القارة العجوز والدائرة المفرغة لإدارة أزمة المهاجرين
عبد الامير رويح
2015-07-07 08:09
تسعى الدول الاوربية التي تواجه انتقادات شديدة بسبب عدم تعاملها الجدي مع مشكلة المهاجرين غير الشرعيين، التي اصبحت من اهم المشكلات الدولية، بسبب القوانين الصارمة وازدياد المخاطر والانتهاكات التي يعرض لها الكثير من المهاجرين ممن دفعتم الحاجة والظروف الامنية السيئة الى ترك اوطانهم، الى ايجاد خطط واجراءات جديدة من اجل حل هذه المشكلة او الحد منها كما يقول بعض الخبراء، الذين اكدوا على ان تسارع وتيرة الهجرة غير الشرعية، وطبقاً لمكتب الإحصاءات الاتحاد الأوروبي فإن دول الاتحاد الأوروبي تشهد في الوقت الحاضر معدلات مرتفعة من الهجرة الوافدة اليها. وهو ما دفع الاتحاد الى الاعلان عن اجراءات جديدة فقد أكد المفوض الأوروبي لشؤون الهجرة ديمتري أفراموبولوس وكما تنقل بعض المصادر أن المفوضية الأوروبية تسعى لتنفيذ خطة توزيع المهاجرين على دول الاتحاد الأوروبي، وقال أفراموبولوس خلال زيارة لليونان إنه يمكن تنفيذ هذه الخطة، وأكد أن "إعادة توزيع المهاجرين في دول أخرى أعضاء في الاتحاد الأوروبي ستصبح شرعية على قاعدة معايير توزيع أعلن عنها" في إطار خطة عمل خاصة بالهجرة واللجوء قدمت قبل أيام من قبل المفوضية.
وقد تثير هذه الخطة، التي أعدتها المفوضية بعد غرق مئات المهاجرين في البحر المتوسط في الأشهر الأخيرة، مجددا الكثير من الجدل بعد الرفض الذي لقيه مشروع نظام الحصص الذي اقترحته المفوضية سابقا لإعادة توزيع المهاجرين. وكانت فرنسا قد أعلنت معارضتها مقترح الحصص الإجبارية، وقالت إن الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى طريقة توزيع أكثر عدلا "تأخذ في الاعتبار الجهود التي بذلها كل طرف في الماضي".
ويرى بعض المراقبين ان هناك تراخي وعدم اهتمام قِبل الاتحاد الأوروبي، فغرق المهاجرين وموتهم بالمئات في عرض البحر كما تنقل بعض المصادر قد شكَّل سقوطًا أخلاقيًّا للقارة العجوز التي طالما تشدقت بحقوق الإنسان. يضاف الى ذلك ان هذا التراخي والقوانين المشددة قد اعطت فرصة كبيرة لعصابات التهريب والاتجار بالبشر من توسيع اعمالها واستغلال المهاجرين الذين اصبحوا اداة طيعة بيد تلك العصابات التي تمكنت من الاستفادة من معاناة الالاف من البشر.
135 ألف لاجئ
في هذا الشأن فقد ذكر تقرير جديد للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن ما يربو على 135 ألف لاجئ ومهاجر وصلوا إلى أوروبا بحرا في النصف الأول من عام 2015 مع تحمل دول جنوب أوروبا معظم العبء. وقال المتحدث باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بريان هانسفورد "يلجأ اليائسون إلى إجراءات يائسة وللأسف ... من المتوقع أن تواصل الأرقام الارتفاع".
وقال تقرير المفوضية إن عدد اللاجئين والمهاجرين الذين وصلوا إلى أوروبا في الأشهر الستة الأولى من 2015 زاد بنسبة تتجاوز 80 في المئة مقارنة بنفس الفترة من عام 2014. ويأتي ذلك فيما لا يزال زعماء الاتحاد الأوروبي منقسمين حول أفضل السبل لحل أزمة المهاجرين المتفاقمة. وذكر التقرير أن دول جنوب أوروبا كانت الأكثر تضررا من الزيادة في أعداد اللاجئين والمهاجرين الذين خاطر أغلبهم بمواجهة الشدائد في مياه البحر المتوسط على متن قوارب متهالكة.
وتعاني اليونان وهي أكبر نقطة وصول للاجئين والمهاجرين في الأشهر الستة الأولى من عام 2015 من اقتصاد متعثر وتقترب من التخلف عن سداد ديونها لصندوق النقد الدولي. وقال التقرير إن اللاجئين والمهاجرين تدفقوا على دول البلقان الغربية من اليونان وإنه منذ بداية يونيو حزيران يدخل أكثر من ألف شخص يوميا مقابل 200 شخص فقط قبل عدة أسابيع. وانتقد رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينتسي قادة الاتحاد الأوروبي لإخفاقهم في الاتفاق على خطة لاستقبال 40 ألفا من طالبي اللجوء من إيطاليا واليونان. وقال هانسفورد المتحدث باسم المفوضية "مع تزايد الوافدين تظل القدرة على الاستقبال والظروف غير مناسبة بشكل خطير."
وتشهد سوريا حربا أهلية منذ عام 2011 وكان نصيبها من الرقم الاجمالي للاجئين 44 ألفا وهو ما يضعها في المركز الاول بالنسبة للوافدين الى الشواطئ الاوروبية. وقال التقرير إن حالة عدم الاستقرار التي تعيشها ليبيا هي سبب آخر لزيادة اللاجئين. وقال التقرير إن اريتريا وأفغانستان جاءتا في المركز الثاني والثالث كدولة المنشأ للاجئين الوافدين. وأضاف التقرير أنه نظرا لزيادة الأموال التي يدفعها الاتحاد الاوروبي في عمليات الانقاذ انخفض عدد الوفيات في البحر منذ مايو ايار.
في السياق ذاته أعلنت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير أن أغلب المهاجرين القادمين إلى الاتحاد الأوروبي منذ مطلع العام، جاؤوا من أربع دول تشهد معارك أو انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان. وأشارت المنظمة غير الحكومية إلى أن 60 بالمئة منهم قادمون من سوريا وإريتريا والصومال وأفغانستان. وأضافت "غالبية المهاجرين الآخرين يأتون من نيجيريا وغامبيا والسنغال ومالي بحثا عن حياة أفضل لكن الكثير منهم تعرضوا للعنف أو انتهاكات لحقوق الإنسان وهم في صدد تقديم طلب لجوء".
وقالت "جوديت ساندرلاند" أحد معدي التقرير الذي جاء تحت عنوان "أزمة المهاجرين في المتوسط.. لماذا يرحل الأفراد؟ ما يمكن أن يقوم به الاتحاد الأوروبي؟ إن غالبية الأشخاص الذين يعبرون المتوسط يجازفون بحياتهم ليس لأنهم يريدون ذلك بل لأن عليهم القيام بذلك". وأضافت "يدفعهم اليأس"، ولهذا السبب فإن الخطوات التي يتخذها الاتحاد الأوروبي لثني المهاجرين و60% منهم من اللاجئين، عن القيام بهذه الرحلة البحرية المحفوفة بالمخاطر، تفشل.
ووصل حوالي 100 ألف مرشح للهجرة إلى إيطاليا واليونان منذ كانون الثاني/يناير وفقا لأرقام المفوضية العليا للاجئين. وأحالت المفوضية الأوروبية لدول الأعضاء خطة عمل لمنع عمليات الرحيل ومكافحة المهربين وإنقاذ الذين بدؤوا رحلتهم وتولي أمور المهاجرين لدى وصولهم. وطلبت المفوضية أيضا من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي استقبال 20 ألف لاجئ من سوريا. لكن هذه المقترحات تسبب انقسامات بين الدول. وستكون الخطة أحد مواضيع القمة الأوروبية الخميس والجمعة المقبل في بروكسل. بحسب فرانس برس.
وتدعم هيومن رايتس ووتش تحرك المفوضية الأوروبية لكنها تطلب من الاتحاد الأوروبي مضاعفة جهوده في توفير الإقامة للاجئين. وتدعو المنظمة إلى فتح طرق شرعية للهجرة الاقتصادية وإصدار تأشيرات لأسباب إنسانية للسماح للمهاجرين بتقديم طلبات اللجوء في البلد الذي يختارونه وإمكانية لم الشمل.
خطة جديدة
من جانب اخر تباحث الزعماء الأوروبيون كيفية إدارة أزمة المهاجرين في البحر المتوسط واتفقوا على خطة لتقاسم رعاية الفارين من الحرب والفقر في شمال أفريقيا والشرق الأوسط. وتناول الزعماء الأوروبيون على مدى سبع ساعات خلال قمتهم في بروكسل مسألة استقبال 40 ألف طالب لجوء من سوريا وإريتريا يوجدون حاليا في إيطاليا واليونان و20 ألفا آخرين خارج الاتحاد الأوروبي. واتفق الزعماء في نهاية الأمر على خطة طوعية لرعاية 60 ألف لاجئ لكنها تستثني المجر التي سبق وأن وصفت الخطة بأنها عبثية وبلغاريا إحدى أفقر دول الاتحاد.
وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بعد انتهاء الاجتماع "كان نقاشا مركزا للغاية." ووصفت أزمة المهاجرين بأنها "أكبر تحد رأيته في الشؤون الأوروبية خلال سنوات عملي كمستشارة." وقال جان كلون يونكر رئيس المفوضية الأوروبية "علينا أن نرى هل سيجدي النظام نفعا؟ لا يهم إن كان تطوعيا أو إلزاميا بل ما إذا كان سيساعد 60 ألف لاجئ."
وانتقد رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينتسي الزعماء الأوروبيين لعزوفهم عن دعم خطة كانت بمثابة رد فعل عاجل لمأساة مقتل ألفي مهاجر في البحر المتوسط لكن الانقسامات طغت عليها خاصة في شرق أوروبا. وأضاف "إذا كنا نعتقد أن أوروبا لا تعنى إلا بالميزانيات فهذه ليست أوروبا التي فكرنا فيها عام 1957 في روما" في إشارة إلى معاهدة تأسيس الاتحاد الأوروبي. بحسب رويترز.
والاتفاق السياسي يمثل انفراجة لكن تنفيذ الخطة مازال يواجه عقبات. ويتعين الاتفاق على معايير توزيع المهاجرين على الدول الأعضاء بحلول نهاية يوليو تموز مع الأخذ في الاعتبار عوامل مثل حجم اقتصاد الدولة المضيفة وعدد سكانها. وقال دبلوماسي كبير في الاتحاد الأوروبي "ستكون هناك حوارات أكثر بكثير." ويحل نظام معايير توزيع المهاجرين محل اقتراحات لم تلق تأييدا لتخصيص حصص إلزامية لكل دولة بعد أن رفضتها بولندا والتشيك وسلوفاكيا والمجر ودول أخرى قالت إنها مازالت تفتقر إلى القدرة على التكيف اللازم لتطبيقها.
عمليات ضد المهربين
الى جانب ذلك اتفق وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي على بدء عملية بحرية ضد عصابات تهريب البشر من ليبيا إلى أوروبا لكن المهمة ستظل قاصرة في الوقت الحالي على جمع المعلومات نظرا لعدم وجود تفويض من الأمم المتحدة. وتأتي العملية في إطار تكثيف الاتحاد الأوروبي لجهوده للتصدي لزيادة أعداد المهاجرين من أفريقيا والشرق الأوسط الذين يقومون برحلة العبور الخطرة من ليبيا إلى أوروبا. وغرق كثيرون في البحر المتوسط بينهم نحو 800 لاقوا حتفهم عندما غرق قاربهم في أبريل نيسان.
وقالت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي فيديريكا موجيريني "العملية دشنت اليوم. دعوني أكون واضحة.. الهدف ليس المهاجرين. الهدف هو من يجنون المال على حساب أرواحهم وفي كثير من الأحيان على حساب موتهم. إنقاذ أرواح الناس هو جزء من مساعينا." وكانت العملية تهدف -كما تصورها مسؤولون بالاتحاد الأوروبي في البداية- لتعطيل نشاط تهريب البشر وإلقاء القبض على المهربين وتدمير سفنهم وفي المياه الليبية إن أمكن.
لكن الاتحاد الأوروبي يحتاج لتفويض من مجلس الأمن الدولي وموافقة السلطات الليبية للعمل في مياه ليبية ومناطق ساحلية. ونظرا لعدم وجود التفويضين سيقصر الاتحاد الأوروبي عملياته في الوقت الراهن على إرسال سفن وطائرات لمراقبة المياه الدولية في البحر المتوسط لجمع المعلومات عن أنشطة المهربين. ولا يزال مسؤولو الاتحاد الأوروبي يأملون في موافقة ليبيا ومجلس الأمن الدولي لاحقا بما يتيح لهم التصدي للمهربين. ولن يكون الاتحاد الأوربي قادرا على اتخاذ إجراءات أكثر قوة إلا إذا وافق وزارء خارجيته.
وتعد بريطانيا وفرنسا وليوانيا وأسبانيا وجمعيها أعضاء في مجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 عضوا مشروع قرار للموافقة على عملية الاتحاد الأوروبي بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يتيح استخدام القوة. لكن دبلوماسيين قالوا إن العمل أرجيء بانتظار موافقة ليبيا على العملية وهي عقبة كبيرة في ظل وجود حكومتين تتصارعان على السلطة هناك.
من جانب اخر تعتزم البحرية البرتغالية استخدام طائرات دون طيار للقيام بعمليات مسح للبحر المتوسط مع تكثيف الاتحاد الأوروبي جهوده لتعقب وإنقاذ آلاف اللاجئين الذين يجازفون عادة بعبور البحر من أفريقيا. وقال ريكاردو مينديس رئيس العمليات بشركة تيكيفر إن الطائرات دون طيار من الطراز إي.آر3 نت راي التي تصنعها الشركة المتخصصة في الصناعات التكنولوجية والدفاعية والفضائية ستتمركز على متن فرقاطة وسوف تشارك في مهمات لصالح وكالة فرونتكس المعنية بحماية حدود الاتحاد الأوروبي. بحسب رويترز.
وأضاف أن الهدف هو "رصد الأهداف بشكل أسرع ولفترة أطول قبل أن يتمكن القارب من الوصول إلى وجهته". وتابع قوله "هذه مجرد وسيلة أسرع وأرخص وأكثر فاعلية لرصد الأهداف." وعزز الاتحاد الأوروبي وجوده في البحر المتوسط وزاد مهمات البحث والانقاذ. وقال مينديس إن تيكيفر دعيت لتنفيذ تجارب على الطائرة إي.آر3 نت راي مع البحرية وإنها "جاهزة الآن" مضيفا أن الطائرة استخدمت في تدريبات لحلف شمال الأطلسي. ويبلغ وزن الطائرة إي.آر3 نت راي 14 كيلوجراما ويتم إطلاقها باستخدام جهاز قذف ويمكنها الطيران لعشر ساعات باستخدام عشر لترات من الوقود وبها خيار للهبوط باستخدام مظلة.
جدارا لصد المهاجرين
على صعيد متصل اعربت المفوضية الاوروبية عن تحفظها ازاء مشروع المجر بناء جدار على حدودها مع صربيا لوقف تدفق المهاجرين. وقالت المتحدثة باسم المفوضية نتاشا برتو للصحافيين ان "المفوضية تشجع الدول الاعضاء على استخدام تدابير بديلة. لقد اسقطنا للتو الجدران في اوروبا وليس علينا أن نبدأ ببناء أخرى" في اشارة الى قرار المجر البدء تدريجيا بفتح حدودها مع النمسا في 1989، مع بدء حركة انفتاح بين الشرق والغرب توجت بسقوط جدار برلين في خريف تلك السنة.
وتعتزم المجر بناء سياج بارتفاع اربعة امتار على امتداد 175 كيلومترا على الحدود مع صربيا وهو قرار اعتبرته بلغراد "مفاجئا وصادما". وتقول بودابست ان 54 الف مهاجر وطالب لجوء دخلوا اراضيها منذ كانون الثاني/يناير مقابل الفين في الاجمال سنة 2012. ورفض المتحدث باسم حكومة المجر زولتان كوفاكس مقارنة الجدار بالستار الحديدي الذي تمت ازالته في 1989. وقال "المقارنات التاريخية الخاطئة لا تساعد اوروبا في الرد على تحد جديد. لسنا اليوم امام مشكلة اوروبية داخلية كما في فترة الحرب الباردة (...) وانما مع اناس يأتون من بلدان أخرى".
وقالت نتاشا برتو ان الدول الاعضاء لديها مسؤولية تامين حدودها "ومع ذلك، فان اي اجراء يجب ان يتفق مع الاسس الاوروبية والالتزامات الدولية" للاتحاد الاوروبي بشأن استقبال طالبي اللجوء واللاجئين وكذلك مع "المبدأ الانساني بعدم ردهم". وذكرت كذلك بان بروكسل رفضت طلبات تمويل قدمتها دول اعضاء لبناء جدران مثل اسبانيا في سبتة ومليلية واليونان على حدودها مع تركيا. وتقول المنظمات غير الحكومية ان بناء الجدران يمنع الفارين من الحرب او الاضطهاد من دخول بلد يمكن ان يقدموا فيه طلب لجوء. واذا كان الطلب مبررا فانه يفتح المجال امام الحصول على الحماية واذن بالإقامة بموجب القانون الدولي. بحسب فرانس برس.
وقال مسؤول في الامم المتحدة يزور بروكسل ان قرار بودابست "مؤسف" وانها تجازف "بتعزيز" نشاط المهربين واضعاف المهاجرين. وقال فرنسوا كريبو المقرر الخاص للامم المتحدة حول حقوق المهاجرين "انه في رايي رد وطني شعبوي على المشكلة (...) بالضبط عكس ما ينبغي فعله في معالجته. المهربون دائما يتقدمون" مشيرا الى فشل المنع في الولايات المتحدة قبل مائة عام. وقال جون دالويسن من منظمة العفو الدولية امام صحافيين الخميس في بروكسل ان "التحدي الرئيسي هو ان تبقى الحدود مفتوحة امام طالبي اللجوء".
خطة حكومية فرنسية جديدة
كشف برنار كازنوف، وزير الداخلية الفرنسي عن خطة جديدة لاستقبال المهاجرين غير الشرعيين ترتكز على شقين اثنين، أولهما يتعلق بتوفير 10500 مكان إيواء جديد على التراب الفرنسي والثاني ينص على تشديد الإجراءات لمحاربة الهجرة غير الشرعية التي غالبا ما تتدفق إلى أوروبا عبر المتوسط. وتنص هذه الخطة على توفير 4000 مكان إيواء لطالبي اللجوء السياسي لغاية 2016 حسب برنار كازنوف، إضافة إلى 5000 مكان إيواء مخصصين للاجئين و1500 مكان إيواء لصالح المهاجرين غير الشرعيين الذين يعيشون في مخيمات مبعثرة بفرنسا حسب سيلفيا بينال وزيرة السكن.
وأشاد وزير الداخلية ب"الجهود الاستثنائية التي تبذلها فرنسا لتقديم الدعم للاجئين، موضحا أن خطورة الأزمة تتطلب منا وضع خطة كفيلة بإيجاد حلول واقعية وجريئة لهذه المشكلة". وفيما يتعلق بتوفير 1500 مكان إيواء استعجالي، أكدت من جهتها سيلفيا بينال، أن الهدف من وراء هذا القرار هو "منع ظهور مخيمات الفقر والبؤس مثل تلك التي تشكلت في مدينة كاليه (شمال فرنسا). وقالت:" يجب أن نزيد قدراتنا لنوفر إمكانيات أكثر لاستقبال اللاجئين الذين يطلبون الحماية من فرنسا، مشيرة أنه سيتم إيجاد أماكن إيواء جديدة في مناطق لا تشكو من الضغط العقاري".
وفي سياق متصل، دافع برنار كازنوف عن الشق الثاني من الخطة، وهو محاربة الهجرة غير الشرعية، مؤكدا أن الحكومة ستكثف من جهودها لإبعاء المهاجرين غير الشرعيين من فرنسا"، طالبا في الوقت نفسه "التعبئة من جميع أجهزة الأمن ومن محافظي المدن ودعاهم إلى تكثيف عمليات توقيف المهاجرين غير الشرعيين وترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية". وقال كازنوف:" لا يمكن أن نضع خطة ناجحة لاستقبال طالبي اللجوء السياسي وفق قيمنا وتقاليدنا إذا لم نبعد من بلدنا كل المقيمين بشكل غير قانوني أو أولئك الذين جاءوا إليها لأسباب اقتصادية ". بحسب فرانس برس.
وإلى ذلك، علق مكتب منظمة العفو الدولية في فرنسا عن الخطة الحكومية ب"الإيجاب". وقالت جونفييف غاريغوس، رئيسة مكتب فرنسا في بيان:"طبعا الخطة التي كشف عنها برنار كازنوف إيجابية وتسير في الاتجاه الحسن، لكن رغم أماكن الإيواء الجديدة التي أعلنت عنها الحكومة، إلا إنها ستظل غير كافية لاستقبال جميع اللاجئين الذين يصلون إلى فرنسا والعديد منهم سيظلون دائما في الشوارع". وكشفت العفو الدولية عن وجود ما يقارب 50 مليون لاجئ في العالم الذي يواجه أكبر أزمة منذ تلك التي عرفها (أي العالم) خلال الحرب العالمية الثانية بسبب مخاطر النازية.
مظاهرات لدعم المهاجرين
في السياق ذاته تظاهر نحو خمسة الاف شخص في برلين بحسب الشرطة تلبية لدعوة جمعية قامت بحفر قبور قبالة البرلمان في خطوة رمزية تنديدا بمأساة المهاجرين الذين يسعون الى بلوغ اوروبا. وكانت هذه الجمعية التي تضم فنانين المانا تنوي التوجه الى امام مقر المستشارة انغيلا ميركل لدفن جثث مهاجرين قضوا على حدود اوروبا. لكن مدينة برلين حظرت هذه التظاهرة. ورغم ذلك، ازال المتظاهرون الحواجز الامنية التي وضعت حول مبنى البرلمان غير البعيد من مقر المستشارية. وفي الحديقة التي تقع قبالة المبنى التاريخي، حفر هؤلاء عشرات من الحفر الصغيرة وزرعوا فيها صلبانا تحمل شعارات مثل "الحدود تقتل" و"القلاع تسقط". بحسب فرانس برس.
وجلبوا ايضا ثلاثة نعوش فارغة وفق ما اورد متحدث باسم الشرطة. وبعدها، تفرق معظم المتظاهرين بناء على اوامر الشرطة في حين اعتقل بعضهم لإضرارهم بالنظام العام. وكان ناشطون في الجمعية دفنوا لاجئا سوريا في برلين مؤكدين انه قضى في البحر المتوسط وان جثته كانت موضوعة منذ ستة اسابيع داخل براد في صقلية. وفي وقت سابق، اقيمت مراسم مماثلة داخل مقبرة للمسلمين في العاصمة الالمانية.
على صعيد متصل تظاهر آلاف الأشخاص في ألمانيا وإيطاليا وفرنسا تضامنا مع المهاجرين في أوروبا ورفضا للتقشف في اليونان. في برلين، تظاهر نحو 3700 شخص، وفق الشرطة، تحت شعار "تغيير أوروبا" تلبية لدعوة منظمات يسارية مختلفة وحزبين ألمانيين معارضين. وقال المنظمون إن 10 آلاف شخص شاركوا في التظاهرة. وانطلق المتظاهرون من ساحة في حي كروزبرغ المحسوب على اليسار.
وأطلق الجمع الذي سار بهدوء شعارات داعمة للمهاجرين، فيما رفع بعض المتظاهرين أعلاما يونانية أو لافتات تؤيد أثينا التي دخلت مفاوضاتها مع الجهات الدائنة مرحلة دقيقة وهي مهددة بالخروج من منطقة اليورو. وكتب على إحدى اللافتات أن "أوروبا التكنوقراطية والباردة والنيوليبرالية التي تقودها ألمانيا لا يمكن تحملها". وهتف المتظاهرون شعارات منها "لا للحدود، أوقفوا عمليات الترحيل" و"المهاجرون مرحب بهم هنا".
في باريس، تظاهر المئات دعما للمهاجرين وضد التقشف، وحملوا أعلام الأحزاب اليسارية ومن بينها الحزب الشيوعي الفرنسي وحزب الخضر فضلا عن الأعلام اليونانية. أما في روما، ورغم الأمطار، فتجمع نحو ألف متظاهر أمام مسرح الكوليزيوم دعما للاجئين تحت شعار "أوقفوا المجزرة الآن"، وفق ما نقل مصور من وكالة الأنباء الفرنسية. وانتهز بعضهم المناسبة للتعبير عن تضامنهم مع اليونان.