حمل السلاح بين حقوق المواطنين والمسؤولية القانونية
جميل عودة ابراهيم
2020-10-01 04:45
يلجأ الكثير من الناس إلى حيازة السلاح بأنواعه المختلفة، تارة بهدف استعماله في الصيد والتنزه، وأخرى بهدف الدفاع عن النفس في الحالات التي يتطلب بها استخدام السلاح من أجل حفظ حياتهم، أو أموالهم، أو ممتلكاتهم من اعتداء الآخرين عليهم. ولا تقتصر حالات حيازة السلاح وحمله على الطرق غير القانونية التي يلجأ إليها غالبية الناس، بل ترخص العديد من الدول لمواطنيها حيازة السلاح وحمله واستعماله في ضمن شروط محددة، تختلف من دولة إلى دولة، ومن ولاية إلى ولاية.
وفي الظروف غير الطبيعية مثل وجود نزاعات أو صراعات بينية، أو حروب خارجية، أو ضعف الأنظمة السياسية والأمنية الحاكمة، تزداد حالات اقتناء السلاح بين المواطنين؛ إما بهدف الدفاع عن النفس؛ وإما بهدف الاعتداء على الآخرين، كما تفعل العصابات المسلحة؛ وإما بهدف المتاجرة فيه، لأن مثل تلك الظروف تكون سوقا رائجة لتجارة السلاح في البلدان التي تفقد الحكومات سيطرتها على ضبط النظام وإدارته.
وليس ثمة شك أن حمل المواطنين -سواء كانوا أفرادا أو جماعات- أسلحة بطرق قانونية أو غير قانونية ينعكس سلبا على الأمن العام وأمن المجتمع وأمن الأفراد، فمادام هناك سلاح رائج فليس هناك مواطن يظل بعيدا عن خطر استعمال السلاح ضده أو ضد أحد أفراد عائلته.
كما ليس هناك تنظيمات سياسية أو اقتصادية لا تلجا بطريقة وأخرى في الحصول على السلاح تحسبا للدفاع عن نفسها، أو تهديدا للتنظيمات الأخرى في فرض هيمنتها على المستويين السياسي والعسكري.، كما ليس هناك جماعات دينية أو غير دينية تظل بعيدة عن استعمال السلاح ضد جماعات دينية أو غير دينية أخرى، بل ليس هناك مؤسسة رسمية تظل بعيدة عن استهداف المجموعات المسلحة، وعليه؛ تنتهي الكثير من الاختلافات الفكرية والدينية والسياسية والاقتصادية والمصلحية إلى التهديد باستخدام السلاح أو استخدامه بالفعل، وهكذا يفعل الآخرون دفاعا عن أنفسهم، وعن أفكارهم، وعن عقائدهم، وعن مصالحهم. ومثل ذلك يحدث في العراق على وجه التحديد.
والسؤال الأهم هنا كيف يمكن أن نحافظ على حقوق المواطنين من اعتداء الآخرين، سواء كانوا أفرادا مدنيين، أم جماعات مسلحة خارجة عن القانون، أم جماعات منضوية تحت أجهزة الدولة والنظام السياسي الحاكم، أو من تجاوز الأجهزة الأمنية المختصة؟
هل نمنع السلاح عن المواطنين؛ مما كانت الظروف والمسببات التي يمكن أن تشكل خطرا جسيما على حياتهم أو أسرتهم أو عشائرهم أو طوائفهم أو مصالحهم؛ أم نسمح للمواطنين في ظل ظروف غير طبيعية لا تمتلك الدولة قدرة على فرض القانون بشكل كامل أن يحملوا السلاح، وأن يستخدموه في حال تطلب استخدامه دفاعا عن النفس؟
وما هي الإستراتيجية التي يمكن اعتمادها للوصول إلى حلول جذرية نضمن مسؤولية الدولة في فرض الأمن والنظام على الجميع من جهة، ونضمن حماية حقوق المواطنين كحق الحياة وحق الأمن من جهة أخرى.
لنأخذ العراق مثلا، فالعراق منذ سنوات لأسباب سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية لا يستطيع السيطرة على ظاهرة تفشي السلاح وانتشاره واستخدامه بطرق غير قانونية بين المواطنين. وقد أدى ذلك إلى نشوب نزاعات وصراعات فيما بين أفراد، وفيما بين جماعات، وفيما بين أتباع أديان، وفيما بين أتباع مذاهب، وفيما بين أتباع أحزاب سياسية، وفيما بين تجار، وفيما بين منسوبي الأجهزة الأمنية والعسكرية. هذا فضلا عن وجود عصابات مسلحة تنتشر في العديد من المناطق تقوم بعمليات سطو مسلحة وترهب المواطنين وتبتزهم بين الحين والحين.
فما هي الإستراتيجية المرجحة للحد من ظاهرة انتشار السلاح في العراق بين المواطنين أولا، ومن ظاهرة استخدام السلاح بطرق غير قانونية من الأجهزة الأمنية والعسكرية التي تنتهك حقوق المواطنين بما فيها حق الحياة، وحق الأمن الشخصي؟
في العراق يتوزع السلاح بين أربع فئات أساسية هي: المؤسسات العسكرية والأمنية، والجماعات المسلحة بأسماء متعددة المؤيدة للنظام وجلها من الأجنحة العسكرية للأحزاب المتنفذة، والجماعات المسلحة المناهضة للنظام ممثلة في التنظيمات الإرهابية، والأفراد المدنيون العاديون؛ ومنهم أتباع العشائر، وأتباع الأديان، وأتباع المذاهب، وعصابات السطو وعصابات تجارة المخدرات وعصابات الاتجار بالأعضاء البشرية.
وكل هذه الجماعات تستخدم السلاح المتوافر لديها بطرق غير قانونية، بما فيها المؤسسات الأمنية والعسكرية، سواء بتوجيه رسمي أم باجتهاد شخصي. وعليه؛ فان خريطة حيازة السلاح واستخدامه بطرق غير قانونية خريطة معقدة إلى حد ما، ومع ذلك لابد من أجل الوصول إلى حلول جذرية للحد من السلاح المنفلت لابد من تثبيت المبادئ الآتية:
أولا؛ ينبغي القول إن الدولة ممثلة بأجهزتها الأمنية والعسكرية هي الجهة الوحيدة التي من حقها أن تحمل السلاح وأن تستخدمه. ولا ينبغي لأي جهة أخرى مهما كانت أن تحمل السلاح أو تستخدمه. وهذا المبدأ يحتم على الدولة أن تحمي المواطن من الأخطار المحدقة به، وأن توفر له الأمن المطلوب لحياته وأسرته وماله وممتلكاته. ولا ينبغي أن تتنصل من هذه المسؤولية تحت أي ظرف كان. فمن واجب الدولة وأجهزتها أن تحد من سطوة الجماعات المسلحة بصفاتها المختلفة، وأن تمنعها من ترهيب الناس وزعزعة أمنهم، وهي من أوجب الواجبات المنوطة بالدولة وإلا فلا تصلح لإدارة شؤون البلاد والعباد.
وثانيا؛ يمكن للدولة أن ترخص لبعض الأفراد والجماعات حيازة السلاح بسبب ظروف أمنية محددة، على أن يكون هذا الترخيص محكوم من الناحية الواقعية بضوابط مشددة، تمنع من يحمل السلاح من المواطنين أن يستخدمه إلا في الحالات التي تجوز له ذلك، وتحاسبه في الحالات التي يجري استخدامه بالطرق غير القانونية وغير المرخصة. ولا ينبغي أن تقتصر المحاسبة على سحب رخصة السلاح وحسب، بل لابد من عقوبات صارمة تجعل من يحمل السلاح يفكر ألف مرة قبل أن يستخدمه بطريقة غير قانونية.
وثالثا؛ ينبغي أن تقوم الدولة وأجهزتها الأمنية بمحاربة الجماعات الإرهابية والعصابات المسلحة محاربة لا هوادة فيها، تستهدف القضاء عليها من جهة، والحد من أثرها في تخويف الناس وإرعابهم من جهة ثانية، وفرض هيبة الدولة من جهة ثالثة. فكلما أمن المواطن على نفسه وعياله وماله ابتعد عن التفكير في حيازة السلاح واستخدامه، وبخلافه فان حماية النفس والأسرة والمال بمختلف الوسائل، ومنها حيازة السلاح واستخدامه تظل خيارا مطروحا، بل هو الخيار الأول في حال شعر المواطن أن الأجهزة الأمنية غير قادرة على حمايته. وفي العادة كلما تكون أجهزة الدولة قوية ومقتدرة ضعفت الجماعات المنفلتة، وشعر المواطن بالأمن على نفسه وعياله وممتلكاته.
ورابعا؛ ليست مسؤولية الدولة تقتصر على حماية أمن المواطنين وممتلكاتهم من الجماعات المسلحة والعصابات المنفلتة، بل من مسؤولياتها أيضا حماية المواطنين من الأجهزة الأمنية نفسها، إذ المعروف أن الكثير من انتهاكات حقوق الإنسان والاعتداء على أمن المواطنين وحياتهم وممتلكاتهم قد تأتي من رجال الشرطة ومنسوبي الأمن أنفسهم.
فهؤلاء قد يستخدمون السلاح والسلطة بطريقة غير قانونية، سواء بدوافع شخصية، أو عنصرية، أو طائفية، أو حزبية. فيجري باسم القانون والنظام انتهاك حقوق الناس في الوقت الذي يظل الناس عاجزين وفي حيرة من أمرهم، فمواجهة السلطة أو أحد قياداتها هو أمر صعب للغاية، وقد يولد مشكلات كثيرة تزيد من عمليات انتهاك حقوق المواطنين وحرياتهم، وقد تصل إلى علميات الاغتيال المنظم.
استنادا إلى هذه المبادئ الأربعة في التعامل مع ظاهرة انتشار السلاح المنفلت واستخدامه بطرق غير قانونية، يمكن القول إن الحملات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية -بناء على توجيهات القيادات السياسية- لجمع السلاح بالمال أو بغير المال لا تكفي قط. كما لا تكفي إجراءات مكافحة الجريمة المنظمة بما فيها عصابات الاتجار بالبشر والمخدرات، ولا تكفي العمليات العسكرية المنظمة ضد التنظيمات الإرهابية في المناطق التي تتواجد بها هذه التنظيمات، بل لابد من إستراتيجية وطنية شاملة تهدف إلى تعزيز هيبة الدولة أولا، وتضعيف هيبة المؤسسات والجماعات والأفراد المسلحين ثانيا، وتحقيق الأمن الشخصي للمواطن ثالثا، وهذا يتحقق من خلال الآليات الآتية:
1. إعادة تنظيم الوحدات الأمنية بطريقة مهنية، تضمن عدم استغلال السلطة لا من طرف الأجهزة ذاتها، ولا من طرف بعض منسوبيها، وهذا يتطلب من بين ما يتطلب تقنين حمل السلاح بين منسوبي الوحدات الأمنية، وإدخال عناصر الأمن والشرطة والجيش في دورات حقوقية مكثفة، تشرح فيها حقوق المواطنين وحقوقهم والمسؤوليات القانونية التي سيتحملونها في حال انتهاك حقوق المواطنين وحرياتهم.
2. تشريع قوانين؛ وإصدار قرارات وزارية صارمة قابلة للتنفيذ، تحد من حيازة السلاح أو استخدامه، سواء من طرف رجال الأمن والشرطة، أو من طرف الجماعات المسلحة الموالية للدولة، أو من طرف المواطنين العاديين، وترتيب عقوبات بدنية ومالية جسيمة فهذا الطرق لها أثار بالغ في تقليل حالات القتل والاختطاف والاغتيال التي تحدث في العديد من محافظات العراق.
3. الحد من ظاهرة توزيع السلاح على الجماعات المسلحة الموالية للنظام وضبطه بطريقة تضمن استخدامه في الحالات المحددة حصرا، كما ينبغي أن تستمر الأجهزة الأمنية في محاربة الجماعات المسلحة ومصادرة أسلحتهم، لأن كل ذلك يعطي انطباعا لدى المواطن أن الدولة وأجهزتها الأمنية هي الجهة الوحيدة المسيطرة حقا.
4. لابد من العمل على تأسيس ثقافة السلم والأمن المجتمعي واللاعنف، وحل المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والشخصية بطرق قانونية وشرعية من خلال حث الناس على اللجوء إلى المحاكم المختصة. وهذا يتطلب أيضا تعزيز ثقة المواطنين بالقضاء والشرطة معا.