نحو ترشيد وتطوير أدوات الرقابة البرلمانية
سالي سعد محمد
2021-08-21 12:27
المقدمة:
مبدأ الفصل بين السلطات هو أحد المبادئ الدستورية الأساسية التي تقوم عليها الأنظمة الديمقراطية، وهذا المبدأ يقوم على توزيع وظائف الحكم الرئيسية على هيئات ثلاث، هي السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية، ولكن هذا الفصل لا يعني الفصل التام بين السلطات، حيث لا بد من وجود توازن وتعاون بين هذه السلطات ورقابة متبادلة، بما يحقق حماية الدولة وحقوق الأفراد.
ويعدّ معظم فقهاء القانون أن الفصل المطلق بين السلطات يتعارض مع وحدة السلطة في الدولة، فالسلطات العامة في الدولة هي في الحقيقة جملة اختصاصات ترتد جميعًا إلى أصل واحد، فسلطة الدولة تمثل وحدة لا تتجزأ، غير أن للدولة وظائف ثلاث هي الوظيفة التشريعية والوظيفة التنفيذية والوظيفة القضائية، وهذه الوظائف الثلاث يجب أن تُوزع على هيئات ثلاث، غير أن تلك الهيئات عندما تباشر تلك الوظائف لا تباشرها باعتبارها سلطات منفصلة يمثل كل منها جانبًا من جوانب السيادة، بل باعتبارها مجموعة من الاختصاصات تصدر من سلطة موحدة هي سلطة الدولة.
وهذه الاختصاصات لا يمكن الفصل بينها فصلًا مطلقًا، لكون هذه الاختصاصات جميعها تُمارَس لتحقيق الصالح العام، ولكونها تتداخل مع بعضها الآخر لدرجة لا يمكن معها الفصل فصلًا مطلقًا. ولأن السلطة التنفيذية هي السلطة التي تقوم بتنفيذ القوانين وبالأدوار والمسؤوليات التنفيذية كافة، كان لا بد من وجود آليات تضمن رقابة البرلمان على أعمالها، وكذلك لا بد من وجود جهة قضائية تضمن دستورية القوانين والمراسيم، بحيث يسير عمل السلطات بشكل منسجم وفقًا لمبدأ سيادة القانون.
ويحتل مبدأ الفصل بين السلطات وما يتبعه من نوعية العلاقة (خاصة المتعلقة بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية) مكانة مهمة ضمن المبادئ التي تحكم النظام السياسي السائد لدولةٍ ما، حيث يؤدي إلى أنظمة مختلفة كتلك التي تميز الأنظمة البرلمانية القائمة على الفصل المرن بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، والتوازن الإيجابي بينهما، أو تلك التي تختص بها الأنظمة الرئاسية المبنية على الفصل الجامد بين السلطتين والتوازن السلبي بينهما، وأيًا كان شكل نظام الحكم، فإن دور البرلمان يتجلى في أمرين هما سنّ القوانين والرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة، وتأتي فكرة الرقابة البرلمانية من مبدأ سيادة الشعب، وحق الشعب في الرقابة على أعمال أجهزة الدولة وإداراتها، لكون البرلمان هو الجهة التي تمثل الشعب.
ويمكن تعريف (الرقابة البرلمانية) بأنها سلطة تقصي الحقائق عن أعمال السلطة التنفيذية، للكشف عن عدم التنفيذ السليم للقواعد العامة في الدولة وتقديم المسؤول عن ذلك للمساءلة، وعلى ذلك، فإن الرقابة البرلمانية تستهدف التحقق من مشروعية تصرفات السلطة التنفيذية وسلامة أعمالها، ومراجعتها إن أخطأت أو قصرت، ومحاسبتها. ويمارس البرلمان أعمال الرقابة وفق القواعد الدستورية التي تحدد نطاق هذه الرقابة وأدواتها ونتائجها.
أولاً: أدوات الرقابة البرلمانية:
1- السؤال الشفهي: هو استفسار أو استيضاح عن مسألة أو موضوع معين يوجه من النائب إلى الحكومة أو إلى الوزير، وقد يكون لمعرفة نية الحكومة في مجال معين، أو الحصول على معلومات بشأن أمر ما، وغالبا ما يتم توجيه الأسئلة الشفهية في الوقت المخصص للأوراق الواردة في الجلسات التشريعية، وقد تطرح الأسئلة الشفهية في معرض مناقشة الموازنة وتطرح أيضا في اجتماعات اللجان النيابية، ويطرح النائب سؤاله ويمكن أن تجيب الحكومة (أو الوزير المعني) مباشرة، أو يتم إرجاء الجواب إلى وقت لاحق، وقد يتم طرح الأسئلة الشفهية خلال مؤتمر صحفي للنائب (أو للكتلة).
2- السؤال الخطي: وبحسب النظام الداخلي يوجه السؤال الخطي بواسطة رئيس المجلس، وللحكومة أن تجيب خلال(15) يوما على الأكثر من تاريخ تسلمها السؤال، على أنه يمكنها طلب مدة إضافية للجواب، وإذ لم تجب الحكومة ضمن المهلة، يحق للنائب تحويل سؤاله إلى استجواب، بعد انقضاء المهلة المحددة للجواب، تدرج الأسئلة والأجوبة في أول جلسة مخصصة للأسئلة والاستجوابات، وبعد تلاوة السؤال والجواب يعلن النائب إما اكتفاءه بالجواب فيختم بحث الموضوع وإلا حق له تحويله إلى استجواب، ولا يجوز تبني السؤال من قبل نواب آخرين إذا أعلن النائب السائل اكتفاءه بجواب الحكومة.
3- الاستجواب: يحق لنائب أو أكثر استجواب الحكومة في موضوع معين بمجموعها أو أحد الوزراء ,يقدم الاستجواب خطية إلى رئيس المجلس الذي يحيله إلى الحكومة
وعلى الاخيرة أن تجيب عن طلب الاستجواب في مهلة أقصاها (15) يوما، ويحق لها طلب تمديد هذه المهلة في حال كانت بحاجة لإجراء تحقيق أو طلب معلومات إضافية، ويعود إلى هيئة مكتب المجلس تقدير المهلة الإضافية المطلوبة وبعد انقضاء المهلة أو فور ورود الجواب على الاستجواب، يدرج موضوع الاستجواب في جدول أعمال أول جلسة مخصصة للأسئلة والاستجوابات وتحصر المناقشة في موضوع الاستجواب ولا يجوز تحويل الجلسة إلى جلسة لمناقشة سياسة الحكومة بوجه عام إلا بموافقة المجلس على طلب من الحكومة أو من عشرة نواب على الأقل، وبعد تلاوة الاستجواب والجواب عليه يعطى الكلام لصاحب الاستجواب ثم للحكومة، ولكل من النائب المستجوب والحكومة حق الرد مرة واحدة وبعد طرح جميع الاستجوابات والجواب عنها، يعطي الكلام لمن يشاء من النواب.
ويمكن بعد ذلك طرح الثقة، إذا أعلن المستجوب اقتناعه بجواب الحكومة، يعلن الرئيس انتهاء البحث إلا إذا تبني أحد النواب موضوع الاستجواب، ويحق للنائب وللحكومة طلب طرح الثقة بعد انتهاء المناقشة في الاستجوابات أو في المناقشة العامة.
4- التحقيق البرلماني: لمجلس النواب في هيئته العامة أن يقرر إجراء تحقيق برلماني في موضوع معين بناء على اقتراح مقدم إليه للمناقشة أو في معرض سؤال أو استجواب في موضوع معين أو مشروع يطرح عليه، وللجنة التحقيق أن تطلع على جميع الأوراق في مختلف دوائر الدولة وأن تطلب تبليغها نسخة عنها وأن تستمع إلى الإفادات وتطلب جميع الإيضاحات التي ترى أنها تفيد التحقيق ويمكن للمجلس بقرار منه أن يولي لجان التحقيق البرلمانية سلطات هيئات التحقيق القضائية (ما عدا حق إصدار مذكرات التوقيف) يتم التحقيق وتمارس اللجنة صلاحياتها.
5- لجنة تقصي الحقائق: ويحق للجان أن تعين لجنة فرعية من أعضائها لاستقصاء الحقائق في قضية معينة و غالبا ما يتم تشكيل لجان تقصي الحقائق في اللجان النيابية التي تبحث في موضوع غیر تشریعي، وفي حال امتناع الإدارة المختصة عن توفير المعلومات المطلوبة ترفع هذه الأخيرة تقريرة بالأمر إلى اللجنة التي انتدبتها وتقوم اللجنة الأم بطلب تعيين لجنة تحقيق برلمانية من الهيئة العامة للمجلس وفي حال موافقة المجلس يتم اتباع الأصول الخاصة بلجنة التحقيق البرلمانية.
ثانيا: ترشيد أدوات الرقابة البرلمانية
ويجب الاخذ في التدابير الاتية:
1- بناء قاعدة متكاملة للمعلومات والبیانات البرلمانیة ومعالجتها وتخزینها وتحدیثها، بما یمكن مجلس النواب من الاستقلال، وعدم التبعیة المطلقة للحكومة فى التزوید بالمعلومات.
2- تقدیم الدعم الفني للأعضاء، وبناء وتنمیة قدراتهم البرلمانیة بصفة مستمرة في أداء دورهم الرقابي، جنبا إلى جنب مع أدوارهم الأخرى السیاسیة والمالیة والتشریعیة.
3- تبسیط الإجراءات المنظمة لمباشرة أدوات الرقابة البرلمانیة؛ بما ییسر أمام الأعضاء ممارستها دون قیود وتعقیدات لا طائل من ورائها غیر تعطیل العمل البرلماني.
4- ترشید الوقت المخصص لنظر أدوات الرقابة البرلمانیة، وتخصیص أوقات محددة لعرض أدوات الرقابة البرلمانیة والرد علیها من قبل الحكومة، وتقنين ذلك في أحكام اللائحة الداخلیة للمجلس، وتعوید الأعضاء على طرح الأسئلة والبیانات العاجلة وطلبات الإحاطة والاقتراحات برغبات فى دقائق معدودة، والعودة بالاستجواب إلى سیرته الأولى من عدم تقییده بوقت محدد ومراعاة لطبیعته ومغزاه وغایته في توجیه الاتهام والمساءلة للحكومة، وما یستوجبه ذلك من تقدیم والأدلة المساندة لهذا الاتهام.
5- عدم تكرار استخدام أدوات الرقابة البرلمانیة بشأن الموضوع الواحد خلال دور الانعقاد ذاته، إلا إذا ظهرت مستجدات تستوجب هذا الأمر، وتقنین ذلك باللائحة الداخلیة للمجلس.
6- إحیاء دور اللجان في أداء دورها الرقابي؛ سواء تمثل ذلك في إعداد تقاریر الرقابة والمتابعة الدوریة لأداء الحكومة المنصوص علیها في اللائحة الداخلیة، أم في وضع التقاریر المتعلقة بمداولات أدوات الرقابة البرلمانیة التي یستنیر بها المجلس في اتخاذ قراراته بشأن الإجراءات الواجب اتخاذها في ضوء مناقشة هذه الأدوات الرقابیة.
7- اتجاه المجلس والحكومة إلى اتخاذ تدابیر بناء الثقة المتبادلة والتفاهم المشترك وتطبیع العلاقات فیما بینهم، بدلاً من أسالیب الردع والتخویف والتهدید بسحب الثقة من الحكومة في مقابل تلویح الأخیرة بحل المجلس، وعلى نحو یمكن المجلس من رقابة أداء السلطة التنفیذیة بالتدریج وبإتباع أدوات الرقابة الهادئة قبیل اللجوء إلى أدواتها العنیفة.
8- العمل على تعزیز وتقویة وتكامل أشكال الرقابة البرلمانیة مع أجهزة الرقابة الفنیة المتخصصة، وتنمیة علاقات بناءة بین الطرفین حفاظاً على استقلال كل منهما من جانب، وتحقیقا للصالح العام من جانب آخر.
9- غرس وترسیخ علاقات صحیة سلیمة بین مجلس النواب ومنظمات المجتمع المدني، وفتح آفاق ومجالات للتعارف والتعاون المشترك فیما بین الطرفین، وفق إطار تنظیمي محدد یتم ترسیمه باللائحة الداخلیة لمجلس النواب.
10- بث وقائع جلسات مجلس النواب كاملة عبر وسائل الاعلام الوطنیة، و اعتبار هذا البث جزءاً لا یتجزأ من إعمال مبدأ علنیة هذه الجلسات.
الخاتمة:
فاعلية آليات الرقابة البرلمانية تتطلب استيعاب الأدوات والحرفية في توقيت وكيفية استخدامها وفق الأحكام المنظمة لها وإلى ضرورة التوصل لفهم عملي وواقعي لمبدأ الفصل بين السلطات مع التعاون، بين الحكومة والبرلمان"، مشددا على أن كفاءة عضو البرلمان وخبرته وإيمانه بعمله تعد السبب الرئيسي لنجاح مهمة المجلس التشريعي.