومات في التاريخ البشري: (يَادَاوُدُ انَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً في الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ).
إذن يمكن أن يقال إن الحكومة الإسلامية ليس لها بعد شعبي، بل هي أكثر ما تكون نوعاً من دكتاتورية الصالحين، ولكن هذا ليس صحيحا تماما، لأنّ مبدأ الشورى الذي تقرّر في الشرائع التوحيدية كقضيّة أساسية في الحكومة، وأكّد عليها النصّ القرآني، ويشهد له فعل نبي الإسلام صلى الله عليه وآله، يدلّ على أنّ اللَّه هو (مالك الملك) و (أحكم الحاكمين) وهو الذي أمر بالمشورة مع الناس في أمر الحكومة وإشراكهم في هذا الشأن. ومن هنا تكون الحكومة التوحيدية والإسلامية حكومة (دينية شعبية) ويعني ذلك الاهتمام بآراء الناس بأمر إلهي وذلك في إطار مبادئ العقيدة والأحكام الإلهيّة طبعاً.
النتيجة هي أنّ الناس – مثلًا - عندما يتوجّهون إلى صناديق الاقتراع في الحكومة الإسلامية لانتخاب رئيس الجمهورية أو نوّاب المجلس فأنهم يلاحظون هذه النقطة، وهي أنّهم أمناء اللَّه تعالى، فالواجب هو أن يضعوا هذه الوديعة الإلهيّة التي تسمى بالحكومة في يد من تتجسد به القيم الإلهية، وإلّا فأنهم يخونون الأمانة. قوله تعالى (إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ).
وعليه فإنهم لا يفكّرون أبداً بأي نائب أو رئيس للحكومة يقوم برعاية مصالحهم الشخصية أو الفئوية أو من هو الذي تربطهم معه الصداقة أو القرابة؟ من الذي يستأنسون به أم لا يستأنسون؟ بل ينبغي أن يراعوا اللَّه عزّ وجلّ ورضاه والقيم الإنسانية والدينية السامية في كلّ موقف.
أمّا في الحكومات الديمقراطية والشعبية في العالم المادّي فيمكن أن تنظر هذه الأمور في آراء المقترعين من قبيل الميول الشخصية والفئوية، الصراعات السياسية، المصالح المادّية اللامشروعة والعلاقات الخاصّة وأمثالها.
يرى العلامة مرتضى الشيرازي أن مفهوم السلطة لدى المسلمين يعني الآتي:
1. إن سلطة التشريع لدى المسلمين تعود إلى الله تعالى كما هو كذلك لدى الأديان الإبراهيمية، في الحدود التي ترى أن الله تعالى قد تدخل وشرع تشريعات محددة في بعض أو أكثر أو كل نواحي الحياة. (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ).
2. مع ذلك؛ فان الإيمان بان التشريع بيد الله تعالى لا ينفي الحاجة إلى (السلطة التشريعية) بل لا ينفي صحة تسميتها بـ(السلطة) وذلك لأن كافة الشؤون العامة والموضوعات المستنبطة العرفية تحتاج إلى عملية استنباط اجتهادي فهذه هي التي ترجع إلى السلطة التشريعية لدى المتدين بدين الإسلام، وهي التي تشكل أهم وظائف برلمانات عالم اليوم أيضا.
3. إن المقصود بالشؤون العامة هي شؤون الحرب والسلم والمعاهدات الدولية، وشؤون الاقتصاد والأمن وشبيهها من مختلف الأمور التي ترتبط بعامة الناس والتي يتصدى البرلمان (مجلس الشورى) لتشخيصها موضوعا ثم لتحديد الموقف التشريعي منها. ثم تتصدى السلطات التنفيذية لتنفيذها.
4. وإن المقصود بالموضوعات المستنبطة العرفية أمثال تحديد عوامل التضخم أو البطالة أو الفقر أو الفساد وشبهها وتحديد أسقفها ومختلف الحلول اللازمة لها. وتحديد ضوابط التصدير والاستيراد حسب قواعد المصلحة والمضرة والاهم والمهم والوليات الزراعة والصناعة وغيرها.
5. إن الشؤون العامة والحوادث الواقعة في زمن غيبة الإمام، لا تكون بيد العلماء المجتهدين، بل بيد البرلمان أو مجلس الشورى. لماذا؟ لأن مثل هذه الأمور تكون لأهل الخبرة في كل علم وحقل. فهي كسائر الموضوعات التي يناط تشخيصها إلى المكلف نفسه، إن كانت من الموضوعات الصرفة، وإلى أهل الخبرة إن كانت من الموضوعات المستنبطة العرفية. وعليه يجب أن يكون أعضاء مجلس الأمة أهل خبرة عند تشخيصهم لأي موضوع بما يستتبعه قهرا من الحكم، أو أن لم يكونوا فيجب أن يستعينوا بأهل الخبرة.
6. إن استمداد الشعب سلطته من الله تعالى لا يعني بالضرورة أن تفرض عليه السلطة قسرا من أعلى، بل يمكن أن تكون بان يفوض الخالق للناس أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم، فلا تلازم بين كون الحاكمية لله وبين أن تفرض سلطة رجال الدين أو الملوك أو غيرهم من الناس، بل يمكن أن تكون السلطة بالانتخاب، وذلك بان يفوض الله تعالى في زمن الغيبة للناس أن ينتخبوا من يرونه الأصلح لإدارة شؤون الحكم والبلاد.
7. إعادة هيكلة البرلمان بحيث يتكون من عدة برلمانات وليس من مجلس واحد أو مجلسين والمقصود من ذلك أن يتكون من برلمانات متوازية.