ضمان الحق في العمل

د. علاء إبراهيم محمود الحسيني

2022-12-26 06:43

يعد الحق في العمل أحد الحقوق الأساسية للإنسان ليكون مقدمة صالحة للانتقال إلى حياة حرة وكريمة، ولا يتحقق ما تقدم ما لم تتم تهيئة الظروف وتوفير المتطلبات لتكون الفرصة متساوية للجميع في العمل وكسب الرزق، كما ولابد من ضمان العمل المناسب الذي يتلاءم مع مؤهلات وقدرات الشخص، والحق في العمل كفلته السماء في الشرائع الدينية جميعاً بل حثت عليه الشريعة الإسلامية وجعلت أجره مساوي لأجر الجهاد في سبيل الله تعالى.

كما ان الوثائق الدولية بالغالب تتكفل بضمان الحق في العمل بنص صريح أو ضمني وتؤكد ما تقدم للجميع من المواطنين أو الأجانب الصغار والكبار بلا أدنى تمييز لهذا عمد المشرع العراقي لضمان حق العمل للصغير والمرأة فنظم ذلك بقانون العمل العراقي النافذ وللإنسان السليم وكذا لذوي الاحتياجات الخاصة حيث أشار قانون رعاية ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة رقم (38) لسنة 2013 إلى أهمية ضمان نسبة من الوظائف وفرص العمل في القطاع الخاص لهذه الشريحة المهمة بما يتناسب وإمكانياتهم، فالعمل حق مكفول سواءً منه المأجور أو بلا أجر، ومن نافلة القول ان الفرد حر في اختيار العمل الذي يشاء ولا يصح إرغام الشخص على عمل معين، إذ أضافت المادة السادسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للعام 1966 ان يكون العمل لائقاً، بمعنى ان تراعى فيه حقوق الإنسان الأساسية من حيث:

1- نوع العمل.

2- وقت العمل.

3- أجر العمل.

4- توفير متطلبات السلامة.

وما تقدم مصداق لما ورد بالدستور العراقي الذي نص صراحة في المادة (22) منه على "أولاً: العمل حق لكل العراقيين بما يضمن لهم حياة كريمة.

ثانياً: ينظم القانون العلاقة بين العمال وأصحاب العمل على أسس اقتصادية مع مراعاة قواعد العدالة الاجتماعية.

ثالثاً: تكفل الدولة حق تأسيس النقابات والاتحادات المهنية والانضمام اليها وينظم ذلك بقانون" وأشارت المادة (38) إلى أنه "يحرم العمل القسري (السخرة) والعبودية وتجارة العبيد.." فالسخرة أحد أنواع العمل المحرم قانوناً ويعني كل الأعمال التي تطلب أو تؤدى عنوة بالتهديد أو الوعيد أو استخدام الوسائل غير المشروعة للتأثير على إرادة العامل، وتتعدد المشاكل التي يواجها الإنسان العراقي لاسيما ممن هم في سن العمل من (14 سنة إلى 55) من البطالة إلى ندرة فرص العمل وهو ما يعود لعوامل كثيرة أهمها تراجع الاستثمار في البلد وتخلف القطاع الخاص نتيجة البيروقراطية والفساد الإداري المستشري، كما يعود الأمر إلى قيام الشركات وبموافقة وزارة العمل بجلب العمالة الأجنبية التي أصبحت ظاهرة.

كما تقوم الشركات المتعاقدة مع الحكومة العراقية باستقدام العمالة الأجنبية لرخص ثمنها مما يضطر الكثير من الشباب إلى الاتجاه إلى قطاعات العمل غير الرسمي في معامل صغيرة أو ورش لا توفر لهم الضمانات اللازمة للعمل اللائق بل الكثير منهم يقع ضحية الابتزاز أو التنمر أو الاستغلال أو التضليل، لهذا شهدنا هجرة إلى الدول الأوربية لا سيما من المحافظات العراقية الشمالية المكونة لإقليم كردستان العراق، وما أزمة الحدود البولندية قبل أشهر عنا ببعيد، إضافة لكل ما تقدم العراق يشهد حالة من التخلف عن الولوج الأمن في الاتفاقيات الدولية المنظمة للحق بالعمل وإقرار أهم الضمانات اللازمة لذلك.

وللوصول إلى الغاية المتمثلة بضمان حق العراقي بالعمل اللائق لابد من تدخل السلطة العامة، لاسيما ان علمنا ان الوزارات التخصصية كوزارة التعليم العالي وزارة التربية ووزرة العمل والشؤون الاجتماعية مطالبة كل منها بحدود وظائفها المبينة في الدستور العراقي والقوانين بالعديد من الواجبات إزاء الأفراد لضمان الحق في العمل، فوزارة التعليم والتربية ينبغي ان تجدد المدارس والمعاهد والكليات المهنية اللازمة لتأهيل الأفراد قبل الزج بهم في سوق العمل لضمان التدريب والإعداد المهني اللازم فهنالك العديد من المهن والوظائف التي تحتاج إلى فئات من اليد العاملة القادرة على العمل بكفاءة لسد الاحتياجات الحقيقية فيها.

بيد ان ما يحصل في العراق هو العكس فبسبب سوء التخطيط أضحى العراقي يعاني من مشكلة التوجه على المستوى الفردي والأسري بل والاجتماعي خلف الدراسة والتخصص في بعض الميادين التي تلقى رواجاً في سوق العمل كالتخصصات الطبية أو الكليات والمعاهد المتخصصة بالدراسات التي تؤهل إلى العمل في المجال النفطي على سبيل المثال، على الرغم من ان أغلب هؤلاء يذهب بهذا الاتجاه بدفع من الأسرة والأقرباء دون ان يسمع رأيه أو تراعى رغباته ومواهبه الشخصية، لذا يتساءل الكثير من المختصين سوق العمل في العراق إلى أين؟

وهنا يقوم مسؤولية وزارة التخطيط ومجلس الوزراء المختص بموجب المادة (80) من الدستور برسم السياسة العامة للدولة فأي سياسة توظيف هذه التي تتبعها الحكومة؟؟؟ أنها وباختصار سياسة التخبط والتشتت بل أفرزت وبلا شك بطالة في دوائر وزارة الصحة وعدم استثمار لمواردها البشرية، أضف إلى كل ما تقدم هذه السياسة من نتائجها عدم مساواة العراقيين في حق العمل أو تكافؤ فرصهم في هذا الميدان.

فبات واضحا وجود فئات من المجتمع مترفة بسبب عملهم في دوائر الدولة والقطاع الخاص بالوقت عينه وانعكس الأمر على سوء الخدمات الطبية والصحية وإرهاق كاهل المواطن بإجباره على إجراء ابسط العمليات في القطاع الخاص بسبب الجشع والسماح لفئات محددة من موظفي وزارة الصحة بالجمع بين الوظيفة والعمل خارج أوقات الدوام.

أضف لما تقدم مشكلة اندثار العديد من المشاريع الخيرية أو الاجتماعية بسب التخبط سابق الذكر، وما تقدم ألا يثير في الذهن التساؤل عن التزام الحكومة العراقية بتحقيق التنمية الشاملة؟ بل الأمر يتهدد أصل الالتزام باحترام الحق في العمل خاصة والحقوق الاقتصادية عامة؟ فالتطور المطرد في المجالات المرتبطة بالتنمية لاسيما إتباع الأنماط الحديثة لتحديث دوائر الدولة لمسايرة التغييرات التكنولوجية يتطلب نهضة شاملة على صعيد توزيع مخرجات وزارة التربية على المؤسسات التعليمية المناسبة، وبالمعنى المناظر فان وزارة التربية تكاد تفتقر مدارسها المهنية إلى الكوادر الكفؤة القادرة على إعداد جيل من الأشخاص المؤهلين للعمل في مجالات أساسية كالصناعة والتجارة والزراعة، بل ان إعداد الطلبة في هذه المدارس في تناقص مستمر دون ان تلتفت الوزارة إلى ذلك لوضع حلول جذرية أو وضع خطة مستقبلية من شأنها ان تعيد هذه المدارس إلى الواجهة لأهميتها على جميع الصعد، فالنجارة والسباكة والحدادة مهن يفترض ان تتحول إلى علم يدرس في الاعداديات ثم يتحول إلى إتقان في المعاهد والكليات التقنية ومنها يمكن لدوائر الدولة أو المعامل والمصانع الحصول على العمالة الماهرة القادرة على انجاز المهام بكفاءة.

وتتضاعف المشكلة المتقدمة حين نتذكر ان مجلس قيادة الثورة المنحل سيء الصيت عمل في العام 1987 إلى تحويل العمال إلى موظفين في دوائر الدولة والقطاع العام بقرار رقم (150) ما فتح الطريق إلى التوجه نحو الوظائف الكتابية وترك الوظائف الإنتاجية في الوقت الذي كان ولا يزال قانون العمل يكفل للعامل العديد من الحقوق والضمانات، نعم في جزء منها لا ترق إلى مستوى الطموح بيد أنها ضرورية لصيانة حق العمال في العمل، لهذا صار العمال في دوائر الدولة قادرين على تحويل عناوينهم الوظيفية إلى الوظائف الإدارية بفضل التخبط الذي ساقته قوانين الموازنة المتعاقبة، ومنها قانون الموازنة للعام 2021 رقم (23) والذي سمح صراحة باحتساب الشهادة الحاصل عليها الموظف أثناء التوظيف والتي لا تتفق مع عنوانه الوظيفي ما يعني وببساطة إفراغ دوائر الدولة من الوظائف الوسطى والفنية وهو بلا شك يشير إلى إرادة لعلها غير واضحة للعيان تسعى ولو من غير قصد إلى تخلف الاقتصاد وزيادة الاعتماد على التوظيف المؤقت أو الاعتماد على العمالة غير الماهرة.

كما لا يفوتنا ان نتذكر ان قانون التقاعد الموحد رقم (9) لسنة 2014 سمح بإحالة موظفي الشركات الحكومية الخاسرة على التقاعد وهم من خيرة العمال المهرة فبدل الاستفادة من قدراتهم نحيلهم إلى جيش المتقاعدين وهو مؤشر على عجز صانع القرار العراقي من صناعة خطط عامة قادرة على تحديث الاقتصاد وتنويع المصادر وتحسين ميزان المدفوعات بتقليل الاستيراد والاعتماد على المنتج الوطني.

ومما تجد الإشارة إليه ان التزام السلطات العامة إزاء حق الشعب العراقي بالعمل يتمثل في ثلاثة التزامات رئيسة هي (الاحترام، والحماية، والأداء) وسنبينها وفق الآتي:

1- الالتزام بالاحترام: إذ يجب على السلطة التنفيذية بالخصوص عدم عرقلة هذا الحق وتهيئة العوامل والأجواء التي تمنحهم القدرة على الحصول على العمل اللائق، فان ثبت ان هذه السلطات لم تقم بالواجبات اللازمة كعدم إقرار الخطط اللازمة للنهوض بالاقتصاد الوطني، أو وضع العراقيل أما الاستثمار وحركة رأس المال التي من شأنها ان تصنع فرصاً أفضل للعمل اللائق لفئات كبيرة من الشعب.

2- الالتزام بالحماية: إذ يجب أن تمنع السلطات العامة عن انتهاك الحق في العمل أو التضييق على الضمانات الكفيلة بحماية هذا الحق، كما لو ان الإدارة قيدت عمل النقابات العمالية أو الاتحادات الضامنة لحقوق العاملين والمطالبة بتحسين ظروفهم أو قيدت عملها، وقد يرقى الأمر إلى عدم قيام الوزارة القطاعية المعنية بعملها لضمان عدم تقيد أصحاب العمل في تعاملهم مع العاملين في مشاريعهم كما لو أهملوا شمولهم بقانون الضمان الاجتماعي أو انتهكوا معايير العمل الأساسية التي تمثل قواعد تحكم العلاقة بين العامل ورب العمل، وأخيراً ينبغي للسلطات العامة ان تحترم حق العامل في التعبير عن الرأي بكل الوسائل ومنها الإضراب العمالي للمطالبة بتحسين ظروف العمل.

3- الالتزام بالأداء: أي ان تتخذ السلطات العامة جميع التدابير اللازمة لا سيما التشريعية منها، والإدارية، والمالية، لضمان الحقوق والحريات العمالية والحرص على كفالتها بشكل كامل، فلابد من شمول العاملين بالرعاية الصحية والاجتماعية الأساسية، وتوفير الضمان لهم ولأسرهم في حال العجز والشيخوخة والبطالة والمرض، وإلا تحققت مسؤولية السلطات العامة.

...........................................
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2022
هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...
http://ademrights.org
ademrights@gmail.com
https://twitter.com/ademrights

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي