مسلمو الروهينغا.. الفرار من الاضطهاد الى المقابر الجماعية

شبكة النبأ

2015-05-31 12:51

هروب من الموت إليه، هذا هو الوصف البليغ الذي ينطبق على أقلية الروهينغا، وهم مسلمون يبلغ عددهم 1.1 مليون شخص، يعيشون في بورما، بولاية راخين على الساحل الغربي في ظروف أشبه بالفصل العنصري، وقد نزح منهم 140 الفا آخرون بعد اشتباكات دموية مع البوذيين- الذي يشكلون الأغلبية في البلاد، ومن سوء الحظ، أن الحكومة التي تقود بورما وتخضع لها هذه الأقلية المسلمة، رفضت منح معظم مسلمي الروهينغا الجنسية وتعتبرهم بنغال، ما يجعلهم بمثابة مهاجرين غير شرعيين من بنجلادش على الرغم من اقامتهم في ميانمار منذ أجيال، وتتطلب خطة عمل ولاية راخين أن يعترف مسلمو الروهينغا بانهم بنغال - وهو أمر يرفضه معظمهم- كخطوة أولى لاحتمال نيلهم الجنسية.

ومما يضاعف من هذه المشكلة أن جنوب شرق آسيا تعاني من أزمة إنسانية تتعلق بآلاف من البشر الذين يجري تهريبهم من ميانمار وبنجلادش إلى ماليزيا وإندونيسيا. وبعد أن عطلت حملة أمنية ممرات التهريب يجد كثيرون أنفسهم محاصرين في البحر على متن ما تصفها الأمم المتحدة "بالتوابيت العائمة" ويستخدم المهربون الأدغال في جنوب تايلاند وشمال ماليزيا كطريق رئيسي لنقل المهاجرين إلى جنوب شرق آسيا بالقوارب من ميانمار ومعظم هؤلاء من مسلمي الروهينغا الذين يقولون إنهم يفرون من الاضطهاد في ميانمار أو من مواطني بنجلادش الذين يبحثون عن عمل، ويأتي الاكتشاف المروع بعد العثور على قبور مماثلة حفرت قريبا من سطح الأرض على الجانب التايلاندي من الحدود في وقت سابق هذا الشهر كما ترك المهربون آلاف المهاجرين في قوارب متهالكة في خليج البنغال وبحر أندامان بعد حملة امنية شنتها السلطات التايلاندية على معسكرات الاتجار البشر.

وينقل تجار البشر الآلاف من مسلمي الروهينغا عبر جنوب تايلاند سنويا وفي السنوات الاخيرة كان قد بات سائدا بينهم ان يتم اعتقالهم في مخيمات على الحدود الوعرة مع ماليزيا حتى تدفع فدى لإطلاق سراحهم، واثارت ماليزيا واندونيسيا غضبا دوليا بعد ابعادهما مراكب مهاجرين بين الآلاف العالقين في البحر منذ الحملة التي شنتها تايلاند ضد المهربين في بداية ايار/مايو ما ادخل عمليات التهريب غير الشرعية في الفوضى، فيما اعلنت ماليزيا العثور على مقابر جماعية في شمال البلاد يشتبه بانها تعود لمهاجرين من بنغلادش وبورما، الذين يشكلون صلب ازمة الهجرة غير الشرعية في منطقة جنوب شرق آسيا.

والاضطهاد الذي تتعرض له اقلية الروهينغا يعتبر من الاسباب الرئيسية لتزايد عدد المهاجرين الذين يجازفون بحياتهم في بحار جنوب شرق اسيا، وفي الوقت نفسه تبنت بورما قانونا مثيرا للجدل للتخطيط العائلي من شأنه ان يجعل الوضع اكثر سوءا، وفق منظمات حقوق الانسان. ويسمح القانون للسلطات في الحكومات المحلية اتخاذ اجراءات ضرورية لتخفيض معدل الولادات، وقد شهدت بورما نزعة قومية بوذية معادية للمسلمين الامر الذي ضاعف من العدد الكبير أصلا من المهاجرين السريين الذين يسلكون البحر وهم ينتمون إلى أقلية الروهينغا المسلمة في هذا البلد، لذلك يقوم آلاف المهاجرين ومعظمهم من المسلمين الفارين من غرب ميانمار برحلات محفوفة بالمخاطر بحرا وبرا هربا من الاضطهاد الديني والعرقي وللبحث عن فرص عمل في الخارج، حتى لو كان الموت بانتظارهم.

العثور على مقبرة جماعية ومخيم لتهريب البشر

فقد اعلن مسؤول كبير في الشرطة الماليزية العثور على 139 مقبرة جماعية و28 مخيم احتجاز انشاها مهربون في منطقة نائية بشمال البلاد على الحدود مع تايلاند، وصرح قائد الشرطة الماليزية خالد ابو بكر امام صحافيين ان السلطة "عثرت على 139 مقبرة مفترضة لكن لا نعلم عدد الجثث في كل منها"، واضاف ان اكبر مخيم احتجاز عثرت عليه السلطات كان يمكن ان يضم حتى 300 شخص بينما سعة مخيم اخر كانت مئة شخص والبقية 20 شخصا لكل منها، ورفض خالد التعليق على سؤال حول كيفية انشاء مثل هذه المجموعة من المخيمات دون علم السلطات واذا ما كان هناك اشتباه بتورط مسؤولين في القضية، وتابع ان السلطات تقوم الان بنبش الجثث لتشريحها. بحسب فرانس برس.

وكان رئيس الوزراء الماليزي نجيب رزاق اعرب عن "قلقه الشديد" بعد العثور للمرة الاولى في ماليزيا على مقابر جماعية يمكن ان تضم جثث مهاجرين، وكتب رزاق على فيسبوك وتويتر "ان العثور على مقابر جماعية في ماليزيا على علاقة دون شك بتهريب البشر امر يثير القلق الشديد"، وتعهد رزاق بان السلطات ستقبض على المسؤولين، وكان وزير الداخلية زاهد حمدي اعلن السبت العثور على مقابر جماعية في شمال البلاد بالقرب من مخيم احتجاز انشأه مهربون على مقربة من الحدود مع تايلاند.

وأظهرت تحقيقات سابقة لرويترز أن الفدى كانت تتراوح بين 1200 و1800 دولار مما يشكل ثروة بالنسبة للمهاجرين الفقراء المعتادين على العيش بدولار أو اثنين يوميا، وأظهرت صور المعسكرات التي عرضتها الشرطة الماليزية للصحفيين أكواخا خشبية مبنية في فسحات بين الغابات، وقال خالد إنه تم العثور في محيط القبور على أغلفة الرصاص مشيرا إلى وجود علامات على التعذيب من دون التوضيح. كما عثر على سلاسل معدنية على مقربة من عدد من القبور، وأضاف أن أحد مواقع القبور كان يبعد مئة متر تقريبا من المكان الذي نبشت منه 26 جثة من قبر جماعي في مقاطعة سونخلا التايلاندية في أوائل مايو أيار الجاري، وقال سكان بلدة وانج كيليان على الطرف الماليزي من الحدود إنهم معتادون على رؤية المهاجرين في المنطقة، وقال عبد الرحمن محمود وهو أحد السكان المحليين ويدير فندقا صغيرا "انهم يتضورون جوعا في الغالب ولم يأكلوا منذ أسابيع. يلتهمون البذور أو الأوراق أو ما يعثرون عليه. من المحزن للغاية والمؤسف رؤية ذلك"، وقال رئيس الوزراء الماليزي نجيب رزاق في تغريدة له على تويتر إنه "يشعر بقلق عميق للغاية حيال القبور التي عثر عليها في الأراضي الماليزية ويزعم أنها ذات صلة بالاتجار بالبشر، وأضاف "سنجد المسؤولين عن ذلك".

اما اندونيسيا، والتي كانت فرضت سياسة قاسية لمنع وصول المهاجرين اليها، بدأت وبضغط دولي مساء الجمعة عمليات بحث وانقاذ للمراكب العالقة في البحر. وأتى ذلك بعدما كانت اعلنت في منتصف الاسبوع تعديل مقاربتها والسماح للمهاجرين البقاء على اراضيها مؤقتا.

وفي ماليزيا، اعلن وزير الداخلية زاهد حمدي، وفق ما نقلت عنه صحيفة "ذي ستار" الالكترونية، العثور على مقابر جماعية في شمال البلاد بالقرب من مخيم احتجاز انشأه مهربون على مقربة من الحدود مع تايلاند، واضاف الوزير "لكن لا نعرف عددها وسنعثر بالتأكيد على المزيد من الجثث"، ونقلت صحيفة "يوتوسان" عن مصدر لم تحدده انه عثر على 30 مقبرة جماعية تضم "مئات الهياكل العظمية". بحسب فرانس برس.

اما صحيفة "ذي ستار" فكتبت نقلا عن مصادر غير محددة ايضا انه عثر على مقابر جماعية تضم جثث "نحو مئة من مهاجري الروهينغا" الاقلية المسلمة المضطهدة في بورما، وفي بداية ايار/مايو اكتشفت الشرطة التايلاندية مخيمات مرور للاجئين في غابات جنوب البلاد فضلا عن مقابر جماعية تضم جثث لمهاجري الروهينغا وآخرين من بنغلادش.

الدعوة لإيجاد حل جذري

من جانب آخر حثت الأمم المتحدة على لسان أمينها العام على التصدي لجذور هجرة الروهينغا "الأقلية المسلمة المضطهدة في بورما وبنغلادش"، وقال بان كي مون الذي يقوم بزيارة إلى العاصمة الفيتنامية هانوي، إن الأولوية هي إنقاذ أرواح آلاف المهاجرين التائهين في عرض البحر، دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون دول المنطقة الآسيوية إلى عدم وقف جهودها لمساعدة مهاجري الروهينغا التائهين في عرض البحر مشددا على أن "الأولوية هي إنقاذ أرواح الآلاف من المهاجرين". بحسب فرانس برس.

وقال مون للصحافيين "عندما يكون الناس متروكين لأمرهم في البحر فإن الأولوية تقضي بالذهاب للبحث عنهم وإنقاذهم وتقديم مساعدة إنسانية لهم". وعبر عن الأمل في أن تتصدى دول المنطقة ل"جذور" هجرة الروهينغا الأقلية المضطهدة في بورما وبنغلادش والتي تهرب من البؤس، وذلك في المؤتمر الإقليمي المقرر عقده بتايلاند في 29 أيار/مايو الجاري، وأعلنت بورما السبت ترحيل أكثر من 200 مهاجر غير شرعي إلى بنغلادش بعد إنقاذهم قبالة سواحلها. وهؤلاء المهاجرون ال208 الذين عثر عليهم مكدسين عراة الصدور في مركب خشبي استقبلوا منذ الجمعة قرب مدينة ماونغداو نقطة انطلاق العديد من المراكب المكتظة بسكان محليين يهربون من بورما.

واشنطن تدعو بورما الى منح المواطنة

من جهة أخرى دعا نائب وزير الخارجية الاميركي انتوني بلينكن بورما الى منح "المواطنة" الى اقلية الروهينغا من اجل وضع حد لهجرتهم بحرا والتي تسببت في ازمة ادت الى احتجاز الاف منهم في البحر.

وقال نائب وزير الخارجية الاميركي بلينكن للصحافيين في رانغون ان الروهينغا "يجب ان يحصلوا على المواطنة"، وفي تصريحات بعد يوم من المحادثات في نايببيداو مع الرئيس البورمي ثين سين قال بلينكن "ان حالة عدم اليقين الناجمة من عدم وجود وضع محدد هي من الامور التي تدفع الناس الى الرحيل"، واضاف ان استعداد الروهينغا "لوضع حياتهم في خطر" بمحاولة عبورهم بحرا "تعكس الظروف في ولاية الراخين التي تدفع الناس الى مثل هذا الخيار"، واوضح انه "حتى لو عالجنا الازمة الراهنة، علينا ان نواجه جذور الازمة للوصول الى حل دائم"، الا ان حكومة بورما جددت رفضها الاعتراف بالروهينغا باعتبارهم جماعة اثنية بورمية وتطلق عليهم اسم "البنغاليون" بمعنى انهم مهاجرون بنغاليون غير شرعيين. بحسب فرانس برس.

ورحبت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في الامم المتحدة بعملية الانقاذ التي قامت بها البحرية البورمية الجمعة، وقالت انها تساعد السلطات المحلية على تقديم المساعدة للمهاجرين، الا ان المخاوف تتزايد بشان عدد اخر من القوارب لا تزال في خليج البنغال مع اقتراب موسم الامطار الموسمية، وصرحت المتحدثة باسم المفوضية فيفيان تان لوكالة فرانس برس "نامل في ان يتبع هذا التطور الايجابي استقبال مزيد من القوارب في بورما وفي أرجاء المنطقة قبل موسم الامطار الموسمية المقبل".

تايلاند وعمليات الاتجار بالبشر

على صعيد ذي صلة استجوبت السلطات التايلاندية أكثر من 100 مهاجر تم اكتشافهم في جنوب البلاد لتحديد ماإذا كانوا ضحايا لعمليات إتجار بالبشر في الوقت الذي تحاول فيه تايلاند الوفاء بموعد نهائي لاكتشاف معسكرات الاتجار بالبشر داخل حدودها، وعثر على 33 جثة يعتقد إنها لمهاجرين من ميانمار وبنجلادش في مقابر على عمق صغير خلال الأسبوع الأخير في اقليم سونكلا. وعثر أيضا على ثلاثة معسكرات للاتجار بالبشر. بحسب رويترز.

وأعلن رئيس الوزراء التايلاندي برايوت تشان أوتشا مهلة نهائية تستمر عشرة أيام لوقف تلك التجارة غير المشروعة. ودعا برايوت يوم الجمعة إلى اجتماع ثلاثي مع ماليزيا وميانمار المجاورتين في محاولة لحل أزمة إقليمية للاتجار بالبشر بعد تلك الاكتشافات، وقال نائب حاكم اقليم سونكلا إن المهاجرين البالغ عددهم 117 عثر عليهم في منطقة راتافوم في اقليم سونكلا قرب الحدود الماليزية، وكان معظم هؤلاء الأشخاص من بنجلادش.

وقال إيكارات سيسين نائب حاكم اقليم سونكلا لرويترز "يوجد 117 شخصا هنا 26 منهم من مسلمي الروهينغا من ميانمار والباقي من بنجلادش."، وأضاف"علينا اكتشاف ماإذا كان هؤلاء الاشخاص ضحايا عمليات إتجار بالبشر أو ماإذا كانوا قد دخلوا البلاد بإرادتهم. لو كانوا ضحايا إتجار بالبشر فعلينا أن نسلمهم إلى وزارة التنمية الاجتماعية، "هؤلاء الذين دخلوا البلاد طواعية بشكل غير قانوني سيُرسلون إلى شرطة الهجرة ويُعادون في نهاية الأمر إلى بلادهم.، وكانت الشرطة قد قالت إنه تم العثور على 111 مهاجرا.

جماعات حقوقية تنتقد حكومة ميانمار

الى ذلك استنكرت جماعات حقوق الانسان خطة وضعتها الحكومة في ميانمار يمكن أن تجبر الآلاف من أقلية مسلمي الروهينغا على الإقامة في مخيمات اعتقال إذا اعتبروا غير مؤهلين لنيل الجنسية، وقال مسؤول أمريكي لرويترز إن سفارة الويات المتحدة وغيرها في ميانمار عبرت للحكومة عن قلقها بشأن عدد من جوانب الخطة. بحسب رويترز.

واقترحت الحكومة- وفق مسودة الخطة التي حصلت رويترز على نسخة منها - أن تقوم السلطات المحلية "بانشاء مخيمات مؤقتة بالاعداد المطلوبة لأولئك الذين يرفضون أن يسجلوا (أنهم بنغال) واولئك الذي لا يملكون مستندات مطلوبة"، وتحذر منظمات حقوقية من أن هذه الاجراءات ستجبر الآلاف من الروهينغا على مغادرة قراهم إلى مخيمات يمكن ان يعتقلوا فيها لأجل غير محدد، وقال نائب مدير منطقة آسيا في منظمة هيومن رايتس ووتش في بيان "إنه أمر لا يقل عن مشروع خطة للعزل الدائم واستمرار وضع انعدام الجنسية وهي خطة متعمدة لحرمان الروهينغا من الأمل وإجبارهم على الفرار من البلاد".

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي